مقالات رأى

النووي» الإيراني.. اتفاق يُضخم الأزمة

طباعة
من ‬لا ‬يعرف ‬التاريخ ‬لا ‬يفهم ‬السياسة، ‬ومن ‬لا ‬يستوعب ‬الثقافات ‬لا ‬يعرف ‬الحضارات، ‬ورصد ‬الاختلافات ‬لا ‬يغني ‬عن ‬فهم ‬التوافقات، ‬وأي ‬طغيانٍ ‬لجانبٍ ‬على ‬آخر ‬في ‬كل ‬هذه ‬الأبعاد ‬يورث ‬الخطل ‬والخطأ ‬والخطيئة: ‬الخطل ‬في ‬النصوص، ‬والخطأ ‬في ‬التفسير، ‬والخطيئة ‬في ‬النتيجة، ‬خطل ‬النصوص ‬أن ‬تكون ‬غير ‬محكمةٍ ‬وغير ‬واضحةٍ، ‬وخطل ‬التفسير ‬أن ‬تجمح ‬إمكانيات ‬التفسير ‬لكل ‬ما ‬هو ‬بعيدٌ ‬وشاذٌ، ‬وخطيئة ‬النتيجة ‬أن ‬تكون ‬مفتوحةً ‬لكل ‬التقلبات ‬والتغيرات.
 
ما ‬لا ‬يعلمه ‬الكثيرون ‬حول ‬العالم ‬هو ‬أن ‬دول ‬الخليج ‬العربي ‬شبّت ‬عن ‬الطوق، ‬وباتت ‬دولاً ‬تتعامل ‬في ‬سياساتها ‬الدولية ‬والإقليمية ‬والداخلية ‬وفق ‬أسسٍ ‬ علميةٍ ‬حديثةٍ ‬في ‬علوم ‬السياسة ‬والإدارة ‬والتنمية، ‬وفي ‬آليات ‬القيادة ‬والتأثير ‬والإنجاز، ‬وهي ‬تقرأ ‬المشاهد ‬الكبرى ‬والصغرى ‬بالكثير ‬من ‬الأناة ‬والتؤدة ‬وإن ‬بان ‬صدى ‬بعضها ‬مجلجلاً ‬وبالغ ‬التأثير.
الاتفاق يظل مفتوحاً
 
على ‬الرغم ‬من ‬كل ‬الجهود ‬المبذولة ‬غربياً ‬وإيرانياً ‬فلم ‬يزل ‬ملف «‬الاتفاق ‬النووي» ‬مفتوحاً ‬للقراءة ‬وللتفسير ‬وللنتائج، ‬أما ‬القراءة ‬فهي ‬مفتوحة ‬لفهم ‬كثيرٍ ‬من ‬السياسات ‬الدولية ‬وتوجهات ‬إداراتها، ‬وأما ‬التفسير ‬فهو ‬مفتوح ‬لفهم ‬توازنات ‬القوى ‬بين ‬حالتي ‬الصعود ‬والهبوط ‬الدوليين ‬واستيعاب ‬أحوال ‬الصراعات ‬الإقليمية، ‬وأما ‬النتائج ‬فهي ‬في ‬فهم ‬تزايد ‬الصراعات ‬وتزايد ‬الحروب، ‬التي ‬يتوجب ‬الوعي ‬بها ‬جميعاً ‬ووضعها ‬في ‬بوتقةٍ ‬تجمعها ‬بين ‬الماضي ‬والحاضر ‬والمستقبل، ‬ليس ‬عبر ‬الاستجابة ‬فحسب ‬بل ‬عبر ‬الخلق ‬والإيجاد.
 
