تحليلات

التحديات المستقبلية للاتحاد الأوروبى في 2023.. الواقع والآفاق

طباعة

تمثل التداعيات الجيواستراتيجية للحرب الأوكرانية أحد أبرز التحديات التى تواجه دول الاتحاد الأوروبى خلال العام الجديد، فقد نتج عنها مطالبات بمراجعة الترتيبات الأمنية الأوروبية المستقرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل سبعة عقود، فضلا عن الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة الطاقة التى تؤثر فى دول الاتحاد، وأدت إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، هذا فى ظل التشكيك فى آلية عمل مؤسسات الاتحاد ودعوات لتعديل ميثاقه وإجراءات توسيع عضويته بالتوازى مع صعود تيار اليمين الأوروبى المتطرف المؤيد لتقليص دور الاتحاد مقابل تعزيز السيادة الوطنية لدوله، ما أثار التكهنات حول احتمالات تفكك الاتحاد أو عجزه عن اتخاذ القرار إثر تفاقم أزماته. 

*محددات آنية:

-الانقسام بين دول الاتحاد: أبرزت الحرب الأوكرانية انقساما كبيرا بين دول الاتحاد الأوروبى الـ (27) ما يصعب معه الخروج بسياسة خارجية وأمنية موحدة له، فعلى الرغم من إجماع دول الاتحاد على إدانة العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا فور بدايتها فى 24 فبراير 2022، فإن هناك بعض الدول رفضت فرض العقوبات الاقتصادية على موسكو ومنها المجر، كما رفضت (النمسا، سويسرا، بلغاريا) تنفيذ قرار الاتحاد بطرد الدبلوماسيين الروس، ورفضت فرنسا والمجر دعوة دول شرق أوروبا (بولندا، أيرلندا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، ألمانيا) بحظر استيراد الوقود النووى الروسى لأنهما تعتمدان عليه بشكل كلى، هذا الانقسام كشف عن أزمة بنيوية بمؤسسات الاتحاد بعدما دعا المستشار الألمانى "أولاف شولتس" لإصلاح الاتحاد الأوروبى وإلغاء مبدأ "الإجماع فى صنع القرار"، وسيكون هذا من أصعب القرارات لأن ميثاق الاتحاد الذى وافقت عليه جميع الدول ينص على الموافقة بالإجماع فى اتخاذ القرار، كما أشار الرئيس الفرنسى "إيمانويل ماكرون" إلى أن "انقسام أوروبا أحد أهداف حرب روسيا على أوكرانيا"، ورغم هذا جدد عزمه على التواصل مع نظيره الروسى "فلاديمير بوتين" لبدء وساطته للتفاوض بين موسكو وكييف وإنهاء الحرب، وهو ما دفع دول البلطيق (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا) إلى انتقاد موقف "ماكرون" نظرا لموقفها العدائى ضد روسيا.

- تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية: شهدت دول الاتحاد الأوروبى واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ نشأته، بعد توقف تدفق الغاز والنفط الروسى الذى كانت تعتمد عليه الاقتصادات الأوروبية، فضلا عن أزمة الغذاء ونقض السلع والمحاصيل الاستراتيجية ما أدى إلى ارتفاع أسعارها وارتفاع معدلات التضخم والبطالة مقابل تراجع معدلات التشغيل، ومن المتوقع تراجع الاقتصاد الألمانى عام 2023 لينكمش الناتج الإجمالى للبلاد بنسبة (0.7-1.4%) وسط ارتفاع معدلات البطالة والإفلاس ما يضيف المزيد من الأعباء عليها، وكذلك تشهد فرنسا وبريطانيا منذ منتصف العام الماضى اضطرابات مستمرة احتجاجا على ارتفاع الأسعار ما أسفر ذلك عن أزمات اجتماعية عقب الإضرابات المتعددة ولاسيما بين العاملين فى قطاعى الصحة والنقل، فى ظل توقعات بتراجع النمو الاقتصادى الأوروبى العام الحالى ما يمثل المزيد من الأعباء الاقتصادية على الدول الرئيسية بالاتحاد ولاسيما فى ظل المساعدات العسكرية والاقتصادية المكثفة التى تقدمها لأوكرانيا.

