تحليلات

أبعاد جولة الرئيس السيسى الإفريقية وتأكيد التكامل الإقليمى

طباعة

اختتم الرئيس المصرى "عبد الفتاح السيسى" يوم 9 يونيو 2023 جولة إفريقية شملت ثلاث دول (زامبيا، أنجولا، موزمبيق) استغرقت أربعة أيام، وشهدت مشاركته فى قمة "الكوميسا" التى كانت تترأسها مصر خلال العامين الماضيين. والجولة تفتح آفاقا جديدة فى السياسة الخارجية المصرية التى أبدت اهتماما ملحوظا بدول جنوب القارة الإفريقية، وهو ما يعزز التعاون المصرى الإفريقى مع جميع دول القارة، ويعزز الدور المصرى لتحقيق التكامل الإفريقى الذى بات ضرورة حيوية فى ظل التنافس الإقليمى والدولى، لبسط النفوذ داخل القارة الإفريقية فى ظل المتغيرات الجيوسياسية الحالية التى تنذر بتحول فى النظامين السياسى والاقتصادى العالميين بما ينعكس سلبا وإيجابا على مستقبل القارة السمراء.

* عوامل تعزيز الحضور المصرى جنوبا:

بدأ الرئيس المصرى "عبد الفتاح السيسى" جولته الإفريقية يوم 7 يونيو 2023 بزيارة العاصمة الأنجولية لواندا، ثم انتقل منها لزامبيا ليختتم جولته بزيارة موزمبيق، والجولة تكلل اهتمام القيادة السياسية المصرية بالقارة الإفريقية خلال العقد الماضى الذى شهد زيارة 33 دولة إفريقية، وقد شهدت المباحثات المصرية الإفريقية اتساقا فى وجهات النظر بشأن عدد من القضايا الإقليمية لاسيما الأزمة السودانية والليبية، ومكافحة الإرهاب، وأزمة "سد النهضة"،وذلك كما يلى:

- استمرار التنسيق مع زامبيا: استهل الرئيس "السيسى" جولته الإفريقية بزيارة زامبيا وعقَدَ اجتماعا مع رئيسها "هاكيندى هيتشيليما" الذى أشاد بالإنجازات التى تحققت لتجمع "الكوميسا" تحت رئاسة مصر العامين الماضيين (2022-2021)، وأكد حرص بلاده على تطوير علاقات التعاون معها لمعالجة القضايا والتحديات التى تواجه القارة الإفريقية لاسيما جنوبا، ودفع عملية التنمية وصون السلم والأمن بالقارة الإفريقية؛ حيث سيستمر التنسيق بين الدولتين فى إطار تجمع "الكوميسا".

-حضور قمة "الكوميسا": يحرص الرئيس "السيسى" منذ توليه منصبه قبل 9 سنوات على حضور المحافل الإفريقية، وعقد لقاءات عدة مع نظرائه الأفارقة، وهذا يعزز التواصل المباشر بينهم، بما يعود بالنفع على التعاون الثنائى والإقليمى فى إطار الاتحاد الإفريقى والكوميسا، وخلال وجود الرئيس بزامبيا شارك فى أعمال القمة الـ 22 لتجمع "الكوميسا" الذى عقد خلال الفترة (6-8) يونيو 2023، بشعار "التكامل الاقتصادى من أجل كوميسا المزدهرة المرتكزة على الاستثمار الأخضر والقيمة المضافة والسياحة"، وذلك بمشاركة قادة 21 دولة إفريقية، وقام الرئيس "السيسى" بتسليم الرئاسة الدورية للتجمع من مصر إلى زامبيا، وأكد أن الدولة المصرية تكثف جهودها لإدخال اتفاقية التجارة داخل الكوميسا حيز التنفيذ من خلال تنفيذ أهداف أجندة أفريقيا 2063، لاسيما مع تولى مصر رئاسة الوكالة الإنمائية للاتحاد الإفريقى (نيباد) خلال الفترة (2024-2025).

وقد أنشئت منظمة الكوميسا(السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا) فى ديسمبر 1994، وتعمل على إلغاء القيود التجارية فيما بين دول التجمع؛ تمهيدا لإنشاء وحدة اقتصادية للمنطقة، وقد زادت الصادرات المصرية لدول الكوميسا بنسبة تقارب 11% منذ عام 2021، فيما ارتفعت قيمة التبادل التجارى بين مصر ودول التجمع لتصل إلى 5.3 مليار دولار عام 2022، وكانت مصر قد أنهت رئاستها للتجمع خلال العامين الماضيين التى شهدت الارتقاء بمؤشرات التبادل التجارى والصادرات البينية بين الدول الأعضاء، كما شهدت القمة توافقا بين الدول الأعضاء (أنجولا، وزامبيا، وموزمبيق، كينيا، ومالاوى) ومصر؛ لنقل الخبرات التنموية المصرية فى مجالات البنية التحتية، والطاقة، والتصنيع الدوائى،والزراعى،والاستزراع السمكى،والثروة الحيوانية، والصحة، والتدريب، وشهدت كذلك توافقا لحل القضايا الإفريقية والدولية المعنى بها الدولذاتها.

