مقالات رأى

التدخل الروسي والتسوية في سوريا

طباعة
يقول أنصار التدخل العسكري الروسي من السوريين إن هذا التدخل يهدف لضرب المنظمات الإرهابية وإضعافها والخلاص منها، وذلك استباقاً وخشية من أن تقفز هذه المنظمات إلى القوقاز وتصبح مشكلة روسية. أما الموالون للسلطة فقد رحّبوا بهذا التدخل وتظاهروا تأييداً له، وزارت وفود منهم السفارة الروسية لهذا الغرض (ما زال في عالمنا من يرحّب بالتدخل العسكري بشؤون بلاده). وهم يؤكدون وجود مهمات أخرى للتدخل إضافة لمحاربة الإرهاب، هي مساعدة جيش السلطة على محاربة المعارضة المسلحة (جميعها بنظرهم منظمات إرهابية)، حتى يكون هذا التدخل انعطافاً نوعياً في الصراع القائم في سوريا.
 
من طرف آخر، يرى محلّلون مقرّبون من السياسة الروسية، كما سرّبت الأوساط الروسية أن هذا التدخل سيكون محدود المدة وله أهداف شاملة غير ما ذكرت، أو غير ما يطفو على سطح الإعلام، ويؤكدون أن هدف السياسة الروسية إيصال السلطة السورية إلى قبول محادثات التسوية وإقناعها بالحل السياسي الذي ترفضه حتى الآن، وبعدم جدوى الحل العسكري. ويكون ذلك بأن يقوم هذا التدخل بتقليم أظافر إيران وإقناع النظام بالتوقف عن إلقاء البراميل المتفجرة والتخلي عن الميليشيات غير السورية وإعادتها إلى بلادها، وحل الميليشيات المحلية (قوات الدفاع الوطني) وضمّ مَن يرغب من أفرادها إلى الجيش، وبالمحصلة إشعار النظام السوري بأن الوجود العسكري الروسي جدير بحمايته أكثر من هؤلاء جميعاً، وأن مطالبه أقل من مطالبهم، وهو يبعد الصراع الطائفي ويخلّص السلطة السورية من الهيمنة الإيرانية المطلقة. وعلى ذلك، فإن هذا التدخل يعقلن الجميع ويجعل مختلف الظروف المحيطة بالصراع هادئة وطبيعية وبعيدة عن الغرائز والقرارات الانفعالية والثأرية.
 
إلا أن ما يجري في الواقع يشير إلى احتمالات عديدة قد لا تساعد على تحقيق هذه الأهداف، فيما إذا كانت السياسة الروسية تعمل من أجل تحقيقها فعلاً. فالتدخل العسكري الروسي قصف مدنيين في أكثر من مكان سواء كان ذلك قصداً أو بالخطأ. لكن قسماً من الشعب السوري يعتبر الأمر قصفاً مقصوداً، وبالتالي يتراكم في وعيه عداءً للروس ورفضاً لمقترحات روسية للحل. وقد لاحظ السوريون تلاشي الحديث عن مؤتمرات «موسكو 1» و «موسكو 2» و «الآستانة 1» و «الآستانة 2» وجميعها من اقتراحات السياسة الروسية، إذ بدت هذه السياسة طرفاً مشاركاً في الصراع لا تقل مشاركتها عن مشاركة إيران.
 
من مصالح روسيا تثبيت الوجود العسكري البحري في طرطوس والقاعدة العسكرية الجوية في مطار حميميم، باعتبارهما القاعدتين الأساسيتين لروسيا في شرق البحر المتوسط، والحفاظ عليهما مهمة استراتيجية ومسؤولية كبيرة. ولعل هذا يتحقق من خلال التدخل العسكري. كما من مصالح روسيا منع مرور الغاز الإيراني والقطري من سوريا إلى أوروبا لمنافسة الغاز الروسي فيها، وهذا أيضاً هدف استراتيجي مهم، إضافة إلى أن التضييق على إيران هو تضييق على الخلافات الطائفية، بما في ذلك ما تواجد منها في القوقاز، وبالتالي إدخالها في اللعبة السياسية بالمنطقة وأيضاً في روسيا.
 