- ضعف القدرات العسكرية والأمنية: كشفت الحرب الأوكرانية عن ضعف كبير وفجوة هائلة فى القدرات الدفاعية الأوروبية مقارنة بنظيرتها الروسية والأمريكية، ما دفع المستشار الألمانى "أولاف شولتس" للإعلان فى خطابه الشهير يوم 27 فبراير 2022 أمام برلمان بلاده عن تخصيص مبلغ 100 مليار يور لدعم الجيش الألمانى، كما أعلن "ماكرون" يوم 20 يناير 2023 زيادة الإنفاق الدفاعى لبلاده ليصل إلى 400 مليار يورو العام المقبل لبناء جيش قوى يواجه التحديات الأمنية بعد الحرب الأوكرانية، وكذلك دعا "ماكرون" منتصف عام 2022 لتطوير صناعة الدفاع الأوروبية لتصبح "أقوى بكثير وأكثر تطلبا"، وذلك فى ظل زيادات متوقعة فى موازنات الدفاع الأوروبية لمواجهة التهديدات الروسية للأمن الأوروبى بعد الحرب الأوكرانية. جدير بالذكر أن باريس قررت رفع موازنة الدفاع الفرنسية إلى 40,9 مليار يورو للفترة (2019-2025)، هذا فضلا عن إعلان فنلندا والسويد زيادة إنفاقهما الدفاعى إلى جانب انضمامهما لحلف شمال الأطلسى "الناتو" ما يمثل تعزيزا للقدرات الدفاعية الأوروبية داخل الحلف، وهو نفس موقف الدنمارك التى أعلنت الانضمام للسياسة الدفاعية للحلف وزيادة إنفاقها الدفاعى.

بيد أنه على الجهة الأخرى فإن زيادة الإنفاق الدفاعى ستؤدى إلى زيادة التنافس بين دول الاتحاد؛ حيث تنتظر باريس موافقة برلين للبدء بالمشروع الفرنسى - الألمانى لتصنيع طائرة "سكاف"، وأبدت فرنسا استياءها أكثر من مرة إثر تفضيل ألمانيا ودول البلطيق المنتجات الدفاعية الأمريكية على الأوروبية الفرنسية. من جهة أخرى، حذر تقرير للمفوضية الأوروبية من وجود "ثغرات" فى القدرات الدفاعية لدول الاتحاد التى تشمل نقصا فى الأسلحة الثقيلة وعوائق لوجيستية وتحديات فى الأمن السيبرانى يمكن أن تعرضها لهجمات إلكترونية روسية، ووفق التقرير فإن أوجه القصور فى القدرات الدفاعية الأوروبية تشمل (أنظمة الدفاع الجوى لحماية المدن والبنى التحتية الحساسة من الهجمات الصاروخية، الطائرات المسيّرة للمراقبة، والقوات البرية البحرية)، ونقصا فى الذخائر بعد المساعدات التى أرسلتها دول الاتحاد إلى أوكرانيا.

تصاعد الخلافات بين دول الاتحاد: تفاقمت عدة خلافات بين الدول الأوروبية خلال عام 2022 كان أبرزها الأزمة بين فرنسا وإيطاليا بشأن سفينة الإنقاذ "أوشن فايكنج"  التى كان على متنها 234 مهاجرا، ورفضت روما استقبالها واستقبلتها باريس، حيث تؤكد روما أنها استقبلت أكثر من 88 ألف شخص وصلوا إلى سواحلها خلال عام 2022 مقابل نحو 56 ألفا عامى (2021 – 2020)، وقد تعهدت رئيسة الوزراء الإيطالية المنتمية إلى اليمين المتشدد "جورجينا ميلونى" بمحاربة اللاجئين الذين تمثل نسبتهم 8.7% من عدد سكان البلاد البالغ 59 مليون نسمة، ويمثلون عبئا اقتصاديا على البلاد، كما لوحت "ميلونى" غير مرة باتخاذ سياسات مناقضة لباريس وبرلين، ومنها التشكيك فى مؤسسات الاتحاد الأوروبى والسعى للتحالف مع دول "مجموعة فيشجراد" (بولندا، المجر، سلوفاكيا، التشيك) التى تحكمها أحزاب يمينية معارضة لسياسات باريس أيضا، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع شعبية "ميلونى" نهاية عام 2022 لأكثر من (53%)، كما فشلت كل المحاولات لعقد لقاء بينها وبين "ماكرون" لاحتواء الخلافات بينهما. وظهر تنافس إيطالى فرنسى فى معالجة أزمة الطاقة؛ حيث تسعى روما منذ أشهر لتكون معبرا لإمدادات الطاقة لدول الاتحاد، بيد أن فرنسا وإسبانيا طرحتا مشروعا منافسا لها خلال القمة الأوروبية المتوسطية التى ضمت (فرنسا، أسبانيا، البرتغال) حيث طلبتا من الاتحاد الأوروبى تمويل مشروع أنبوب ضخم لنقل الهيدروجين الأخضر عبر شبه الجزيرة الأيبيرية إلى أوروبا الوسطى والشمالية، بتكلفة قدرها 2.5 مليار دولار، ويهدف هذا المشروع إلى نقل 10% من الهيدروجين الأخضر لدول الاتحاد، وحال تنفيذ هذا المشروع فإن خط أنابيب (برشلونة - مرسيليا) الذى تنفذه إيطاليا سيكون بلا فائدة.

