مقالات رأى

تحديات وآفاق القمة الأفرو-عربية الثالثة

طباعة
مقال رأى خاص لموقع مجلة السياسة الدولية - الثلاثاء 19/11/2013.
 
يمثل انعقاد القمة العربية- الإفريقية الثالثة بالكويت فى الفترة من 19 إلى 20 نوفمبر الجارى فرصة تاريخية لتحقيق شراكة استراتيجية حقيقية فى ظل تنوع مقومات التعاون بين الجانبين، والتى تحتاج لإرادة فاعلة تنجح فى استنفار الطاقات الكامنة بما يخدم الأهداف التنموية فى العالمين العربى والإفريقى .
 
ولا شك فى أن مصر، عبر تاريخها الممتد، مثلت القاعدة الأساسية، والمرتكز المحورى للتضامن العربى- الإفريقى، عمّقه حضورها المكثف فى إفريقيا، خاصة فى الحقبة الناصرية التى أسهمت فى تعزيز هذا التضامن من خلال دعم حركات التحرر الوطنى فى ربوع القارة السمراء، واحتضانها، وتقديم الدعم المادى من حيث التسليح، والتدريب، والمعونة الفنية، فضلاً عن  تقديم الدعم المعنوى من خلال إنشاء الإذاعات الموجهة والناطقة باللغات الإفريقية مثل السواحيلي، والهوسا، واللغات الأوروبية مثل الإنجليزية، والفرنسية، كمنبر لبث روح الثورة للتحرر من الاستعمار بكل صوره. غير أن المفارقة المثيرة للانتباه أن مصر، التى استضافت التأسيسية الأولى للتعاون العربى- الإفريقى فى  الفترة من7 إلى 9 مارس من عام1977، تقتصر مشاركتها فى قمة الكويت، كونها عضواً بجامعة الدول العربية فقط، وهو الأمر الذى يشكل إجحافاً لدورها التاريخى داخل القارة الإفريقية، حتى وإن تراجع فى الحقبة الماضية، مما يعنى ضرورة إعادة النظر من القادة الأفارقة فى تعليق أنشطتها فى الاتحاد الإفريقى.
 
والمتتبع لمسيرة التعاون العربى- الإفريقى منذ انطلاق القمة التاسيسية الأولى بالقاهرة يلاحظ سمة أساسية صاحبته، وهى غلبة الشعارات البراقة دون التطبيق الفعلى لهذا التعاون على أرض الواقع. فقد تبنت قمة القاهرة الأولى مجموعة من المقررات حددت آلية تحقيق التعاون العربي- الإفريقي المستند على ميثاقى جامعة الدول العربية والوحدة الإفريقية، حيث تم الاتفاق على إنشاء المجلس الوزاري المشترك، الذي يعقد جلساته بشكل دوري كل 18 شهراً، في حين يعقد مجلس رؤساء الدول اجتماعاته كل ثلاث سنوات. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم تشكيل اللجنة الدائمة للتعاون العربي- الإفريقي، وهي مؤلفة من 24 عضواً، نصفهم من إفريقيا، والنصف الآخر من العالم العربي. وتعقد هذه اللجنة اجتماعاتها كل ستة أشهر لمتابعة تنفيذ قرارات التعاون العربي- الإفريقي. غير أن هذه المقررات والتوصيات لم تنجح فى تحقيق الشراكة الاستراتيجية لا على المدى المتوسط، أو على المدى البعيد. وربما كان هذا الإخفاق هو العامل الأساسى فى تأخر عقد قمة الكويت لما يقرب من 33 عاما، فقد كان من المقرر عقدها عام 1980، أى بعد ثلاث سنوات من عقد القمة الأولى. صحيح أن قمة سرت الثانية، التى عقدت فى ليبيا عام 2010 ، تعد محطة مهمة فى مسيرة العمل العربى- الإفريقى، إلا أنها لم تنجح أيضاً كقمة القاهرة الأولى فى وضع مقومات مؤسسية لاستدامة التعاون العربى- الإفريقى، والوصول به لمستوى تطلعات الشعوب، برغم تبنيها لتوصيات تحدد مجالات وآليات هذا التعاون، والتى ركزت على أربعة  مجالات حيوية لتحقيق استراتيجية الشراكة العربية- الإفريقية، وهي السلم، والأمن، وحوافز الاستثمار والتبادل التجاري، والأمن الغذائي والزراعي، والتعاون الثقافي والاجتماعي. ويبدو أن تأثير توصيات القمتين السابقتين لم يسهم فى نقلة نوعية فى مسار التعاون العربى- الإفريقى بشكل عام، فى ظل وجود تحديات مختلفة تواجه بلورة هذا التعاون، وجعله أكثر مؤسسية . 
 
