كتب - كتب أجنبية

جذور السلام المستقر:|كيف يصبح الأعداء أصدقاء؟

طباعة

عرض: محمود عبده علي - معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

Charles A. Kupchan, How Enemies Become Friends: The Sources of Stable Peace, New Jersey: Princeton University Press, 2010 .

هيمن التنظير للحروب والصراعات علي كتابات عديد من أساتذة العلاقات الدولية والمهتمين بالسياسة الخارجية في السنوات الأخيرة، للعمليات العسكرية التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية خارجيا، وللتحولات التي يشهدها النظام الدولي من صعود قوي جديدة، متمثلة في الصين والهند والبرازيل خاصة، وأفول قوي تقليدية، في مقدمتها الولايات المتحدة. وهي تحولات أعادت الحديث مجددا عن صراع دولي محتمل علي قمة النظام العالمي. وهذا الخطاب السائد عن "حتمية الصراع الدولي" لم يمنع من ظهور أصوات مناهضة له، ومنادية بإمكانية إحلال السلام العالمي. ومن أبرز تلك الأصوات " تشارلز كوبشان".

عندما يتحول الأعداء إلي أصدقاء :

يقدم "كوبشان" في كتابه، الذي يقع في نحو 450 صفحة موزعة علي سبعة فصول، رؤية مغايرة للنظام الدولي، جوهرها فكرة "السلام المستقر"، وهي وجهة نظر لا تستند لمجرد آراء نظرية أو مواقف أيديولوجية، بل تستند بالأساس إلي أدلة وحالات تاريخية. فتاريخ العلاقات الدولية كما يراه لم يكن كله صراعا، فقد كانت هناك لحظات يتحول عندها الأعداء إلي أصدقاء. وبناء علي ذلك، يطرح الكتاب مجموعة من التساؤلات من قبيل: كيف تحدث هذه اللحظات?، ومتي تظهر؟، وهل بإمكاننا فعل شيء للحفاظ علي بقائها واستمرارها أم لا؟.

وللإجابة علي هذه التساؤلات، يستعرض "كوبشان" ما يقرب من عشرين حالة دراسة، في الفترة من القرن الثالث عشر إلي وقتنا الحاضر، لثلاثة أوجه من "السلام المستقر" بين الدول، هي: التقارب ، والتجمعات الأمنية، والاتحاد وذلك لشرح وجهة نظره حول أسباب السلام. فعلي سبيل المثال، يستعرض في الفصل الرابع أربع حالات دراسة للتقارب بين الدول المتصارعة، حالتان ناجحتان: النرويج والسويد في الفترة (1905-1935)، والأرجنتين والبرازيل في الفترة (1979-1998)، وحالتان فشلتا في تحقيق التقارب: بريطانيا العظمي واليابان في الفترة (1902-1923)، والصين والاتحاد السوفيتي في الفترة (1949-1960).

أسطورة "السلام الديمقراطي" :

لا يقدم الكتاب خلال دراسته المستفيضة للحالات التاريخية، سواء تلك التي نجحت في تحقيق شكل من أشكال السلام المستقر، أو التي أخفقت في ذلك، خريطة طريق دبلوماسية لكيفية تحويل "الأعداء" إلي "أصدقاء" فقط، ولكنه يفند أيضا مجموعة من المقولات التقليدية، أو ما يطلق عليها "الأساطير" الشائعة حول الأسباب المحتملة للسلام.

علي رأس تلك الأساطير نظرية "السلام الديمقراطي"، القائمة علي افتراض رئيسي مفاده أن الديمقراطيات لا تحارب بعضها بعضا. ومن ثم، فإن انتشار السلام في العالم متوقف علي زيادة عدد الدول الديمقراطية. وهي نظرية شهدت رواجا كبيرا في السنوات الأخيرة بين عديد من الكتاب والباحثين الأمريكيين، ومن أبرزهم الكاتب والباحث الأمريكي المرموق "روبرت كاجان".