من جهة أخرى، ترى السلطة السورية كما ترى السياسة الروسية أن هذا التدخل العسكري الروسي سيكون طرفاً مساعداً على توازن القوى قبيل أي محادثات للتسوية، بل تطمح بأن تتبنى السياسة الروسية موقف هذه السلطة كاملاً من الحل، خاصة أن هذه السياسة دأبت خلال سنوات أربع على تأكيد ثوابت قريبة من رأي السلطة، وحمت الموقف السوري في مجلس الأمن. وعلى ذلك، فسيكون هذا التدخل جزءاً من توازن القوى الذي يفرض نفسه على التسوية المحتملة، ولن يستطيع لا الأميركيون ولا الأوروبيون ولا دول المنطقة تجاهل هذا التواجد ودوره في الحل. ومن المؤكد أن هذا الدور يفوق مرات عديدة الدور الذي كان يمكن أن يكون قبل التدخل أو من دونه. ومن الطرف الغربي الأميركي والأوروبي، سيحسب الجميع حساباً جدياً للوجود الروسي الذي جعل السياسة الروسية هي الأقوى واقعياً في سوريا، وتلاشت أمامها المساعدات المالية والتسليحية والإعلامية والسياسية التي تقدّمها دول إقليمية، فقد كان التدخل الروسي عاملاً فعالاً في إنعاش السلطة السورية من جهة وإحباط الآخرين الإقليميين والأوروبيين والأميركيين من جهة أخرى. لقد قلب الرئيس بوتين الطاولة بوجه الأميركيين، خاصة أن سياستهم مترددة طوال أربع سنوات وما زالت، ويبدو أنها حائرة لناحية كيفية التعامل مع الأزمة السورية من دون خسائر، ومن دون إغضاب بعض دول المنطقة أو الدول الأوروبية أو التخلي الكلي عن السلطة السورية ونظامها السياسي، وتخشى خشية جدية من انهيار النظام بكامله ومؤسساته السلطوية (كأجهزة الأمن والجيش) والسياسية (كالحكومة) والمؤسسات الاقتصادية الأخرى مما يؤدي إلى انهيار شامل وحروب داخلية متعددة، كما هو حال ليبيا.
 
يبدو أن الإدارة الروسية ترى في الأزمة السورية مسألة بسيطة، وتعتقد أن ضرباتها العسكرية ستقنع المعارضة بقبول مشروعها للتسوية الذي هو لمصلحة النظام من دون شك، وأقرب إلى تسوية طارئة غير عميقة لا تخرج عن إطار قبول الطرفين المتبادل وتجاهل ما جرى والعفو عن الجرائم، وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر الممثلة بقبول النظام إدخال بعض المعارضين في الحكومة المقبلة وتسليم بعضهم الآخر إدارة مؤسسات عامة اقتصادية وإدارية، وتجاهل ما جرى من تدمير وخسائر وعدم محاسبة أحد. ولاشك في أن هذه النظرة المبسطة للتسوية في سوريا لا تفيد أحداً بسبب عدم واقعيتها، فبعد الذي جرى من خسائر وتدمير وقتل واعتقال وتشريد وهجرة ونزوح، لا يمكن أن يقبل الشعب السوري مثل هذه التسوية الطارئة، ولن يحل المسألة إلا العمل الدؤوب لما يدخل إلى أعماق المشكلات ويحلّها. ولعل ألف باء هذه التسوية تتمثل في إعادة هيكلة النظام السياسي، والخلاص من الدولة الأمنية، وإقامة نظام ديموقراطي تعددي تداولي يأخذ معايير الدولة الحديثة باعتباره.
إن المثير للانتباه هو موقف الدول العربية وخاصة دول الجوار إضافة إلى تركيا، فبعضها أيّد الوجود العسكري الروسي وبعضها الآخر سكت عن هذا الوجود والبعض الثالث لم يعد يتحدث عن مشاريع تسوية شاملة، فكأن هذا التدخل حسم الموقف لمصلحة السلطة والأمر في الواقع ليس كذلك. كما أن الجميع اعتبروا أن الأزمة السورية أصبحت كلياً بيد السياستين الروسية والأميركية، وما عداهما ما هو إلا عضو في «كورس» الحل لا فعالية له.
 
--------------------
* نقلا عن السفير،  24-10-2015
طباعة

تعريف الكاتب

حسين العودات