تحديات تواجه التعاون الأفرو-عربى:
 
 برغم تنامى الآمال العربية والإفريقية بقمة الكويت الثالثة فى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، فإن ثمة مجموعة من التحديات تواجه مسار التعاون العربى الإفريقى، لعل أهمها : 
 
1- على المستوى الداخلى: 
 
شهدت الدول الإفريقية نمواً اقتصادياً مطرداً، وتحسناً في مؤشرات التنمية الاجتماعية, وكذلك الحال بالنسبة للدول العربية، ولكن هذا النمو الاقتصادي لم يفلح في تحقيق طموحات الملايين من شعوبنا، وهو ما تدل عليه الأحداث والتغيرات التي نشهدها اليوم في دول عربية وإفريقية، والتي ترجع إلى تفشي البطالة، والفقر، والجوع، وتدنى مستوى الخدمات الاجتماعية كالتعليم، والصحة، والمياه الصالحة للشرب، والكهرباء، ووسائل النقل. وكلها عوامل أسهمت فى التخمر الثورى الذى شهدته دول الربيع العربى، وامتد تأثيره إلى الجوار الإفريقى أيضاً  فى السودان. وبرغم مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربى، فإن فشلها حتى الآن فى تحقيق طموحات الشباب الثائر عكس الكثير من الشكوك حول قدرة الجمهوريات الثائرة فى تحقيق التنمية المستدامة. فالدول العربية التى شهدت موجات ثورية متتالية ربما تشهد موجات أخرى، حتى تنجح الثورات فى الانتقال إلى بناء أنظمة ديمقراطية، وهو مايعنى أن المراحل الانتقالية التى تمر بها دول الربيع العربى بقدر ما تحمل من فرص لتعزيز التعاون مع الجانب الإفريقى، إلا أن حالة عدم الاستقرار السياسى ستنعكس بلا شك على مسيرة التعاون العربى- الإفريقى، خاصة أن الدول الإفريقية أيضاً تعانى العديد من الظواهر السلبية التى تمثل حجر عثرة أمام هذا التعاون، يأتى فى مقدمتها الصورة السلبية عن الآخر الطامع فى ثروات القارة، والمستغل لمواطنيها، وهى صورة شكلتها الخبرة الاستعمارية السابقة. يضاف إلى ذلك أن القارة السمراء تعد من كبرى قارات العالم من حيث عدد اللاجئين. وتعد ظاهرة اللاجئين واحدة من الظواهر الرئيسية الناتجة عن الحروب الأهلية بسبب ما ينجم عن هذه الحروب من مخاطر جسيمة على حياة الأفراد فى مناطق الصراع، وأيضا بسبب ما تؤدى إليه تلك الحروب من تدمير للموارد الاقتصادية فى الدولة، وعدم القدرة على استغلالها بشكل مناسب.  
 
2- على المستوى الإقليمى: 
 
 هناك تحديات إقليمية متنوعة أمام مسار التعاون العربى- الإفريقى، تتجسد فى محاولة  ملء الفراغ العربى فى إفريقيا عبر العقود الماضية من بعض الدول مثل إسرائيل وإيران، وذلك عبر التغلغل فى القارة السمراء، وإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية مع عدد كبير من دولها، وهو ما يؤثر بالطبع سلباً فى الأمن القومى العربى، خاصةً إذا أدركنا أن التعاون الإسرائيلى مع الدول الإفريقية يتزايد فى منطقة البحيرات، ومع إثيوبيا بهدف الإضرار بالأمن المائى المصرى. أما إيران، فإنها تسعى لتدعيم واستعادة العلاقات الدبلوماسية مع دول القارة الإفريقية، والاستفاة من العضوية المشتركة فى منظمة المؤتمر الإسلامى، والعمل على صياغة أطر مؤسسية لتنظيم العلاقات مع الدول الإفريقية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك: الترويج لفكرة إنشاء تكتل وسوق تجارى بين الدول الإفريقية والآسيوية، تكون إيران طرفًا فيه، وبحث المشاركة الإيرانية فى الاتحاد الإفريقى بصفة مراقب، بالإضافة إلى آليات أخرى مثل تنظيم المؤتمر الأول للعلاقات الثقافية الحضارية بين إيران وإفريقيا، وعقد منتدى التعاون الإيرانى- الإفريقى، والذى حدد الأطر العامة للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين.
 
