مقالات رأى

هجوم إسرائيل على إيران.. "لحظة السخرية أو الحقيقة تقترب؟!"

طباعة

يعتبر «إريتز نيهيديريت» (بلد رائع) برنامجا تلفزيونيا إسرائيليا ساخرا، يعرض تمثيليات هزلية تسخر من القضايا الحالية، وعلى وجه الخصوص الموضوع السياسي المحوري الذي سيطر على الساحة السياسية في الأسبوع الماضي من خلال صور من المحاكاة الساخرة للأطراف المعنية، إضافة إلى أفكار الشخصيات التي تظهر بشكل متكرر على الساحة في هذا الصدد.

قدمت تمثيلية هزلية عرضت مؤخرا ضمن البرنامج الكوميدي الساخر «إريتز نيهيديريت» مناقشة عن برنامج إيران النووي بين قادة أميركيين وإسرائيليين. كانت حلقة مؤثرة من البرنامج عن الهجوم المحتمل من جانب إسرائيل على إيران:

«عقب بعض المناقشات، انصاع الرئيس الأميركي باراك أوباما لموقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك، وشجعهما على شن هجوم على إيران. تبادل نتنياهو وباراك نظرات ملتاعة وتوسلا إلى أوباما أن يكبح جماحها».. أورد أكيفا إلدار هذه الفقرة في مقاله الذي نشر في صحيفة «هآرتس» يوم 16 أبريل (نيسان).

على الجانب الآخر، يبدو أن نتنياهو ووزير دفاعه ووزير خارجيته قد اتخذوا موقفا مضادا تماما، حيث كانوا يخططون لشن حرب على إيران. ووصفوا إيران بأنها تهديد لوجود إسرائيل، وتهديد خطير للمنطقة والعالم بأسره.

وفي حديثه بمؤتمر «أيباك»، اقترب بنيامين نتنياهو بصورة تفوق أي وقت مضى من نقطة اللاعودة في الطريق إلى الحرب مع إيران.

قارن نتنياهو إيران بألمانيا النازية وقارن منشآتها النووية بمعسكرات الموت، كما قارن زيارته الحالية إلى البيت الأبيض بالمناشدة اليائسة من قبل المجتمع اليهودي الأميركي للرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت بتفجير معسكر أوشفيتز.

«لقد انتظرت إسرائيل بصبر أن يقوم المجتمع الدولي بحل هذه المشكلة. لقد انتظرنا أن تجدي الجهود الدبلوماسية نفعا وأن تحقق العقوبات فائدة. ليس بوسع أي منا تحمل الانتظار لفترة أطول، لا تدعوا إسرائيل تعيش تحت شبح الفناء».

وفي يوم الأحد الماضي، 15 أبريل، أعلنت محطة تلفزيونية إسرائيلية بارزة أن إسرائيل تستعد لشن هجوم ضد إيران هذا الصيف. كان الأمر غريبا جدا، نظرا لأن اجتماع مجموعة «5 + 1» مع إيران عقد في صباح السبت، وبحسب الطرفين، فإن الاجتماع كان بناء ومثمرا. ويعني هذا أن الوسائل السياسية ما زالت تجدي نفعا!

كان تقرير «تشانيل 10»، الذي قدم في البداية باللغة الإنجليزية في البرنامج الذي يبث على موقع «ذي تايمز أوف إسرائيل»، بمثابة وصف شديد التفصيل للكيفية التي سيتم بها شن الهجوم.

وقال المراسل، ألون بن ديفيد، إنه قد أمضى أسابيع مع طيارين وأشخاص آخرين أجرى لقاءات معهم، وإن تقييماته عن الهجوم تم توضيحها من قبل المراقب العسكري.

ومع عدم احتمال شن هجوم قبل استئناف محادثات مجموعة «5 + 1» مع إيران في مايو (أيار)، ذكر بن ديفيد أن «الصيف المقبل لن يكون ساخنا فقط، بل قائظا».

سوف تشارك «عشرات الطائرات إن لم يكن أكثر» في المهمة: الطائرات الهجومية والطائرات المدعمة لها وناقلات إعادة التزويد بالوقود في الجو والطائرات الحربية الإلكترونية وطائرات الهليكوبتر الخاصة بالإنقاذ، حسب ما أشار التقرير.

