كتاب: "شرق المتوسط إلي أين؟ دبلوماسية الغاز.. لعبة الطاقة والتحالفات"
المؤلف: د. أحمد السيد عبدالرازق
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولي لسنة 2025، عدد الصفحات (175).
يتناول هذا الكتاب الجديد للواء دكتور/ أحمد السيد عبدالرازق -الخبير في العلاقات الدولية والشئون الأمنية- قضية مركزية تتمحور حول الجغرافيا السياسية "للطاقة" في منطقة شرق المتوسط، التي تمتد جغرافيا من هضبة الأناضول شمالا ومصر جنوبا ومنطقة الشام شرقا، بما تحويه من دول تقع على النصف الشرقي في البحر المتوسط، وتضم تلك المنطقة دولا عربية وأخري غير عربية وهي (مصر، ولبنان، وسوريا، وفلسطين، وإسرائيل، وتركيا، واليونان، وقبرص).
وتتمحور الفكرة الرئيسية للكتاب حول السعي إلى فهم الصورة الكاملة لكيفية إسهام اكتشافات الغاز في شرق المتوسط في ظهور أفعال متباينة من التحالفات والصراعات. ويوضح الكتاب كيف تحولت "الطاقة" و"اكتشافات الغاز" إلى قوة دافعة وأداة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية والاستراتيجية في منطقة شرق المتوسط. من خلال بروز تحالفات جديدة وتصاعد التنافس الاستراتيجي حول الحدود البحرية وحقوق الاستغلال. كما يسعي الكاتب إلي طرح وتقديم رؤية مستقبلية للتحولات الجيوسياسية الناتجة عن اكتشافات الغاز وأثره على تفاعلات دول الإقليم.
ويُعد الكتاب مرجعا وإسهاما مهما للباحثين في العلوم السياسية والدراسات الأمنية، وصناع القرار، وكل المهتمين بفهم الجغرافيا السياسية للطاقة وديناميكياتها، وخاصة في منطقة شرق المتوسط، حيث يقدم المؤلف من خلال كتابه قراءة شاملة وواعية للعبة الغاز والتحالفات في شرق المتوسط، كما يتميز الكتاب بالثراء والتنظيم والسلاسة في طرح المعلومات، فضلا عن دقة التحليل الموضوعي، حيث يتبع المؤلف الأسلوب العلمي في الطرح والكتابة، مدعوما ببيانات حديثة وعدد من الخرائط والجداول التي تعزز الفهم. كما اعتمد الكاتب على مستويات متعددة من التحليل والتي تمثلت في (الرصد، والتحليل، والتفسير، والتنبؤ، ورسم عدة سيناريوهات محتملة في المستقبل)، بما يجعل الكتاب مرجعا متكاملا لتطورات الغاز في شرق المتوسط، وإضافة نوعية إلي الدراسات المعنية بالجغرافيا السياسية للطاقة في إقليم شرق المتوسط.
ويأتي ذلك خلال جهد واضح يظهر في ثلاثة فصول متوازنة، ومتماسكة، ومترابطة تجمع بين مجالات السياسة، والاقتصاد، والجغرافيا، والأمن الإقليمي وتنطلق من أن الغاز لم يعد مجرد مورد اقتصادي للدول، بل أصبحت قضية أمن الطاقة واستغلال ثروات الغاز أداة نفوذ إما لبناء تحالفات أو خلق صراعات إقليمية بين دول منطقة شرق المتوسط. مما يعكس إدراكا جيدا لتعقيدات موضوع الغاز والطاقة في تلك المنطقة.