وبنهاية عام 2022 نشأ خلاف بين ألمانيا وبولندا بعدما طالبت الأخيرة برلين بتعويضات عن خسائر الحرب العالمية الثانية تقدر بنحو (1300) مليار يورو، وهو ما رفضته ألمانيا لأن بولندا تنازلت عن تلك التعويضات عام 1953 وفق اتفاق بين الدولتين، كما اتهم رئيس الحزب القومى المحافظ الحاكم فى بولندا "ياروسلاف كاتشينسكى" "ألمانيا بأنها تريد الهيمنة على أوروبا"، هذا بينما يعقد قادة دول وسط أوروبا (المجر، صربيا، التشيك) اجتماعات مستمرة بينهم لاتخاذ إجراءات ضد الهجرة غير الشرعية، وتتهم الدول الكبرى ألمانيا وفرنسا بعدم دعمها كما يجب فى مواجهة الهجرة من الحدود الأوكرانية والتركية، ورغم عقد قمة بين المستشارالألمانى والرئيس الفرنسى "إيمانويل ماكرون" فى أكتوبر 2022 بباريس، فإن الخلافات بينهما مازالت مستمرة حول السياسات الاقتصادية لكل دولة وآليات مواجهة التضخم وضبط أسعار الطاقة والتصنيع العسكرى والسياسة الأمنية، ما يهدد فاعلية الاتحاد فى اتخاذ قراراته لأنه كان يعتمد دوما على التوافق "الفرنسى الألمانى" كقوة دفع له.

- مساع إنشاء "المجموعة الأوروبية" كبديل للاتحاد:تعرضت مؤسسات الاتحاد الأوروبى فى الآونة الأخيرة للتشكيك فى نزاهتها بعد الكشف عن "فضيحة الفساد" فى البرلمان الأوروبى، وعلى الرغم من التعهد باتخاذ إصلاحات واسعة بالهيئة التشريعية للمؤسسة الأوروبية فإن ذلك لم يكفِ، وتصاعدت الدعوات لتفكك الاتحاد وفشله، ولاسيما أن ذلك تزامن مع عقد القمة الأولى لما سمى "المجموعة السياسية الأوروبية" بالعاصمة التشيكية براغ يوم 6 أكتوبر 2022 التى دعا إليها "ماكرون"، وشارك فيها (44 دولة) تشكل جميع دول القارة الأوروبية وضمت دولا ليست أعضاء بالاتحاد ومنها دول طلبت العضوية بالاتحاد، بيد أن الأخير تباطأ فى بدء الإجراءات معها وهى (تركيا، صربيا، دول البلقان، أوكرانيا، مولدافيا)، ما أثار تكهنات بأن تكون "المجموعة الأوروبية" التى يسعى "ماكرون" لقيادتها بديلا عن الاتحاد وتضم كل الدول الأوروبية؛ نظرا لاستمرار الخلافات حول توسيع عضويته لاسيما فى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية وتصاعد تيار اليمين الأوروبى الرافض لتوسيع العضوية، بيد أن باريس نفت ذلك تماما، وأكد "ماكرون" أن القمة سعت إلى "بناء تفاهمات استراتيجية لقراءة أوروبية موحدة للتحديات المشتركة"، ومن المتوقع أن تعقد القمة الثانية للمجموعة الأوروبية ربيع العام الحالى، وجدير بالذكر أن آخر عمليات توسع للاتحاد كانت بانضمام بلغاريا ورومانيا عام 2007، ثم كرواتيا فى 2013، ثم رفضت فرنسا وبولندا ضم أى دول جديدة للاتحاد.

