تحليلات - شئون دولية

"ليلة كييف".. السيناريوهات الأخيرة لزيلينسكى والمكاسب والخسائر على المستوى الدولي

طباعة

بعد مرور ٤٨ ساعة منذ بداية العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا وصلت القوات الروسية إلى العاصمة كييف .. وقد أعلنت مختلف الوسائل الإعلامية من الطرفين بعض التأكيدات منها:

١ - سيطرة القوات الروسية على موقع تشيرنوبيل النووي وهو في شمال كييف.

٢ - السيطرة على قاعدة انتونوف الجوية وهي في شمال غرب كييف بالإضافة إلى دخول أرتال دبابات إلى مشارف كييف الشمالية.

٣ - التطور السريع للأحداث توالي بشدة مع اقتراب الوصول لمرور ٤٨ ساعة فقط منذ بدء الهجوم الروسي حتى وصلت الأحداث في كييف إلى وضع شديد الصعوبة، حيث تتوالى الأخبار بشكل سريع عن انتشار أصوات طلقات الرصاص والمدافع بشكل متزايد وفي مواقع متزايدة داخل أحياء كييف، ومع كتابة هذه السطور يتولد اليقين بأن انتهاء هذه المعاناة سيأتي قريبا بنتيجة حاسمة وهي سيطرة الجيش الروسي على كييف.

٤-  تزداد رقعة القتال في كل أنحاء أوكرانيا حيث سيطرة القوات الروسية على جنوب مدينة ميلوتوبول في الجنوب بالإضافة إلى تطويقها لمدينة خاركيف ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا وتقع في الشرق.

المراجعة السريعة للموقف السياسي:

١ -فشل جلسة مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار لإدانة روسيا بسبب الفيتو الروسي.

٢ - لا يزال الرئيس زيلينسكي يشدد على ضرورة عدم سقوط كييف وأوكرانيا مع تشديد مطالباته للغرب بمساعدة أوكرانيا.

٣ - اللافت في أخر تصريحات زيلينسكي هو توجيهه للشكر إلى رئيس بولندا اندرييه دودا لمساعدة بلاده بشكل فعال.

ماذا يمكن أن يحدث إذا دخلت القوات الروسية إلى كييف وسيطرت عليها ولم تجد زيلينسكي؟

معنى عدم وجود زيلينسكي في كييف وظهوره في رقعة أخرى في أوكرانيا يعني أن السلطة في أوكرانيا لا تزال في يديه وهذا يزيد الأمر تعقيدا للفرضية التالية:-

١ -إذا ذهب زيلينسكي إلى مدينة لفيف في غرب أوكرانيا والتي تعد قريبة من الحدود البولندية فهذا يعني أنه يمكنه إعلان مقر حكم أوكرانيا من لفيف وبالتالي عدم سقوط السلطة الأوكرانية.

٢ - يمكنه ذلك من إطالة أمد الصراع في أنحاء أوكرانيا عن طريق الدعوة للاستمرار في حرب شوارع عسكرية داخل الكتل السكنية المختلفة لأي مدينة تدخلها القوات الروسية.

٣ -يمكن أيضا أن ينخرط المتطوعون الأوكران في القتال في حرب الشوارع تلك.

٤ -مع تقدم القوات الروسية لمطاردة زيلينسكي في مدينة لفيف فإنها تعرض نفسها لمعركة أصعب وتصعيد أكبر لأسباب عديدة منها:

أ- قرب مدينة لفيف من الحدود البولندية.

ب- مع تصريحات زيلينسكي عن مساعدة بولندا له فهذا يعني أن ظهر لفيف سيكون مؤمنا بسبب القوات البولندية.

ج- خطورة الوضع لأن بولندا ضمن حلف الناتو.

بمعنى أنه وفي هذه الحالة الحساسة إذا وقعت أية ضربة لجندي بولندى يمكن لذلك إشعال حرب كاملة مع الناتو.

٥- مع وضع تصريحات زيلينسكي عن تعاون الرئاسة البولندية معه فهذا يضع هذه الفرضية فى الحسبان.