3- على المستوى الدولى: 
 
 ثمة صراع دولى أمريكى- أوروبى– صينى على موارد القارة الإفريقية، جسده إعلان الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، ووزير دفاعه، روبرت جيتس، فى السادس من فبراير 2007 عن إنشاء قيادة أمريكية لقارة إفريقيا، عرفت اختصارًا باسم: "أفريكوم"، وجاء هذا القرار محصلة لعشر سنوات من الدراسة داخل وزارة الدفاع الأمريكية، والتي خلصت في النهاية إلى الأهمية الاستراتيجية المتزايدة للقارة الإفريقية، وأن السلام والاستقرار في القارة لا يؤثران فقط فى الأفارقة، ولكن فى مصالح أمريكا، والمجتمع الدولي على حد سواء. وفى مواجهة الاستراتيجية الأمريكية، يأتى التوجه الصين إزاء إفريقيا، وذلك فى إطار الصراع والتكالب الدولى على ثروات القارة، خاصة على مصادر الطاقة الإفريقية، ولا سيما البترول والغاز الطبيعي، وغيرهما من الموارد الطبيعية والمعدنية المهمة اللازمة للتنمية الصينية، فضلاً عن أهمية الأسواق الإفريقية لتسويق الإنتاج الصيني المنافس بقوة للإنتاج الأمريكي والغربي. ومن ثم، فإن الصين ترى أن توطيد علاقاتها مع إفريقيا من العوامل الرئيسية في بلوغها مرحلة القوة العظمى.
 
آليات التعاون العربي- الإفريقي:
 
 في تقديري، لا بد أن تشكل التحديات السابقة دوافع قوية لدى الجانبين العربى والإفربقى فى ضرورة تحقيق شراكة استراتيجية تتجاوز معضلات الماضى، وتنهى على فكرة الفرص الضائعة فى تاريخ العلاقات العربية- الإفريقية. وربما تمثل قمة الكويت الثالثة فرصة سانحة لتبنى خطة عمل محددة واضحة المعالم بعيدة عن العبارات الإنشائية التى تعودنا عليها فى تاريخ القمم العربية والافريقية على حد سواء، مما يعنى ضرورة تعزيز البعد المؤسسى لتحقيق الشراكة الاستراتيجية. فجامعة الدول العربية وأجهزتها، والاتحاد الإفريقى ومؤسساته يحتاجان لتحقيق شراكة استراتيجية تعمق من التعاون بينهما، فى ظل وجود مقومات لمثل هذا التعاون، يأتى فى مقدمتها تنوع المجالات التى من الممكن أن تدعم مثل هذه الشراكة، لعل أهمها :  
 
1- التعاون الاقتصادى: 
 
على الرغم من تنوع التحديات أمام مسار التعاون العربى- الإفريقى، فإن العديد من الأجهزة والمؤسسات العربية استطاعت أن تحقق بعض النجاحات التى تستحق الإشادة بها، والبناء عليها مستقبلاً، من بينها أنشطة الصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الإفريقية، وأنشطة المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، اللذين قدما معونات وقروضا وتمويلا لمشروعات بلغت قيمتها الإجمالية ما يزيد على ثلاثة مليارات دولار.
 
ولا شك فى أن القارة الإفريقية تزخر بالمقومات الطبيعية والبشرية التى من الممكن أن تمثل إضافة لمسيرة العمل العربى- الإفريقى، فالأراضى الإفريقية الشاسعة تمثل فرص واعدة للاستثمار فى المجال الزراعى والحيوانى، خاصة إذا سلمنا بأن أحد التحديات التى تواجه العالم فى القرن الحالى هو الانفجار السكانى الكبير، وهو ما يعنى ضرورة ضمان الأمن الغذائى لهذا العدد المتزايد. وعربياً، فإن العديد من الدراسات خلصت إلى ضرورة استغلال أراضى السودان لتحقيق الأمن الغذائى العربى، بل وحسبانه سلة غذاء العالم العربى، إذا ما أُحسن استغلال موارده بدلاً من تركه فريسه للتفتيت والتشرذم، وهو مايعنى ضرورة تنشيط الاستثمارات العربية والخليجية فى هذا المجال الحيوى. 
 
