مقالات رأى

إغلاق هرمز والمسؤولية الدولية

طباعة

من جديد تدق طبول الحرب في منطقة الخليج العربي، وهذه المرة حول مضيق هرمز الذي أطلق شرارتها نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي عندما أعلن بأن إيران لن تسمح بمرور قطرة نفط واحدة عبر مضيق هرمز إذا ما فرضت الدول الغربية عقوبات جديدة على بلاده بسبب برنامجها النووي لاسيما تلك التي يمكن أن تمس مباشرة القطاع النفطي الإيراني.

الأمر الذي جعل القادة العسكريين الإيرانيين يرفعون لغة المواجهة أثناء المناورات البحرية التي أجرتها إيران حول الخليج العربي ويتباهون بقدرتهم على إغلاق المضيق بسهولة تفوق سهولة «ارتشاف قدح من الماء».

ومن جهتها ردت الولايات المتحدة وعلى لسان قادتها العسكريين المتواجدين في المنطقة ومن خلال وزير دفاعها ليون بانيتا بأن إغلاق مضيق هرمز «خط أحمر» لن تسمح به الولايات المتحدة. وعليه أصبحت منطقة الخليج تعيش في دوامة جديدة من التوتر والتكهنات.

بالطبع لكل جانب مبرراته للتصعيد، إلا أن ما يهمنا في هذا المقام المسؤولية الملقاة على الجهات الدولية للتحرك من أجل مواجهة مثل هذا التهديد لأمن واستقرار ليس فقط دول منطقة الخليج العربي بل أيضاً الأمن والاستقرار العالمي.

فأهمية هذا المضيق للاقتصاد العالمي كبيرة جداً، والتداعيات التي يمكن أن تلحق به وبأمن واستقرار الكثير من الدول من جراء قيام حرب هرمزية عالمية أيضاً، مما يحتم على الجميع اتخاذ موقف موحد وحازم تجاه مثل تلك التهديدات وعدم الاكتفاء بلعب دور المشاهد لأحداث قد تصل إلى أن يخرج الجميع من بعدها متضرراً. وعليه يبرز هنا دور العديد من الجهات الدولية للتحرك في مواجهة مثل تلك التهديدات، والتي نذكر منها:

أولاً، المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة ومجلس أمنها، معنيٌ بالتحرك لردع مثل هذا الخطر على الاقتصاد العالمي. فمهمة مجلس الأمن تتمثل في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وردع التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها دول أعضاء في المنظومة الدولية وكل ما يمكن أن يهدد الأمن والاستقرار العالمي. ولما كان المضيق هو ممر دولي فإن ضمان عدم إغلاقه أو التهديد بإغلاقه تظل مسؤولية دولية لجميع الدول.

فالقانون الدولي المتمثل في معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار تشير وبصراحة بأنه من واجبات الدول المشاطئة للمضايق أن لا تعيق المرور العابر ولا توقف المرور البري (المادة 44)، وهي ملزمة بعمل كل التدابير لتفادي التأخيرات أو غيرها من الصعوبات ذات الطابع التقني في حركة المرور بالمضايق (المادة 130).

فالتهديد بإغلاق مضيق بحجم وأهمية مضيق هرمز يعتبر تعدياً على القانون الدولي وانتهاكاً لسيادة دولة أخرى مشاركة في عملية إدارة المضيق.

مثل هذا الأمر يتطلب من المجتمع الدولي التحرك سياسياً من خلال إحالة موضوع هذه التهديدات إلى المحكمة الدولية لقانون البحار أو محكمة العدل الدولية أو أية محكمة خاصة تستطيع الاضطلاع بهذا الموضوع لوضع حد لمثل هذه التهديدات التي لها تأثيرات خطيرة على الأمن والاستقرار الدولي.

ثانياً، الدول الإقليمية المتضررة من تداعيات التهديد بإغلاق المضيق لها الحق في رفع دعوات قضائية على الطرف المهدد في المحافل الدولية. فدول الخليج تعتمد اعتماداً شبه كامل على المضيق في تجارتها الخارجية لاسيما النفطية منها. فهناك ناقلة واحدة تمر كل ست دقائق عبر المضيق، وتقدر كمية النفط التي تمر من خلاله بما يقارب 17 مليون برميل يومياً.

