مقالات رأى

مصر فى "بريكس".. سياقات وأهداف

طباعة

رحبت دول مجموعة البريكس بانضمام مصر ومعها السعودية والإمارات، وأيضا عدد من الدول التى تقدمت بطلبات التحاق للانضمام إلى التكتل الواعد، فمن المقرر أن تلتحق ست دول بداية من يناير 2024 بالتحالف الذى يحوى مجموعة متنوعة من النظم السياسية والاقتصادات الصاعدة، وربما تسعى هذه الدول مجتمعة من أجل اتحاد اقتصادى قوى، بإمكانه مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية وتداعياتها، مع ترسيخ مفاهيم التعددية القطبية، والأهم دعم الاقتصادات النامية والناشئة.

سياقات المشهد:

لا شك فى أن مصر تملك توليفة من المقومات الجوهرية، جعلتها مؤهلة للانضمام إلى تكتل اقتصادى على هذا القدر من الثقل والخلفية، فبالإضافة إلى مقوماتها الديموغرافية والجيوسياسية، تسعى القاهرة من أجل جملة من المبادرات التنموية والإصلاحية التى شملت كل القطاعات الاقتصادية سواء على مستوى البنى التحتية أو التشريعية والإجرائية، فضلا عن دبلوماسيتها الفاعلة، وتبنيها لمواقف إقليمية ودولية طالما أبرزت ريادة حقيقية والتزاما تجاه النظام العالمى ومفرداته.

فى 2021 حصلت مصر على عضوية بنك التنمية الجديد الخاص بالبريكس، ومنذ 2019 لم تجتمع مجموعة البريكس، لتجتمع هذا العام المجموعة الخماسية فى قمتها الـ 15 بجنوب إفريقيا، وتقر شروط التوسع حيث اعتمدت وثيقة تحدد المبادئ التوجيهية، وكانت مصر من بين أكثر من عشرين دولة تقدمت بطلب للالتحاق بالبريكس، إلا أن المجموعة رحبت بانضمام ست دول فقط هذا العام، على أن تلتحق رسميا بدءا من يناير 2024، كما ثمن الرئيس عبدالفتاح السيسى إعلان تجمع "بريكس" دعوة مصر للانضمام إلى عضويته، معربا عن اعتزازه بثقة دول التجمع التى تربط مصر بها جميعا علاقات وثيقة.

وأكد الرئيس السيسى تطلعه للتعاون والتنسيق مع دول التجمع خلال الفترة المقبلة، وكذا مع الدول المدعوة للانضمام إلى تحقيق أهداف التجمع نحو تدعيم التعاون الاقتصادى المشترك، والعمل على إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية، بما يدعم حقوق الدول النامية ومصالحها.

وقال الرئيس فى نص البيان: أثمن إعلان تجمع بريكس عن دعوة مصر للانضمام إلى عضويته بداية من يناير 2024، ونعتز بثقة دول التجمع كافة، التى تربطنا بها جميعا علاقات وثيقة، ونتطلع للتعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة، وكذا مع الدول المدعوة للانضمام لتحقيق أهداف التجمع نحو تدعيم التعاون الاقتصادى فيما بيننا، والعمل على إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التى تواجهنا، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية.

أهداف منتظرة:

ربما التنوع الاقتصادى فى العلاقات والمبادلات، إلى جانب الانفتاح والإلمام بالتجارب الاقتصادية المختلفة، مع التحرر من القطبية العالمية وهيمنة قوى بعينها، أيضا تعزيز التعاون فى كل المجالات، فضلا عن تحسين المؤشرات الاقتصادية الداخلية سواء نسب النمو أو خفض معدلات التضخم، وعجز الموازنات من جراء الأزمات الاقتصادية المعاصرة، جميعها تأتى فى مقدمة مستهدفات مصر ومعها جميع الدول أعضاء التكتل، غير أن كلمات بعض الزعماء خلال القمة، أبرزت بعض الأهداف المهمة والفاعلة، وجاء فى كلمة الرئيس الصينى "شى جين بينج" أن دول بريكس ستقوى من خلال التعاون والتضامن، داعيا إلى العمل على تطوير وضمان سلاسل الإمدادات، وتطوير الاقتصاد الرقمى والإنتاج والصناعة الخضراء، وتطوير التبادل التجارى والمالى بين الدول، مشيرا إلى ضرورة تقديم المزيد من اليقين والاستقرار والطاقة الإيجابية إلى العالم، موضحا أن الانتعاش الاقتصادى ما يزال متزعزعا. 

