مقالات رأى

صمود مؤسسة الدبلوماسية المصرية

طباعة
يتردد على لسان البعض أن جماعة الإخوان نجحت فى اختراق مؤسسات الدولة بما يعقد المواجهة معها ويؤدى لتعدد أبعادها. أتفق جزئيا مع هذا الطرح من حيث وجود اختراق إخوانى لبعض مؤسسات الدولة، وهو أمر متفاوت الدرجة أبرزه اختراق المؤسسات التعليمية بما يجعل البعد الثقافى مكونا أساسيا فى عملية المواجهة. لكن على الجانب الآخر وفى المجمل ظلت مؤسسات الدولة عصية على كل محاولات الاختراق المتكررة. نذكر كيف اُطلقت بالونة اختبار بعد خلع مبارك عبر مطالبة الجماعة بتخصيص نسبة من المقبولين بالكلية الحربية لأبنائها، ووقتها هبت عاصفة تؤكد أن المؤسسات الوطنية ناهيك عن مؤسسة الجيش تحديدا يتم الالتحاق بها وفق معايير موضوعية لا سياسية. ثم نذكر كيف تسربت أنباء عن محاولات فاشلة لتأليب رئيس الأركان على وزير الدفاع، وكيف اختُلقت شائعات وهمية عن انشقاقات فى صفوف الجيش إلى حد الهذيان بادعاء أن الجنود الذين أردتهم رصاصات الخسة فى 19 أغسطس 2013 قتلوا لرفضهم طاعة الأوامر. محاولات مستميتة لتكسير مؤسسات الدولة وخلق مؤسسات بديلة تقوم على الولاء للتنظيم الدولى للجماعة، محاولات تجد من يصدقها ويتحسب لها، وفى هذا المقال مناقشة للفكرة عبر تسليط الضوء على مؤسسة الخارجية المصرية التى تعرضت لمحاولات الاختراق الإخوانى فأبت وتماسكت وضربت مثالا فى الوطنية يتسق مع تاريخها العريق.
 
كان حكم الإخوان فى عز شراسته (ووصف الشراسة مقصود لهدف سنتبينه لاحقا) عندما نشرت الصحف المصرية نبأ زيارة إلى طهران فى 27 أبريل الماضى قام بها وفد ترأسه عصام الحداد مستشار مرسى للعلاقات الخارجية، وضم محمد رفاعة الطهطاوى رئيس ديوان رئيس الجمهورية وأسعد الشيخة نائبه وابن شقيقة مرسى. كانت تركيبة الوفد تدعو للتساؤل، فالوفد المذكور خلا من تمثيل وزارة الخارجية آخذا فى الاعتبار أن طهطاوى بات محسوبا على الرئاسة، وكان وزير الخارجية نفسه فى زيارة عمل للولايات المتحدة وقد بدأ الضوء ينحسر عنه لصالح الحداد إعمالا لمنطق أخونة الدولة. لكن تركيبة الوفد لم تكن وحدها مثار التساؤل، بل إن مبرر الزيارة نفسه كان مدعاة للدهشة، فقد وصفت الصحف المصرية هدف الزيارة بتفعيل المبادرة الرباعية التى اقترحها مرسى فى القمة الإسلامية الاستثنائية بمكة، وهى مبادرة ولدت من الأصل ميتة بسبب الاختلاف الشديد بين وجهات نظر أطرافها، فضلا عن اعتراض المعارضة السورية على دور إيران بوصفها جزءا من المشكلة لا الحل.
 
أحيطت الزيارة بالسرية التامة ووردت التعليمات بشأنها إلى بعثتنا فى طهران بواسطة الرئاسة لا الخارجية، وسافر الوفد على متن طائرة خاصة حتى إذا أعلنت السلطات الإيرانية خبر الزيارة، أُحِرج المسئولون المصريون واضطروا بدورهم للإعلان. كانت إيران قد وصلت إلى نتيجة مؤادها أن نظام الإخوان غير قادر على إحداث تغيير حقيقى فى السياسة الخارجية المصرية عموما وتجاه إيران خصوصا، وذلك بسبب ضغط السلفيين فى الداخل والضغط الأمريكى فى الخارج. وتأكدت لها هذه النتيجة أولا عبر إرسال سفير جديد لمصر فى إسرائيل مقابل عدم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسى مع إيران. وتأكدت لها ثانيا بعد خطاب مرسى فى قمة عدم الانحياز وغمزه من قناة فى المذهب الشيعى. لذلك كان إعلان إيران عن الزيارة السرية يهدف إلى كشف الإخوان أمام حلفائهم من السلفيين، وإثبات لمن يهمه الأمر أن إيران تكتسب أهمية إقليمية متجددة تستعصى على الحصار رغم كل تطورات المشهد السورى. وهكذا شاع أمر الزيارة، كما تم تسريب بعض تفاصيل لقاء الوفد مع وزير النفط الإيرانى الذى تم بدون تنسيق مسبق مع جهات الدولة المعنية فى مصر التى لو أحيطت علما ما قبلت بخرق العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
 
فى طهران ضرب شابان فى بداية عملهما الدبلوماسى نموذجا رائعا للوطنية، وعوضا بأدائهما الرفيع غياب تمثيل الخارجية فى تشكيل الوفد الإخوانى. فعندما صرح الطهطاوى بما ينم عن تنصله من تمثيل الدولة التى ينتمى إليها قائلا إنه شخصيا كان يؤيد مقتل الرئيس السادات بعد اتفاقية كامب ديفيد، وتندر القائم بالأعمال الإيرانى فى مصر متسائلا هل يعنى ذلك الإبقاء على اسم شارع خالد الإسلامبولى أم تغييره؟ تدخل سكرتير أول فى السفارة المصرية منبها الطهطاوى إلى أن القتل ليس وسيلة للتغير السياسى وأن السادات يحظى بالاحترام والتقدير ومن غير المقبول الحديث بتلك المفردات عموما وفى إيران خصوصا عن رمز من رموز مصر. يا الله! من ينبه من؟. هذا الشاب واسمه باسم حسن سيعود لاحقا ليدون على الورق جملة «مصر أعظم من هذا التقزيم» احتجاجا على مداخلة أخرى للطهطاوى يطمئن فيها الإيرانيين على قوة الإخوان وقدرتهم على إدارة البلاد. أما اللحظة المفصلية التى حمل فيها باسم وزميله السيد غنام مستقبليهما على كفيهما فجاءت حين امتنع الوفد عن وضع الجيش فى صورة المباحثات الأمنية رفيعة المستوى التى أجراها مع بعض المسئولين الإيرانيين، فما كان من هذين الشابين وقد استشعرا خطورة الأمر بالنسبة للأمن القومى المصرى إلا أن قاما بإبلاغ الجهات المعنية بمضمون تلك المباحثات. لكن لو غضب الطهطاوى، ولو علم الشاطر لأطيح بالشابين إلى حيث لا يعلم أحد، إلا أن باسم والسيد وضعا فى موقف لا يجوز فيه الاختيار فانحازا دون تفكير لتقاليد المؤسسة الدبلوماسية وموجبات الانتماء الوطنى، وليكن بعد ذلك ما يكون.
 
هذه القصة مهداة إلى كل القلقين من الانتشار الإخوانى فى مؤسسات الوطن لعلهم يخلصون منها إلى أن تنظيما يقل عمره عن مائة عام ليس بقادر على أن يهدد تماسك مؤسسات الدولة المصرية أو يغير فى ركائزها قط.
 
--------------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الخميس 26/12/2013.
طباعة

تعريف الكاتب

نيفين مسعد