*التحديات المقبلة: 

يعد عام 2023 عاما مفصليا فى تاريخ الاتحاد الأوروبى؛ فلم يواجه منذ نشأته تحديات بنيوية وأزمات جيوسياسية مركبة أمنية وسياسية واقتصادية كما يواجهها هذا العام، ومنها ما يلى:

-استمرار الحرب الأوكرانية وتمددها لدول أخرى: يمثل استمرار الحرب الأوكرانية أحد التحديات الأمنية العسكرية المهمة للاتحاد الأوروبى لاسيما فى طل المساعدات العسكرية غير المسبوقة التى يتم تزويد كييف بها وهى تمثل عبئا على الاقتصاد الأوروبى، كما برز فى الآونة الأخيرة مخاطر تمدد الحرب الأوكرانية لدول أخرى متاخمة للاتحاد الأوروبى ومنها بيلاروسيا المشتركة بحدودها مع بولندا ولاسيما بعد توقيع اتفاقات دفاع مشترك بين موسكو ومينسك، ونقل تعزيزات دفاعية روسية لمينسك التى لوَّحت بإمكانية انخراطها فى الحرب ضد أوكرانيا حال استفزازها عسكريا، وكذلك مولدوفا التى تسعى واشنطن لتكرار "السيناريو الأوكرانى" معها حيث تقوم بتسليحها بأسلحة ثقيلة تابعة "للناتو"، فضلا عن الاستفزازات الروسية الأمريكية التى اتخذت عدة أشكال منها ملاحقة طائرات وسفن بالقطب الشمالى، وتفجير خط أنابيب "نوردستريم"، وتصاعد مخاوف دول شرق أوروبا (ليتوانيا، بولندا، التشيك) ومخاوف دول البلطيق (ليتوانيا، إستونيا، لاتفيا) من هجوم روسى محتمل ضدهم، ما يمثل تحديا للدول الأوروبية حيث يفترض بها أن تبذل قصارى جهدها الدبلوماسي لمنع ذلك وقصر المواجهة العسكرية داخل أوكرانيا فقط؛ لأن تمددها سيضاعف التهديدات الأمنية والعسكرية لها، كما سيفاقم الأزمة الاقتصادية بها.

- تصاعد اليمين المتطرف:أقدم مواطن فرنسى يمينى فى آخر أيام عام 2022 على قتل 3 مواطنين أكراد بضاحية بباريس فى استهداف عنصرى لهم، وقد أعقب ذلك تظاهرات احتجاجية من الجاليات الكردية بفرنسا صاحبتها أعمال عنف وفوضى أمنية، ومن المتوقع تكرار مثل تلك الحوادث لاسيما مع تصاعد التيارات الشعبوية واليمين الأوروبى المتطرف مع بداية الحرب الأوكرانية خاصة فى ظل العلاقة الوثيقة بين موسكو وتلك الأحزاب الرافضة لمؤسسات الاتحاد الأوروبى والداعمة للسيادة والقومية الوطنية، وقد حذرت بعض وسائل الإعلام الأوروبية من تصاعد شعبية اليمين المتطرف وانتشار أفكار "بوتين" بين سكان القارة العجوز، وحاليا تحكم الأحزاب اليمينية عدة دول أوروبية رئيسية منها (إيطاليا، بولندا، المجر، السويد، النمسا)، وثمة استحقاقات انتخابية عام 2023 فى بولندا وإسبانيا يتوقع أن تحقق فيها أحزاب اليمين المتطرف تفوقا ملحوظا ليس بالضرورة أن تتولى رئاسة الوزراء فى تلك الدول بيد أنها ستكون كتلة برلمانية وازنة فى اتخاذ القرار.

