تحليلات - عالم عربى

السلفيون والأزمة اليمنية.. بين الدعوة والسياسة والسلاح

طباعة
تاريخ النشر: 19-10-2014
 
تثير سيطرة جماعة أنصار الله الحوثية على صنعاء وتمددها في اليمن، أسئلة مازال بعضها مقترنا بغموض مثل السؤال عن موقع التيارات السلفية اليمنية في هذا الصراع وموقفها تجاهه.
 
وتتطلب الإجابة على هذا السؤال رسم خريطة لأهم التيارات السلفية في اليمن، وتبيان الفروق بينها، ومراحل تطورها في العقود الثلاثة الأخيرة ومواقفها من الثورة اليمنية وحدود تأثرها بها، وصولا إلى موقعها في الصراع الراهن الذي ستقرر نتائجه مصير بلد عربي صار ضمن ضحايا حالة الاضطراب الإقليمي المتزايد.
 
أولا: التيارات السلفية في اليمن واتجاهاتها وتطورها:
 
للسلفية أكثر من تعريف اصطلاحي يدور فحواها جميعا حول معنى واحد هو: ما كان عليه الصحابة والتابعون(1) وسائر أصحاب الكتب الصحاح والسنن، دون من رمي بالبدعة أو شهر بلقب غير مرض مثل: الخوارج والروافض والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة.(2)
 
ويضيف الشيخ محمد عبده مزيد معنى للسلفية هو أنها: "فهم الدين على طريق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف، أو الرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى"(3)، ويرى الشهرستاني أن التحديد الزمني"ليس كافيا في الانتساب للسلف، لأن العبرة هي اتباع منهج السلف في تعاملهم مع القرآن والسنة، عقيدة وشريعة وسلوكا"(4). 
 
ويستفاد من ذلك أن المنهج السلفي لا يرتبط بمذهب فقهي معين، وإن كان المذهب الحنبلي هو أحد أهم روافده، ولا يهتم بتخصص معين في العلم الشرعي. وكذلك لا يرتبط بحقبة زمنية محددة، بل هو منهج يسع كل التخصصات الشرعية وكل المذاهب الفقهية. 
 
ارتبطت السلفية في اليمن باسم الشيخ مقبل بن هادي الوادعي الذي ولد في قرية بمحافظة صعدة في شمال اليمن ونشأ بها، ودرس علوم النحو واللغة، ثم انتقل إلى نجران ومكث فيها يواصل الطلب على بعض علمائها، وكانوا من طائفة المكارمة(5)، ثم رحل بعد ذلك إلى مكة، ودرس على علماء الحرم، والتحق بدار الحديث، ثم انتقل إلى المدينة، والتحق بالجامعة الإسلامية، ونال منها درجة الماجستير في علوم الحديث، ثم تغير مذهبه الزيدي في الفروع والأصول إلى مذهب أهل السنة والجماعة والتزم فقه وفكر المنهج السلفي.
 
ثم عاد الشيخ مقبل إلى اليمن، ومعه زاد من العلم يكفي لنشر دعوته ومذهبه الجديد مدعوما بماجستير في علم الحديث الذي تميز فيه حتى أُشير إليه بالبنان كأحد أقطابه، وأخذ الشيخ في نشر المذهب الجديد في مسقط رأسه في صعدة باليمن وأنشأ دارًا للحديث، فكانت النواة التي أخرجت بعد ذلك كل التيارات السلفية سواء التقليدية أو الحديثة، وانتشرت دعوة الشيخ في كافة بقاع اليمن تقريبا واستوعبت دار الحديث طلبة العلم من شتى بقاع الأرض.
 
وهناك تيارات سلفية كثيرة في اليمن يمكن اختزالها في ثلاثة هي:
 
التيار المشيخي، ويندرح ضمنه الشيخ مقبل الوادعي، مؤسس سلفية اليمن، وأهم سماته عدم الصدام مع الأنظمة الحاكمة، كما أنه لا يقر لها بالشرعية، والتيار الجامي(6) أو المدخلي(7)، ويتبعه الشيخ يحيى الحجوري، وأهم سماته إقراره بالأنظمة الحاكمة بالشرعية ووجوب الطاعة لها، والتيار السروري، نسبة إلى الشيخ محمد سرور(8)، ويميزه تحفظه على شرعية الأنظمة، من دون الدعوة إلى التكفير أو إلى رفع السلاح ضدها، وهو لا يشارك في العملية الديمقراطية باعتبارها مشاركة في التزوير، كون الأنظمة تتحكم في الانتخابات تحكما كاملا(9).
 