إن ‬إمكانيات ‬التأثير ‬على ‬الاتفاق ‬لا ‬تزال ‬ممكنةً ‬عبر ‬طرقٍ ‬شتى، ‬ولدى ‬دول ‬الخليج ‬العربي ‬مخاوف ‬مستحقة ‬يجب ‬أن ‬تدخل ‬في ‬صلب ‬الاتفاق، ‬فالطموحات ‬الإمبراطورية ‬التوسعية ‬للجمهورية ‬الإسلامية ‬في ‬إيران، ‬يُراد ‬لها ‬أن ‬تتم ‬على ‬حساب ‬مصالح ‬دول ‬الخليج ‬والدول ‬العربية، ‬والإيديولوجيا ‬الإيرانية ‬التي ‬تخلط ‬الدين ‬بالسياسة، ‬والتي ‬تمثل ‬النسخة ‬الشيعية ‬من ‬فكر ‬وخطاب ‬حركات ‬الإسلام ‬السياسي ‬تحت ‬مسمّى «‬الثورة ‬الإسلامية»‬ غير ‬قابلة ‬للعيش ‬كدولة، ‬وإن ‬دعم ‬الإرهاب ‬وتنظيماته ‬سنياً ‬وشيعياً ‬لن ‬يستطيع ‬العالم ‬السكوت ‬عنه ‬طويلاً، ‬وإنْ ‬اختارت ‬بعض ‬دوله ‬غض ‬الطرف ‬مؤقتاً، ‬وخلايا ‬التجسس ‬والإرهاب ‬التي ‬يتم ‬الكشف ‬عنها ‬مراراً ‬وتكراراً ‬في ‬بعض ‬الدول ‬الخليجية، ‬والميليشيات ‬الشيعية ‬من ‬«حزب ‬الله» ‬اللبناني ‬إلى ‬حركة ‬«الحوثي» ‬في ‬اليمن ‬إلى ‬الكتائب ‬الشيعية ‬في ‬العراق، ‬كلها ‬حركات ‬إرهابية ‬شيعية ‬يجب ‬أن ‬تقف ‬على ‬صف ‬واحد مع ‬حركات ‬الإرهاب ‬السُنية ‬كتنظيم ‬«القاعدة» ‬وتنظيم ‬«داعش» ‬في ‬التصنيف ‬والنبذ ‬والإقصاء ‬والتشهير.
 
«‬استقرار ‬الفوضى»
 
إن ‬إيران ‬ليست ‬كوريا ‬الشمالية، ‬وليست ‬الهند، ‬بل ‬ليست ‬باكستان، ‬إنها ‬دولة ‬لم ‬تجد ‬طريقاً ‬للتخلي ‬عما ‬تسميه «‬الثورة ‬الإسلامية» ‬وهي ‬ترى ‬وجودها ‬واستمرارها ‬ومستقبلها ‬ملازماً ‬لخلق «‬استقرار ‬الفوضى» ‬في ‬المنطقة، ‬وهي ‬دولةٌ ‬طائفيةٌ ‬بنص ‬دستورها، ‬وعنصرية ‬تجاه ‬أقلياتها، ‬واقتصادها ‬شبه ‬منهار، ‬ونخبتها ‬الدينية ‬تحكم ‬البلاد ‬بالحديد ‬والنار، ‬وهي ‬نموذجٌ ‬للديكتاتورية ‬المقدسة ‬التي ‬تجمع ‬السيف ‬والمصحف ‬كما ‬كان ‬يقول ‬عبد ‬الرحمن ‬الكواكبي ‬من ‬قبل، ‬وهي ‬أقرب ‬لنموذج ‬الكنيسة ‬الغربية ‬في ‬العصور ‬الوسطى ‬في ‬أوروبا ‬إبّان ‬تحكم ‬رجال ‬الدين ‬في ‬رجال ‬السياسة.
 
إن ‬ما ‬يثبته ‬التاريخ ‬وتنطق ‬به ‬السياسة ‬هو ‬أن ‬الاتفاقات ‬السيئة ‬لا ‬تلغي ‬المشاكل ‬بل ‬تمنحها ‬الوقت ‬لتتضخم ‬وتصبح ‬أكبر ‬وأكثر ‬تعقيداً، ‬وهذا ‬شأن ‬الاتفاق ‬النووي ‬بين ‬إيران ‬والدول ‬الغربية، ‬بحيث ‬يمنح ‬الاتفاق ‬إيران ‬عشر ‬سنواتٍ ‬أو ‬خمس ‬عشرة ‬سنةً ‬لصناعة ‬القنبلة ‬النووية، ‬ومخطئ ‬من ‬يظن ‬أن ‬ذلك ‬لن ‬يفتح ‬باباً ‬واسعاً ‬لسباقٍ ‬شرسٍ ‬للتسلح ‬النووي ‬في ‬المنطقة، ‬وهو ‬ما ‬سيزيد ‬من ‬إشكاليات ‬المنطقة ‬وصراعاتها ‬وسيخل ‬بالتوازنات ‬التي ‬بدأت ‬تختل ‬بالفعل.
 