- تعزيز التعاون المصرى مع دول الجنوب: التقى الرئيس "السيسى"، على هامش قمة "الكوميسا"، الرئيس الكينى "ويليام روتو"، وأشاد بالدور الحيوى لكينيا فى تعزيز الأمن والاستقرار بالقارة، وحرص مصر على تعزيز تلك العلاقات على جميع الأصعدة، وثمن "روتو" بدورهالدور المحورى المصرى على الصعيد الإقليمى ونشاط الشركات المصرية فى كينيا ومساهمتها فى جهود التنمية. وأيضا عقد الرئيس "السيسى" اجتماعا مع رئيس مالاوى "لازاروس تشاكويرا"، وشدد على حرص مصر لتعزيز التعاون بين الدولتين لاسيما فى مجال الاستثمار والتبادل التجارى.

وجدير بالذكر، أن حجم الاستثمارات المصرية بإفريقيا ارتفع ليصل إلى 10.2 مليار دولار مقابل 2.8 مليار دولار استثمارات إفريقية بمصر عام 2022. ولذا، ثمة ضرورة لجذب الاستثمارات المشتركة والتركيز عليها لإتاحة المزيد من الفرص للتبادل الاقتصادى والتجارى المشترك، ولتحقيق التكامل الإفريقى عبر الاستغلال الأمثل لموارد القارة من الموارد الطبيعية والممرات والمضايق البحرية ذات الموقع الاستراتيجى والخبرات التقنية والموارد البشرية لتحقيق التكامل الاقتصادى لدول الكوميسا أولا وللقارة الإفريقية ككل، لتصبح "الكوميسا" منافسا للدول الأخرى التى تعمل على تعزيز وجودها الاقتصادى بالقارة السمراء مثل:(الصين، روسيا، فرنسا).

- تدشين مرحلة جديدة للتعاون مع أنجولا: دشنت زيارة الرئيس "السيسى" لأنجولا مرحلة جديدة للتعاون بين الدولتين؛ حيث إنه أول رئيس مصرى يزورها منذ استقلالها قبل ستة عقود، وقد قام بزيارتها فى ثانى محطات جولته الإفريقية، ليصبح أول رئيس مصرى يزورها، وعقد اجتماعا مع رئيسها "چواو لورينسو" بالعاصمة لواندا، ورحب الأخير بزيارة الرئيس "السيسى" ودوره الفاعل لمعالجة القضايا الإفريقية، وأعرب عن تطلع بلاده للعمل مع مصر لمواجهة التحديات العديدة التى تواجهها القارة عبر تفعيل آليات العمل الإفريقى المشترك، ودعا "لورينسو" لضرورة الاستفادة من الإمكانات المصرية فى تطوير بلاده لاسيما فى مجالات: (تنمية البنية التحتية، وتشييد المدن الجديدة، والتصنيع الدوائى، وإنشاء مشروعات الكبارى والطرق، والسياحة)، وأشاد "السيسى" بدوره بوتيرة النمو الاقتصادى لأنجولا كأحد النماذج الناجحة فى جنوب القارة الإفريقية، وأبدى اهتمام مصر بزيادة حجم التبادل التجارى والاستثمارات بين القاهرة ولواندا، كما بحث الرئيسان قضية "سد النهضة" الإثيوبى،وأكدا أهمية التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن ملء وتشغيل السد اتساقا مع قواعد القانون الدولى وبما يراعى شواغل الأطراف المعنية، وشهد الرئيسان فى ختام مباحثاتهما التوقيع على مذكرتى تفاهم للتعاون فى مجالى التعاون الأمنى، والاستفادة من المياه الجوفية.

- دعم موزمبيق لمكافحة الإرهاب: وصل الرئيس "السيسى" إلى عاصمة موزمبيق "مابوتو" فى ختام جولته الإفريقية، وعقد اجتماعات مع رئيسها "فيليب نيوسى" الذى رحب بزيارة الرئيس التاريخية لبلاده التى تعد أول زيارة لرئيس مصرى لمابوتو، ما يعكس اهتمام مصر بتعزيز تعاونها مع دول جنوب القارة الإفريقية، وأكد حرص حكومته على توفير كل التسهيلات اللازمة للشركات المصرية للاستثمار فى اقتصاد بلاده، فيما أكد الرئيس "السيسى" وجود آفاق واسعة لتطوير مستوى التعاون الاقتصادى بين مصر وموزمبيق، ودعا لضرورة الارتقاء بمعدلات التبادل التجارى،وتشجيع الاستثمار فى مجالات تطوير البنية التحتية، والزراعة، والاستزراع السمكى،والصحة، وتوجيه الدعم اللازم "لمابوتو" لتعزيز قدراتها المدنية والعسكرية.

