مقالات رأى

مناقشة هادئة لمبررات الرفض والمقاطعة

طباعة
من قبل حتى أن يرى النور مشروع الدستور الجديد بادرت بعض القوى السياسية والشخصيات العامة بإعلان موقفها المبدئى برفض المشروع أو مقاطعة الاستفتاء عليه، ثم حذت أطراف أخرى حذوها بعد تسليم المشروع إلى رئيس الجمهورية. وقد تمحورت مبررات الرفض أو المقاطعة حول ثلاثة محاور أساسية أتطرق إليها على التوالى إثراء للنقاش الدائر حول دستورنا الجديد.
 
المحور الأول هو رفض الاتجاه الذى اتخذه الحراك السياسى اعتبارا من 3 يوليو 2013. فعلى الرغم من أن الفريق الذى يتبنى هذا التفسير شارك بقوة فى الموجة الثورية الثانية فى 30 يونيو سواء بالتظاهر أو حتى بالإعداد المسبق لفعاليات هذا اليوم، إلا أن هذا الفريق يعتبر أن ما حدث فى 3 يوليو تجاوز مطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة إلى وضع خارطة طريق متكاملة فيها تعديل للدستور وتنصيب لرئيس مؤقت وتشكيل حكومة جديدة. وعندما تسأل هذا الفريق كيف كان السبيل لانتزاع موافقة الرئيس المعزول وجماعته على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة دون تدخل المؤسسة العسكرية ونحن نرى كل هذا العنف الدموى من الجماعة وأنصارها، يجيب بأن الحل كان يتمثل فى استمرار الضغط على الحكم لحين إجباره على تحديد موعد لانتخابات رئاسية مبكرة. وهذا التصور ينتمى إلى الخيال السياسى فى ظل الخلل المعلوم فى توازن القوى بين الأطراف التى يطلق عليها وصف المدنية والتى لا تملك سوى مظاهراتها واعتصاماتها وإضراباتها السلمية، والأطراف التى تتخير صباح كل يوم من أفعال العنف السياسى ما تروع به المصريين من أول الاغتيالات السياسية وحتى العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة والقنابل. ولو كانت القوى المدنية قادرة على إحداث تغيير فى هيكل السلطة دون دعم من المؤسسة العسكرية لكانت تونس هى المرشحة الأولى لتقديم هذا النموذج. وهكذا فإن نجاح 30 يونيو كان معلقا على 3 يوليو، وإلا تحول هذا الخروج الجماهيرى الحاشد إلى مجرد مظاهرة تاريخية لا أكثر.
 
نأتى بعد ذلك إلى ترتيب خطوات خارطة الطريق، وهو ترتيب ليس موضع اتفاق، وشخصيا كنت أفضل اختصار المرحلة الانتقالية بجمع الانتخابات البرلمانية والرئاسية معا، وغيرى كان يفضل أن تسبق الانتخابات الرئاسية الانتخابات البرلمانية، لكن قل لى أين هى الخارطة التى يتحقق من حولها إجماع شعبى فى مشهد استقطابى بامتياز. فلو أنه جُمع بين انتخابات البرلمان والرئيس لاحتج البعض بأن هذا سيجعل من يربح يربح كل شئ ومن يخسر يفقد كل شئ، ولو تقدمت الرئاسية على البرلمانية لقيل إننا ننتخب رئيسا لا يراقبه برلمان. وهكذا فمع أن بعض المرونة فى تغيير ترتيب خارطة الطريق كان يبدو مريحا بالنسبة لكثيرين، لكن يظل السؤال حول اتجاه المرونة ووفق أى ترتيب.
 