تعلم ‬دول ‬العالم ‬الكبرى، ‬والدول ‬النووية ‬منها ‬تحديداً ‬أن ‬السلاح ‬النووي ‬هو ‬سلاح ‬ردع ‬وليس ‬سلاح ‬هجومٍ ‬بما ‬فيها ‬كوريا ‬الشمالية، ‬ولكن ‬إيران ‬لا ‬تعلم ‬ذلك ‬ولا ‬تريده، ‬فهي ‬تريده ‬سلاح ‬هجومٍ ‬وتدميرٍ ‬وتوسعٍ، ‬والحروب ‬العالمية ‬كما ‬ينبئ ‬التاريخ ‬تنشأ ‬من ‬مستصغر ‬الشرر ‬لتحصد ‬ملايين ‬الأبرياء ‬وتفسد ‬الأرض ‬وتلوث ‬السماء ‬كما ‬تتحدث ‬الخبرة ‬البشرية، ‬ولن ‬تخضع ‬الدول ‬العربية ‬لا ‬قياداتها ‬ولا ‬شعوبها ‬لغزوٍ ‬فارسي ‬جديد ‬وإن ‬لبس ‬مسوح ‬التشيع ‬ورفع ‬شعارات ‬ثورية ‬بان ‬كذبها ‬واتضح ‬زيفها ‬في ‬أكثر ‬من ‬مكان.
 
لدى ‬دول ‬الخليج ‬كافة ‬الإمكانيات ‬لمواجهة ‬التحدي ‬الإيراني ‬لو ‬أرادت ‬أو ‬اختارت ‬مواكبة ‬إيران ‬في ‬تحدياتها ‬التي ‬تطرحها، ‬اقتصادياً ‬وسياسياً ‬وواقعياً ‬وعملياً، ‬فإيران ‬ليست ‬دولة ‬صلدة ‬كما ‬تحب ‬الدعاية ‬الإيرانية ‬أن ‬تصوّرها، ‬بل ‬فيها ‬الكثير ‬من ‬الاختلافات ‬والتناقضات ‬ليس ‬كشعب ‬فحسب، ‬بل ‬في ‬نظامها ‬السياسي ‬نفسه، ‬وفي ‬قواتها ‬المسلحة، ‬وفي ‬قواتها ‬الأمنية ‬التي ‬تم ‬توسيعها ‬وتعديدها ‬بعد ‬ما ‬عرف ‬بـ «‬الثورة ‬الخضراء» ‬2009.
 
صراع بين متشددين
 
ليس ‬في ‬إيران ‬إصلاحيون ‬بعد، ‬والصراع ‬القائم ‬اليوم ‬هو ‬بين ‬المتشددين ‬والأكثر ‬تشدداً ‬وكله ‬يدور ‬تحت ‬مظلة ‬المرشد ‬والسقف ‬الذي ‬يسمح ‬به ‬ويمنحه ‬لهذا ‬الطرف ‬أو ‬ذاك، ‬ولكن ‬يوجد ‬إصلاحيون ‬إيرانيون ‬يعيشون ‬في ‬الخارج ‬وتضمهم ‬المنافي ‬منذ ‬علّق ‬الخميني ‬المشانق ‬على ‬معدات ‬البناء ‬الثقيلة ‬وصار ‬يصلب ‬مواطنيه ‬في ‬الشوارع، ‬يوجدون ‬في ‬الخارج ‬أفراداً ‬أو ‬على ‬شكل ‬تجمعاتٍ ‬تفتقر ‬للدعم ‬والتنظيم ‬وأفضل ‬العاملين ‬بالخارج ‬هي ‬مريم ‬رجوي ‬التي ‬استطاعت ‬مؤخراً ‬حشد ‬تجمع ‬كبير ‬في ‬فرنسا ‬لإعلان ‬معارضة ‬الدولة ‬الثيوقراطية ‬الخمينية، ‬فمعارضة ‬الأحواز ‬العرب ‬لم ‬تزل ‬مشتتة ‬وضعيفة ‬التأثير ‬إعلامياً ‬فضلاً ‬عن ‬غيرها ‬من ‬الأقليات ‬أو ‬المعارضة ‬التي ‬تحتاج ‬لجهودٍ ‬كبرى ‬وبخاصةٍ ‬في ‬الإعلام ‬لإسماع ‬صوتها ‬في ‬الداخل ‬الإيراني ‬وفي ‬الإقليم ‬وفي ‬الدول ‬الغربية ‬ودول ‬العالم ‬الكبرى، ‬لأن ‬لدى ‬هؤلاء ‬الإصلاحيين ‬الكثير ‬مما ‬يمكن ‬أن ‬يطرحوه ‬حول ‬النظام ‬والشعب ‬والفساد ‬والمستقبل.
 