والملاحظ على هذه التيارات الثلاثة أنها لم تخرج عن أصول المنهج السلفي الذي يمنع الخروج على الحاكم مطلقا ما لم يأت بكفر بواح أو يمنع إقامة الصلاة، سواء اعترفوا بشرعية الحاكم وأقروه على الحكم، كما فعل الشيخ يحيى الحجوري وشيخه المدخلي، أو خالفوه ولم يخرجوا عليه كالشيخ مقبل وأصحاب التيار السروري، وذلك من أجل عدم الوقوع في مفسدة أعظم وهي سقوط الدولة وتمزق وحدتها.
 
وقد مرت السلفية في اليمن بثلاث مراحل:
 
1- مرحلة المنهج السلفي العلمي أو التقليدي
 
تعد مرحلة حياة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ومن بعده تلامذته مثل الشيخ يحيى الحجوري والشيخ أبي الحسن المأربي، نموذجا لمنهج السلفية العلمية أو التقليدية سواء الجامية أو المشيخية أو السرورية، إلا أن هناك عدة انقسامات تمت بين تيارات المنهج السلفي التقليدي، ظهر بعضها في حياة الشيخ المؤسس وظهر الآخر بعد رحيله. 
 
ففي أثناء حياته عام 1990م قرّرت مجموعة من السلفيين تأسيس ما يعرف بـ"دار الحكمة اليمانية الخيرية"، الأمر الذي أثار غضبه، لأنه رأى في تأسيسها مقدمة للعمل الحزبي ودخول معترك السياسة، وتمزُق الصف السلفي إلى تيارات، وسقوط هيبة علمائه، فقد كان موقفه يرفض العمل السياسي ويرى أنه لا يتناسب مع الدعوة .
 
وبعد عامين أي في سنة 1992م حدث انشقاق آخر داخل جمعية الحكمة نفسها، وأُعلن عن تأسيس جمعية الإحسان الخيرية، وبعد رحيل الشيخ مقبل في 2001م تطور الخلاف بين كبار تلامذته كأبي الحسن المأربي وخلفاء الوادعي وعلى رأسهم يحيى الحجوري، الذي هاجم هو وشيخه ربيع المدخلي، الشيخ أبا الحسين واتهموه بتحريف السلفية عن منهجها ومقاصدها.
 
2- مرحلة العمل الخيري
 
شهدت تبلور السلفية الجديدة الحركية عملها المؤسسي، من خلال كيانات أبرزها جمعية الحكمة اليمانية وجمعية الإحسان الخيرية ويعرف أتباعها بالتيار السروري.
 
أ- جمعية الحكمة اليمانية:
 
نشأت في عام 1990م، مخالفة لما اعتاده التيار السلفي التقليدي الذي يرفض إنشاء مثل هذه الجمعيات ويعتبرها من قبل العمل الحزبي المحرم. والتزمت الجمعية نفس المنهج السلفي السائد في اليمن والسعودية وهو التركيز على مباحث التوحيد، والتحذير من مضار البدع على الأمة وكيفية التصدي لها، مع بعض الأنشطة الخيرية، ويقع مقر الجمعية الرئيسي في محافظة تعز وكذلك محافظة إب، ويقوم عمل الجمعية الأساسي على الجانب الدعوي والخيري، وإنشاء مساجد على نفقاتها في مراكز مختلفة مع تدريب شبابها علميا، وإعدادهم للإمامة في تلك المساجد.
 
وتوجد علاقة وطيدة بين الجمعية وجمعية إحياء التراث الكويتية الخيرية التابعة لفكر ومنهج الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق(10)، وتعتمد في جزء كبير من تمويلها المالي على جمعية إحياء التراث، وتعد جمعية الحكمة الأكثر تعاونا وانفتاحا على التيارات الإسلامية السنية الأخرى وخاصة تيار الإصلاح، وتتجاوب بشكل أكبر مع المتغيرات السياسية والفكرية المستجدة على المشهد والساحة اليمنية، مع اهتمامها بشكل مباشر بقضايا المسلمين وخاصة قضية فلسطين.
 
