مقالات رأى

السيناريوهات المحتملة بعد الإعلان الروسي عن محاولة اغتيال بوتين

طباعة

أعلنت روسيا، الأربعاء الماضى، إحباط هجوم بمسيرتين على مقر إقامة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى الكريملين ومحاولة اغتياله، متهمة أوكرانيا أنها وراء هذا التحرك، ولكن نفت أوكرانيا مزاعم روسيا أن المسيرتين من قبلها.

وفى السياق نفسه أعلن ديمترى بيسكوف المتحدث الرسمى باسم الرئيس بوتين أن أوكرانيا قامت بمثل هذا التصرف بناء على أوامر من الولايات المتحدة الأمريكية لمهاجمة مقر الرئيس الروسى "الكرملين"، وجاء بعد ذلك نفى البيت الأبيض على لسان المتحدث باسم الأمن القومى جون كيربى لهذه المزاعم، مؤكدا أنها أكاذيب روسية، وأنه لا يوجد لدى روسيا أى دليل على حقيقة مقطع الفيديو المتداول؛ حيث ظهر مقطع فيديو يظهر لحظة انفجار طائرة بدون طيار فوق الكرملين، وانتهى الفيديو بانفجار صغير، ثم تلا ذلك ظهور فيديو آخر يظهر طائرة ثانية تسقط شظاياها فى ساحة الكرملين.

 وردا على تصريحات واشنطن قال بيسكوف: إن تلك الأفعال هى فى المقام الأول تحاك فى البيت الأبيض؛ حيث تتهم روسيا أمريكا بأنها الشريك الرئيسى فى تلك الحرب بهدف إسقاط موسكو وليس مجرد مساعدة كييف فى استعادة أراضيها.

وحسب التصور الروسي قامت الطائرة الأولى بالهجوم على قبة مجلس الشيوخ بقصر الكرملين التى تضم مكتب بوتين، ولكن أكد المسئولون الروس عدم وجود بوتين بمكتبه فى ذلك الوقت، ثم جاءت الطائرة الثانية وانفجرت أيضا فوق قبة مجلس الشيوخ. وحين سئل بيسكوف عن كيفية وصول تلك الطائرات المسيرة وتجاوزها لأنظمة الدفاع الجوى الروسى المتقدم، أعلن أن "الأمر قيد تحقيقات موسعة لدى المسئولين المتخصصين".

ويرى بعض المحللين أن مثل تلك المسيرتين لم تكن لديهما القدرة على إحداث ضرر كبير حتى لو لم يتصدَّلهما الدفاع الجوى أو حتى قوات التأمين الخاصة بالكرملين، ومن اللافت للنظر أيضا أن المسيرة التى انفجرت فوق القبة لم تحدث أى أضرار تذكر حتى إن سارية العلم فوق القبة لم تحترق من الانفجار الذى سببته الطائرة.

ولذلك حتى يتضح الأمر، يوجد العديد من التساؤلات التى تفرض نفسها، فمثلا هل هذا الهجوم على قصر الكرملين حسب الرواية الروسية ستكون له تداعيات وخيمة أكثر من أى رد فعل سابق؟ هل هى ضربة رمزية معنوية للروس أكثر منها عسكرية لتهز هيبة الكرملين وموسكو الأكثر تحصينا، وبالأخص أن ذلك الهجوم يأتى قبل أيام من احتفال روسيا بعيد النصر الموافق التاسع من مايو الذى يعتز الروس كثيرا؟ هل هذا مجرد نوع من أنواع الحرب النفسية والإعلامية لإظهار روسيا أنها غير قادرة على صد هجوم كهذا؟ هل يكون رد روسيا كما توعدت، كونه هجوما مباشرا يستهدف بوتين شخصا؟ وهل من الممكن أن تكون روسيا هى من اصطنعت تلك الأزمة استعدادا لتحرك من نوع آخر تجاه أوكرانيا ويكون مبررا؛ حيث كان رد مدفيديف واضحا أنه "لا يوجد خيار سوى محو زيلينسكى ومن معه باستخدام أسلحة رادعة"؟ وهل رد زيلينسكى "نحن لا نهاجم بوتين أو موسكو، نحن نقاتل على أراضينا" هو تصريح لتجنب ردة فعل الروس وخوفا من تصعيد بوتين؟

فى الأشهر الأخيرة لاحت فى الأفق آمال لبدء مفاوضات كى تنتهى الأزمة، ولكن بالتأكيد وبعد هذا الحادث لن توجد حاليا محادثات سلام لإنهاء الحرب التى دمرت البلدات والمدن وقتلت آلاف الأشخاص وشردت الملايين من ديارهم.

ولكن السؤال هنا: ما التداعيات المحتملة التى قد تتبع هذا الهجوم؟ فكما أعلن بلينكن نافيا تورط الولايات المتحدة أن هذا الهجوم بالطائرتين المسيرتين هو افتعال من طرف روسيا لتعطى لنفسها أحقية التحرك فى العمق الأوكرانى حتى لا يتسنى للأوكرانيين التحرك والتسلل بالحرب نحو القرم. فهل  يعد هذا من أكثر السيناريوهات واقعية؟! على العكس فروسيا بالفعل موجودة بالداخل الأوكرانى وهددت من قبل باستخدام النووى. ولكن حتى إن لم يكن هذا التحرك مصطنعا من روسيا وكان بالفعل وراءه الولايات المتحدة فسيكون من الغباء ألا يقوم بوتين باستغلال هذا الوضع، وفى كلتا الحالتين إن كانت روسيا هى من اصطنعت تلك الهجمة أو كان هجوما من أوكرانيا مدعوما من الولايات المتحدة فهذا مبرر قوى لاستخدام المزيد من العنف المبرر وإعلان بوتين التعبئة العسكرية بشكل واسع النطاق أو حتى النظر فى استخدام السلاح النووى التكتيكى.

ومن السيناريوهات الأخرى هى اعتبار هذه الهجمة مبررا أمام العالم لاغتيال زيلينسكى كنوع من أنواع الدفاع عن هيبة الوطن برئيسه بوتين بعد محاولة اغتياله حتى ولو كانت تلك الهجمة بدعم أمريكى فهى استفزاز واضح لبوتين حتى يقوم برد فعل مضاد أرعن مثل اغتيال زيلينسكى، ومن ثم تتم معاقبة بوتين كوسيلة لإنهاء الحرب، ولكنى نعتقد أن بوتين سيتمهل فى رد الفعل؛ حيث صرح الكرملين أن روسيا تحتفظ بحق الرد فى المكان والزمان المناسبين وفى اتخاذ إجراءات انتقامية ضد محاولات ضرب الكرملين بما يتوافق مع الصالح الروسى.

ومن السيناريوهات التى يمكن توقعها أيضا هو جلوس زيلينسكى على طاولة المفاوضات خوفا من تبعات تلك الهجمة حتى إن كانت مفتعلة خوفا من ردة فعل بوتين بعد استهدافه.

 مع تلك السيناريوهات، تبقى جميع الاحتمالات ممكنة، ولكن ستتضح الأمور أكثر قليلا بعد الإعلان عن نتائج التحقيق الذى تقوم به الجهات المختصة.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    ريهام المغربى

    ريهام المغربى

    محاضر بالجامعة الأمريكية