كما ‬أن ‬إيران ‬محاطةٌ ‬بعداء ‬تاريخي ‬مع ‬دول ‬الجوار، ‬فلدى ‬إيران ‬أقليات ‬عابرة ‬للحدود ‬في ‬كل ‬اتجاه، ‬فلديها ‬مثلاً، ‬البلوش ‬الذين ‬يمتدون ‬إلى ‬باكستان ‬ودول ‬الخليج، ‬ولديها ‬الأحواز ‬العرب، ‬ولديها ‬الكرد، ‬ولديها ‬أقليات ‬تتبع ‬دول ‬آسيا ‬الوسطى ‬من ‬الآذاريين ‬وغيرهم، ‬ولديها ‬أفغانستان، ‬وكلها ‬ملفاتٌ ‬قابلة ‬للتحريك ‬والتأثير.
 
إدارة أوباما ‬انسحابية ‬وانعزالية
 
بعد ‬مضي ‬أشهر ‬على ‬إعلانه ‬إلا ‬أن ‬الغموض ‬لم ‬يزل ‬يكتنف «‬الاتفاق ‬النووي» ‬بين ‬الدول ‬الغربية ‬وإيران، ‬فنصوصه ‬وملاحقه ‬لم ‬تترجم ‬بعد، ‬أو ‬ربما ‬ترجمت ‬ولكنها ‬لم ‬تنشر، ‬وهي نصوص ‬مهمة ‬للاطلاع ‬على ‬تفاصيلها ‬ومحاورها ‬وشروطها ‬وآلياتها، ‬ولكن ‬ربما ‬لا ‬يحتاج ‬المراقب ‬لتلك ‬النصوص ‬ليعلم ‬أن ‬المرحلة ‬التاريخية ‬التي ‬نمر ‬بها ‬هي ‬مرحلة ‬حرجة ‬وحساسة، ‬وأن ‬رؤية ‬وطموحات ‬الإدارة ‬الأهم ‬في ‬العالم ‬وهي ‬إدارة ‬الرئيس ‬أوباما ‬تتسم ‬بسمات ‬ثلاث: ‬فهي ‬ضد ‬أي ‬تدخل ‬في ‬أي ‬منطقة ‬من ‬العالم ‬بوصفها ‬إدارةً ‬انسحابية ‬وانعزاليةً، ‬تنتمي ‬لتاريخ ‬قديم ‬لدى ‬الولايات ‬المتحدة ‬الأميركية ‬منذ ‬ما ‬بعد ‬الحرب ‬العالمية ‬الأولى، ‬ولكن ‬لذلك ‬استثناء ‬يكمن ‬فيما ‬يكون ‬ضد ‬مصالح ‬الدول ‬العربية، ‬حيث ‬تدخلت ‬أميركا ‬في ‬مصر ‬إبان ‬ما ‬كان ‬يعرف ‬بالربيع ‬العربي، ‬وهددت ‬بالتدخل ‬عند ‬نزع ‬حكم ‬«الإخوان ‬المسلمين»، ‬ومثله ‬موقفها ‬من ‬الاضطرابات ‬في ‬مملكة ‬البحرين، ‬وهي ‬ضد ‬أي ‬مواجهة ‬مع ‬روسيا، ‬كما ‬أنها ‬ضد ‬أي ‬مواجهة ‬فعلية ‬ضد ‬تنظيم ‬إرهابي ‬مثل «داعش»، ‬ومن ‬يستمع ‬لخطب ‬الرئيس ‬أوباما ‬يعلم ‬أنه ‬غير ‬جاد ‬في ‬مواجهة ‬تنظيمات ‬الإرهاب ‬وليس ‬مستعداً ‬لمواجهة ‬التهديدات ‬الدولية، ‬ومن ‬آخرها ‬كلمته ‬بعد ‬أحداث ‬كاليفورنيا، ‬والتي ‬لم ‬يتذكر ‬فيها ‬أن ‬ثمة ‬سابقة ‬في ‬أميركا ‬وهي ‬تجنيد «‬أنور ‬العولقي» ‬لشخص ‬يدعى «‬حسن ‬مالك» ‬قتل ‬فيها ‬العديد ‬من ‬الجنود ‬الأميركيين.
 