-أزمة الهجرة غير الشرعية: تعد أزمة الهجرة غير الشرعية من السواحل الجنوبية لدول الاتحاد والحدود البرية المتاخمة لأوكرانيا، من أهم التحديات التى ستواجه دول الاتحاد عام 2023، حيث زادت معدلاتها عام 2022 بنسبة (77%) علىعام2021، ما دفع 12 دولة أوروبية لبناء سياجات حدودية لمنع تدفق المهاجرين، وفى مسعى منه لمعالجة التهديدات الأمنية والاجتماعية الناجمة عن تفاقم أزمة الهجرة أعلنت الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود الخارجية للاتحاد (فرونتكس) تعيين الجنرال الهولندى "هانز ليجتنز" فى منصب المدير الجديد لها بداية من عام 2023، كما أعلنت المفوضية الأوروبية أنها أنجزت مشروع الخطة الجديدة لمراقبة الحدود التى من المتوقع أن تقرها القمة الأولى للاتحاد التى ستعقد يناير الحالى، وتعتمد الخطة الجديدة على مساهمة جميع أعضاء الاتحاد فى مراقبة الحدود بوحدات برية وبحرية وجوية خاضعة لقيادة موحدة تابعة لهيئة الأركان الأوروبية.

-تصاعد التوترات الإقليمية:يعد التوتر بغرب البلقان وتجدد الاشتباكات بين كوسوفو وصربيا من أبرز التوترات الإقليمية للاتحاد الأوروبى التى يمكن أن تتفاقم العام الحالى لاسيما حال فوز التيار اليمينى المتطرف فى الانتخابات الرئاسية بصربيا. لذا، عقدت دول الاتحاد الأوروبى يوم 6 ديسمبر 2022 قمة هى الأولى من نوعها مع قادة دول غرب البلقان الست (مقدونيا الشمالية، ألبانيا، الجبل الأسود، صربيا، البوسنة والهرسك وكوسوفو) فى العاصمة الألبانية تيرانا، لبحث تلك الأزمة والتمدد الروسى بغرب البلقان وشرق أوروبا وتداعيات الحرب الأوكرانية على اقتصادات تلك الدول، وقد عبرت دول البلقان عن استيائها فى المجمل من موقف الاتحاد منها إثر تباطؤ إجراءات انضمامها للاتحاد، وقد أعلن الأخير حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو لتلك الدول وخفض رسوم التجوال معها بدءا من عام 2023 وصولا إلى إلغائها تدريجيا بحلول عام 2027، كما أعلن الاتحاد بدء التفاوض مع مقدونيا الشمالية وألبانيا للانضمام إليه، وتبقى المعضلة الأهم فى وضع كوسوفو التى ترغب فى الانضمام للاتحاد وهو أمر مستبعد؛ لأن هناك خمس دول بالاتحاد لا تعترف بها كدولة وهى (أسبانيا، اليونان، قبرص، رومانيا، سلوفاكيا)، هذا فضلا عن التوترات الإقليمية الخاصة بشرق المتوسط بين تركيا وقبرص واليونان، والتوترات بمنطقة القوقاز إثر استمرار النزاع بين إرمينيا وأذربيجان، وأخيرا الأوضاع بالشرق الأوسط التى تؤثر سلبا وإيجابا فى دول الاتحاد ولاسميا ما يخص استمرار تعثر التفاوض بشأن البرنامج النووى وتداعياته الإقليمية، واحتمالات شن عمليات عسكرية إسرائيلية جديدة بالأراضى الفلسطينية المحتلة.

- تفاقم الخلاف الأمريكى الأوروبى: قام الرئيس الفرنسى "إيمانويل ماكرون" بزيارة مهمة لواشنطن التقى خلالها نظيره الأمريكى "جون بايدن" فى منتصف ديسمبر 2022، وهذا فى ظل انقسام أوروبى بين اتباع سياسات دفاعية مستقلة عن واشنطن والناتو وهو ما يؤيده "ماكرون" وبين الانصياع لواشنطن لتعويض الثغرات الدفاعية الأوروبية، كما شملت الخلافات جوانب اقتصادية وسياسية أخرى؛ حيث دعا "ماكرون" الاتحاد إلى "التصرف سريعا لمواجهة الإعانات الأمريكية الاقتصادية" التى تمثل تهديدا للقطاع الزراعي والصناعي الأوروبى، كما يتبنى "ماكرون" الحوار كأسلوب لحل النزاعات الدولية لاسيما الأزمة الأوكرانية، وأبدى استعداداه للتواصل مع نظيره الروسى "فلاديمير بوتين" بينما رفض "بايدن" ذلك، وأصر على وضع شروط لبدء التفاوض لحل الأزمة، ورغم صدور بيان ختامى عن القمة يؤكد التوافق على مختلف القضايا، فإن تجدد الخلاف الفرنسى الأوروبى الأمريكى حول قضايا داخلية وخارجية أمر حتمى فى ظل تصاعد الأزمات الدولية.

-التنسيق الدفاعى بين الاتحاد و"الناتو": ثمة تناقض بين السياسات الدفاعية الأوروبية والخاصة "بالناتو" ما يتطلب وضع إجراءات للتنسيق بينهما لاسيما بعد إعلان الدول الأورويبة مضاعفة إنفاقها العسكرى، ما يلبى مطالب الحلف لأعضائه برفع الإنفاق الدفاعى ليصل إلى (2%) من الناتج المحلى الإجمالى لكل دولة، بيد أنه يوجد تنافس بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى حيث إنها تشارك بنسبة 40% من تمويل الحلف، وبعد زيادة الانفاق الأوروبى ستشارك (ألمانيا، فرنسا، فنلندا، السويد) بنسب أكبر وستطالب بأحقيتها فى اتخاذ سياسات الحلف أسوة بواشنطن،وفى مسعى منه لاحتواء ذلك عقد الأمين العام "للناتو" "ينس ستولتنبرج" فى 10 يناير الحالى اجتماعا مع رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون ديرلاين" ورئيس المجلس الأوروبى "شارل ميشيل"، وأكد أن "التعاون بين الطرفين أكثر أهمية من أى وقت مضى"، كما أعلن تشكيل "مجموعة عمل مشتركة" لتعزيز حماية البنى التحتية الأساسية فى مواجهة التهديدات الروسية، ويعد هذا إحدى أدوات الاتحاد لتعزيز البنية التحتية للطاقة بعد الهجوم الذى استهدف خطوط أنابيب "نورد ستريم" ببحر البلطيق شمال أوروبا العام الماضى ما أدى إلى نقص إمدادات الغاز الطبيعى الروسى للقارة العجوز.

- التنافس الصينى الأمريكى: شهد عام 2022 أحدث أزمة فى العلاقات بين واشنطن وبكين، بعد الدعم الأمريكى العسكرى والسياسى المتصاعد لتايوان عقب زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكى "نانسى بيلوسى" للجزيرة الانفصالية فى 2 أغسطس 2022 رغم اعتراض بكين على الزيارة، وقد أيدت معظم الدول الأوروبية الموقف الأمريكى بدرجات متفاوتة، وكان أكثرها حدة هو "شولتس" الذى اتهم روسيا والصين (بتهديد العالم) ودعا لبناء "وحدة أوروبية عبر المحيط الأطلسى أقوى للتغلب عليهما"، ما يمثل ضغطا على الدول الأوروبية التى ستتعرض لأزمات اقتصادية حادة حال نشوب أى نزاع مسلح بين الصين وتايوان، أو حرب تجارية جديدة بين بكين وواشنطن، نظرا لاعتماد الاقتصاد الأوروبى على السلع الوسيطة الصينية وأشباه الموصلات التايوانية.

ختاما، مما سبق نجد أن عام 2023 سيكون عاما لاختبار قوة الاتحاد الأوروبى كمؤسسة إقليمية ناجحة؛ حيث إنه مع استمرار الحرب الأوكرانية سيتعين على الاتحاد اتخاذ سياسة خارجية وأمنية موحدة، وهو أمر يصعب تحقيقه فى ظل تضارب المصالح والتنافس بين الدول الأوروبية من جهة، وبينها وبين حليفها الأمريكى من جهة أخرى.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحثة فى العلوم السياسية.