يرصد ويناقش المؤلف في الفصل الأول والمعنون بـ " الجغرافيا السياسية لاكتشافات الغاز وإشكاليتها في شرق المتوسط" نقطتين أساسيتين، تدور النقطة الأولي حول الوقوف على رصد واقع اكتشافات الغاز في شرق المتوسط، حيث أكد الكاتب على وجود الكثير من حقول الغاز في تلك المنطقة المليئة بالتعقيدات السياسية، والدينية، والاجتماعية، والاضطرابات الأمنية المستمرة فضلا عن كونها منطقة مشحونة بنزاعات حدودية وصراعات على مصادر الطاقة، إلا أنها لها أهميتها الاستراتيجية في المشهد السياسي الإقليمي، ويرصد الكتاب أن اكتشافات الغاز في كل من إسرائيل ومصر واليونان وقبرص أبرز تلك الاكتشافات وهو ما يفتح المجال أمام فرص عديدة للتعاون أو الصراع في المنطقة نظرا لأهمية تلك الاكتشافات وسعي الدول لجذب الاستثمارات الخارجية في مجال التنقيب عن الغاز، حيث يدور الصراع في الإقليم حول حقوق التنمية واستخدام الطاقة والرغبات المتنافسة لمصر وتركيا في العمل كمركزين إقليميين للطاقة.
في حين ركزت النقطة الثانية من الفصل الأول على مناقشة الإشكاليات المختلفة لاكتشافات الغاز في منطقة شرق المتوسط، حيث تعد حقول الغاز المكتشفة شرق المتوسط من أكثر ملفات الطاقة تعقيدا من حيث الاستخراج، والنقل، والتوزيع، والبيع، ليس لاعتبارات تقنية ولكن لاعتبارات جيوسياسية، لذلك أوضح الكاتب الإشكاليات المتعددة لاكتشافات الغاز من تصاعد التوترات التركية-اليونانية، وتعقيدات الترسيم البحري مع قبرص، وتدخل القوي الدولية بحثا عن النفوذ والمكاسب الاقتصادية وغير ذلك من إشكاليات، وقد تناول الكاتب في هذا السياق بشكل تفصيلي الأطر القانونية الحاكمة لاستغلال الموارد الطبيعية في حوض شرق المتوسط .
ويأتي الفصل الثاني والمعنون بـ "أمن الطاقة وتشكيل التحالفات في إقليم شرق المتوسط" ليتناول أيضا جانبين أساسيين، ركز الجانب الأول على سياسات أمن الطاقة بين دول إقليم شرق المتوسط. وأشار الكاتب في هذا السياق إلى أنه على الرغم من تعدد الأدبيات التي تناولت أمن الطاقة إلا أن جميعها لم تتفق على تعريف محدد لأمن الطاقة، ويرجع ذلك إلي ارتباط المفهوم بمجموعة من الإجراءات والقرارات والسياسات التي تتخذها الدول والتي تنعكس على سياساتها الخارجية تجاه الوحدات الدولية الأخري. لذلك ركز هذا الفصل على عرض وتحليل سياسات الطاقة التي تسلكها دول منطقة شرق المتوسط في ظل اكتشافات الغاز. ويستعرض الكتاب أمن الطاقة في كل من (مصر، وإسرائيل، وتركيا، ولبنان، واليونان، وقبرص، وفلسطين)، مبرزا تباينات القدرات والإمكانيات والاعتماد المتبادل في مجال الطاقة، حيث تعتبر قبرص من أنشط الدول في مجال التنقيب عن الغاز، إلا أن تركيا تعد من الدول الفقيرة في هذا الجانب، وتعتمد على استيراد الطاقة من الخارج فتسعي إلي تعزيز التنقيب عن البترول والغاز في تركيا وخارجها والبحث عن بدائل للطاقة. أما اليونان فلا تزال تقف في موضع رابح في معادلة التحالفات السياسية مع عدد من الأطراف الإقليمية الفاعلة بشأن الغاز في شرق المتوسط بعد تحالفها مع مصر وقبرص إلي جانب إسرائيل.
وفي إطار الفصل الثاني يأتي الجانب الثاني منه ليتناول التكتلات الإقليمية والتحالفات الناشئة متناولا في ذلك كلا من (المحور الإسرائيلي – القبرصي - اليوناني، والمحور التركي-الإسرائيلي، والمحور المصري – القبرصي - اليوناني). كما يسلط الضوء على أدوار القوي الدولية في منطقة غاز شرق المتوسط مركزا على (الدور الأمريكي، ودور الاتحاد الأوروبي، والدور الروسي، والتوافق الصيني في المنطقة)، موضحا أن اكتشافات الغاز في منطقة شرق المتوسط جذبت القُوي الدولية الفاعلة في المنطقة كل حسب أهدافه ومصالحه، فكانت جملة الأدوار، ما بين إحياء لبعض الأدوار القديمة أو الحفاظ على الأدوار القائمة. وفي هذ الإطار يبرز الكاتب تأثير الحرب الروسية-الأوكرانية في معادلة الطاقة في شرق المتوسط وما رافقها من تغير في اتجاهات الطلب الأوروبي من الطاقة.