تخاذل دولي
 
من ‬المعيب ‬أن ‬يكون ‬قائد ‬العالم ‬جباناً ‬ومتخاذلاً، ‬ولكن ‬عملياً ‬فإن ‬ذلك ‬يخلق ‬فراغاً ‬سياسياً ‬يجب ‬أن ‬يملأ، ‬كما ‬يخلق ‬سياسيات ‬جديدة ‬تسعى ‬لفرض ‬الهيبة ‬وبسط ‬الهيمنة ‬ونشر ‬النفوذ ‬وقبل ‬هذا ‬كله ‬حماية ‬المصالح، ‬وقد ‬أبرز ‬هذا ‬أمرين: ‬الأول، ‬سياسات ‬جديدة ‬كلياً ‬لدول ‬مناطق ‬النزاع، ‬والثاني، ‬خلل ‬في ‬التحالفات، ‬ونزوع ‬إلى ‬القوة، ‬وتصعيد ‬للصراعات.
 
يفكر ‬بوتين ‬كما ‬فكر ‬بوش ‬من ‬قبل، ‬وذلك ‬أن ‬مواجهة ‬الإرهاب ‬في ‬منابعه ‬أفضل ‬من ‬انتظار ‬وصوله، ‬ويفكر ‬أوباما ‬أن ‬ترك ‬الإرهاب ‬وعدم ‬مواجهته ‬حتى ‬يواجهه ‬المعنيون ‬به ‬هو ‬الأفضل، ‬وبوتين ‬لا ‬يعرف ‬سوى ‬الإرهاب ‬السُني، ‬ولذلك ‬سيفشل، ‬وأوباما ‬لا ‬يعرف ‬شيئاً ‬عن ‬خطر ‬الإرهاب ‬أو ‬لا ‬يريد ‬ذلك، ‬لأنه ‬معتقد ‬بوجهة ‬نظر ‬ترى ‬أن ‬الإسلام ‬السياسي ‬وحركاته ‬هي ‬الأفضل ‬لقيادة ‬المنطقة، ‬وهي ‬الحل ‬وليست ‬المشكلة، ‬ولذلك ‬سيفشل، ‬وسيواجه ‬الإرهاب ‬مجدداً ‬وما ‬العملية ‬الإرهابية ‬في ‬كاليفورنيا ‬مؤخراً ‬إلا ‬شاهد ‬على ‬الطريق.
 
لطالما ‬تحدث ‬الكتاب ‬الغربيون ‬الكبار ‬عن ‬مشكلات ‬المنطقة ‬وكيف ‬يتناولونها، ‬ولكنهم ‬كما ‬يصيبون ‬كثيراً ‬في ‬تقديم العديد ‬من ‬الرؤى ‬لبلدانهم ‬إلا ‬أنهم ‬يخطئون ‬في ‬قراءتهم ‬لصراعات ‬المنطقة ‬وطبيعتها ‬وتركيبتها، ‬وما ‬ينبغي ‬أن ‬تفعل ‬وما ‬يفترض ‬أن ‬تترك، ‬لأن ‬كثيراً ‬منهم ‬ببساطة ‬غرباء ‬عنها، ‬ولا ‬يعرفونها ‬إلا ‬لماماً، ‬من ‬خلال ‬كتابات ‬بعض ‬المستشرقين ‬الأفذاذ، ‬أو ‬الأقل ‬درجة، ‬الذين ‬يقرأون ‬لبعضهم ‬شيئاً ‬مما ‬يكتب ‬ثم ‬يبنون ‬الصورة ‬التي ‬يوظفونها ‬في ‬أبحاثهم، ‬والرؤى ‬الاستراتيجية ‬التي ‬يرسمون، ‬ومن ‬هنا ‬فإن ‬صناعة ‬العقول ‬المفكرة ‬في ‬المنطقة ‬ورعايتها ‬وتطويرها ‬مهمة ‬جلّى ‬والحاجة ‬لها ‬ملحة ‬والاهتمام ‬بها ‬ضرورة، ‬كما ‬أن ‬ترك ‬الساحة ‬الإعلامية ‬والثقافية ‬والخيرية ‬والأكاديمية ‬الغربية ‬دون ‬أي ‬تأثيرٍ ‬هو ‬خطأ ‬آخر.
 