وتابع أنه على دول بريكس مساعدة الدول النامية فى مواجهة التحديات، وأضاف أن الذكاء الاصطناعى مجال جديد للتطور، وبإمكانه توليد عائدات عديدة، لكنه يحتوى على مخاطر كثيرة.

وفى كلمة رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا أن هناك سعيا لتعزيز التعاون بين دول بريكس والقارة الإفريقية، قائلا: "نعمل على الحفاظ على مصالح دول الجنوب، وندعو الدول الكبرى إلى القيام بذلك، وتابع نهدف إلى تعزيز التعامل بالعملات المحلية بين دول مجموعة بريكس، معربا عن قلقه من استخدام المؤسسات المالية العالمية ضمن أدوات الصراع السياسى، وشدد على أن مجموعة "بريكس" باتت قاطرة للاقتصاد العالمى.

أما رئيس وزراء الهند ناريندرا مودى، فأكد أهمية خلق شبكات أمان اقتصادية من خلال مبادرات مختلفة، قائلا نعمل قدر الإمكان على إحداث تغيير إيجابى، فى حياة مواطنى دول مجموعة بريكس.

بينما ركز الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على دبلوماسية التكتل ومدى فعاليته الدولية، فى قوله إن مجموعة بريكس أثبتت مصداقيتها أمام المجتمع الدولى، وإن "بريكس" تدعم مجتمعا متعدد الأقطاب يحترم القانون الدولى، مشددا على رفض سعى بعض الدول لتعزيز هيمنتها واستعادة سياستها الاستعمارية، موضحا أن هناك سعيا لإقامة نظام عالمى جديد يحترم القانون الدولى، وسعيا لوقف الحرب التى أطلقها الغرب ضد شعب دونباس.

 وتابع نسعى لاستبعاد الدولار من المعاملات التجارية بين دول بريكس واستبدال العملات المحلية به، واقترح إنشاء لجنة للنقل، تعنى بمسألة اللوجيستيات.

وأضاف أن التوسع يعد أيضا نقطة انطلاقة جديدة للتعاون بالنسبة لبريكس، فهو سيمنح آلية تعاون بريكس قوة جديدة، وسيعزز قوة الدفع باتجاه السلام والتنمية فى العالم.

ثقل البريكس:

عقد أول اجتماعات البريكس عام 2008 باليابان، على هامش قمة مجموعة الثمانى G8، ووقتها كان يضم " البرازيل، وروسيا، والهند، والصين" إلى أن انضمت جنوب إفريقيا 2010، وربما ما يميز البريكس عن بقية التكتلات الاقتصادية المعروفة، يكمن فى التنوع والاختلاف الذى تتمتع به الدول المشاركة سواء من حيث الجغرافيا أو حتى الثقل السياسى والاقتصادى، لكنها اتفقت جميعها فى السعى من أجل قوة اقتصادية مدعومة وقادرة على مواجهة التغيرات الاقتصادية العالمية.

