مقالات رأى

إستراتيجية إقليمية جديدة لإسرائيل

طباعة

أعادت أحداث الأسبوع الماضى فى غزة القضية الفلسطينية عامة، وغزة خاصة، إلى جدول الأعمال. وأظهرت ازدياد نفوذ حركة «حماس» بفعل نمو مكانتها فى مصر، وازدياد قوة سائر التنظيمات الفلسطينية التى تحصل على تمويلها من طهران وتتلقى أوامرها المباشرة منها.

قبل هذه الجولة من التصعيد، عاد نتنياهو من زيارته للولايات المتحدة حاملا معه تفهم واشنطن وقلقها وتضامنها بالإضافة إلى تعهدات بضمان أمن إسرائيل. إلاّ إنه عاد أيضا مع موقف أمريكى واضح يرفض خطوة عسكرية إسرائيلية ضد إيران. ويدل تسلسل الأحداث على أن أى عملية إسرائيلية منفردة ضد إيران لن تكون إعلانا للحرب على إيران فحسب، بل ستؤدى أيضا إلى نشوب أزمة خطيرة مع الإدارة الأمريكية الحالية، التى يبدو أنها هى التى ستستمر فى الحكم فى الأعوام الأربعة المقبلة.

فى الواقع، ستظل يد إسرائيل مقيدة حتى نوفمبر المقبل، إذ باتت العقوبات الاقتصادية الآن فى عهدة الولايات المتحدة. من هنا، لو تعمقنا فى مضمون القرار الذى جرى التوصل إليه بعد زيارة نتنياهو واشنطن، لأدركنا أن خطابه أمام إيباك والكنيست الإسرائيلى، حيث لمح إلى إمكان شن هجوم إسرائيلى على إيران، هدفه إظهار نجاح زيارته لواشنطن، إلاّ إنه، فى المقابل، بيّن معارضة نتنياهو لما جرى الاتفاق عليه.

 لقد نجح أوباما، الذى يقف على عتبة عام انتخابى، فى الاستفادة من اللحظة  السياسية من أجل فرض العقوبات على إيران، وإذا نجح فى كبح إيران فإن ذلك يمكن أن يخدمه انتخابيا، ولكن من الواضح أنه لن يقدم على أى عمل متطرف من الآن وحتى موعد الانتخابات. وحتى بعد هذا التاريخ، وفى حال لم توقف العقوبات سعى إيران لامتلاك سلاح نووى، فمن المستبعد جدا أن نرى أوباما يشن هجوما على إيران فى ديسمبر من هذه السنة ولا فى سنة 2013، إذ إن أوباما، الذى خرج من العراق، والذى يخطط لسحب قواته من أفغانستان، لن يقدم على الأرجح على مغامرة عسكرية معقدة ضد إيران، فهو يدرك تماما أن هذه الحرب لن تكون سريعة، وأنها ستجر وراءها تدخلا بريا أكثر تعقيدا وتوريطا من التدخل فى العراق وفى أفغانستان.

وعلى الأرجح، لن يرغب أوباما، خلال ولايته الثانية، فى أن يذكره التاريخ  بصفته الرئيس الذى ورط أمريكا فى «الوحل الإيرانى». استنادا إلى هذه الأسباب كلها، يبدو الاعتقاد أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية المقبلة ستهاجم إيران خطأ ومجرد وهم. بناء على ذلك، ما هى الإمكانات المتاحة أمام إسرائيل؟ فإذا أخذنا فى الاعتبار أن يد إسرائيل ستكون مقيدة ولن تحظى بإجماع أو بتأييد لشن هجوم قريب لها على إيران فى حال فشل العقوبات، لا يبقى لها سوى أن تهدد، لكن يتعين على إسرائيل أن تدرك أنه حتى التهديد قد ينقلب ضدها فى ظروف معينة. من هنا تحتاج إسرائيل إلى صياغة استراتيجية إقليمية خاصة بها. ففى ظل التطورات من حولنا، التى تؤدى إلى مزيد من التطرف فى العالم العربى، وفى الوقت الذى تحظى فيه غزة بدعم مصرى وإيرانى، ومع اختفاء الأنظمة العربية المعتدلة أو على الأقل التى كانت قوية، فضلا عن الغموض وازدياد خطر عدم الاستقرار، وتقلص هامش الرد الإسرائيلى على تحول إيران إلى دولة نووية، وضعف نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة، لا يبقى أمام إسرائيل سوى البحث عن حوافز جديدة يمكن أن تبنى عليها نفوذها الإقليمى.

من بين هذه الحوافز الاستراتيجية المهمة التى يمكن لإسرائيل أن تعتمد عليها مخزون الغاز فى حوض البحر المتوسط، إذ يبدو أن إسرائيل قد أهملت حتى الآن الأهمية الكامنة فى هذا المخزون. إن إقامة علاقات مع قبرص واليونان وبلغاريا لا تشكل حلفا إقليميا مهما، وهى تدل على الضعف أكثر مما تدل على القوة.

إن للغاز أهمية إقليمية ودولية كبيرة، وتشمل دائرة المصالح المتعلقة بالغاز فى لبنان ومصر وتركيا وأوروبا وروسيا، وفى الدائرة الأوسع تدخل أيضا الهند واليابان والصين. إن المبادرة إلى قيام تعاون إقليمى واسع من شأنها أن تجعل من إسرائيل قوة عظمى فى مجال الطاقة وذات أهمية استراتيجية تتيح لها تغيير الخريطة الإقليمية بصورة جذرية. فعلى سبيل المثال، قد لا يشكل تزويد الهند بالغاز الإسرائيلى بديلا من النفط الإيرانى، لكن يمكنه، مع التعاون الأمريكى، أن يشكل ثقلا مضادا مهما فى وجه إيران. كما يمكن العمل على إيجاد تعاون إقليمى مع لبنان وتركيا.

------------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الأربعاء 21/3/2012.

طباعة

تعريف الكاتب

يسرائيل زيف