كما تناول الرئيسان سبل التعاون بين مصر وموزمبيق فى مجال مكافحة الإرهاب، والفكر المتطرف، وطرح نقل التجربة المصرية فى مكافحة الإرهاب على الصعيدين الأمنى والاستخباراتى، وأشاد "نيوسى" بدور المؤسسات الدينية المصرية العريقة فى محاربة الفكر المتطرف، ونشر النهج الوسطى للإسلام المعتدل، لاسيما فى ظل الهجمات الإرهابية التى يتعرض لها إقليم "ديلجادو" بشمال موزمبيق الذى يتركز فيه جماعات إرهابية تهدد الأمن الإقليمى للبلاد، وربما يمتد تأثرها لكل دول جنوب إفريقيا لاسيما حال تواصلت مع الحركات الإرهابية التى تتركز فى غرب القارة "كالقاعدة" و"بوكو حرام" فى نيجيريا، ما يربط للمرة الأولى بين أولويات الأمن القومى الإقليمى لجنوب القارة وغربها وشرقها الذى يتطلب ضرورة التعاون لمكافحة الإرهاب.

*أبعاد ودلالات جيوسياسية:

اهتم الرئيس "السيسى" بتعزيز التعاون المصرى الإفريقى منذ توليه الحكم، وقد زار 33 دولة إفريقية ما يعكس الأهمية القصوى للبعد الإفريقى فى السياسة الخارجية المصرية واستعدادها لنقل خبراتها التنموية لتلك الدول، وكذلك للتعاون معها فى مواجهة الإرهاب والتصدى له، ونشر الفكر الدينى المعتدل. وتعد الجولة الإفريقية للرئيس "السيسى" من أهم جولاته الأخيرة؛حيث إنها اهتمت بطرح قضايا تتعلق بالأمن القومى المصرى والإفريقى،وأسهمت فى زيادة التعاون المشترك بين القاهرة وعواصم دول جنوب القارة الإفريقية، بما يعزز من الأمن القومى المصرى على المديين القصير والمتوسط، حيث:

- تأكيد ثوابت السياسة الخارجية المصرية: خلال كل اجتماعاته أكد الرئيس "السيسى" ثوابت السياسة الخارجية المصرية التى سنها منذ توليه الحكم فى 2014، التى تتمثل فى التمسك بالدولة الوطنية الحديثةالتى تعلىالقانونوالدستور وتطبق مبادئ المواطنة، ومحاربة الإرهاب بشتى صوره، وأى تنظيمات مسلحة، وتعزيز الحضور المصرى فى دوائر السياسة الخارجية الحيوية كالدائرة الإفريقية لاسيما جنوب القارة الذى لم يحظ باهتمام كبير من القاهرة خلال العقود الماضية، ومحاربة الفقر بإفريقياعبر تنفيذ رؤية التنمية الإفريقية2063، وتعميق التكامل الاقتصادى والإقليمى وصولا إلى إنشاء منطقة التجارة الحرة الإفريقية.

- ضرورة الإسراع بحل أزمة "سد النهضة": حرص الرئيس "السيسى" خلال كلمته أمام قمة "الكوميسا"، وفى كل اجتماعاته مع الرؤساء الأفارقة على توضيح الرؤية المصرية بشأن أزمة "سد النهضة" الإثيوبى، وتداعياته على الأمن المائى المصرى، وجدد الرئيس "السيسى" "التزام مصر بمبدأ الحوار والتفاوض والسلام"، وضرورة وجود اتفاق ملزم للجميع يستند إلى القانون الدولى، وأوضح "أن الماء فى إثيوبيا مورد مهم؛ لكن فى مصر هو المورد الوحيد للمصريين، لأن 90% من مصر صحراء، والجزء المعمور من مصر هو فقط المحيط بنهر النيلوهو الصالح للزراعة"، ودعا إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم لضمان حقوق كل الأطراف من دول المنبع والمصب، وهو أمر بالغ الأهمية لأنه يضمن تأييد دول جنوب القارة الإفريقية التى لا تنتمى إلى دول "حوض النيل" للموقف المصرى من السد أمام المحافل الدولية والإفريقية، كما أن هذه الدول تضم عددا كبيرا من الأنهار ولا ترغب مصر فى وجود "سابقة" لإقامة سد مخالفة للقانون والأعراف الدولية، وهذا الدعم الإفريقى للموقف المصرى يمثل ورقة ضغط على إثيوبيا للعودة للمفاوضات والتوصل إلى اتفاق نهائى ملزم بشأن السد، لاسيما فى ظل انتخاب موزمبيق لعضوية مجلس الأمن الدولى للفترة (2023-2024)؛ حيث يمكنها طرح القضية على المجلس حال طلبت مصر ذلك، وأيضا رئاسة زامبيا "للكوميسا" فى ظل العلاقات الجيدة بين الدولتين ستضمن دعم دول التجمع للمطالب المصرية.

