تحليلات - استراتيجية عسكرية

الشائعات في وسائــل التواصـل الاجتماعي وتأثيراتها السلبية

  • نقلا عن درع الوطن مجلة عسكرية واستراتيجية

  • 1-8-2014

طباعة
تمثل دعوة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي نفى فيها صحة ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي بشأن صحة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، ودعا من خلالها إلى توخي الحيطة والتثبت في نقل المعلومات والأنباء عبر هذه الوسائل. تمثل هذه الدعوة مدخلاً حيوياً لإعادة النظر في نهج استخدام الكثيرين من أفراد المجتمع لوسائل التواصل الاجتماعي، والانتباه إلى ما تحدثه من آثار سلبية، وما ينطوي عليه تبادل الأخبار ونشرها من دون التأكد من صحتها من بلبلة واضطراب في الأمن المجتمعي. وفي هذا العدد تفتح "درع الوطن" ملف الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية توظيف التقنية الحديثة من دون الانزلاق إلى فخ الإساءة إلى أمن الوطن واستقراره.
 
إعداد: التحرير
 
في الوقت الذي أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي إحدى الأدوات المهمة فيما يطلق عليه الإعلام الاجتماعي أو الإعلام الجديد أو البديل بالنظر لما تقوم به من دور متعدد الأبعاد، سياسي واجتماعي وثقافي واجتماعي، فإنها تظل في الوقت ذاته حاملة أو مروجة لأحد مصادر التهديد للأمن الوطني للدول والمجتمعات، في ظل لجوء البعض إلى توظيفها بشكل سيئ في نشر الشائعات والأكاذيب المغرضة. بل إن الأمر اللافت للنظر أن الشائعة استفادت أكثر من أي وقت مضى من وسائل الاتصال والتواصل الحديثة مثلما يحدث في تداول الشائعات داخل أسواق المال وغير ذلك عبر الرسائل الإلكترونية والهاتف المحمول، حيث يمكن لشائعة أن تحدث انهياراً أو على الأقل تراجعاً كبيراً في أداء البورصات أو انهياراً لأسهم شركات بعينها في البورصة.
 
دولة الإمارات العربية المتحدة، وبما تمثله من نموذج ناجح في الحكم والتنمية والإدارة وسوق المال، أصبحت عرضة في الآونة الأخيرة لشائعات متعددة تستهدف تشويه هذا النموذج أو هز صورتها في الخارج أو إثارة الفزع والبلبلة في الداخل بين فئات المجتمع المختلفة. من تابع وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة يتأكد من ذلك بوضوح، فقد انتشرت بعض الشائعات المغرضة التي تستهدف رموز الإمارات، حيث تم تداول أخبار ومعلومات كاذبة عن صحة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، القائد الأعلى للقوات المسلحة "حفظه الله"، الأمر الذي دفع الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى نفي هذه الشائعات، مؤكداً "أن ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي من أنباء حول صحة صاحب السمو رئيس الدولة مؤخراً عار عن الصحة، ولا تعدو أن تكون شائعات متناقلة، وأن سموه بخير وعافية وصحته ولله الحمد طيبة". 
 
ودعا سمو الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي الجميع إلى توخي الحيطة والتثبت في نقل المعلومات والأنباء ليكون استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي لكل ما فيه خير مجتمعنا ووطننا، راجياً المولى، عز وجل، أن يديم نعمة الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار في ربوع وطننا الغالي، وأن يشمل برعايته وعنايته قيادتنا الحكيمة، وجميع المواطنين والمقيمين على هذه الأرض العزيزة، وأن يحمي الجميع من شرور المتربصين والمغرضين.
 
وإذا كانت هذه الشائعة المغرضة استهدفت رمز الدولة، ورئيسها، فإن هناك شائعة أخرى انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بالأمن الغذائي، تتعلق بوجود لحوم سورية محقونة بمواد مسرطنة بأسواق أبوظبي، وهي الشائعة التي كذبها جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية، نافياً وجود أي نوعية من اللحوم السورية في أسواق الإمارة. 
 
انتشار هذه النوعية من الشائعات المغرضة يثير بدوره العديد من التساؤلات، حول ماهية الشائعة؟ وطبيعة تأثيرها على الأمن الوطني للدولة بمفهومه الشامل؟ وطبيعة الدور الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات؟ وكيفية التصدي لمثل هذه الشائعات؟.
 
مفهوم الشائعات ودور وسائل التواصل الاجتماعي في نشرها
الشائعة هي مجرد "رسالة" سريعة الانتقال، الهدف منها إحداث بلبلة أو فوضى لتحقيق أهداف في غالبها تكون هدامة؛ لأنها تلعب على وتر تطلع الجمهور لمعرفة الأخبار في محاولة لإحداث التأثير المستهدف لمروجيها خاصة في أوقات الأزمات. وبحسب كتاب سيكولوجية الشائعة Psychology of Rumor فإن انتشار الشائعة يساوي أهمية الموضوع المتصل بالشائعة مضروباً في مدى الغموض حوله، الأمر الذي يعني أن الشائعة تكون أكثر انتشاراً كلما كان الموضوع مهماً وكبيراً، ويشغل حيزاً من اهتمامات الجمهور الذي يتطلع إلى معرفة أي أخبار حول هذا الموضوع. والعكس تماماً يحدث إذا ما فقد الموضوع أهميته أو كانت المعلومات حوله واضحة وغير محددة، فإن الشائعة لن تجد من يبدي بها اهتماماً.
 
ويعرف العلماء والباحثون في علم الاجتماع "الإشاعة" بأنها خبر أو مجموعة من الأخبار الزائفة التي تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتداولها بين العامة ظناً منهم في صحتها، ودائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة ومثيرة. وتفتقر هذه الإشاعة عادة إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحتها، وتهدف هذه الأخبار إلى التأثير على الروح المعنوية والبلبلة وزرع بذور الشك، وقد تكون هذه الإشاعة ذات طابع "عسكري أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي". 
 
وتعرف الإشاعة أيضاً بأنها "ترويج لخبر لا أساس له من الواقع، وتعمد المبالغة أو التهويل والتشويه في سرد خبر أو التغليف عليه بأسلوب مغاير بقصد التأثير النفسي على الرأي العام المحلي أو العالمي لأهداف اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو عسكرية". ويتفق علماء النفس والمختصون والباحثون في هذا المجال على أن الإشاعة تعد أحد أساليب الحرب النفسية، فقد ورد في معظم كتب الحرب النفسية أن الإشاعة أسلوب من أساليبها، أو هي وسيلة من أقوى وسائلها، مثلها في ذلك مثل الدعاية وغسل الدماغ أو افتعال الفتن والأزمات وغير ذلك من الأساليب الكثيرة.
 
وعلى الرغم من أن الشائعة لا تعتبر من الظواهر الحديثة في عالمنا المعاصر، كونها ظلت ملازمة لتطور المجتمعات والدول على مر العصور، فإنها في وقتنا الراهن باتت من أخطر الأسلحة التي تهدد المجتمعات في قيمها ورموزها، لدرجة أن هناك من يرون أن خطرها قد يفوق أحياناً أدوات القوة التي تستخدم في الصراعات السياسية بين الدول؛ بل إن بعض الدول تستخدمها كسلاح فتاك له مفعول كبير في الحروب المعنوية أو النفسية التي تسبق تحرك الآلة العسكرية؛ ولا يتوقف خطرها عند هذا الحدّ فحسب، بل إن لها تداعيات اقتصادية ومجتمعية هائلة خاصة في ظل ثورة المعلومات والتكنولوجيا.
 
وتنتشر الشائعات وينشط مروجوها خلال "أوقات توقع الخطر"، وهي أوقات الحروب والكوارث والفوضى؛ لأن الناس يتوقعون حدوث الشر خلال هذه الأوقات، وهذا هو سبب انتشار الشائعة لأن الناس، في هذا التوقيت، حينما يسمعون أي معلومة يتناقلونها فيما بينهم من دون التحقق من صحتها خوفاً منهم على أبنائهم وممتلكاتهم.
 
ومن الناحية النظرية كان من المتوقع أن تتراجع الشائعات مع هذا الانتشار الرهيب لوسائل الاتصال، حيث لم يبق هناك شيء مخفيّ. ولكن الواقع أن الشائعات تتزايد باستمرار، بل تستفيد من وسائل الاتصال العادية والإلكترونية في مزيد من الانتشار، ما يعني سقوط رهانات كثير من الخبراء الذين كانوا يعتقدون أن انتشار وسائل الاتصال والتقدم في تكنولوجيا المعلومات سيؤدي إلى تراجع الشائعات، بل إن اللافت للنظر أن الشائعة استفادت من وسائل الاتصال مثلما يحدث في تداول الشائعات داخل أسواق المال وفي التنافس بين الشركات الكبرى في مجال المال والأعمال وأسواق البورصة.
 
لقد بات واضحاً أن انتشار الإشاعات بصورة واسعة في المجتمعات هو إحدى سمات عصر الثورة التكنولوجية وابتكار التقنيات الاتصالية الحديثة، لأن كل شيء يدور في هذا العالم الافتراضي يتم التعامل معه على أساس أنه معلومة بغض النظر عن صحته أو خطئه، وإذا ما كانت مفيدة أو غير ذلك. كما أن المعلومة لم يعد إنتاجها حكراً على جهة معينة أو شخص محدد يمتهن إنتاج المعلومات كالصحفيين أو المؤسسات الإعلامية وفقاً لمعايير محددة، فقد أصبح بإمكان أي شخص يمتلك الوسيلة المناسبة وبعض المهارات التقنية أن يكون بنفسه منتجاً وناشراً للمعلومة. وفي ظل هذه الوفرة المعلوماتية ولمحدودية مصادرها، فإن مشكلة شديدة التعقيد ظهرت حين أصبح من الصعب على من يتلقى هذا الكم من المعلومات أن يميز الصحيح من الخاطئ والجيد من الرديء، والحقيقة من الإشاعة. 
 
والجانب الأخطر مما سبق أن هناك شواهد عدة تشير إلى تحول الإعلام في بعض الأحيان إلى مربع "الشائعة" بمعنى أن الإعلام يتخلى عن دوره الحقيقي ليتداول وقائع وأحداثاً أقرب إلى الشائعات منها إلى الأخبار، لدرجة انهارت معها الحدود الفاصلة بين فنون حديثة مثل "الإعلان" و"الدعاية" من ناحية، والشائعات من ناحية ثانية بحيث زالت المسافات وأصبح "الإعلان" في بعض الأحوال نوعاً من الشائعات المقننة، وكذلك تحوّلت فنون "الدعاية" إلى ممارسات لنشر الشائعات التي يمكن أن تندرج ضمن مفهوم "الشائعة".
 
لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي إحدى الأدوات التي يتم استخدامها بشكل سلبي في نشر الشائعات، بدليل أن معدلات انتشار الشائعات تتناسب طردياً مع التقدم في تكنولوجيا الاتصال وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع. حيث يلجأ مستخدمو هذه الوسائل في التخفي أو من خلال هويات غير حقيقية في نشر بعض الأخبار الكاذبة التي تجد رواجاً لدى كثيرين، وخاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار هنا أن سيكولوجية الشائعات تشير إلى انتفاء الفوارق الثقافية بين المتلقين عند تداول الشائعة، والتعاطي معها في أحيان كثيرة. 
 
الخطير في الأمر أن الشائعات تنتشر هذه الأيام بسهولة، ليس لتنامي مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي فقط، وإنما لأن الأحداث والتطورات المتصاعدة التي تشهدها المنطقة من حولنا تجعل من الأكاذيب بيئة خصبة للنمو والتكاثر أيضاً، خاصة إذا كانت هذه النوعية من الشائعات تستهدف رجال السياسة والإعلام، والشائعات حول الأمراض والأوبئة، وغيرها من القضايا التي لا تنفصل عن الأمور الحياتية لأفراد المجتمع. 
 
ويمكن تصنيف الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من حيث أهداف نشرها إلى قسمين: أولهما نشر شائعات مع سبق الإصرار والترصّد. وهي المعلومات التي ينشرها أصحابها، وهم على يقين ودراية تامة بكون هذه الأخبار عارية عن الصحة. وعادة ما يكون لدى هؤلاء هدف أو غرض محدّد من نشر هذه الأخبار بحسب نوع الخبر وطبيعته. فإما أن يكون الغرض تجارياً بحتاً، يسعى إلى زيادة الإقبال على منتج معين عن طريق استخدام الإشاعة كآليّة تسويقية مبتكرة، أو لغرض التشويش أو الإساءة إلى شركة أو شخص منافس عن طريق تحريف الحقائق. في بعض الحالات يتمّ بناء مواقع كاملة، هدفها الأول تسويقي، تُنسب لمجموعة هواة في ما هي في الأصل من طرف الشركات المعنية بهذه المنتجات نفسها. وهناك شائعات يتم نشرها عن قلة دراية وضعف خبرة، وهذا النوع من الشائعات ينتشر بشكل عفوي غير مقصود، سواء بسبب التسرّع في نشر الأخبار من دون التحقق من مصادرها الأصليّة، أو عن طريق تحريف الكلام الصادر عن المصدر الأصلي نتيجة التجزئة أو الاقتباس المخلّ بالمعنى.
 
مدى انتشار الشائعات 
تشير نتائج دراسة سعودية نشرتها جريدة "الرياض" إلى أن حوالي 82% من المشاركين في الدراسة الاستطلاعية التي أجرتها وحدة استطلاعات الرأي في "مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني"، حول واقع الشائعات في المجتمع السعودي وشملت (1049) فرداً، منهم (740) من الذكور و(309) من الإناث، يرون أن الرأي العام يتأثر بالشائعات، وشدد (82.9 %) من المشاركين على أن الشائعة تسهم في التأثير على الرأي العام، بينما أجاب (17.1 %) منهم بالعبارة "لا". ورأى نحو (69.2 %) من أفراد عينة الدراسة إلى أن الشائعات واسعة الانتشار بين أفراد المجتمع، في حين أكد نحو (23.1 %) منهم أنها متوسطة الانتشار، ونحو (7.7 %) يرون أن انتشار الإشاعات في أوساط المجتمع قليلة.
 
وعلى الرغم من فاعلية وسائل التواصل الاجتماعي ودورها الإيجابي في نشر الأخبار وخدمة الجمهور، فإنها تلعب دوراً سلبياً موازياً في نشر الشائعات والأخبار الكاذبة التي لا يمكن تصنيفها كشائعات، ولكنها ربما تمتلك هي الأخرى تأثيرات سلبية تفوق الشائعات وإن اختلفت عنها في نوايا مصدر المعلومات. إذ تمثل وسائل التواصل الاجتماعي بطبيعتها بيئة خصبة لتناقل الأخبار بغض النظر عن صحتها كونها تعمل من كونها مواثيق شرف أو قواعد أو معايير، ولا يخضع تناقل الأخبار فيها غالباً إلى أي نوع من المساءلة القانونية.
 
