مقالات رأى

لماذا تجاهل الألمان الدعوة لتغيير ميركل؟

طباعة
اهتم أغلب التحليلات السياسية، التي تصدت لفوز أنجيلا ميركل بولاية رابعة في منصب المستشارية الألمانية، بصعود حزب البديل الشعبي اليميني أكثر من التركيز على احتفاظ ميركل بالمنصب لمده تتجاوز ستة عشر عاماً، وأن كل المرشحين أمامها طوال السنوات الماضية كانوا ضعفاء، وبلا أي تأثير سياسي، وأنها تحكمت في صناعة السياسة المحلية، طوال السنوات الماضية، وهو ما عزز بقاءها، وبقاء قوة ألمانيا في محيطها الأوروبي.
يشير المشهد الانتخابي الألماني إلى عدة دلالات، ترتبط أولاها بنسبة المشاركة في الانتخابات التي فاقت 41 %، وهى نسبة عالية، وذات دلالة على ثقة غالبية الألمان في ميركل، كما تعكس تقديرهم لقيمة الاستقرار في ظل حكومة قوية تمكنت من تحقيق انجازات على المستويين الأوروبي والدولي. كما أن وصول حزب البديل لن يشكل قلقا كبيرا على إدارتها، وهو ما عبرت عنه ميركل في تصريحاتها عقب فوزها بالانتخابات . 
أما ثانية الدلالات، فتتمثل في حسم المعركة مبكرا، الذي كان سببه ضعف أداء منافسها مارتن شولتز، رئيس البرلمان الأوروبي السابق، وأيضا نجاحها في صناعة منظومة سياسة قوية تستوعب التيارات السياسة المختلفة ظاهرياً.
أما الدلالة الثالثة، فتعني ارتياح جهاز الاستخبارات، وقيادة القوات المسلحة، والدوائر الألمانية ببقاء ميركل. وما ساعدها في تحقيق ذلك، هو اهتمامها، منذ ولاياتها الأولى في 2005، بتوسيع العمل الاستخباراتي الألماني، حيث ظهرت أدوار جديدة لدائرة الاستخبارات الألمانية "بى إن دى"، ووصل عدد الموظفين فيه في الولاية الأولى إلى 6050 موظفا يتوزعون على 300 موقع في ألمانيا، وانتقل مقرها أخيرا من ميونخ إلى برلين. وأسهمت ميركل في وصول ميزانيته السنوية، بحسب تقرير صادر عام 2006،  إلى 460 مليون يورو.
ففي العام الماضي 2016، صوت البرلمان الألماني "البوندستاج" على مشروع قانون يمنح دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية الصلاحيات في الرقابة على أي مواطن، ودون سبب، وصلاحيات أوسع في التجسس الإلكتروني على مواطني البلاد، إذ يعطي لها الحق في استخدام جميع المعطيات من جميع قنوات الإنترنت، مقارنة بـ 20% من المعطيات في السابق.
كما يقضي مشروع القانون بزيادة قائمة الأهداف التي تسوغ اللجوء إلى التجسس لتضم- علاوة على 8 نقاط أصلية، بما فيها محاربة الإرهاب، ومكافحة الجريمة الإلكترونية، ومجابهة تجارة البشر- أهدافا جديدة أكثر غموضا، بينها "البحث عن معلومات ذات أهمية بالنسبة للسياسة الخارجية والأمن". وتشير الصلاحيات الواسعة للأجهزة الأمنية في عهد ميركل إلى نهج صارم في التعامل مع التهديدات المحتملة، والمستقبلية، وإعطاء الأولوية القصوى لمواجهة تلك التهديدات.  
لقد ظهر للاستخبارات الألمانية أدوار إقليمية "شبة مسرحية" لم تكن موجودة في السابق، خاصة مع تفجر الأزمة القطرية، ومحاولات ألمانيا تقديم المساعدة للنظام القطري، عبر الإعلان عن فتح قطر لملفاتها الأمنية والمالية أمام الاستخبارات الألمانية للتأكد من عدم  تمويلها، أو دعمها للإرهاب، وهو أمر يدعو للسخرية، خاصة مع وجود تنظيم الإخوان الإرهابي على أرض قطر، والدعم السخى، الذي يقدمه النظام القطري إلى تلك الجماعة، حتى تحافظ على بقائها شوكة في ظهر الأنظمة العربية غير المنصاعة لمشروعات قطر.
ورغم الدعم الذي تقدمه ميركل لجهاز استخباراتها، فإنه تسبب في إحراجها بعد الكشف عن فضيحة تنصته على عدة مؤسسات، وإدارات أمريكية، بينها البيت الأبيض، ووزارة المالية. كما وضع العملاء الألمان تحت المراقبة شركات أمريكية، مثل "لوكهيد مارتن"، وكذلك الناسا، و"هيومن رايتس ووتش"، وعدة جامعات، أو حتى سلاح الجو الأمريكي، والمارينز، ووكالة استخبارات الدفاع داخل البنتاجون، أو الاستخبارات العسكرية.
 على الجانب الآخر، ارتفع قوام الجيش الألماني إلى نحو 200 ألف جندي، كما تم التوافق على زيادة ميزانيته لتصل إلى ما يقرب من 2 % من الناتج القومي الألماني، أي 50 مليار يورو تقريبا،  ووضعت له مهام جديدة، من ضمنها التعامل مع الهجمات الإلكترونية ، بخلاف التزاماته المتعددة في حلف شمال الأطلنطي .
تؤكد كل المؤشرات السابقة أن ميركل تتبنى مشروع الدولة القوية القادرة على ردع أي تهديد، ومواجهة أي محاولة لابتزازها، سواء من دول الجوار، أو من قوى أخرى، وتسعى للحصول على قدرات أكبر لفرض السيطرة خارج حدودها. وهذا هو المشروع الذي ذهب الناخبون الألمان لاختياره، متجاهلين دعوات تغيير ميركل، ووقف مشروع عودة ألمانيا بقوة للساحة الدولية، كقوة عظمى مهيمنة على الاتحاد الأوروبي، ومؤثرة في مناطق عديدة حول العالم.
طباعة

    تعريف الكاتب

    محمود بسيوني

    محمود بسيوني

    كاتب مصري، مدير تحرير موقع مبتدا