مقالات رأى

توظيف المرتزقة .. الارتدادات السلبية للحرب الأوكرانية

طباعة

في الوقت الذي تبدو فيه الحرب الروسية-الأوكرانية مواجهة بين جيشين نظاميين، إلا أن لهذه الحرب وجه آخر اتضح مع إقحام المرتزقة الأجانب فى الصراع، الأمر الذى يُنبىء بظهور موجة من التطرف والإرهاب تشكل تهديدا كبيرا للأمن فى القارة الأوروبية والعالم بأسره.

وفى هذا الإطار، نتناول حجم مشاركة المرتزقة الأجانب فى الصراع ، والأطراف الداعمة لهم، وما إذا كان العالم بصدد تجربة أفغانية جديدة، والمخاطر المستقبلية التى تهدد أمن دول القارة الأوروبية التى ظنت أنها ستظل بمنأى عن أى عنف أو تطرف قد تشهده أراضيها ما دامت طرفا فاعلا فى حروب بالوكالة على أراض أخرى.

أولا- دعوات جلب الأجانب وشرعنة المرتزقة:

منذ بداية الحرب فى فبراير الماضي، طالب الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى أبناء القارة الأوروبية بمساعدة جيش بلاده فى مواجهة القوات الروسية، حيث قال:"أي شخص يرغب في الانضمام للدفاع عن أوكرانيا وأوروبا والعالم، يمكنه أن يأتي ويقاتل إلى جانب الأوكرانيين"، مُعلنا تشكيل "الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي عن أوكرانيا" لمساعدة الشعب الأوكراني، ومؤكدا أن أوكرانيا فى حربها أمام روسيا إنما تدافع عن قيم الحق والديمقراطية والغرب المتحضر، كما أنها تحارب نيابة عن أوروبا بأكملها.

ودعا وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، المقاتلين الأجانب إلى الالتحاق بالقنصليات والسفارات الأوكرانية في بلدانهم، لتزويدهم بأية معلومات تُسهل وصولهم إلى أوكرانيا، وتم إطلاق موقع إلكتروني يتضمن آليات للمتطوعين الأجانب، وعزز هذا الأمر موافقة البرلمان الأوكراني بالإجماع على إرسال المتطوعين بالقتال إلى أوكرانيا في 1 مارس 2022.

وهكذا وضعت أوكرانيا إطارا قانونيا يُمكن "المرتزقة" الذين يتقاضون أموالا للقتال في أى مكان أو زمان وتحت أية راية، من الانضمام إلى الجيش الأوكراني.

ثانيا- ترحيب دولي بـ"المرتزقة" وسط صمت المنظمات الأممية!

على الرغم من تجريم الأمم المتحدة لكل مرتزق وكل من يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل المرتزقة، وحظر الدول على تجنيدهم واستخدامهم، إلا أنها لم تتحرك تجاه الدعوات الأوكرانية لجلب "المرتزقة" إلى البلاد للوقوف بجانب الجيش الأوكراني فى حربه أمام روسيا.

إن التزام المنظمات الأممية والحقوقية فى دول العالم الصمت وعدم إعلان رفض  الاستعانة بهولاء المرتزقة فى تلك الحرب استنادا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، فى الوقت الذى كانت تُدين فيه، بل وتتهم الأجانب المقاتلين فى الشرق الأوسط بالارتزاق والإرهاب وتنتقد دائما توظيف المرتزقة في الصراعات الدولية، يعكس ازدواجية المعاييرعند تلك المنظمات، وضربها عرض الحائط بكل القوانين والاتفاقيات الدولية حال تعارضها مع مصالحهم الآنية.

كما أن الدعوات الأوكرانية بجلب المرتزقة لاقت ترحيبا دوليا من قبل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، فلم يصدر رفض من الدول التى تلقت فيها السفارات الأوكرانية وقنصلياتها طلبات فى هذا الشأن، بل كان هناك تسهيلات كثيرة لنقل المتطوعين إلى الأراضي الأوكرانية، الأمر الذى يُشير إلى أن المجتمع الدولى يُرحب بفكرة تجنيد المرتزقة بل ويُكرس لها وكأنها وسيلة قانونية للدفاع عن النفس، وأداة فعالة من أدوات الصراع فى ظل نظام عالمي جديد!

وتجدر الإشارة هنا إلى أن قواعد القانون الدولي حددت المركز القانون للمرتزقة حيث عرف بروتوكول 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949المرتزق على أنه "أيّ شخص يُجرى تجنيده خصيصاً محلياً أو في الخارج ليقاتل في نزاع مسلح، ويشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية، يحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويُقدم له فعلا من قبل طرف فى النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يُوعد به المقاتلون ذوى الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يُدفع لهم، وهو ليس من رعايا أى طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع، وليس فرداً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع؛ وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه فرداً في قواتها المسلحة".

وجرمت الأمم المتحدة فى المادة 2 من بوتوكول 1977 كل مرتزق وكل من يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل المرتزقة، كما حظرت على الدول تجنيدهم واستخدامهم. كما حرمت المرتزق من الحماية بالنص على أنه: "لا يحق للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب".

ثالثا- ترويج الدول الأوروبية لحشد المرتزقة والسلاح:

لم تشجب أو تندد أغلب الدول الأوروبية دعوة الرئيس الأوكرانى أبناء القارة الأوروبية للمشاركة فى الحرب ضد روسيا، بل على العكس روجت لهذه الفكرة وأعلنت دعمها بالمقاتلين والمال والسلاح والمساعدات الإنسانية، وأصدرت بعض الدول الأوروبية ودول البلطيق - مثل ليتوانيا ولاتفيا - إجراءات قانونية طارئة تسمح للأفراد بالانضمام إلى الحرب.

وقالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس: "بريطانيا تدعم من يرغب في التوجه إلى أوكرانيا للانضمام إلى الفيلق الدولي للقتال، وقرار التوجه للدفاع عن كييف والمشاركة في هذه المعركة التي تدور من أجل الديمقراطية متروك لمن يرغب"، فيما أكد وزير الدفاع البريطاني بن والاس: "إن بلاده ستدعم أوكرانيا، لا عن طريق إرسال قوات بريطانية للقتال ولكن بدعمها حتى تتمكن من القتال في كل الشوارع باستخدام كل أنواع المعدات التي يمكن لبريطانيا الحصول عليها".

ومن جانبها، أعلنت رئيسة وزراء الدنمارك، ميتي فريديريكسن، أن بلادها ستجيز للمتطوعين الانضمام إلى الفيلق الدولي للمقاتلين الأجانب بأوكرانيا قائلة: "إنه خيار متاح لأي شخص، وما من عائق قانوني يحول دون توجه أحد إلى أوكرانيا للمشاركة في النزاع".

كما صرح المستشار الألماني، أولاف شولتس قائلا: "يجب ألا تفوز روسيا، يجب أن تصمد أوكرانيا.. نحن نساعد بالأسلحة الثقيلة والذخيرة وندرب الجنود الأوكرانيين لأن كفاحهم هو كفاحنا"، فضلا عن إقرار برلمان دولة لاتفيا لتشريع يسمح للمتطوعين بالقتال في أوكرانيا، ومؤخرا دعا وزير خارجية لاتفيا، إدجارز رينكوفيس، الغرب إلى تقديم أسلحة أكثر حداثة لأوكرانيا لمواجهة العملية العسكرية الروسية".

وهكذا يتضح التناقض بين موقف الدول الأوروبية تجاه مشاركة مواطنيها فى الحرب الروسية الأوكرانية، وتقديم الدعم للجانب الأوكراني للدفاع عما أسموه " قيم الحرية والغرب المتحضر "، وبين رفض المشاركة فى الحرب السورية على سبيل المثال، وصدور أحكام قضائية بعدم قانونية السفر إلى سوريا، الأمر الذى من شأنه أن يعكس تمييزا جليا تجاه قضايا قد تكون متشابهة.

رابعا- الدعم الدولي بالمرتزقة والتمويل والسلاح:

أوضحت السلطات الأوكرانية أن الوصول إلى كييف ليس أمرا مستحيلا لمحبي ومساندي أوكرانيا، فعلى الرغم من إغلاق الخطوط الجوية ولكن السبل متاحة لاستخدام الطرق البرية والبحرية، وعقود الالتحاق بالفيلق الدولي للأجانب متواجدة ويمكن للراغبين ملىء بياناتهم بكل سهولة من سفارات أوكرانيا فى دول العالم المختلفة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والموقع الإلكتروني الذى تم تدشينه برعاية وزارة الخارجية الأوكرانية لحشد المرتزقة من جميع أنحاء العالم وتقديم التسهيلات للراغبين فى التطوع من خلال الملحقين العسكرين في السفارات الأوكرانية في دولهم.

وبحسب ما صرح به وزير خارجية أوكرانيا، دميترو كوليبا، فإن عدد المتطوعين بلغ20 ألفاً من 52 دولة ومعظمهم ينحدرون من أوروبا وهدفهم على حد قوله  "الدفاع عن حرية أوكرانيا وشعبها”، فيما تشير تقارير أخرى إلى تجاوز العدد إلى ما يتعدى 40 ألف مقاتل، وأن أغلب المرتزقة يتقاضون أجرا يوميا يتعدى الـ2000 دولارا ويتم وضعهم فى خطوط المواجهة الأمامية أمام الجيش الروسى.

فى حين قال  المتحدث باسم الفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا "مرتزقة أوكرانيا"، داميان ماجرو:"لدينا ممثلون من 55 دولة من جميع قارات العالم يشاركون في القتال في أوكرانيا إلى جانب قوات كييف، والتشكيل يضم أكبر عدد من المواطنين الأمريكيين والبريطانيين، يليهم مواطنو بولندا وكندا، وهناك عددًا لا بأس به من مواطني دول البلطيق ودول شمال أوروبا في الفيلق، ومن بينها فنلندا".

وعلى صعيد التدخل الأمريكي فى الصراع الروسي الأوكراني، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية دعما بالمال والسلاح وقامت بتدريب مجندين جدد فى الجيش الأوكراني، وتعاقدت مع شركات أمن خاصة وأرسلت أعدادا كبيرة من المرتزقة قد تصل إلى الآلاف، إلا أنه لا توجد بيانات رسمية ترصد العدد الحقيقي. ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" فإن الولايات المتحدة لديها أيضاً عملاء استخبارات على الأرض في أوكرانيا.

وفى هذا الصدد، أعلنت الخارجية الأمريكية أن المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا بلغت نحو 10,6 مليار دولار منذ بداية ولاية الرئيس جو بايدن، وستواصل الولايات المتحدة توفير أنظمة وقدرات إضافية لدعم الجانب الأوكراني فى مواجهة روسيا.

ليس هذا فحسب، فهناك بعض التقارير التي تشير إلى قيام وزارة الدفاع الأمريكية بتجنيد طيارين أفغان من الذين فروا إلى الولايات المتحدة قبل عام للخدمة في أوكرانيا، حيث تم تدريبهم فى مطارات عسكرية بولاية كاليفورنيا، وذلك بحسب ما نشره الموقع الإلكتروني لـ" روسيا اليوم" حيث ذكر أن التجنيد لا يقتصر فقطعلى الطيارين السابقين، بل والأفغان الآخرين الذين خدموا في وحدات القوات الخاصة، وذلك بموجب توقيععقد للخدمة في أوكرانيا.

أيضا، وصل مئات وقد يكون آلاف المرتزقة من بريطانيا إلى أوكرانيا لمواجهة الروس، غير أن عددهم الدقيق غير مؤكد. وتقود بريطانيا التحالف الدولي في إرسال الأسلحة، والمعدات لأوكرانيا، وبلغت حجم المساعدات العسكرية المُقدمة نحو 2.3 مليار جنيه استرليني (2.8 مليار دولار أميركي)، بالإضافة إلى 1.5 مليار جنيه استرليني قدمتها بريطانيا على شكل مساعدات إنسانية واقتصادية ضمن "جهودها لدعم أوكرانيا"، وهو ما جعل الرئيس الأوكراني يصرح بأن:"بريطانيا تساهم في تقريب انتصارنا".

يُضاف إلى هؤلاء المرتزقة، معارضون للرئيس الشيشانى قادروف والذى كان قد أعلن فى وقت سابق مساندته للجيش الروسى، وهؤلاء المعارضون وجدوا من هذه الحرب فرصة للقتال ضد روسيا التى يعتبرونها عدوهم الذى يُهدد استقلال دولتهم، فسارع القائد الشيشاني المعادي لروسيا، أحمد زكاييف، إلى دعوة المقاتلين الشيشان من جميع أنحاء أوروبا إلى القتال دعما لأوكرانيا.

وعلى صعيد الدعم الفرنسي، زودت باريس كييف بمعدات عسكرية تبلغ قيمتها أكثر من مائة مليون يورو، وفق ما أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورنس بارلي، حيث صرحت بأن المعدات العسكرية شملت “وسائل حماية ومعدات إلكترونية بصرية وأسلحة وذخيرة وأنظمة تسلح تلبي الاحتياجات التي عبرت عنها أوكرانيا”.

ومن جانبها، كشفت وزارة الدفاع الروسية فى يوليو الماضي عن جنسيات وأعداد المرتزقة الأجانب في أوكرانيا حيث رصدت مشاركة 1853 مرتزقا من بولندا، و605 مرتزقة من كندا، و544 من الولايات المتحدة الأمريكية، و504 من رومانيا، و429 من بريطانيا، فيما شارك 208 مرتزقة من بيلاروس، ومن فرنسا 185 مرتزقا. 