وقال بن ديفيد إن القوات الجوية الإسرائيلية «لا تملك القدرة على تدمير البرنامج النووي بأكمله». لن يكون هناك تكرار للهجمات الساحقة على مفاعل أوزيراك (تموز) في العراق عام 1981 أو على سوريا في عام 2007، حسب ما ذكر، وفقا لما أورده موقع «ذي تايمز أوف إسرائيل». وأضاف: «النتيجة لن تكون حاسمة». غير أن طيارا تم الاستشهاد بقوله في التقرير ذكر أنه سيتعين على القوات الجوية الإسرائيلية ضمان أنها ستحقق النتيجة الضرورية، من خلال هجوم «قصير واحترافي».

وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تول أي اهتمام لرسالة غانتر غراس، السؤال إذن هو: هل سيستمعون إلى نصيحة ديفيد غروسمان؟

ديفيد غروسمان هو الروائي الإسرائيلي البارز من الجيل الماضي وأقوى صوت معبر عن الضمير الأخلاقي لبلده، وهو من أشد منتقدي الجيش الإسرائيلي وأسلوب التعامل مع الفلسطينيين. عارض غروسمان شن هجوم على الجمهورية الإسلامية من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة، قائلا إن التبعات المحتملة تعتبر أكثر ترويعا من تبعات تصنيع أسلحة نووية إيرانية. «لا أرغب في أن تمتلك إيران أسلحة نووية، لكني أعتقد أنه إذا لم تجد العقوبات نفعا، فسيتعين على إسرائيل والعالم أجمع، بكل أسف، التعايش مع ذلك الواقع».. هذا ما قاله غروسمان، محذرا من أن قصف إيران سيسفر عن «كابوس يصعب وصفه». وعلى الرغم من ذلك، قال إنه يحدوه «شعور سيئ جدا» بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك سوف يصدران أوامرهما بشن هجوم، حتى ولو كان ذلك ضد رغبة أميركا. وقال: «هناك قوة محركة لكل تلك التصريحات العدوانية».

نتذكر أن نجل غروسمان، أوري، قتل في حرب لبنان عام 2006 بعد يومين من مناشدة الكاتب علنا بوقف إطلاق النار، بينما كان يكتب آخر فصول ملحمة الحرب والسلام العظيمة التي حققت نجاحا ساحقا، وعنوانها «إلى نهاية الأرض».

يمكننا أن نتخيل أن إسرائيل ستشن حربا ضد إيران، لكن ماذا ستكون العواقب والتبعات غير المرغوب فيها، في كل من إيران والمنطقة والعالم كله؟

دعوني أسرد بعض النتائج المحتملة:

1) سوف يدافع الإيرانيون قاطبة، بمن فيهم معظم الإصلاحيين وأنصار الحركة الخضراء، عن حكومة إيران، مما يعني أن الحركة الهادفة لإرساء الديمقراطية والحرية سوف تختفي، نظرا لأن الأمن القومي واستقلال الدولة أكثر أهمية بكثير من الديمقراطية. لدينا تجربتان تكبدنا جراءهما نفقات طائلة في المنطقة، هما العراق وأفغانستان.

2) سوف تفضي الحرب إلى دعم قوي من جانب شعوب المنطقة لإيران. كنت في زيارة للقاهرة لمدة يومين مؤخرا، ولاحظت أن السواد الأعظم من المصريين يؤيد موقف إيران ضد أميركا وإسرائيل.

3) أعتقد أن الحرب لن تكون مقصورة على إيران وإسرائيل، فسوف يتسع مداها ليشمل أجزاء أخرى من المنطقة.

4) من الواضح أن حربا أخرى في المنطقة سوف تقود إلى مناخ مناسب جدا لجميع المتطرفين في أفغانستان والعراق وباكستان واليمن.

لا يزال من الممكن استشعار النتائج المفجعة للحرب على العراق وأفغانستان بعمق، فمن يمكنه تخيل التبعات غير المرغوب فيها للحرب ضد إيران؟!

بالنظر إلى كل ما سبق ذكره، أعتقد أنه يتحتم علينا الاستماع إلى غانتر غراس وديفيد غروسمان، لا إلى نتنياهو وإيهود باراك!

لا أظن أن لحظة الوصول للحقيقة وشيكة، على النقيض، نحن نواجه لحظة الملهاة والمأساة.

-----------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الإثنين 23 أبريل 2012.

طباعة

تعريف الكاتب

عطا الله مهاجراني