مقالات رأى

انتخابات إيران.. الواقع والخيال

طباعة
تنقشع يوماً بعد آخر الغمامة التي حجبت عن وسائل إعلام عربية وأجنبية عدة حقيقة المشهد في إيران خلال الأيام التالية لانتخابات البرلمان (مجلس الشورى) ومجلس الخبراء في 26 فبراير الماضي. وينكشف مع مرور الأيام مدى المبالغات التي انطوت عليها تقارير بشرت بتغير مرتقب في السياسة الإيرانية، نتيجة اعتقاد أن الإصلاحيين فازوا بهذه الانتخابات.
 
وبعيداً عن الجدل حول ما إذا كان هناك إصلاحيون ومتشددون حقاً، أم أن النظام الإيراني واحد لكن بوجهين أحدهما هو الأساسي والثاني احتياطي يظهر عند الحاجة، يظل ضرورياً السعي إلى فهم ما حدث في الجولة الأولى للانتخابات، وموقع من يُطلق عليهم إصلاحيون فيها، وبالتالي توقع ما ستكون عليه سياسة طهران بعد إجراء الجولة الثانية.
 
وربما يكون المدخل المناسب لهذا التحليل هو تصنيف اتجاهات من يوصفون بالإصلاحيين في إيران. فهم ليسوا اتجاهاً واحداً، إذ يتوزعون على تيارات وأحزاب وحركات شتى مختلفة في توجهاتها. لذلك لا يوجد أساس موضوعي للحديث عن إصلاحيين كما لو أنهم كتلة واحدة أو تيار موحد، فهم مختلفون بشأن ما يعده كل منهم إصلاحاً.
 
ويتعذر فهم ما حدث في الجولة الأولى للانتخابات من دون معرفة أن الإصلاحيين الذين سُمح لهم بخوضها هم الأقل تعبيراً عن مواقف يجوز اعتبارها إصلاحية بحق، أو هم تحديداً من يقتصر الإصلاح لديهم على بعض السياسات الاقتصادية في الداخل ولا يمتد للنظام السياسي. أما على المستوى الخارجي، فهم مَن يريدون نيل ثقة الغرب عبر مواقف أقل تشدداً على المستوى الدولي، من أجل الحصول على ضوء أخضر للمضي قدماً في مشروع التمدد في المنطقة.
 
فقد مارس «مجلس صيانة الدستور» دوره المعتاد في استبعاد المرشحين الذين لا يروقون لمكتب المرشد الأعلى وتوجهاته. وعندما توسط رئيس الجمهورية حسن روحاني لدى هذا المجلس، كان معظم من أعادهم أقرب إلى اتجاهه الذي أصبح واضحاً في سياسة إيران الإقليمية الراهنة.
 
وهذا يفسر سهولة التحالف الذي حدث بين من يوصفون بأنهم إصلاحيون وجناح أساسي من المتشددين، على نحو يُعيد إنتاج صفقة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي أتاحت فوز روحاني الذي يؤدي وصفه بأنه «إصلاحي» إلى تمييع هذا المصطلح.
 
فقد تحالف الإصلاحيون في انتخابات مجلسي الشيوخ والخبراء مع ثلاثة من التيارات المتشددة، أولها جماعة «السائرون على خط الولاية» بقيادة علي لاريجاني رئيس البرلمان السابق، وثانيها قائمة «صوت الشعب» بقيادة علي مطهري. أما الثالث فهو تيار جبهة الصمود «إيستاركي»، وانضم إلى هذا التحالف أيضاً أنصار محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران المتشدد.
 
وحدث هذا التحالف نتيجة انقسام حاد ضرب أوساط المتشددين بسبب خلافات على قضايا كان أهمها بشأن تشكيل ائتلاف واسع يضم التيار الأكثر تطرفاً في هذه الأوساط وهو جبهة الصحوة «بايداري» القريبة من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
 
لذلك ينبغي أن تُقرأ تركيبة مجلسي الشيوخ والخبراء، بعد أن يكتملا عقب الجولة الثانية، في ضوء محددين أساسيين، أولها أن القوائم التي توصف في كثير من وسائل الإعلام بأنها «إصلاحية» هي قوائم مختلطة يضم كل منها مرشحين متشددين. وثانيها أن برنامج هذه القوائم يقوم على دعم سياسات الحكومة الحالية واستمرارها، وليس تغيير أي شيء فيها، كما يتنافس رموزها في تأكيد انتمائهم لـ«النظام والثورة»، ودعم مشروع إيران الإقليمي.
 
ويعني ذلك أن من يُعدون إصلاحيين لا يتطلعون إلى إصلاح ذي معنى، وخاصة على صعيد سياسة إيران الإقليمية، وركائز نظامها السياسي المصمم بدقة لكي يكون للمتشددين الكلمة الأخيرة فيه تحت أي ظرف.
 
والحال أن طموح معظم هؤلاء الإصلاحيين انخفض بشدة حتى مقارنة بما كان عليه قبل سنوات، على نحو يجعلهم قريبين من المتشددين الأقل تطرفاً، وهو ما أتاح التحالف بينهم في هذه الانتخابات، كما أن بعضهم ربما يشعرون بالامتنان، سواء لوجودهم خارج السجون التي يقبع فيها إصلاحيون حلموا بإصلاح حقيقي، أو لعدم إخضاعهم للإقامة الجبرية المفروضة منذ سنوات على بعض القادة الذين لم يشفع لهم تاريخهم مثل مهدي كروبي وحسين موسوي، أو لعدم حظر نشر أخبارهم وصورهم أسوة بالرئيس الأسبق محمد خاتمي وآخرين.
 
-------------------------------
نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 16-3-2016.
طباعة

تعريف الكاتب

د. وحيد عبد المجيد

د. وحيد عبد المجيد

مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام