مقالات رأى

مصر ومستقبل الطاقة الخضراء

طباعة

لم يكن متوقعًا عند اكتشاف النفط في العديد من دول الشرق الأوسط، عام 1944- عندما أبلغ الجيولوجيّ إيفرت لي ديجولير الحكومة الأمريكيّة بوجود ما يُقدّر بنحو 25 مليار برميل من النفط الخام في دول الشرق الأوسط، ووجود خمسة مليارات على الأقلّ منها في السعوديّة، إذ تمّ اكتشاف النفط في الدول العربيّة بسبب بدء البحث عنه خارج حدود الولايات المُتحدّة الأمريكية، كما تمّ تأسيس مُنظّمة البلدان المُصدّرة للنفط "الأوبك" عام 1960م من قِبل كلّ من: إيران، والعراق، والكويت، والسعوديّة، وفنزويلا، للردّ على حملة تقليل أسعار النفط التي شنّتها شركات النفط ، أن يسعىالعالم الآن بكل جدية إلى الابتعاد عن الوقود الأحفوري المتمثل فى الفحم الحجري، والفحم، والغاز الطبيعي، والنفط  ، وتستخرج هذه المواد بدورها من باطن الأرض وتحترق في الهواء مع الأكسجين لإنتاج حرارة تستخدم في كافة الميادين الحياتية. يتميز الوقود الأحفوري بامتلاكه كثافة طاقة عالية وبسهولة نقله وتخزينه ومعالجته بتروكيميائيا، ويمكن الحصول على أنواع مختلفة منه، السائلة والغازية، لكنه وقود غير صديق للبيئة فهو يسبب تلوث الهواء والاحتباس الحراري الناتج بدوره عن غازات تغلّف المجال الجوي وتمنع الانعكاس الحراري الصادر من الأرض من انتقاله إلى خارج الكوكب، مما يسبب ارتفاعا في درجات حرارة الأرض، وزيادة التصحر والجفاف.

أما الآن ونحن فى الألفية الثالثة نسمع عبارة تتردد بقوة فى الآونة الأخيرة، وهى " الهيدروجين الأخضر" وهو ما يجب علينا أن نتوقف قليلًا لفهمها والتركيز عليها. علميا، من المتعارف عليه أن الهيدروجين الأخضر نوع من الوقود الناتج عن عملية كيميائية يستخدم فيها تيار كهربائي ناتج عن مصادر متجددة لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، وبالتالي تصبح طاقة ناتجة دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي والمسبب للاحتباس الحراري. وتشير الدراسات إلى أنواع الهيدروجين، منها الأزرق، الناتج عن طريق إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، ولكن يتم التقاط جزء من انبعاثات الكربون، بحيث يتم عزله أو استخدامه مرةً أخرى، وهناك أيضًا الهيدروجين الوردي الذي ينتج في حالة الحصول على الكهرباء المستخدمة في تقسيم الماء إلى هيدروجين وأكسجين داخل محطة نووية". في حالة " الهيدروجين الأخضر"، نجده ناتج عن استخدام الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقات المتجددة، "مثل الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الهيدرومائية" لتقسيم الماء إلى مكوناته "الهيدروجين والأكسجين"، وفي هذه الحالة تكون عملية إنتاج الهيدروجين خالية من الكربون وأي ملوثات للهواء.

على ما  يبدو أن الهيدروجين الأخضر هو الموضوع الأبرز الآن على ساحة الاقتصاد الأخضر العالمي،وقد تبنى الاتحاد الأوروبي عام 2020 استراتيجيته الخاصة بالهيدروجين في إطار ما عرف بـ" الصفقة الخضراء الأوروبية"، وهي خطة تقترح التحول إلى الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050، من خلال الإنتاج المحلي وإنشاء إمدادات ثابتة من إفريقيا. فيما أعلنت العديد من الدول حول العالم بما فيها الدول المتقدمة، مثل أستراليا وفرنسا، وأيضا الأسواق الناشئة، مثل الهند والبرازيل، عن مبادرات للهيدروجين الأخضر. وقد انضمت مصر أيضا لتلك الأسواق كجزء من المبادرة الوطنية، كما تهدف إلى دمجه في استراتيجية الطاقة 2035، والاهتمام بالانتقال إلى الطاقة النظيفة، والعمل على خفض الانبعاثات الصادرة عن استخدام الوقود الأحفوري.

لذلك، كثفت الحكومة من جهودها واتجهت بقوة مشجعة للقطاع الخاص على المشاركة في هذه المشروعات، حتى أُعلن، فى أحدث جلسات  اجتماع مجلس الوزراء المصري، موقف عدد من مذكرات واتفاقيات التعاون التي وُقِّعَت خلال المدة الماضية، مع عدد من الأطراف والشركات العالمية لتنفيذ مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره، من خلال عدة محاور :

- توقيع مذكرة تفاهم مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لتمويل الأعمال الاستشارية لإعداد الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين.

