كتب - كتب عربية

الحالة الإيرانية:|السياسة الأمريكية تجاه أزمات الانتشار النووي

طباعة

عرض : رانيا مكرم باحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

ينطلق كتاب " الولايات المتحدة الأمريكية وأزمات الانتشار النووي.. الحالة الإيرانية 2009 – 2011" الذي أصدره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية من فرضية رئيسية، مفادها أن واشنطن قد تعاملت مع قضايا الانتشار النووي ليس من منطلق ما يمكن أن تخلفه هذه القضايا علي النظام العالمي لمنع الانتشار النووي، وإنما من منظور ما تشكله تلك القضايا من تهديد لمصالح الولايات المتحدة ولأمن حلفائها، حتي وإن ترتب على السياسة الأمريكية المتبعة في هذا الشأن تقويض أسس النظام العالمي لمنع الانتشار النووي ومصداقيته.

وفي ظل ما تثيره طبيعة وأنماط الإدارة الأمريكية لأزمات الانتشار النووي من إشكاليات نظرية تتعلق بمفهوم الانتشار النووي، وفي محاولة لفهم بعض الإشكاليات المرتبطة بالإدارة الأمريكية لهذه الأزمات، فقد أفرد الكاتب الفصل الأول لإطار نظري يتناول ملامح نظام منع الانتشار النووي، من حيث مفهومه والمداخل الرئيسة للتعامل معه.

الرؤية الأمريكية لقضايا الانتشار النووي:

وفي إطار تحليل الكاتب للسياسة الأمريكية تجاه قضايا وأزمات الانتشار النووي بشكل عام، خلص الفصل الثاني لنتيجة مؤداها أن الولايات المتحدة لم تتبع سياسة واحدة تجاه حالات الانتشار النووي، كما لم تتعامل مع الدول الساعية إلي الانتشار النووي وفق معيار واحد، وإنماتحددت سياستها وفق عاملين، الأول: المدركات الاستراتيجية التي تتعلق بمصالح الأمن القومي الأمريكي تجاه الدولة المعينة.

وقد تركزت هذه المدركات على قاعدتين أساسيتين، هما:

- العلاقات السياسية والدبلوماسية، والتي اتضح من خلالها أن الولايات المتحدة قد اتخذت موقفا متشددا تجاه الأطراف المناوئة لها. وقد تضمنت هذه الفئة العراق وليبيا وكوريا الشمالية وإيران، والتي وصفتها بالدول المارقة، إلي أن خرج العراق بعد احتلاله، وليبيا بعد تخليها عن برنامجها النووي من هذه الفئة.

في حين لم تخضع إسرائيل -وفق المعيار نفسه- لأي ضغوط أمريكية، وكذلك الهند التي رفعت عنها العقوبات بعد فرضها، واتجاه الولايات المتحدة لإبرام اتفاق معها في المجال النووي.

-  مدركات التهديد، وهو العامل الأكثر تأثيرا في توجهات سياسة منع الانتشار النووي الأمريكية. وعادة ما تبني هذه المدركات علي تقديرات خاصة بما إذا كانت النشاطات المعنية تمثل إلي حد معين تهديدا لمصالح الولايات المتحدة أو أحد من حلفائها أم لا.

أما العامل الثاني، فيتمثل في الدوافع والتوجهات السياسية للقائمين علي اتخاذ القرار الأمريكي، سواء في جهاز الاستخبارات الأمريكية، أو إدارات البيت الأبيض المختلفة.

التناول الأمريكي للأزمة النووية الإيرانية:

تستند الرؤية الأمريكية المعلنة للأزمة النووية الإيرانية علي أن إيران قامت بنشاطات نووية سرية، لاسيما حين قامت بإنشاء محطة "ناتنز" لتخصيب اليورانيوم دون إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكما اتضح من الفصلين الثالث والرابع من الكتاب، فقد واجهت الولايات المتحدة علي الصعيدين الدولي والإقليمي مجموعة من المحددات التي أثرت في أسلوب إداراتها للأزمة.

فإقليميا، مثل الموقف الإسرائيلي فرصة للولايات المتحدة لتعزيز سياستها تجاه أزمة البرنامج النووي الإيراني. وعلى الصعيد الدولي، جاءت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شأن إيران خالية من أي دليل فني وتقني علي أن الأخيرة تهدف إلي تصنيع سلاح نووي، فضلا عن مواقف الترويكا الأوروبية الرافضة لأي خيار عسكري للتعامل مع الأزمة، وموقف كل من الصين وروسيا الرافض لفرض عقوبات جوهرية ومؤثرة في إيران.

دفعت تلك المحددات الولايات المتحدة للتراجع عن لهجة التهديد باستخدام القوة، وإجراء عدة جولات من الحوار مع إيران لمناقشة سبل تحسين الوضع الأمني في العراق، بل وتأييد الحوافز التي تقدمت بها الترويكا الأوروبية لإيران.

سيناريوهات مستقبل الأزمة النووية الإيرانية:

تناول الفصل الخامس والأخير سيناريوهين محتملين لكيفية تعامل إدارة "بارك أوباما" مع الملف النووي الإيراني.

السيناريو الأول : سيناريو الصفقة. وفق هذا السيناريو، يري الكاتب أن نجاح الحوار مع إيران من شأنه أن يوفر بيئة أفضل للتوصل إلي صفقة ما بشأن عملية تخصيب اليورانيوم، يمكن من خلالها أن تقبل إيران التخلي عن تخصيب اليورانيوم، علي أن يتم تزويدها عبر مصدر دائم ومضمون بالوقود النووي، وهو اقتراح قدمته روسيا من قبل، فيما لم ترفضه إيران بشكل قطعي.

وفي المقابل، تلتزم الولايات المتحدة بعدة ضمانات أمنية لإيران، أو أن يتم الاتفاق علي شروط معينة، يتم وفقها تخصيب اليورانيوم في إيران، علي أن تخضع عمليات التخصيب لرقابة صارمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

السيناريو الثاني : سيناريو العقوبات. وهو سيناريو يقوم في الأساس علي فشل الحوار بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، اعتمادا علي العديد من العوامل التي تقلل من فرص نجاحه، ومن أبرزها تعدد القضايا الخلافية، وتعارض المصالح في بعض الأحيان، إلي جانب غياب الثقة بين الطرفين، ووجود تيار معارض للحوار داخل الإدارة الأمريكية.

وفق هذا السيناريو، سيكون أمام الولايات المتحدة نوعان من العقوبات ضد إيران، إما العقوبات الشاملة أو الانتقائية. ويشير الكاتب في هذا الإطار إلي أن فرص نجاح الولايات المتحدة في فرض عقوبات شاملة علي إيران قليلة، في ظل غياب التأييد الدولي لفرض مثل هذه العقوبات،الأمر الذي يرجح احتمال فرض عقوبات انتقائية تستهدف فئات معينة ولا تؤثر في الشعب الإيراني، في الوقت الذي تحتاج فيه الولايات المتحدة لدعم دولي لفرض عقوبات علي إيران، أيا كانت صفتها.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د‮. ‬العربى صديقى

    د‮. ‬العربى صديقى

    أكاديمي بقسم العلوم السياسية جامعة إكسيتر، بريطانيا