٦- إعلان مسئولين أمريكيين أنهم يريدون فتح قنوات اتصال بين الجيش الأمريكي والروسي حتى لا يحدث شئ خارج الحسابات، وهم يقصدون مسرح عمليات الجيش الأمريكي بالقرب من غرب أوكرانيا على الحدود البولندية.

الموقف الحالي ببساطة يشير إلى محاولات زيلينسكي المقاومة للوصول إلى القدرة على الجلوس على طاولة المفاوضات بأقل تنازلات استراتيجية ممكنة رغم الخسارة العسكرية.

ولكن مما لاشك فيه أنه مع كل ساعة إضافية في هذا الصراع تكون العودة إلى طاولة المفاوضات أصعب ولها أثمان أكبر.

المكاسب والخسائر السياسية على المستوى الدولي:

أولا- بالنسبة لروسيا:

١-  مما لاشك فيه أن روسيا قد انتصرت سياسيا بشكل ساحق حيث استطاعت في المقام الأول والاستراتيجي أن تحيد الهيمنة الأمريكية و البريطانية عالميا عن طريق إنهاء سلطة زيلينسكي المتقاربة مع الغرب، وفي ذلك إشارة واضحة لكل المتقاربين ( وهنا لا أقصد الحلفاء الحقيقيين)، بأن الغرب لن يستطيع حمايتهم من روسيا إذا تعارضت  مصالح روسيا مع المتقاربين.

٢-  رسالة ثقة قوية لحلفاء روسيا وأولهم الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو أن رهانه كان صائبا بالتحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

٣-  قطع الطريق على الدول التي تفكر في الانضمام إلى حلف الناتو، مثل جورجيا خوفا من مصير أوكرانيا لذلك ستفكر مليا من مجرد صفة " المرشح" للانضمام.

٣-  تحقيق المطلب الروسي الخاص بتحقيق الحكم الذاتي أو السيادة الذاتية لشعبي لوجانسك ودوينتسك، وإيقاف الوضع المعيشي الصعب الذي يواجهونه بحسب الرئاسة الروسية.

٤ - الاطمئنان عمليا على عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو.

٥ - إتاحة المجال سياسيا لروسيا لطرح قيمها دوليا وبداية خلخلة القيم الغربية.

٦ - يبقى السؤال هنا حول مطالب روسيا المتبقية التي تتمثل في عودة حلف الناتو إلى وضعه قبل عام ١٩٩٧ عندما انضمت له عدة دول من شرق أوروبا ..هل ستتخلى روسيا عن هذا المطلب مؤقتا ؟ أم ستطرق على الحديد وهو ساخن ؟

ثانيا- بالنسبة للغرب ( في التفاوض خسارة وفى الاستمرار خسارة أكبر):

١- بعد الاستقطاب الذي حدث كنتيجة لهذه الحرب فإن كل مكسب عددناه لروسيا فهو خسارة سياسية للغرب.

٢- بالنسبة للغرب فإن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ستفكران كثيرا بشكل مبدئي فى إمكانية الوقوف عند هذا الحد والذي يعتبر خسارة، أم الرد وتحمل تكلفة خسائر أكبر .

٣- يبدو إنه من غير المنطقي في الوقت الحالي عزل روسيا عن العالم؛ فهي ليست كوريا الشمالية. وبطبيعة الأحوال سيتحول العالم حرفيا إلى عالمين، وسيكون هذا الوضع قاسيا في المقام الأول على المتقاربين من الغرب وبالتدريج أقل قسوة على الحلفاء و أبرزهم ألمانيا وفرنسا.

ولكن هل ستقبل الولايات المتحدة وبريطانيا بخسارتهما والقبول بروسيا فداء الحفاظ على حلفائهم؟

أم تستمر دول الغرب في مسار الرد بسياسة حرق الحلفاء والمتقاربين كوقود للبقاء ؟

طباعة

    تعريف الكاتب

    إسلام القاضي

    إسلام القاضي

    باحث فى العلوم السياسية