في انتظار رئيس صارم
 
ولكن، ‬مستقبلاً ‬هل ‬يمكن ‬للخيار ‬الإيراني ‬أن ‬ينجح؟ ‬أم ‬أن ‬مصيره ‬الفشل؟ ‬في ‬محاولة ‬الإجابة ‬فإن ‬إيران ‬ستنجح ‬إلى ‬حد ‬ما، ‬ولكن ‬الفشل ‬سيكون ‬مصيرها، ‬فهي ‬تراهن ‬على ‬ملفات ‬عدة، ‬منها: ‬التخاذل ‬الغربي، ‬ولكن ‬المستقبل ‬ينبئ ‬برئيس ‬صارم ‬لأميركا ‬وهو ‬ما ‬سيغير ‬كثيراً ‬في ‬الولايات المتحدة ‬وفي ‬التوازنات ‬الدولية، ‬وكذلك ‬الاستقواء ‬بالروس ‬في ‬المنطقة، ‬ولكن ‬هل ‬روسيا ‬قادرة على ‬الصمود ‬في ‬مواجهة ‬الغرب؟‭ ‬وهل ‬اقتصادها ‬قادر ‬على ‬الصمود ‬فترة ‬طويلة ‬دون ‬التفاهم ‬مع ‬الدول ‬العربية؟ ‬أم ‬أنها ‬استغلت ‬اللحظة ‬التاريخية ‬وستحاول ‬إنهاءها ‬بأسرع ‬وقت ‬والمحافظة ‬على ‬النفوذ ‬الدولي ‬الجديد ‬الذي ‬اكتسبته؟
 
خطر على العالم
 
لا ‬يجب ‬الخلط ‬بين ‬الملفات، ‬فإيران ‬النووية ‬لن ‬تكون ‬خطراً ‬على ‬دول ‬الخليج ‬فحسب، ‬بل ‬ستكون ‬خطراً ‬على ‬العالم ‬بأسره، ‬وصواريخها ‬الباليستية ‬تستطيع ‬أن ‬تضرب ‬بكّين، ‬وأطراف ‬موسكو، ‬وخلاياها ‬النائمة ‬قادرة ‬على ‬الضرب ‬في ‬أي ‬مكان، ‬لأن ‬من ‬يجد ‬ثمرة ‬الإرهاب ‬دون ‬رادعٍ، ‬يستمرئ ‬استخدامه، ‬وهي ‬فعلت ‬ذلك ‬من ‬قبل ‬ومن ‬بعد، ‬ويكفي ‬أي ‬جرد ‬حساب ‬صغير ‬لجرائم ‬حزب ‬الله ‬اللبناني ‬لكشف ‬ذلك، ‬أو ‬جرائم ‬القاعدة ‬لإيضاحه. ولكن ‬ما ‬الحل؟ ‬وكيف ‬يجب ‬التصرف؟ ‬وما ‬هي ‬السبل ‬لمواجهة ‬تحد ‬بهذا ‬الحجم؟ ‬الحلول ‬كثيرة ‬ومتعددة، ‬سبقت ‬الإشارة ‬لبعضها ‬أعلاه، ‬ولكنها ‬لتبلغ ‬مداه ‬تحتاج ‬بذلاً ‬وإحكاماً ‬يليق ‬بها، ‬وهنا ‬يجب ‬استحضار ‬أن ‬المشاريع ‬في ‬المنطقة ‬ثلاثة: ‬المشروع ‬الإيراني ‬الذي ‬يعتمد ‬الطائفية، ‬والمشروع ‬التركي ‬الذي ‬يعتمد ‬الأصولية، ‬والمشروع ‬العربي ‬الذي ‬يعتمد ‬الاعتدال. ختاماً، ‬فإن ‬المشروع ‬الذي ‬يمتلك ‬الوعي ‬المتقدم ‬والكافي ‬سيجد ‬طريقه ‬للحل، ‬ولرسم ‬النهايات ‬السعيدة، ‬وحماية ‬السيادة ‬ورعاية ‬المصالح ‬والتأثير ‬على ‬التوازنات ‬الدولية ‬والإقليمية ‬والظفر ‬بالنصر.
 
-------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 14-12-2015.
طباعة

تعريف الكاتب

عبد الله بن بجاد العتيبي