المحور الثانى هو التحفظ على فكرة التعديلات الدستورية وعلى طريقة تشكيل لجنة الخمسين على أساس أنه قد آن الآوان لوضع دستور جديد ينتسب إلى تاريخ 30 يونيو، وأن لجنة الخمسين هى لجنة غير منتخبة شعبيا. بداية فإن قطاعا كبيرا ممن خرجوا فى مظاهرات 30 يونيو وأنا فى عدادهم كانوا يفضلون وثيقة دستورية جديدة، فإن تعذر ذلك فى غياب التوافق المجتمعى الحاصل كان المقترح اللجوء إلى الحل الخالد وهو العمل بدستور 1971 مع بعض التعديلات على باب نظام الحكم. فى هذه النقطة بالذات ليس لدى أى دفاع عن خارطة الطريق، ولا أتفهم ما ذكره السيد رئيس الجمهورية عن أن التعديل يمكن أن يطول 90% من مواد دستور 2012 بشرط عدم وضع دستور جديد، نعم لا أتفهم لأن القاعدة الشهيرة تقول إن إصلاح الشيء أصعب من إنشائه. لكن ربما كان المنطق الذى حكم اللجوء إلى تعطيل دستور 2012 بدلا من إلغائه هو الحاجة إلى طمأنة حزب النور الذى لعب دورا أساسيا فى صنع دستور 2012 على أن بصمته لن تبارح الدستور المعدل. أما قضية مدى تمثيل لجنة الخمسين للشعب المصرى فمردود عليها بأمرين، الأول يتعلق بأن تشكيل اللجنة تم من طرف غير منتخب وهذا صحيح لكن ماذا إذن عن تشكيل لجنة التعديلات الدستورية فى مارس 2011 وهى التعديلات التى وضعت الأساس لكل البناء الدستورى اللاحق؟ والثانى يتعلق بأن أعضاء اللجنة أنفسهم لا يمثلون بدقة مختلف مكونات المجتمع، لكن من أين أتى هؤلاء أليس من نقابات وأحزاب رشحتهم؟ ولو أن اللجنة كانت من تيار واحد ففيم كل هذا الأخذ والرد قبل التصويت لا بل أثناء التصويت لا بل حتى بعد التصويت وتسليم مسودة الدستور؟
 
المحور الثالث والأخير هو رفض المواد الخاصة بالمؤسسة العسكرية بشكل عام وتلك المتعلقة بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى بشكل خاص. وقد أعرب كثيرون عن تفضيلهم، إن لم يكن من الأمر بد، إحالة تلك المحاكمة إلى القانون الذى يسهل تغييره بدلا من دسترتها والأصل فى الدساتير هو الديمومة. واقع الأمر أن الضبط والتحديد أفضل من الإطلاق والإباحة، لكن وكما صرح عدد من أعضاء لجنة الخمسين فإن خيار الإحالة للقانون لو أصّر الأعضاء عليه داخل اللجنة لما عارضه ممثل المؤسسة العسكرية الذى يعنيه حماية أبنائه ومنشآته أكان ذلك بواسطة الدستور أو بواسطة القانون. نعم إن دستورا بلا محاكمات عسكرية للمدنيين دستور يليق بثورة، لكن جزءا من استمرار الثورة الذى يتحدث عنه الجميع هو النضال من أجل تحقيق هذا الهدف. ومع أنه لم ينص فى مشروع الدستور على أن العمل بتلك المادة لمرحلة انتقالية محددة، إلا أن تغير المشهد السياسى وانحسار موجة العنف التى تستهدف المؤسسة العسكرية لا بد أن يفتح الباب للتعديل.
 
إن هذا الوقت ليس وقت أنصاف المواقف وأنصاف الحلول، وهو ليس وقت تأسيس المواقف على السمعة السياسية لا على خطورة المرحلة التى يمر بها الوطن، ولأن الأمر كذلك فليتدبر كل منا الأمر ويقلبه على الوجوه جميعا حتى إذا اتخذ قراره بالموافقة أو الرفض أو المقاطعة للاستفتاء يكون على يقين أنه يقف على أرض صلبة.
 
-----------------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الخميس، 12/12/2013.
طباعة

تعريف الكاتب

نيفين مسعد