الشائعات وتأثيرها في الأمن الوطني للدول والمجتمعات
 ويمكن تصنيف الشائعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي من حيث أهداف نشرها إلى قسمين: الأول شائعات موجهة لهدف محدد، ينشرها أصحابها وهم على يقين ودراية تامة بكون هذه الأخبار عارية عن الصحة، وعادة ما يكون لديهم هدف أو غرض محدّد من نشر هذه الأخبار بحسب نوع الخبر والمجال الذي يقع في خانته، وهذا النوع من الشائعات ليس بالضرورة أن يكون تأثيره سلبياً، فقد يأتي إما لغرض تسويقي أو إعلاني، أي إن الشائعة هنا تقوم بوظيفة ما، ويسعى مروجوها إلى تحقيق أهداف معينة من طرف جهات محددة. 
 
أما النوع الثاني من الشائعات فهو الذي يفرز تداعيات على الأمن الوطني للدول والمجتمعات، وفي الغالب فإن هذه النوعية من الشائعات تتنوع مصادرها وأهدافها، فقد تكون نتاج أشخاص أو جهات خارجية أو شركات كبرى، وفي الغالب فإن دوافع وأهداف هذه النوعية من الشائعات تتمثل في الآتي: 
- زعزعة الاستقرار الداخلي للدول والمجتمعات، خاصة إذا استهدفت هذه الشائعات رموز أو قيادات دولة ما، أو تطرقت إلى قضايا ترتبط بالأمن المجتمعي للمواطنين في دولة ما، هنا يظل تأثير الشائعة قائماً ومستمراً لفترة ما، خصوصاً في زمن الاتصال السريع والتواصل عبر الشبكات الاجتماعية والمعلومة الآنية التي تنتشر انتشار النار في الهشيم.
 
- إثارة الفتن والخصومات وتعميق الخلافات القائمة بين فئات المجتمع, والتي تعمل الشائعات على إيجادها محاولة استغلال الظروف والمواسم والمناسبات بغرض النيل من سمعة الشخص المقصود أو المساس بمركزه الاجتماعي أو التعرض لمكانته.
 
- تهديد الأمن الاقتصادي للدول والشركات الكبرى، من تركيز مروجي الشائعات على المنشآت الاقتصادية والتجمعات العمالية وأسواق البورصة وغيرها من السلع التي تلعب دوراً استراتيجياً في حياة الناس، بقصد خلق كل ما من شأنه إعاقة سير الإنتاج والتنمية الاقتصادية.
 
الشائعات إحدى أدوات حروب الجيل الرابع
تمثل الشائعات إحدى أدوات الحرب الحديثة، وتندرج ضمن ما يسمى "الجيل الرابع" من الحروب، والذي تعد فيه الإشاعة أحد الأساليب المهمة، وترويجها في موضوع معين لا يتم بشكل عشوائي، وإنما قد تقوم أجهزة معينة تابعة لبعض الدول بترويج بعض الإشاعات عن قيادات دولة ما أو الوضع الاقتصادي لدولة ما لتحقيق مجموعة من الأهداف التي تخدم الدولة التي روجت هذه الإشاعة، وتأثير هذه النوعية من الإشاعات قد يكون شديد الخطورة على جميع النواحي سياسياً واقتصادياً، فقد يؤثر بالسلب على اقتصاد الدولة ويسهم في إعلان إفلاسها، فضلاً عن الإشاعات السياسية التي من الممكن أن تؤدى لتباين وجهات النظر والاستقطاب في داخل هذه الدولة. وفي الآونة الأخيرة أضحت الشائعة أحد الأدوات التي تلجأ إليها الدول لتبرير سياستها الخارجية. 
 
وقد ظلت الحروب تدار بتكتيكات متعارف عليها خلال عقود القرن العشرين، إلى أن حدثت عدة حوادث تنبه لها «أندرو مارك» في مقالة شهيرة في عام 1975 حول أسباب انتصار الدول الضعيفة على الدول القوية. وكان يتحدث بشكل مباشر عن سبب هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية في حربها في فيتنام، وضرب أمثلة متعددة من تاريخ صراعات كبرى تنتهي بانتصار الأضعف مادياً وتسليحياً. وترك سؤالاً للاستراتيجيين، وهو كيف تنجح الولايات المتحدة في علاج هذه المعضلة؛ لأنها دائماً ما ستكون الأقوى عسكرياً واقتصادياً وقد تنتهى إلى الهزيمة؟ هناك عوامل متعددة ذكرها «أندرو مارك»، وكانت الأساس لما اصطلح على تسميته «الحروب غير النمطية»، التي لا يكون الحسم فيها لمن يملك قوة نيرانية أكبر. 
 
وإنما يكون الحسم فيها لمن هو على استعداد لمزيد من المعاناة أو تحمل تكاليف أعلى، وعادة ما يكون الأضعف أكثر استعداداً لتحمل الخسائر في الأرواح من الأقوى الذي عادة ما يكون أكثر انفتاحاً وديمقراطية، ما يجعل خسائره البشرية والمادية أداة ضغط عليه في الداخل. كما أن الأضعف عادة ما تكون له ارتباطات قوية بجهات أجنبية تكون صاحبة مصلحة في استمرار الصراع، كما أن العقيدة القتالية في كثير من المعارك تكون محدداً مهماً لثبات الأضعف.
 
كيف تتصرف القوى الكبرى والحال كذلك؟ كيف تردع قوة أضعف منها لا تخشى الهزيمة ولديها ميول انتحارية؟ ما الفائدة لو كان السلاح الذي معك هو قنبلة ذرية وأسرتك مخطوفة في كهف في جبل؟ وكانت الإجابة هي أن نجعل العدو يقتل نفسه بنفسه. لماذا أقتله، وهو يمكن أن ينتحر؟ لماذا أوحدّه ضدي، وانقسامه في مصلحتي؟ لماذا أطلق عليه الرصاص والقنابل، في حين أنني لو استثمرت واحد بالمئة مما أنفقه على الإعلام الخبيث والشائعات المضرة لتمزَّق؟ ومن هنا انطلقت الفكرة وبدأت وانتشرت.
 
وتعتمد تكتيكات حروب الجيل الرابع في أغلبها على حروب الدعاية والحروب السرية عبر أفراد وجماعات مدربة لإحداث قلاقل واضطرابات، والعمليات الإرهابية والتفجيرات وأنشطة التسلل والغزو الثقافي ونشر الشائعات وغير ذلك من أنشطة تعبوية قائمة على تدمير الروح المعنوية والتأثير نفسياً في الخصم. ثم تطورت هذه الممارسات وأصبحت تشكل نظريات لجيل جديد من الحروب التي تدور بين الدول، أو بين الدول وجماعات والعكس، وتعتمد على كسر إرادة الطرف الآخر وتحطيم معنوياته وإفشال مؤسسات الدول وإحداث قدر هائل من الفوضى والارتباك والذعر الداخلي بحيث يسمح ذلك بتدخلات خارجية لتحقيق وتنفيذ مخططات معينة، أو استمرار هذه الفوضى الداخلية لشغل الدول عن الخارج ودفعها إلى الانكفاء على الذات والانشغال داخلياً بما يخدم أهداف قوى إقليمية أو دولية.
 
 ويستند الجيل الرابع من الحروب على تشتيت الانتباه والاتصالات التي تعمل على إزالة جبهة القتال تماماً، والاكتفاء بالهجوم الثقافي اعتماداً على مقاتلين جدد على هذه الجبهة المستحدثة عبر وسائل الإعلام مع شن أعمال عنف مبرمجة بدقة لشل الإرادة والإرباك ثم انهيار العدو السياسي، بدلاً من السعي إلى عمليات قتالية حاسمة. 
 
ويتضح أن حروب الجيل الرابع تنطوي على متغير حيوي، هو أن التهديد ينبع من الداخل بحيث يتم توظيف عناصر وعوامل داخلية معينة لتوظيفها وتحريكها عن طريق الشائعات وغيرها من أدوات من أجل تحقيق أهداف هذه الحروب والقائمين عليها. ومن هنا تنبع أهمية تعميق قيم الولاء والانتماء إلى الوطن، وتبرز كذلك أهمية الالتفاف والتوحد والالتحام حول راية الوطن وقيادته، كما تتضح كذلك خطورة التنظيمات والجماعات عابرة الوطنية التي تتجاوز الولاءات الوطنية والانتماءات الجغرافية للأرض والمكان، حيث تصبح مثل هذه الجماعات أداة طيعة يمكن توظيفها بسهولة في شن حروب ضد الأوطان من الداخل.
 
لماذا تستهدف الشائعات دولة الإمارات؟
دولة الإمارات العربية المتحدة، كما سبقت الإشارة تمثل نموذجاً ناجحاً في التنمية والحكم الرشيد والإدارة الفاعلة، ولهذا فإنها وبما تشهده من انفتاح كبير وبما تتبناه من حرية اقتصادية تتيح لمئات الشركات العالمية العمل على أراضيها، تكون أكثر عرضة للشائعات التي تحاول التأثير في هذا النموذج. 
 
لقد نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في غضون سنوات قليلة في تحقيق خطوات متقدمة على طريق ردم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية مع العالم المتقدم نتيجة تحسين مناخ الانفتاح الاقتصادي وتبني التكنولوجيا المتطورة وتحويل تقنية المعلومات والاتصالات إلى القطاع الاقتصادي، ما أسهم في بناء أجواء مثالية وجاذبة للأعمال في مختلف مكونات اقتصاد الدولة. وأسهمت الاستثمارات الضخمة لإنشاء بنية تحتية حديثة وتوفير جو انفتاحي مثالي بالمنطقة في خلق بيئة معيشة جذابة تجعل الكثير من الشركات العالمية تتنافس فيما بينها على إقامة فروع لها في دولة الإمارات العربية المتحدة. 
 
كما أدى الاهتمام بتوفير معظم الخدمات الأساسية إلكترونياً إلى جعل دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر الدول الإلكترونية في المنطقة تفاعلية وديناميكية، وهذا ما تؤكده المؤشرات المختلفة الخاصة باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات في مجال المال والأعمال وقطاعات العمل الحكومي المختلفة.
 
وبحسب العديد من التقديرات فإن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في دولة الإمارات العربية المتحدة يعتبر من الأعلى عالمياً، وذلك نتيجة فئة كبيرة من الشباب الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدر دولة الإمارات العربية المتحدة دول منطقة الشرق الأوسط في استخدام موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مسجلة نسبة انتشار بلغت 41 % مقابل، 39.2 % في الأردن التي حلت ثانياً، ونحو 35.2 % في لبنان التي جاءت في المرتبة الثالثة عربياً، بحسب تقرير الإعلام الاجتماعي الذي أصدرته كلية دبي الحكومية العام الماضي. علاوة على ما سبق، فإن الإمارات تأتي في صدارة دول المنطقة من حيث التواصل الحكومي عبر وسائل التواصل الاجتماعية، حيث كانت المؤسسات المحلية والاتحادية في الدولة سباقة في الوجود والتفاعل مع الجمهور إلكترونياً عبر موقعي "فيس بوك" و"تويتر" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
 
لهذا كله، فإن البيئة الداخلية في الإمارات، سواء تلك الخاصة بمناخ الانفتاح والحرية الاقتصادية أو تلك المتعلقة بالبنية التحتية الإلكترونية المتقدمة أو تلك المتعلقة بتزايد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، تسهم في انتشار الشائعات بدرجة كبيرة بين أوساط المجتمع المختلفة.
 
وبالفعل كانت دولة الإمارات العربية المتحدة عرضة لشائعات كثيرة، بعضها استهدف رموز الدولة وقياداتها، كتلك المتعلقة بصحة رئيس الدولة، وخاصة بعد العارض الصحي الذي ألم به مطلع العام الجاري 2014 نتيجة جلطة أصيب بها وأجريت له عملية جراحية ناجحة في ذلك الوقت، وبعضها الآخر تعلق بقضايا مجتمعية واقتصادية، والبعض الثالث انصرف إلى موضوعات تمس الأمن الصحي والغذائي في الدولة، من خلال بث شائعات تتحدث عن تلوث بعض السلع أو حقنها بفيروسات مميتة، كتلك التي انتشرت قبل أيام حول "وجود لحوم سورية محقونة بمواد مسرطنة بأسواق أبوظبي".
 
وهو ما نفاه جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية في بيان قال فيه "لا صحة لوجود أي لحوم مستوردة مسرطنة أو موبوءة أو مريضة في أسواق الإمارة سواء كانت واردة من سورية أو غيرها من الدول". كما أوضح أيضاً أن "اللحوم لا يمكنها نقل السرطان لأنه ليس مرضاً معدياً أو فيروساً يمكن أن ينتشر إضافة إلى أنه ليس من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان والتي يمكن أن تنتقل إليه نتيجة التلامس أو التغذية". وأشار إلى أن "مفتشي الجهاز يستخدمون تقنيات حديثة خلال إجراء الجولات التفتيشية على محال اللحوم تساعد في منع عمليات الغش والتلاعب في جودة وصلاحية اللحوم سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".
 
وهذه لم تكن الشائعة الأولى في هذا السياق، فخلال الأعوام القليلة الماضية انتشرت معلومات تم تداولها عبر الرسائل النصية والبريد الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي حول شائعة إغلاق بعض المؤسسات الغذائية، رغم أن الأجهزة المعنية في الدولة تعلن مباشرة عبر وسائل الإعلام عن المؤسسات الغذائية التي يتم إغلاقها مع توضيح الأسباب، إلى جانب الشائعات بشأن المواد الزراعية المحلية واحتوائها على نسب عالية من المواد الكيماوية، برغم تأكيد الدراسات العلمية أن الخضراوات والفواكه المحلية مطابقة للمواصفات المعتمدة والمتعلقة بمتبقيات المبيدات. 
 
وفي عام 2009، انتشرت شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى تعرض ثلاثة من لاعبي منتخب الإمارات للشباب لمرض أنفلونزا الخنازير، وذلك في أوساط بطولة كأس العالم للشباب التي استضافتها جمهورية مصر العربية. وتبين فيما بعد أن مصدر هذه الشائعة صحفي عن طريق إحدى القنوات الفضائية كان حاضراً أحد التمرينات.
 
تأثير الشائعات في الأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة
هذه النوعية من الشائعات التي استهدفت الإمارات مؤخراً وخلال السنوات القليلة الماضية تمثل تهديداً مباشراً للأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في مفهومه الشامل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والغذائي، وذلك على النحو الآتي:
 
-1إثارة الهلع والفزع في نفوس أفراد المجتمع، خاصة أن هناك نوعية من الشائعات ترتبط بقضايا تمس الحياة اليومية للمواطنين، تنتشر كالنار في الهشيم في وقت قياسي بين أوساط المجتمع المختلفة، وتجد من يصدقها ويضيف إليها، ما يجعلها أقرب إلى الخبر أو الواقعة. 
 
-2التأثير في تماسك النظام السياسي، خاصة حينما تتعلق الشائعة برموز الدولة، وقياداتها السياسية، فإن تأثيرها يكون أقوى، ولاسيما إذا كانت هذه الرموز تحظى بحب جارف من جانب الشعب بفئاته المختلفة، كصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. هنا يتعدى هدف الشائعة التأثير النفسي والسيكولوجي إلى محاولة زعزعة الاستقرار الذي تشهده الدولة على المستويات كافة، وربما هذا الأمر يفسر الاستياء الشعبي غير المسبوق إزاء الشائعات التي تستهدف رموز الدولة وقياداتها الرشيدة. 
 
-3 محاولة زعزعة الأمن الاقتصادي للدولة، وذلك من خلال بث معلومات مضللة عن أسواق المال والبورصة، فهذه الشائعات تسبب خسارة كبيرة قد تصل إلى ملايين الدراهم، كما أنها تضر بسمعة بعض الشركات وقد تؤدي إلى انهيارها. وهذا يؤكد أن الشائعات تستخدم كإحدى الأدوات في الحروب الاقتصادية، ليس بين الشركات فقط، وإنما بين الدول أيضاً، للإضرار اقتصادياً بالمنافسين ضمن الصراع على نصيب من كعكة "التجارة الدولية" في سلعة ما، أو الفوز بصفقة ما.
 
-4محاولات تشويه صورة الدولة أمام العالم الخارجي، وذلك من خلال بث إشاعات مغرضة عن أوضاع العمال الأجانب في الدولة، أو نشر معلومات مضللة عن أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة في الدولة، وإيصالها إلى المنظمات الدولية التي تستخدم هذه المعلومات المشوهة (الإشاعات) في التقارير التي تصدرها وتقيم فيها تطور حقوق الإنسان أو الحريات في الدولة، ما يؤكد أن الإشاعات باتت أيضاً تستخدم كأداة للضغط السياسي من خلال تشويه صورة الدولة في الخارج. 
 
كيفية التعامل مع الشائعات واحتواء تأثيراتها
نظراً لما تمثله الشائعات من خطر يهدد الأمن الوطني لدولة الإمارات، فإن هناك ضرورة ملحة للتعامل الفاعل والسريع مع أي شائعة، والعمل على وقف انتشارها، وهذا يقتضي التحرك على المستويات الآتية:
 
-1المستوى الرسمي، وذلك بصدور بيان من الجهة المختصة، لتوضيح طبيعة هذه الشائعة(صادقة/كاذبة)، فإذا كانت لها أساس ينبغي ضرورة توضيح ما تمثله من خطورة على المجتمع واستقراره، وإن كانت كاذبة ينبغي المسارعة بنفيها، ولعل مسارعة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى نفي الشائعات المرتبطة بصحة رئيس الدولة خلال الأيام الماضية تقدم نموذجاً لكيفية التعامل الحاسم مع مثل هذه الشائعات. وهذا ينبغي أن يكون النهج الذي تتعامل به مختلف مؤسسات الدولة الرسمية مع مختلف الشائعات، والرد عليها بسرعة حتى لا تجد من يصدقها بين أفراد المجتمع، ولذا فإن رد سموه على هذه الشائعة بلغة قاطعة وواضحة يؤكد أموراً عدة، من بينها عمق إدراك سموه لتأثيرات انتشار مثل هذه الشائعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعد سموه من القادة الذين يتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي بانفتاح وإدراك لحجم انتشارها وكونها باتت أحد أدوات العصر الحديث وتقنياته الاتصالية، ومن الضروري الانفتاح عليها وتوظيفها لمصلحة الوطن وتفادي تأثيراتها السلبية. كما يؤكد هذا الرد أيضاً أن التصرف بفاعلية وبشكل واضح مع الشائعات التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بات أمراً ضرورياً لوأدها، ولذا فقد كانت تصريحات سموه في هذا الشأن نموذج حقيقي للاشتباك الإيجابي مع الشائعات الضارة والقضاء عليها في مهدها، حيث ضرب سموه بذلك القدوة والمثل للمسؤولين في كيفية التعامل مع مثل هذه النوعية من الأخبار وعدم تجاهلها أو انتظار انتهاء مفعولها؛ لأن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية قد جعل من تبادل الأخبار وأحياناً الشائعات مادة مسلية للكثيرين.
 
-2المستوى الشعبي، ويتعلق هذا الجانب بأفراد المجتمع، إذ عليهم قبل ترويج أي خبر يأتي إليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو هواتفهم الذكية ضرورة العودة لمصادر الأخبار الرسمية في الدولة، وتوخي الحيطة والتثبت في نقل المعلومات والأنباء، حتى يمكن قطع الطريق على أولئك الذين يسعون إلى إثارة البلبلة والفوضى في المجتمع. كما يتعين على أفراد المجتمع أيضاً، أن يتعاملوا مع استخدام وسائل التواصل بحذر ومسؤولية اجتماعية، وبوعي بخطورة تأثيرها السلبي، لأن ما ينشرونه قد يحدث أضراراً بالغة بالمجتمع، أو يسهم في استشراء بعض الأمور السلبية. والمؤكد أن الولاء والانتماء في دولة الإمارات عاملان حيويان من شأنهما الإسهام بفاعلية في الحد من آثار الشائعات واحتوائها، ولكن يبدو أن جزءاً ما من تبادل هذه الأخبار السلبية يعبر عن قلق ورغبة في معرفة الأنباء فضلاً عن الميل الفطري للإنسان كي يضطلع بدور إعلامي، وهذا الميل هو السبب المباشر في كثير من الأحيان في رغبة البعض في لعب دور العالم ببواطن الأمور، ولكن هذا الميل سرعان ما يتم وأده في حال قامت الجهات الرسمية المعنية بتوضيح حقيقة أي أخبار أو شائعات.
 