وفى تحليل صادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء المصري، أكد حداثة البريكس مقارنة ببقية الاقتصادات كالاتحاد الأوروبى والآسيان، لكنه تمكن من التصدر، نظرا للثقل الاقتصادى لدوله فى ظل ما تتمتع به من إمكانات بشرية وصناعية وزراعية، بما جعل قراراته محط اهتمام وتأثير عالميين، وذلك على النحو التالى:

 الحصة من الناتج الإجمالى العالمى: يشكل مجموع الناتج المحلى الإجمالى للدول الأعضاء فى البريكس نحو 25.9 تريليون دولار خلال عام 2022، أى بما نسبته 25.6% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى البالغ نحو 101 تريليون دولار عام 2022، كما تعد دوله من الدول التى شهدت معدلات نمو اقتصادى سريعة، ما جعلها من أكبر الاقتصادات العالمية، مثل الصين الاقتصاد الثانى الأكبر عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

الإسهام فى التجارة العالمية: بالنظر إلى الثقل التجارى العالمى لتكتل البريكس عام 2022، وجد أن الصين تتصدر دول العالم بحصة تصديرية تبلغ نحو 15% من إجمالى الصادرات العالمية، وتأتى فى المرتبة الثانية من حيث الاستيراد بحصة عالمية تجاوزت 11%، ولم يقتصر الثقل على الصين وحسب، فهناك روسيا؛ حيث تعد الثانية عالميا فى تصدير الوقود، وتأتى فى الترتيب 15 عالميا من حيث الصادرات، فيما تحتل الهند المرتبة 21 على مستوى التصدير عالميا والـ 17 عالميا من حيث الاستيراد.

الثروة البشرية: بجانب اتساع المساحة الجغرافية لدول بريكس التى تشكل مجتمعة نحو 26% من مساحة العالم، تمتلك أيضا نحو 40.9% من إجمالى تعداد سكان العالم بإجمالى 3.25 مليار نسمة من الإجمالى العالمى البالغ نحو 7.95 مليار نسمة خلال عام 2022، بما يجعلها سوقا عالمية هائلة من حيث قوة العمل والإنتاج وكذلك التوزيع والاستهلاك.

تنوع الهيكل الإنتاجى: تميز الهيكل السلعى لصادرات دول البريكس عام 2022 بالتنوع، وذلك نتيجة تنوع هيكلها الإنتاجى بما يمنح تلك الدول فرصا كبرى للتجارة البينية وتكامل سلاسل التوريد والإنتاج بينها، فعلى سبيل المثال: تمتلك روسيا قوة إنتاجية هائلة من النفط والغاز الطبيعى، وهى الثانية عالميا فى تصدير الوقود، وكذلك الأولى عالميا فى تصدير الأسمدة، والثالثة فى تصدير النيكل ومصنوعاته، هذا بخلاف تميزها فى عدد من الصناعات الثقيلة، فيما تتميز الصين بتنوع هيكلها الإنتاجى الصناعى غير النفطى وتتصدر العالم فى تصدير العديد من المنتجات الصناعية الثقيلة والخفيفة، وتتميز جنوب إفريقيا بصناعة واستخراج المعادن والأحجار الكريمة ولا سيما اللؤلؤ؛ ولذلك كانت الخامسة عالميا فى تصدير خامات المعادن عام 2022، فيما تتميز البرازيل بمنتجاتها الزراعية كاللحوم، والسكر، والبن، والشاى، والحبوب، فيما كانت الملابس والمنسوجات الصادرات الأبرز لدى الهند التى تمتلك صناعة برمجيات متطورة.

وعليه يمكن القول: إن توسع البريكس وتعزيز بنيته، قد يسهم إلى حد يذكر فى مواجهة تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية، وفى تمكين الدول الأعضاء من دعم اقتصاداتها وتحقيق الاستفادة القصوى، عبر التنويع والانفتاح وتعزيز التعاون على كل المستويات، غير أن الانضمام إلى تكتل البريكس لا يعنى إطلاقا فقدان البوصلة للوجهة الغربية، وإلا فقد نفتقد الانفتاح والتنوع المرجو.

طباعة

    تعريف الكاتب

    إيرينى سعيد

    إيرينى سعيد

    صحفية وكاتبة مصرية - ماجستير العلوم السياسية