ويرفض "كوبشان" فكرة أن الديمقراطية شرط مسبق لتحقيق السلام بين الدول، مشيرا إلي أن الدول غير الديمقراطية بإمكانها الإسهام بشكل كبير في تحقيق السلام العالمي. ومن ثم، فإن الولايات المتحدة عليها أن تحدد ما إذا كانت هذه الدول أصدقاء أو أعداء، بناء علي القدرة السياسية لهذه البلاد علي إدارة الحكم داخل أراضيها، وليس طبيعة المؤسسات الديمقراطية.

وهذه ليست الأسطورة الوحيدة التي يفندها. فمن الأساطير الشائعة أيضا لدي الأكاديميين وصناع القرار الأمريكيين، والتي يرفضها الكاتب، أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل من شأنه تحقيق الاستقرار المؤدي لنشر السلام. فالانفتاح السياسي، وليس الاعتماد الاقتصادي، هو الذي يضطلع بالدور الرئيسي في تحقيق السلام العالمي. ويري الكاتب أن الدبلوماسية الماهرة، وليس الاستثمار أو التجارة، هي المكون الرئيسي الذي تحتاج إليه الدول لتحويل الأعداء إلي أصدقاء.

خمسة مرتكزات لتحقيق السلام :

وبدلا من الاستناد إلي مقولات تقليدية خاطئة لتحقيق السلام العالمي، يطرح الكاتب خمسة مرتكزات رئيسية لأي سياسة خارجية تطمح لتحقيق السلام العالمي، وتتمثل في:

أولا- الحوار مع الأعداء، وهو ليس نوعا من "الاسترضاء"، بل نوع من أنواع الدبلوماسية. فالعداء بين الدول لا ينتهي عن طريق العزل والاحتواء، بل علي العكس من خلال المفاوضات وتسوية الخلافات.

ثانيا- الديمقراطية ليست شرطا مسبقا لتحقيق السلام المستقر. فالدول الأوتوقراطية بدورها قادرة علي بناء شراكات دائمة مع بعضها بعضا، ومع غيرها من الدول الديمقراطية. ومن ثم، علي الولايات المتحدة الأمريكية أن تبني علاقاتها الخارجية علي سلوك السياسات الخارجية للدول الأخري، وليس علي أساس طبيعة نظمها السياسية.

ثالثا- إن تحقيق ما يمكن تسميته ب-"السلام المستقر" يعد مسألة سياسية بامتياز وليست اقتصادية، علي خلاف ما هو شائع بين الأكاديميين وصناع القرار من أن الخطوة الأولي لتحقيق السلام تتمثل في الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الباب أمام حل الخلافات السياسية. ويقدم الكاتب رؤية مضادة، فالتوافق السياسي - من وجهة نظره - لابد أن يأتي أولا، لكي يحقق الاعتماد المتبادل تداعياته الجيوبوليتيكية النافعة.

رابعا- الترتيبات والبني الاجتماعية المتشابهة بين الدول من شأنها أن تسهل عملية بناء سلام مستقر بين الدول، كما أن النظم الاجتماعية غير المتشابهة من شأنها أن تعيق تحقيق هذا السلام. ومن ثم، علي صناع القرار أن يولوا مزيدا من الاهتمام للترتيبات الاجتماعية داخل الدول، بدلا من طبيعة نظامها السياسي، وأن يعملوا علي تبني سياسات لتشجيع التغيير الاجتماعي، بدلا من التركيز المفرط علي الديمقراطية.

خامسا- من شأن القواسم الثقافية المشتركة بين الدول أن تعزز من إمكانية تحقيق السلام، ولا يعني ذلك حتمية الصراع بين الدول والحضارات ذات الثقافات المختلفة، كما تشير نظرية صدام الحضارات التي بشر بها المفكر الأمريكي "صمويل هنتنجتون". بل كل ما هنالك -بحسب الكاتب- أن القواسم الثقافية المشتركة تلعب دورا لا يمكن إغفاله في بناء السلام بين الدول، وغيابها لا يعني بالضرورة صعوبة أو استحالة تحقيق السلام.

طباعة

    تعريف الكاتب

     تشارلز كوبشان