 وبرغم تنامى أزمات الطاقة فى عدد من دول العالم، فإن إفريقيا أضحت من أقاليم العالم المنتجة والمصدرة للبترول والغاز الطبيعي، ومن المتوقع زيادة الإنتاج والصادرات في السنوات المقبلة، مع تكثيف عمليات البحث والتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في أقاليم جديدة من القارة الإفريقية، مما أدى إلى زيادة أهمية البترول الإفريقي، لاسيما مع ضعف الاستهلاك الإفريقي، ووجود فائض كبير للتصدير، وهو ما يوفر فرصا استثمارية أمام المال العربى والخليجى، الذى من الممكن أيضاً أن يلعب دوراً محورياً فى الحيلولة دون تسييس أزمة مياه نهر النيل، من خلال الاستفادة من مناخ التعاون السياسي المصري والخليجي أخيرا لدعم الموقف التفاوضي لمصر مع دول حوض النيل، خاصة في ظل الاستثمارات الخليجية في هذه الدول، والتي تقدرها المصادر بأكثر من20 مليار دولار, وهو ما يعطي ثقلاً للدور الخليجي في حل الخلافات بين مصر ودول حوض النيل خلال المرحلة القادمة . 
 
2- التعاون الأمنى: 
 
 تمثل التحديات الأمنية المشتركة للجانبين العربى والإفريقى  فرصة سانحة لزيادة التعاون الأمنى بينهما، خاصة أن قضايا مثل الهجرة، والقرصنة البحرية، والإرهاب، والجريمة المنظمة أضحت مشكلات عابرة للحدود، وتحتاج إلى تكاتف من الجانبين لمواجهتها. يتطلب هذا تعزيز التعاون بين مجلس السلم والأمن العربى، ومجلس السلم والأمن الإفريقى، وقد عقد المجلسان اجتماعاً مشتركاً على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2012 لبلورة أوجه التعاون بينهما، عندما دعت مصر لعقد هذا الاجتماع التشاورى على المستوى الوزارى بين مجلسى السلم والأمن الإفريقى والعربى، فى إطار حرصها على تعزيز التنسيق بين الجامعة العربية والاتحاد الإفريقى، بحسبانه الجهاز الإفريقى الأهم المعنى بإدارة الأزمات التى تواجه إفريقيا، ومنع تفاقمها، والعمل على تأمين استقرار الأوضاع السياسية والأمنية فى ربوع القارة.  
 
3- التعاون الثقافى: 
 
 يشكل التعاون الثقافى بين الجانبين حجر الزاوية فى إمكانية بناء شراكة استراتيجية عربية- إفريقية، خاصة أن الموروث الثقافى يمثل التحدى الأبرز لتحقيق مثل هذه الشراكة. ذلك أن الهاجس النفسى للاستعباد، ومحاولة الآخر استغلال القارة بمواردها البشرية والطبيعية، فضلاً عن الخبرات الاستعمارية السلبية، كلها تمثل جزءا مهما من العقل الجمعى الإفريقى، وتحتاج إلى وسائل مبتكرة لمحو هذه الصورة وتصحيحها. لذلك، فإن الشروع  فى أنشطة المعهد الثقافي العربي- الإفريقي، الذي بدأ في ممارسة برامجه وأنشطته في مجال تعزيز التعاون الثقافي، سيصحح قدر الإمكان من الصورة الذهنية السلبية المتبادلة بين العرب والأفارقة، وهو الأمر الذى يفتح الآفاق لزيادة الفرص المتاحة للتعاون العربى- الإفريقى على المستويات الأخرى. غير أن هذا الأمر يحتاج إلى تعزيزه بشكل مؤسسى من خلال إنشاء مراكز ثقافية عربية في دول القارة الإفريقية تأكيداً للهوية العربية- الإفريقية المشتركة.
 
إن قمة الكويت الثالثة هي رسالة شراكة اقتصادية وتنموية واستثمارية تخدم مصالح الشعوب العربية والإفريقية من خلال تبني منظور المصالح المتبادلة لتأسيس نمط جديد من العلاقات بينهما، وهذا سيتوقف على مدى قدرة الجانبين ونجاحهما فى ترجمة شعار القمة الرئيسى: شركاء في التنمية والاستثمار على أرض الواقع ، بما يخدم أهداف الشعوب فى تحقيق التنمية المستدامة، والاستفادة من الفرص الضائعة فى تاريخ العلاقات العربية- الإفريقية.  
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. مبارك مبارك أحمد

    د. مبارك مبارك أحمد

    مدرس العلوم السياسية، وباحث متخصص فى الشئون العربية.