 

يتمثل الأمر الخطير هنا فى أن مسألة تسليح أوكرانيا لم تعد قاصرة على الدول والحكومات كما كان الحال سابقا، وإنما أصبح متاحا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال السفارات الأوكرانية بدول العالم، حيث تم إطلاق حملات للتبرع لتمويل عمليات شراء الأسلحة والمعدات العسكرية من مدافع ودبابات وغيرها، وهو ما سيترتب عليه تداعيات سلبية عديدة على الأمن الأوروبي بل والعالمي.

خامسا- التجربة الأفغانية فى أوكرانيا:

إن تسليح الجيش الأوكراني ومده بالمرتزقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي يستهدف مواجهة القوات الروسية واستنزاف قواها بشكل يشبه أجواء الحرب فى أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، حيث قاد الجيش الأمريكي تحالف عسكري غربي من دول الناتو، واستقطب المرتزقة من جميع أنحاء العالم لإنهاك قوات الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي أدى إلى انسحابها بعد عشر سنوات، حيث أعلن الاتحاد السوفيتي انسحاب كافّة قواته بشكل رسمي من أفغانستان في 15 فبراير 1989.

ولم تنته الحرب بعد انسحاب الجيش السوفيتي من أفغانستان، فهولاء المرتزقة اكتسبوا خبرات قتالية، وشكلوا تنظيمات إرهابية مثل طالبان والقاعدة والتى أنهكت الدولة الأفغانية وأغرقتها فى مستنقع إرهاب يُصدر اللآلاف من الإرهابيين إلى كل دول العالم حتى يومنا هذا، حيث انضم أفرادها إلى حروب فى الشيشان والبوسنة وسوريا والعراق وقاموا بعمليات إرهابية فى دول غربية وعربية .

وكان موقع صحيفة BBC  قد أشار فى تقرير له بعنوان "كم كلفت الحرب ضد طالبان واشنطن وحلفاءها خلال 20 عاما؟" إلى أن التكلفة الإجمالية التى تكبدتها الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 2001 إلى 2019 - بحسب بيانات رسمية – بلغت نحو 822 مليار دولار، فى حين تكبدت كلا من بريطانيا وألمانيا - اللتان امتلكتا أكبر عدد من القوات بعد الولايات المتحدة في أفغانستان –نحو  30 و 19 مليار دولار على التوالي خلال فترة الحرب.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن وجود المرتزقة كطرف فى الصراع يُطيل أمد الحرب، وبعدما تكبدت الدول الأوروبية مبالغ طائلة خلال تورطها فى حروب فى أفغانستان استمرت نحو عقدين من الزمان، ولم تحقق نتائج سياسية تذكر، بل كانت طرفا فى وقوع خسائر بشرية هائلة فى صفوف الشعب الأفغاني حيث مات ما لا يقل عن مليون أفغاني فى تلك الحرب، فضلا عن ملايين المصابين واللاجئين.

ولهذا، ليس من مصلحة الدول الأوروبية أن يبقى الصراع الأوكراني الروسي مستمرا لفترات طويلة، وأن ترضخ للرغبة الأمريكية فى تحقيق انتصار على الدب الروسي دون مواجهة مباشرة وعلى حساب دول أخرى، ولعل خير دليل على ذلك تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن "يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثمناً غالياً للحرب في أوكرانيا على المدى الطويل حتى لو نجحت حملته العسكرية على المدى القصير..ليس لديه أدنى فكرة عما ينتظره".

لقد أصبح نظام الحرب بالوكالة هو المتبع من قبل الإدارة الأمريكية خاصة بعد الإخفاقات التى نالتها جراء مشاركتها المباشرة بالجنود على الأرض فى حروبها فى أفغانستان والعراق وسوريا، فتستعين بالمرتزقة للقتال مقابل المال وتستهدف استنزاف روسيا في حرب مدن وشوارع طويلة المدى لا تقوى فيها على الحسم، فها هي وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلارى كلينتون تٌصرح : "أعتقد أنه يجب علينا توفير أسلحة عسكرية كافية للجيش الأوكراني والمتطوعين، وعلينا أن نحافظ على تشديد الخناق"، كما صرح بايدن : " لن نقاتل إلى جانب أوكرانيا لكن سنعزز قوة الناتو".