- توقيع اتفاقية التطوير المشترك لمشروع إقامة وتشغيل منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة 100 ميجاواط، في المنطقة الصناعية بالعين السخنة التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

- توقيع اتفاقية الشروط الرئيسة لعقد شراء الهيدروجين، بين كل من: "صندوق مصر السيادي"، وشركات سكاتك النرويجية للطاقة المتجددة، وأوراسكوم للإنشاء، وفيرتيجلوب.

- توقيع مذكرة تفاهم بين كل من الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادي، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، والشركة المصرية لنقل الكهرباء، وشركة ميرسك العالمية؛ لإقامة مشروع لإنتاج الوقود الأخضر لإمدادات تموين السفن والوصول للحياد الكربوني كل هذه الجهود من شأنها تحويل مصر إلى ممر أخضر  لعبور الطاقة النظيفة إلى أوروبا والعالم.

وفي المدى القريب سنكون على موعد مع رئاسة مصر للدورة 27 لمؤتمر المناخ وتأتي قضية تغير المناخ على رأس التحديات التي تواجه العالم حاليًا، بعد أن ثبت بالدليل العلمي أن النشاط الإنساني منذ الثورة الصناعية وحتى الآن تسبب، ولا يزال، في أضرار جسيمة تعاني منها كل الدول والمجتمعات وقطاعات النشاط الاقتصادي، ما يستلزم تحركًا جماعيًا عاجلًا نحو خفض الانبعاثات المسببة لتغير المناخ مع العمل بالتوازي على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ ومن المعروف أن مشكلتى الاحتباس الحرارى وتغير المناخ حدثتا بسبب الاستخدام السلبى للوقود ، لذلك وضعت مصر قضية تغير المناخ في مقدمة جهودها، نظرًا لموقعها في قلب أكثر مناطق العالم تأثرًا بتغير المناخ. فرغم أن القارة الإفريقية تاريخيًا الأقل إسهامًا في إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، إلا إنها من أكثر المناطق تضررًا وتأثرًا من آثار تغير المناخ، مثل: تزايد وتيرة وحدة الظواهر المناخية المتطرفة، وارتفاع منسوب البحر، والتصحر، وفقدان التنوع البيولوجي، مع ما تمثله هذه الظواهر من تهديد لسبل عيش الإنسان ونشاطه الاقتصادي وأمنه المائي والغذائي وقدرته على تحقيق أهدافه التنموية المشروعة والقضاء على الفقر .

قد يكون وضع  مصر الآن بعيد عن المستويات التجارية، ولكن هناك العديد من المقترحات من جانب القطاع الخاص ولكن لم تحدد مبالغ واضحة للاستثمار المستهدف، خاصة أن الهيدروجين الأخضر عبارة عن مشاريع طويلة الأجل يبلغ عمرها التشغيلي نحو 25 عاما، لذلك يحتاج المستثمرون إلى أن يكونوا قادرين على إجراء دراسات جدوى وافرة وواقعية من حيث التكلفة. أيضًا،  يجب أن يكون هناك تعاون بين الحكومة والقطاع الخاص ، وبالتأكيد سيحتاج القطاع الخاص إلى بعض التشريعات المحتملة الخاصة بإمكانية إطلاق المشاريع، وإلى حكومة تعمل على وضع الإطار التنظيمي الصحيح لجذب الاستثمار، كما نحتاج إلى دعم من شركاء التنمية الأجانب لتدريب الخبراء وتحديد مساهمة تكنولوجيا الهيدروجين فمن المتوقع تمويل دراسة استراتيجية تطوير الهيدروجين في مصر من خلال منحة من الوكالة الفرنسية للتنمية. بالتأكيد، نحتاج إلى تكاتف جهود كل المؤسسات المعنية لجذب مزيد من الاستثمارات لمشروعات التحول الأخضر حتى تتحقق خطة تصدير كامل إنتاجنا لأوروبا وتصبح مصر ممرًا أخضر يعبر به العالم إلى الطاقة النظيفة ، لكن  تبقى بعض التساؤلات المطروحة التى تحتاج إلى إجابة من خبراء الطاقة:  هل سنتمكن من  إيقاف التقدم في مجال الطاقات المتجددة بعد إنشاء محطات الهيدروجين الأخضر أم سيظل وجودها مستمرًا واستخدامنا لها ضروريا، خاصة إذا كان أرخص من الطاقة الخضراء؟ وما السرعة التي سيتم بها توسيع الاستثمار في الطاقات الخضراء؟ وإلى أي مدى يجب زيادة وتيرة الاستثمار في الطاقات المتجددة في النظام العالمي من أجل الحد من التغيرات المناخية ذات العواقب الطبيعية الكارثية التي يحذر منها الخبراء؟.

طباعة

    تعريف الكاتب

    جاكلين جرجس

    جاكلين جرجس

    مدير المركز الثقافى القبطى بجمعية جامعة المحبة