ب- جمعية الإحسان الخيرية:
 
حدث خلاف بين بعض مؤسسي جمعية الحكمة اليمانية بسبب التبعية لجمعية إحياء التراث الكويتية وشيخها عبد الرحمن عبد الخالق، وضوابط التعامل مع الأنظمة الحاكمة الديمقراطية، بالإضافة إلى قضايا الانتخابات والأحزاب ومدى شرعيتها، فحدث تصدع بين مؤسسيها نتج عنه تأسيس جمعية جديدة تحت اسم جمعية الإحسان الخيرية سنة 1992م! وارتبطت جمعية الإحسان ارتباطا وثيقا مع جماعة المنتدى الإسلامي في لندن، التي تمتلك قدرات مالية هائلة من خلال العديد من الاستثمارات والتبرعات، وترفض الجمعية كل أشكال السياسة على الساحة اليمنية من انتخابات وتعددية سياسية وديمقراطية، غير أنها تهتم بشكل كبير بالقضية الفلسطينية من خلال خطابها الإعلامي.
 
ج- حركة الحرية والبناء السلفية:
 
ظهرت الحركة في مدينة إب، ويرأسها الشيخ يحيى الوجيه، أحد وجوه سلفية جمعية الحكمة، وتهتم الحركة بالعمل الاجتماعي، وتوجهها السياسي تبلور من رحم ائتلافات الثورة، وللحركة جملة من الفعاليات والأنشطة والكتابات وأيدت الحركة من قبل  قائد الجيش المناصر للثورة اللواء علي محسن الأحمر(11).
 
ثانيًا: موقف السلفيين في اليمن من العمل الحزبي والمشاركة السياسية
 
ربط جمع من علماء الدين العمل الحزبي والمشاركة السياسية بتحصيل المصالح ودرء المفاسد، فأينما توجد المصلحة فثم صحيح الدين، لذلك نجد فتاواهم تبيح المشاركات الإيجابية، إذا كانت هناك مصلحة ومنهم الشيوخ:
 
جاد الحق علي جاد الحق، ود. نصر فريد واصل،وعبد العزيز بن باز ومحمد صالح بن العثيمين، و د. يوسف القرضاوي، و د. عبد الكريم زيدان، و مناع قطان، و د. عمر سليمان الأشقر(12)
 
ويثير موقف السلفيين عموما من العمل السياسي مسألة أساسية وهي منهجهم في التعامل مع الآخر المختلف، ويرتبط هذا المنهج بتحديد طبيعة الخلاف مع الآخر فينقسم الخلاف(13) إلى خلاف تضاد وغالبا ما يكون في العقائد ومثاله اختلاف أهل السنة مع الخوارج والشيعة والمعتزلة والجهمية، والمرجئة. وهذا النوع من الاختلاف لا يتسامح فيه أصحاب المنهج السلفي قديما وحديثا، ويحاولون جاهدين الرد على المخالف كما فعل الكثير من العلماء في القرون الثاني والثالث والرابع الهجري(14)، بشأن عقيدة الألوهية والأسماء والصفات، ومن قبلهم الصحابة حيث رد عبد الله بن عمر على القدرية عندما تبرأ ممن زعموا أنه لا قدر وأن الأمر أُنف، وكذلك رفض الإمام أحمد بن حنبل القول بخلق القرآن الذي تبنى فيه الخليفة العباسي المأمون رأي المعتزلة، وقد ألف في هذا الصدد الكثير من علماء المنهج في الرد على مخالفيهم في قضايا العقيدة(15)
 
وثمة نوع آخر من الاختلاف وهو اختلاف التنوع وهو ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين مشروعا مثل تنوع القراءات ودعاء الاستفتاح، وأكثر اختلافات هذا النوع يقع في مسائل الأحكام، ولم يخل منها حتى عصر الصحابة، ومثاله حديث غزوة بني قريظة(16).
 
