مقالات رأى

الحاجة إلى تغيير السياسة الخارجية الأمريكية تجاه مصر

طباعة

اصطف المصريون هذا الأسبوع للتصويت في أول انتخابات برلمانية منذ سقوط نظام الرئيس حسني مبارك. وجاء الإقبال الكبير على الانتخابات السلمية التي نظمت بشكل جيد متناقضا بشكل صارخ مع العنف والفوضى اللذين شهدهما الأسبوع السابق، عندما عاد مئات الآلاف إلى ميدان التحرير إثر مقتل ما لا يقل عن 42 شخصا وجرح 3000 على أيدي قوات الأمن. لكن لا ينبغي أن تنخدع واشنطن بالهدوء الذي عاد إلى الشوارع المصرية. فحتى الانتخابات الناجحة لا يمكنها محو أشهر من سوء الإدارة السياسية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أو سفك الدماء الذي ارتكب تحت إشرافه.

وقد أدانت وزارة الخارجية الأميركية أعمال العنف في التحرير، ودعت المجلس العسكري لنقل السلطة إلى المدنيين في أسرع وقت ممكن. قد يشكل ذلك بداية جيدة، ولكنه ليس كافيا. فمن الواضح أن حكام مصر العسكريين يعتقدون أنهم نجوا من الأزمة السياسية، وأنهم صدوا الدعوات المطالبة بتغييرات سياسية أكثر تطرفا. وربما يفوز الجنرالات على المدى القصير، مع تضاؤل الأعداد في ميدان التحرير وتوجيه المصريين أبصارهم تلقاء الانتخابات والمشاحنات السياسية.

بيد أن أعمال العنف التي جرت مؤخرا تدلل على أن قيادة المجلس العسكري قد هيأت الظروف التي يمكن من خلالها للمشكلات والتحديات - ولو كانت صغيرة - أن تتسبب في اندلاع فوضى هائلة. ولقد تبين أن مقاربة واشنطن الحالية لمصر والتي أولت أهمية للدبلوماسية الخاصة على حساب ضغط الرأي العام، يجب أن تتغير.

وإجمالا، فقد قامت إدارة أوباما تجاه مصر بدور أفضل مما يعتقد غالبية منتقديها، فقد سعت الإدارة إلى تشكيل سلوك الجنرالات بالثناء عليهم في العلن، بينما كانت تدفعهم بهدوء من وراء الكواليس. هذه الطريقة كانت تؤتي ثمارها في بعض الأحيان، لكنها حطت من مكانة أميركا في عيون كثير من المصريين. وقليل من المصريين (أو الأميركيين) يعرفون ما يحرك السياسة الأميركية تجاه مصر أو ما قامت به الولايات المتحدة، إذ يعتقد معظم الثوريين أن أوباما يتآمر مع الجنرالات ضدهم. حتى هذا الأسبوع، كان من الممكن تأييد التوازن بين النفوذ الخاص وضغط الرأي العام، بيد أن العنف المنظم غير المقبول في ميدان التحرير وتصعيد القمع في مختلف أنحاء البلاد ضد الصحافيين والمتظاهرين والأجانب يغير تلك المعادلة. فقد وقفت الولايات المتحدة شبه صامتة في الوقت الذي توفي فيه العشرات من المصريين، وأطنان قنابل الغاز المسيل للدموع الأميركية الصنع تقصف ميدان التحرير. ولم تتحرك واشنطن إلا بعد بضعة أيام مطالبة كلا الجانبين بضبط النفس - الأمر الذي سبب غضبا عارما في صفوف المتظاهرين المسالمين - والدعوة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وصعدت واشنطن من لهجتها في الأيام الأخيرة، بما في ذلك البيان الصادر عن البيت الأبيض الداعي للمجلس العسكري إلى نقل السلطة لحكومة مدنية «في أقرب وقت ممكن». لكن الأمر لم يلاحظ إلا من فئة قليلة من المصريين.

هذا الرد السلبي الحذر تسبب في ضرر بالغ لجهود الرئيس أوباما في إبراز موقف الولايات المتحدة المؤيد للعرب الذين يريدون العيش في مجتمعات ديمقراطية، وأن الوقت قد حان لإدارة أوباما أن تتفاعل مع الأحداث الآنية وأن تدرك أن التحول في مصر على المحك، ومن ثم ينبغي أن توليه اهتمامها.

وتدل الأحداث التي جرت في الأسبوع الماضي على أن الجيش قادر تماما بمكائده وحساباته الخاطئة على تعزيز عدم الاستقرار الذي يبدو أن المسؤولين الأميركيين يخشونه أكثر من غيرهم. بيد أن ما يقوم به المجلس العسكري ليس السبب الوحيد المقنع لتغيير السياسة.

فقد حددت الإدارة معيارا جديدا للشرعية في استجابتها للأحداث في ليبيا وسوريا، من بين بلدان أخرى، وهو أن القادة الذين يستخدمون العنف ضد شعبهم يخسرون مكانتهم في الحكم، وعلى الرغم من صعوبة وضع المشير محمد حسين طنطاوي وضباطه في نفس فئة معمر القذافي وبشار الأسد، فإن المعيار نفسه ينبغي أن ينطبق على مصر.

وينبغي أن تبدأ استجابة إدارة أوباما ببيان رئاسي عام وواضح، يحدد ما يعنيه نقل السلطة إلى حكومة مدنية. وأن هذا لا ينطوي على الإشراف الدقيق على السياسة المصرية بصورة قد تجازف بردة فعل قومية في مصر، لكن واشنطن يجب أن تعلم الجيش المصري، الذي يتلقى 1.3 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة، بأن بذل هؤلاء الضباط الجهود لتأسيس دور سياسي لهم بعد المرحلة الانتقالية السياسية أمر غير مقبول.

إضافة إلى ذلك، ينبغي على واشنطن أن تلقي بثقلها خلف الانتخابات الرئاسية، وهو المطلب الذي تتقاسمه كل القوى السياسية تقريبا، والذي وافق عليه المجلس العسكري مؤخرا تحت الضغط. وينبغي عليها أيضا الإصرار على رد سريع إلى مطلبها الدائم بوقف محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية ووقف العمل بقانون الطوارئ والذي جعل من هذه المحاكمات وسيلة أخرى للقمع. وينبغي أن تقف أيضا بحزم ضد فرض رقابة على الإعلام وتأليب المواطنين ضد المتظاهرين والصحافيين الغربيين. ومن الضروري أيضا على الإدارة أن تطالب بمحاسبة حقيقية للمسؤولين عن العنف ضد المدنيين.

مصر تدخل الآن شهورا من الانتخابات التي تعد الأمل في إقامة نظام ديمقراطي يريده المصريون ويستحقونه. وقد حان الوقت الآن لواشنطن أن تدفع قادة الجيش في مصر إلى القيام بالتغييرات السياسية المطلوبة للوفاء بهذا الأمل.

* لينش أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة جورج تاون، وكوك زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية.

------------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية الأحد 4/12/2011.
 

طباعة

    تعريف الكاتب

    سيريل تاونسند

    سيريل تاونسند

    سياسي بريطاني ونائب سابق