سادسا- حجم التهديدات المستقبلية جراء استدعاء المرتزقة:

يُعتبر استقطاب وتوظيف المرتزقة فى أى صراع بمثابة وقود يؤججه ويطيل أمده، وهو ما شهدته بالفعل عدة دول فى العالم مثل أفغانستان والعراق وسوريا، حيث يسعى المرتزقة إلى إفساد أى مساعي للتسوية السلمية لضمان استمرار الصراع والحفاظ على مصالحهم والأموال التى يتقاضونها نظير مهامهم القتالية، فكلما زادت أعداد المرتزقة، كلما أصبحت النزاعات أطول وأكثر دموية.

ومع تسليح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية للمرتزقة الذين يحملون جنسيات مختلفة من بريطانيا، وأمريكا، وبولندا وكندا وإيطاليا وسوريا والعراق وغيرها الكثير من الدول، قد تنتهى الحرب بكارثة جراء انقسامات متوقعة بين صفوف المقاتلين وصراع على النفوذ والسلطة، وتؤدي إلى اندلاع أعمال عنف واستهداف المواطنين العاديين.

كذلك فى ظل التيارات المتشددة التى تسود العالم حاليا فإن الصراع الروسى الأوكرانى قد يعاد صياغته ويتم توجيهه لأسباب أيديولوجية، وهو ما شاهده العالم فى سوريا، كما أن تأكيد البعض على أن المقاتلين الأجانب أغلبهم من الدول الغربية الداعية للحرية لن يجعل هؤلاء ينخرطون فى حروب دينية، قد يكون أمرا محل شك، إذ أن ظروف الحرب ورفقة هؤلاء المقاتلين لآخرين يحملون أيديولوجيات متطرفة قد يجعلهم يتبنون فى المستقبل ذات الأفكار والعقائد المتشددة، وهو ما ينذر فى المستقبل إلى خطر تحول القتال إلى شكل أكثر تطرفا وعنفا، وينبىء بوجود بؤرة تطرف جديدة تهدد أمن واستقرار العالم بأسره.

وهناك إشكالية أخرى تتعلق بعودة هؤلاء المرتزقة المدربين على القتال إلى بلدانهم الأصلية، وما يشكله ذلك من تحديات كبيرة تتعلق بنشر العنف والقيام بعمليات إرهابية وكل ما يهدد الأمن والسلم بدولهم. كما أن المتطوعين من اليمين الأوروبى المتطرف بعد مشاركتهم فى الحرب سيتكسبون خبرات ومهارات قتالية تمكنهم حال عودتهم الى أوطانهم الى فرض أرائهم ومعتقداتهم القومية والعنصرية بالقوة.

وتؤكد التقارير النفسية للعائدين من الحروب معاناتهم من " تروما " الحرب بسبب تعرضهم أوقات طويلة لمشاهدة القتل والمشاركة فى أعمال العنف، وهو ما يجعلهم أكثر ميلا إلى العنف واعتناق الأراء المتطرفة والمشاركة فى التنظيمات الإرهابية والجرائم واستخدامهم للسلاح فى فرض آرائهم السياسية والعقائدية.

لا شك أن وجود المرتزقة كعنصر فاعل ومؤثر فى الحرب الروسية - الأوكرانية يسهم فى إيجاد أطراف جديدة للصراع بأفكار ومفاهيم جديدة وقواعد للحرب لا يمكن للدول الأوروبية التعامل معها بالشكل التقليدى، إذ أن هؤلاء المقاتلين لديهم الخبرة القتالية والقدرة على القتال الطويل فى حروب عصابات وشوارع لا يمكن القضاء عليها بضربات الطائرات أو المواجهة العسكرية التقليدية.

وتشير التقارير الإعلامية إلى أنه فى ظل ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية من المتوقع أن تتغير مواقف الدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا وتسعى للتفاوض مع الجانب الروسي وهنا قد تجد أوكرانيا جيشها ومواطنيها فى مواجهة مباشرة مع الإرهابيين والمتطرفين، حيث أعلن مؤخرا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إمكانية التفاوض مع روسيا ، كما دعت بعض الدول الأوروبية إلى أن تتنازل أوكرانيا عن بعض من أراضيها لروسيا فى مقابل إنهاء النزاع العسكرى.

ختاما، تواجه أوروبا تحديا كبيرا فإذا لم تتحرك سريعا لوقف دخول المرتزقة لأوكرنيا وتسعى للوصول إلى حلول سلمية للصراع الروسي الأوكراني، فقد تواجه تهديدات مستقبلية لأمنها واستقرار دولها ربما لسنوات وعقود مقبلة تستنزف آنذاك ميزانيات دولها وتضطرها على زيادة الإنفاق العسكري والتسليح على حساب التنمية والبناء.

طباعة

    تعريف الكاتب

    هدى عبد الغفار صالح

    هدى عبد الغفار صالح

    باحثة ومترجمة مصرية