وكذلك كان الشافعي يقول(17): رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، وقال يونس الصًّدفيُّ: ما رايتُ أعقل من الشافعي ، ناظرتُه يوماً في مسألة ، ثم افترقنا ، ولقيني ، فأخذ بيدي ، ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة. (18)، وقول ابن تيمية وهو أحد رموز المنهج السلفي في القرن السابع الهجري: "الاختلاف في مسائل الأحكام أكثر من أن ينضبط ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء من مسائل الأحكام تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا إخوة".
 
3- مرحلة العمل الحزبي
 
وتتميز هذه المرحلة بازدياد  تفاعل بعض التيارات السلفية مع التغيرات الحادثة في المشهد اليمني، حيث بدأ بعضها في استيعاب المتغيرات على الساحة، فتم إنشاء حزب اتحاد الرشاد اليمني ليجمع تحت لوائه تيارات المنهج السلفي. وقد أُنشئ في مارس 2012م، بعدما كان هناك عزم على إنشاء كيان سياسي للسلفيين من قبل بعض رموز جمعيتي الحكمة والإحسان،. وقد شارك في تأسيسه: محمد بن موسى العامري، وعبد الوهاب الحميقاني، وعبدالله الحاشدي، وعبد الرب السلامي، من جمعية الإحسان الخيرية، وكذلك كل من: عقيل المقطري، ومراد القدسي، وعبد الله بن غالب الحميري،  من جمعية الحكمة، وإن كانت قيادات أخرى في هذه الجمعية أبدت تحفظًا على المشاركة.
 
وعندما حدث خلاف حول قضية الجنوب انفصل بعض المنتمين إليه عن اتحاد الرشاد السلفي بسبب عدم إعطاء هذه القضية الاهتمام الكافي وأسسوا حركة النهضة على أساس أن موقف اتحاد الرشاد من قضية الجنوب لم يختلف كثيرا عن موقف النظام السابق، وفق ما أعلنه السيّد صالح يسلم قدار، رئيس حركة النهضة في يافع وأبين.
 
وبمناسبة هذه القضية تجدر الإشارة إلى أن المنهج السلفي بوجه عام يرفض التقسيم في  أيٍ من الدول الإسلامية، وكذلك الحال في التعامل مع مشكلة الجنوب. لكن المنهج السلفي يواجه مشكلة في هذه القضية بسبب غضب الشارع في المحافظات الجنوبية، والدور الإيراني الداعم لانفصال الجنوب لتسهيل قيام إقامة دولة شيعية في الشمال.
 
وكان انطلاق الثورة اليمنية في 11 فبراير2012م، اختبارًا كبيرًا للسلفية، وفي خلال شهور الثورة ظهر التباين واضحا في مواقف التيارات المنتمية للمنهج السلفي. فقد أيد البعض السلطة، وهم أصحاب المنهج السلفي العلمي التقليدي، مثل يحيى الحجوري وتلامذته وكذلك أبي الحسن المأربي وتلامذته الذين طالبوا جميعا بالتزم طاعة ولي أمر المسلمين على حد وصفهم، وحرموا الخروج عليه، كما وصفوا الاعتصامات والمظاهرات بأنها ليست من الإسلام في شيء، وأنها تفضي إلى فتن كثيرة وتفتت الدولة اليمنية.
 
وعلى النقيض جاء موقف عدد من علماء ودعاة المنهج السلفي اليمني متضامناً مع الثورة، وشاركوا فيها كذلك، وأكثر هؤلاء كانوا من جمعيتي الحكمة والإحسان، ولم ينس هؤلاء المؤيدون للثورة اليمنية أن يحملوا على أصحاب المنهج التقليدي لوقوفهم مع الظلمة (نظام عبد الله صالح) باسم الدين.
 
  أما القسم الثالث فقد توقفت عن تأييد أو معارضة الثورة اليمنية، وكان أغلبهم أيضا من جمعيتي الحكمة والإحسان وأطلقوا عدة بيانات وسطية بعد تصاعد وتزايد حدة الثورة مؤكدين على حق الأمة اليمنية في الإنكار على حكامها وفي التغيير السلمي ومطالبين جنود الجيش وضباطه بعدم استخدام الرصاص الحي والعنف في تفريق المتظاهرين ورد المسيرات وفض الاعتصامات.
 