-الدعوة لمعالجة الأزمات الإفريقية: أوضح الرئيس "السيسى" خلال كل اجتماعاته فى جولته الإفريقية "أن الصراع فى السودان أثر فى مصر بشكل كبير؛ بعد نزوح 200 ألف سودانى إلى الحدود المصرية خلال الشهرين الماضيين"، ودعا لضرورة معالجة الأزمة واستعادة الأمن والسلام فى القارة الإفريقية، والعمل على إنهاء الصراعات، ودعا لأهمية وقف إطلاق النار حقنا للدماء، وبدء الحوار لتحسين الحياة للشعب السودانى، كما دعا للالتزام بجدول زمنى لإجراء انتخابات ليبية مباشرة وفق مخرجات المؤتمرات الدولية، كما دعا لضرورة العمل على حل الأزمة بإفريقيا الوسطى ومكافحة الإرهاب، وطالب بوضع خطط لوقف عمليات الهجرة غير الشرعية من الدول الإفريقية تجاه أوروبا، ومعالجة أزمة الأمن الغذائى التى أثرت فى نصف دول القارة.

-تعزيز الحضور المصرى بإقليم جنوب إفريقيا: شملت الجولة دول جنوب القارة الإفريقيىة وهى (أنجولا، وزامبيا، وموزمبيق)، فى زيارات هى الأولى من نوعها لرئيس مصرى لكل من أنجولا، وموزمبيق، كما عقد الرئيس لقاءات مع رؤساء دول الجنوب مثل كينيا، ومالاوى، وعقد اجتماعات مع قادة دول "منظمة سادك" (مجتمع تنمية إفريقيا الجنوبية منظمة دولية مقرها بوتسوانا وتضم 14 دولة)، ما يعزز الحضور المصرى فى هذا الإقليم الذى تتصاعد أهميته فى الآونة الأخيرة، ويفند أى نظريات حول اهتمام مصر بتعزيز تعاونها مع دول "حوض النيل" فقط، كما أعلن "السيسى" خلال مشاركته بقمة الكوميسا ترشح مصر لعضوية "مجلس السلم والأمن" الإفريقى فى الفترة ( 2024 – 2026)، وذلك "إيمانا بمسئوليات مصر نحو دعم جهد السلم والأمن فى القارة"، وهذه سيعزز الحضور المصرى فى القارة السمراء، وسيضيف عاملا مؤثرا فى حل أزمة "سد النهضة" حيث ستتمكن القاهرة من طرح القضية على المجلس للتوصل إلى حل نهائى فيها.

- تعزيز التكامل الإقليمى الإفريقى: فى ظل تصاعد التكتلات الاقتصادية الدولية مثل: (شنغهاى، بريكس، الاتحاد الأوروبى، والآسيان، والنافتا، ودول الاتحاد الأوراسى)، يجب الارتقاء بالاتحاد الإفريقى ليصبح واحدا منها من خلال تحقيق التكامل الاقتصادى بين دوله بشكل جماعى، ومن خلال التجمعات الإقليمية مثل "الكوميسا"، و"النيباد". ومن هنا، فإن الزيارة تبرز دور القاهرة كقوة إقليمية تسعى للارتقاء بعمل الاتحاد الإفريقى، فى شتى المجالات والتمثيل والحضور فى جميع المحافل الإفريقية، وتمثيل القارة فى المحافل الدولية، وهذا سيتضح خلال عقد "القمة الروسية الإفريقية" بموسكو فى يوليو 2023.

مما سبق، نجد أن مصر تولى اهتماما وأولوية غير مسبوقة لكل الدول الإفريقية فى سياستها الخارجية، لأنها تمثل حلقة الوصل بين الدول الإفريقية والمحيط العربى والشرق أوسطى، وتتميز مصر عن سائر القوى الإقليمية والدولية التى تعمل على تعزيز وجودها فى القارة الإفريقية بأنها لا تستغل موارد القارة، وتقدم برامج أمنية وتنموية ناجحة لدعم تلك الدول، رغبة فى الارتقاء بها، ما يعزز الحضور المصرى بالقارة الإفريقية.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحثة فى العلوم السياسية.