مقالات رأى

أبو مازن رهين محبسه

طباعة
يكافح الرئيس الفلسطيني وقد استبد به الغضب من الأطر الفصائلية والحركية المحيطة به، وتساقط الأصدقاء في الطريق منذ بداية تسلمه السلطة لإحكام سيطرته على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح، فبعد غضبه على محمد دحلان وسلام فياض وياسر عبد ربه الذين كانوا أركان الحكم في السابق دعا إلى عقد جلسة للمجلس الوطني وهو برلمان منظمة التحرير لانتخاب لجنة جديدة بعد أن أصاب العجز والمرض الكثير من أعضائها، لكن كانت هناك عقبة توفير النصاب القانوني للجلسة، حيث يعارض كثيرون عقدها من الفصائل والمستقلين فلجأ إلى بند يتيح انعقادها ولو لم يكتمل النصاب، وهو استقالة تسعة من أعضاء اللجنة التنفيذية كآخر وسيلة لتغيير اللجنة التنفيذية. ويحاول أبو مازن أيضاً عقد المؤتمر السابع لحركة فتح لانتخاب مجلس ثوري جديد ولجنة مركزية جديدة، لكن ثمة عقبات تعترض هذا الانعقاد لأن حوالي ستة من أعضاء المركزية يخشون أن يتم العمل على إسقاطهم في انتخابات المؤتمر.
 
وكان أبو مازن حدد مطلع سبتمبر/ أيلول لكي تنهي اللجنة التحضيرية للمؤتمر السابع أعمالها لكن اللجنة لم تنجز التحضيرات رغم أن المؤتمر سيعقد في نوفمبر/تشرين الثاني، إذ يبدو أن الرئيس الفلسطيني على وشك أن يغامر بأوراقه الأخيرة سياسياً، ويراهن على المشروع الفرنسي المزمع تقديمه إلى مجلس الأمن قبل نهاية العام بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبحث هذا الموضوع مع الرئيس الفرنسي على هامش احتفال افتتاح قناة السويس، وثمة مشاورات جارية بين باريس ورام الله لعقد اجتماع نهائي بين الرئيسين الفرنسي والفلسطيني في باريس الشهر المقبل، على أمل أن تنجح فرنسا في إقناع واشنطن بعدم استخدام حق الفيتو ضده.
فالرئيس الفلسطيني فقد الأمل في أي تغيير في السياسة «الإسرائيلية» التي لم تعد مهتمة بحل الدولتين بل تعمل على الأرض بالاستيطان لإجهاضه وفشلت الاتصالات المباشرة، واللقاءات السرية التي جرت خلال الفترة الأخيرة في بناء الثقة بين الجانبين ، بينما «إسرائيل» منهمكة في اتصالات مع حركة حماس وتركيا وقطر لبلورة اتفاق الهدنة طويلة الأمد مقابل رفع الحصار.
 
الرئيس أبو مازن يعيد ترتيب البيت الفلسطيني داخلياً على مقاس انسحابه التدريجي والبطيء من الحياة السياسية ويريد قيادة جديدة لحركة فتح تكون قادرة على لم شمل التنظيم الذي أصابه الوهن نتيجة التجاذبات الداخلية، ويريد لجنة تنفيذية جديدة، لا تعاند توجهاته كما الأخيرة التي كانت تعارض بعض قراراته ، لكنه كان ينفذ ما يريد رغم معارضة مركزية فتح. وهو كمن يبدو سينسحب رويداً بعد أن يئس من تحقيق حلمه أو برنامجه السياسي الذي أعلنه في الانتخابات، أي توفير الأمن والأمان وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967وقد نجح في توفير الأمن وقضى على الفلتان الأمني وأعاد بناء أجهزة الأمن التي فقدت مقراتها بفعل القصف «الإسرائيلي»، لكن الملف السياسي ظل جامداً بل إن ملف المصالحة وإنهاء الانقسام بقي عالقاً، وكان يأمل في إنجاز مصالحة تعيد اللحمة للأراضي الفلسطينية لكن ذلك لم يحدث بل يرى غزة تبحر نحو قبرص التركية وكأنها تنفصل عن الجسد الفلسطيني مقابل ثمن باهظ ربما أفظع من أوسلو لأن المطالب «الإسرائيلية» من حماس ثقيلة، وتحتاج إلى مشاورات تستغرق أكثر من نصف سنة.
 
فهل خسر أبو مازن كل شيء ولم يبق له حلفاء كالسابق نظراً لتردي الأوضاع في كل الساحات العربية أم أنه راهن على معجزات استحال حدوثها ؟ .. هو بطبعه لا يتحدث لغتين بل يقول في الخفاء ما يقول في العلن، والسياسة تريد وجهين وثعلبة خارقة أو كامنة، فهل سينجح في إعادة ترتيب البيت أم أنها محاولة ترقيع في الوقت الضائع؟ كل شيء يبدو على ارتباط بالملف السياسي وربما بالمشروع الفرنسي لأن أبو مازن يريد تحقيق إنجاز سياسي ينسحب تحت بريقه بهدوء ربما العام المقبل، فهو تجاوز الثمانين ولم تعد صحته تساعده على الصمود وسط الضغوطات الشديدة التي يتعرض لها. وأظن أنه كرجل عنيد لن ينسحب مدحوراً بل لديه من المفاجآت ما يمكن أن يكون رافعة له، ولن يفر من القارب قبل أن يلحق الضرر بقارب خصومه، وعلى رأسهم نتنياهو.
فلو قارنا بين مشهد من كانوا حوله في بداية حكمه والمشهد الآن، لوجدنا الوجوه تغيرت ولم يبق سوى من يسمعه من الكلام ما يريد سماعه ويمتنع البعض عن إبداء الرأي حتى لا يثيروا غضبه أو يحل عليهم سخطه. فإذا كنت وصفت الرئيس عرفات في أواخر أيامه بأنه رهين المحبسين.. محبس الاحتلال ومحبس المحيطين به فإن أبو مازن رهين محبس المحيطين.وكنت أسمع من بعض المحيطين الكبار بعرفات عبارات الشتم ووصفه بأنه أصيب بالخرف وأسمع الآن بعضهم يكرر بعض العبارات ضد أبو مازن من أنه دكتاتور لا يسمح بالنقاش ويعاند ويتمسك برأيه.
 
-----------------------------------
* نقلا عن دار الخليج، 25-8-2015.
طباعة

تعريف الكاتب

حافظ البرغوثي