ثالثا: أبعاد  الصدام الراهن بين السلفيين و"الحوثيين":
 
أحدث الصدام مع "الحوثيين" تغييرا جوهريا في منهج السلفيين في  اليمن باتجاه حمل السلاح والقتال، فرغم أن أصحاب المنهج السلفي لا يحملون السلاح على الغير، إلا أن التيار السلفي العلمي بصعدة اضطر إلى حمل السلاح واستخدامه والصمود لسنوات مدافعا عن معهده العلمي ومشايخه في صعدة، بعدما عجزت الحكومة عن الدفاع عنهم، وحتى معركة دماج الأخيرة التي صمد السلفيون فيها أمام القوات الحوثية المنظمة والمدربة على كافة أنواع السلاح، وظل صمودهم قرابة المائة يوم، قُتل خلالها وجرح عدة آلاف منهم، ورغم ذلك تم تهجيرهم مع أهل دماج السُنة، خارج المدينة بعد اتفاقية رأوها جائرة بين الحكومة والحوثيين، ويثير هذا التغيير الجذري قضية قابلية المنهج السلفي للتجديد.
 
فيرى جمع من العلماء والمتخصصين أن من أهم مثالب السلفية الجمود والوقوف على منهج بات من الماضي العتيق، يقوده الأموات من قبورهم، وأنه لا يوجد أي تجديد يذكر في المنهج السلفي منذ عهد التابعين تقريبا، ويرد أصحاب المنهج السلفي بأنه ليست الحداثة كلها خيرًا وكذلك ليس القديم كله خيرًا، فالفيصل في الأمور هو المصالح والمفاسد، وهناك قسمان في المنهج السلفي يتميز كل منهما بسمات ومظاهر فالقسم الأول يشمل العقيدة والأخبار والأحكام الشرعية فكل هذا لا يتبدل ولا يتغير منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مرورا بالصحابة وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، أما القسم الثاني فيلحقه التغيير والتجديد كالفتاوى المرتبطة بالعرف والعادة والاجتهاد، ويكون ذلك التغيير مرتبط بتغير الزمان والمكان وأحوال الناس، ويكون التغيير بضوابط الشرع، وتراعى فيه المصالح والمفاسد.
 
ويتضمن القسم الثاني جانبا مهما هو القابلية للتجديد المستمر في الأمور والشئون الدنيوية والوسائل الحياتية فهذه جميعا قابلة للتغيير والتطوير، كتطوير الوسائل التكنولوجية والتصنيع إلى غير ذلك من الأمور. وهذا يفسر التغيير الذي لم يكن متوقعا في اليمن، وهو اتجاه قطاع كبير من السلفيين إلى العمل المسلح للدفاع عن النفس بدون التحول الذي يحدث في مثل هذه الحالة، وهو الانتقال من السلفية العلمية أو التقليدية إلى السلفية الجهادية.
 
الهوامش: 
 