فالمضيق من دون أدنى شك هو ممر حيوي ومهم للنفط المصدر من قبل جميع الدول المنتجة له والمطلة على الخليج العربي، حيث إن نحو 90 في المائة من النفط السعودي، و98 في المائة من النفط العراقي، و99 في المائة من النفط الإماراتي، و100 في المائة من النفط الكويتي، و100 في المائة من النفط القطري يمر عبر مضيق هرمز.

هذه الأهمية الإستراتيجية للمضيق بالنسبة للدول الخليجية تحتم عليها أن يكون لها موقف واضح لا يشترط فيه إثارة الغير بل يشترط فيه إرسال رسائل واضحة بأن مثل تلك التهديدات تضر بالمصلحة الوطنية لدول المنطقة الخليجية وأنها كدول متضررة ترفض أن تقف مكتوفة اليدين، وأن على الجميع ممارسة دورها المسؤول وضبط النفس والابتعاد عن لغة التهديد التي من شأنها التعدي على حقوق ومصالح دول أخرى.

ثالثاً، الدول المستوردة للنفط الخليجي، وخاصة تلك التي تعتمد اعتماداً كبيراً على نفط الخليج في دعم اقتصاداتها، هي أيضاً لا يمكن أن تظل تشاهد ما يدور في المنطقة من تهديدات من شأنها عرقلة الملاحة من الخليج العربي. فالمضيق مهم وحيوي لها هي أيضاً.

فاليابان تعتمد على المضيق في وصول 85 في المائة من حاجتها من النفط، وكوريا الجنوبية تعتمد على المضيق لإيصال 72 في المائة من حاجتها من النفط، والهند تعتمد على المضيق للحصول على 65 في المائة من حاجتها من النفط، والصين تعتمد على المضيق لإيصال 34 في المائة من حاجتها من النفط، والولايات المتحدة تعتمد على المضيق لضمان 18 في المائة من حاجتها من النفط.

فماذا سيحدث لاقتصادات مثل تلك الدول إذا ما تمت بالفعل عرقلة الملاحة البحرية في مضيق هرمز؟!

الإجابة معروفة وليست بحاجة لتكرار، ولكن الخطر الأبرز هو أن التأثر السلبي لاقتصادات تلك الدول سيعني التأثر السلبي للاقتصاد العالمي بشكل أكبر باعتبار أن تلك الدول محورية للاقتصاد العالمي.

لذلك فإن على مثل تلك الدول التحرك من أجل احتواء خطر عرقلة الملاحة في مضيق هرمز من خلال الضغط السياسي والاقتصادي على كل من يتسبب في إثارة التهديدات التي من شأنها إحداث أضرار جسيمة باقتصاداتها.

فالصين واليابان والهند دول على علاقات اقتصادية وسياسية مع إيران وتستطيع من خلال تلك العلاقة أن تفرض نوعاً من الضغط السياسي أو الاقتصادي عليها لثنيها عن الاستمرار في إطلاق تصاريح نارية ذات تأثيرات شديدة على اقتصاداتها.

فالحضور الصيني السياسي والاقتصادي واضح في إيران، وأن طهران تعول عليه في مواجهة الضغوط الغربية، لذلك يمكن لبكين لعب دور معين بحكم تلك العلاقة في إقناع إيران بالابتعاد عن مثل تلك التهديدات.

إن إغلاق مضيق هرمز أو التهديد به هي مسؤولية من المفترض أن يضطلع بمواجهتها عدة أطراف دولية باعتبار أن تداعياتها كبيرة ومؤثرة على المستوى العالمي بأكمله وليس فقط على مستوى إقليمي معين. لذلك فإن الجميع عليه أن يلعب دوره في هذا المجال قبل أن يقع الفأس على الرأس.

------------------
* نقلا عن البيان الإماراتية 15 يناير 2012.

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد بن هويدن