-3المستوى الأمني، وذلك من خلال تشديد الجهات المعنية على ملاحقة مروجي هذه الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتقديمهم للمحاكمة؛ لأن ترك مروجي الشائعات من دون ملاحقتهم قد يغري الآخرين بإطلاق شائعات جديدة تهدد أمن المجتمع واستقراره. ونلاحظ أن الإعلام الأمني في دولة الإمارات العربية المتحدة يبلي بلاء حسناً في مجال التواصل الجماهيري والتوعية بأهداف وبكل ما يحقق أمن المجتمع واستقراره، ويمكن القول إن الإعلام الأمني في الدولة يمثل نموذجاً في الوجود على الساحة الإعلامية والجماهيرية.
 
-4المستوى التشريعي والقانوني، ويكون ذلك من خلال الحزم في تطبيق أقصى العقوبات التي يقررها القانون الإماراتي على مروجي الإشاعات، سواء بقصد أو من دون قصد، لينالوا جزاءهم العادل جراء ما أقدموا عليه، فوفقاً للقانون الإماراتي تعتبر الشائعات بلاغات كاذبة، ويعاقب مروجوها بالسجن مدة تصل إلى عشر سنوات، خاصة إذا تعلقت بأمن الدولة، وأضرت بمصالح الوطن العليا، حيث نصت المادة (276) من قانون العقوبات على أنه يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أبلغ كذباً أو بسوء نية، السلطة القضائية أو الجهات الإدارية بارتكاب شخص أمراً يستوجب عقوبته جنائياً أو مجازاته إدارياً . فيما تعاقب المادة (275) من قانون العقوبات الاتحادي صاحب البلاغ الكاذب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة 3 آلاف درهم أو بإحدى العقوبتين . علاوة على ما سبق، فإن المادة رقم (5) من قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2012، حددت عقوبة الحبس لمدة تصل إلى عشر سنوات، وغرامة مالية تصل إلى ربع مليون درهم، ضد كل من يقوم ـ إلكترونياً ـ بإطلاق شائعات تمس أمن الدولة، أو الحياة الخاصة، وخصوصاً أن أثر الشائعة قد يدفع المجني عليهم إلى الانتحار أحياناً. ولعل التوعية بتجريم نشر الشائعات يسهم كثيراً في الحد منها نظراً لإحساس البعض بعدم خطورة تبادل ما يصل إليه عبر الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي من شائعات أو أكاذيب.
 
5 -المستوى الديني والأخلاقي، وذلك من خلال مزيد من التوعية الدينية لأفراد المجتمع، وذلك من منطلق أن الشائعات أمر مناف لما جاء به الدين الإسلامي جملة وتفصيلاً، لأن الدين يحرص على سلامة المجتمع من كل ما يصيب أفراده من أخلاق فاسدة أو عقائد باطلة أو سلوك سلبي، والشائعات حذر منها القرآن الكريم في كثير من آياته، كما حذرت منها السنة النبوية، حيث قال الله تعالى: "إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم، بل هو خير لكم، لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين". وقال تعالى أيضاً "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" فنبّه إلى اللسان قبل اليد لأنه من المعروف أن "جروحات السنام لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللسان".
 
-6 المستوى الإعلامي، ولاسيما أن بعض المنافذ الإعلامية تحول في الآونة الأخيرة من دون قصد إلى مروج للشائعات، بتداولها معلومات غير موثقة. وهذا يتطلب: أولاً ضرورة تدقيق وسائل الإعلام من صحة المعلومات التي تنشرها وذلك من الجهات الرسمية، وثانياً وضع استراتيجية إعلامية وقائية تستخدم وسائل الإعلام كافة من أجل توعية أفراد المجتمع بمفهوم الشائعات والظروف المرتبطة بنشأتها وتطورها والمخاطر والآثار الناجمة عنها, وكيفية تحليلها للكشف عما تتضمنه من أكاذيب ومغالطات. كما ينبغي بذل مزيد من الجهود الإعلامية لتوعية الأفراد بشأن خطر تناقل الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقوم كثيرون بتناقل ما يصل إليهم من دون تثبت وإدراك لحجم انتشار هذا المحتوى وتأثيره السلبي، سواء على صعيد إثارة البلبلة أو تحقيق أهداف الجهة التي قامت بنشر هذا المحتوى للمرة الأولى. كما أن من الضروري أيضاً تبني نهج إعلامي إيجابي مبادر، كما فعل سمو ولي عهد أبوظبي حين قام بتكذيب الشائعات فوراً، وبكلمات واضحة وصريحة؛ لإدراك سموه خطر ترك مثل هذه الشائعات تفعل فعلها وسط الجمهور.
 
طباعة