(1)عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم..." . رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم
(2) ملامح رئيسية للمنهج السلفي – د. علاء بكر – مكتبة فياض ص 17:13، بتصرف يسير.
(3)الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده (340)، دراسة وتحقيق محمد عمارة، بيروت طبعة 1972، ص 318.
(4) الملل والنحل (الجزء الأول)، دار الكتب العلمية، ص44.
(5) الإسماعيلية السليمانية (المَكَارِمة): وهي فرقة إسماعيلية عبيدية مستعلية طيبية، انشقت عن الطيبية "البهرة" الداودية عام: 999م، ونسبتهم إلى سليمان بن حسن, وتوجد في مدينة حراز باليمن, كما توجد في مدينة نجران بالسعودية.
(6) محمد أمان بن علي جامي 1349 هـ - 1416 هـ ولد في الحبشة، وكان على المذهب الشافعي،  وسافر إلى السعودية وطلب العلم فيها، وصار له تلاميذ وطلبة علم منهم الشيخ ربيع المدخلي.
(7) الشيخ ربيع المدخلي شيخ سعودي، مواليد 1932م،  حصل على درجة الماجستير في الحديث من جامعة الملك عبد العزيز فرع مكة عام 1977، وفي عام 1980م حصل على الدكتوراه من جامعة الملك عبد العزيز أيضاً بتقدير ممتاز..
(8) الشيخ محمد سرور زين العابدين سوري الأصل كان مدرسا في سوريا، ثم تعاقد مع المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود، ودرس في المعهد العلمي ببريدة وعرف عنه نشاطه وتطلعه العلمي والدعوي والحركي. والسرورية فكر ومنهج وتنظيم، ومنشأ هذا الفكر السعودية ثم تعداها إلى بلاد أخرى، وهذا التيار ليس سلفيا كاملا، بل يجمع بين السلفية والإخوانية في رأي كثير من الخبراء.
(9) حركات الإسلام السياسي في اليمن – د. عبد الملك محمد عبد الله عيسى – مركز دراسات الوحدة العربية، ص 166.
(10 الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق  ولد بمحافظة المنوفية بمصر، حصل على العالمية من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وعمل مدرسا بمدارس الكويت ثم عمل في مجال البحث العلمي بجمعية إحياء التراث الإسلامي وقد صدر مرسوم أميري بتاريخ 31 أكتوبر عام 2011 بمنحه الجنسية الكويتية.
(11) علي محسن صالح الأحمر قائد عسكري يمني، بادر بتأييد الثورة اليمنية، وله معارك مع التنظيم الحوثي، وسافر للسعودية بعد سقوط صنعاء.
(12) د. محمد يسري إبراهيم  - المشاركات السياسية المعاصرة في ضوء السياسة الشرعية - ص 72-73 دار اليسر ، الموازنة بين المصالح والمفاسد وأثرها في الشأن المصري العام بعد الثورة ص 155 دار اليسر، ومعظم هؤلاء المشايخ وعلى رأسهم الشيخ ابن باز والشيخ ابن العثيمين لهم كلمة مسموع في الوسط السلفي، في كافة أنحاء العالم.
(13) انظر اقتضاء الصراط المستقيم – لابن تيمية – ص 49،50،51 طبعة مكتبة الصفا – 2005م
(14) يعتقد البعض أن ابن تيمية هو أول من تحدث في تفاصيل قضايا التوحيد والعقيدة، ولكن الصحيح أن العشرات من علماء السنة سبق ابن تيمية بمئات السنين في الرد على أصحاب المذاهب والملل الأخرى، ولهم مؤلفات في هذا الصدد انظر الحاشية رقم 15.
(15) على سبيل المثال: شرح السنة لأبي محمد الحسن بين علي البرهاوي، المتوفي سنة 329هـ، نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد، لعثمان بن سعيد الدارمي المتوفي سنة 280هـ، اتحاف الأمة بشرح صحيح السنة للطبري المتوفي سنة 310هـ، الرؤية للدارقطني المتوفي سنة 385هـ، التوحيد لابن خزيمة المتوفي سنة 311هـ، الأسماء والصفات للبيهقي المتوفي سنة 458هـ وغير هؤلاء الكثير لن يمنعنا من ذكرهم إلا خوف الإطالة.
(16) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) ففهم بعض الصحابة أن المراد به ظاهر الحديث وقالوا لا نصلي إلا في بني قريظة، حتى ولو دخل علينا العشاء، وجماعة أخرى قالوا: إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الحض على سرعة المسير وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103]، يشهد لهذا الرأي وصلوا العصر قبل الوصول لبني قريظة، ورغم اختلافهم رضي الله عنهم إلا أنهم لم يتنازعوا ولم يكفر أو يفسق بعضهم بعضا، وعند لقياهم النبي صلى الله عليه وسلم حَكَوا له الخلاف،  (فلم يعِبْ على أحد) انظر الحديث بتمامه في البخاري برقم :4117 , ومسلم برقم: 1769, وانظر فتح الباري وكذلك شرح النووي لمسلم لهذين الحديثين ففي قولهما فوائد جمة، خالفها أكثر اصحاب المنهج السلفي في عصرنا هذا.
(17) وأهل سنة اليمن ومنهم أصحاب المنهج السلفي مذهبهم الفقهي المعتمد هو المذهب الشافعي.
(18 سير أعلام النبلاء - جـ6 - صـ 399 - طبعة مؤسسة الرسالة - تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط
طباعة

تعريف الكاتب

جمال الدين إسماعيل أبوحسين

جمال الدين إسماعيل أبوحسين

باحث بمؤسسة الأهرام، نائب مدير تحرير مجلة السياسة الدولية.