بينما يخصص الفصل الثالث والأخير والمعنون بـ "التعاون والصراع ودور دبلوماسية الغاز في شرق المتوسط" للتركيز على نقطتين أساسيتين، تركز النقطة الأولي على فرص التعاون والصراع بين دول الإقليم، وذلك من خلال وضع مقاربة نظرية للتعاون حول أنابيب الغاز في شرق المتوسط، وتوضيح تجارب التعاون في أنابيب غاز شرق المتوسط بما في ذلك المشروعات التي توقفت قبل التنفيذ، كما تناول التعاون التجاري بين دول شرق المتوسط، موضحا في هذا الإطار منظمة غاز شرق البحر المتوسط موضحا نشأتها وأهدافها. وفي المقابل وعلى الجانب الآخر حاول الكاتب طرح أسباب ودوافع الصراع في إقليم شرق المتوسط خاصة في ظل التحولات السياسية السريعة. موضحا في هذا الإطار تراجع دور الإطار الجماعي الذى يدفع نحو الصراع، وقضايا ترسيم الحدود، والقضية الفلسطينية، والقضية القبرصية.
في حين ركزت النقطة التانية من الفصل الأخير على توضيح دور دبلوماسية الغاز ومستقبل منطقة شرق المتوسط في ضوء ذلك. ويطرح في هذا الإطار مفهوم دبلوماسية الغاز ودوره في تحقيق التعاون وإعادة بناء العلاقات بين دول المنطقة، كما يناقش دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق النتائج المرجوة من دبلوماسية الغاز. ويتناول الكاتب بدائل لخط أنابيب شرق المتوسط، تمثل البديل الأول لخط أنابيب شرق المتوسط في نقل المزيد من الغاز من إسرائيل إلى مصر عبر خطوط الأنابيب الحالية، وزيادة قدرة تصدير الغاز الطبيعي المسيل في مصر من خلال محطات تسييل إضافية إلى إدكو ودمياط. في حين يتمثل البديل الثاني لخط أنابيب شرق المتوسط في الاقتراح الذي تقوده تركيا والذي يقضي بنقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى تركيا عبر خط أنابيب أقصر وأقل عمقا يمتد شمالا من حقول الغاز الإسرائيلية والقبرصية إلى خط أنابيب "تاناب" القائم.
ويختتم الفصل الثالث برسم ملامح مستقبل الغاز في شرق البحر المتوسط ويؤكد على أنه في ظل الصراعات المستمرة في إسرائيل، ولبنان، وغزة، والنزاعات البحرية، والتحالفات المتغيرة، يظل مستقبل الغاز في شرق المتوسط غير مؤكد ويحكمه عدد من العوامل، منها المخاطر الأمنية، والطلب الأوروبي، والاستقرار الاقتصادي في مصر، والطموحات التركية. وأوضح الكاتب أنه بالنظر إلي المسار الحالي للتوترات الجيوسياسية، يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الغاز في شرق البحر المتوسط تشمل السيناريو الأول في ظل الوضع الراهن يدور حول استمرار حالة عدم الاستقرار، بما يحد من التنمية في مجال الطاقة، ففي هذا السيناريو يظل الصراع هو السمة المميزة للمنطقة، مع استمرار موارد الطاقة كونها مصدرا للنزاعات بدلا من التعاون، ونتيجة لهذا الصراع يتباطأ الاستثمار الأجنبي في مشروعات الغاز الإقليمية، وقد تفشل المنطقة في الاستفادة من إمكاناته الكاملة في مجال الطاقة. أما السيناريو الثاني يدور حول إعادة ضبط الوضع الجيوسياسي وفتح مسارات جديدة للتعاون، ففي هذا السيناريو، يعترف الفاعلون الإقليميون بالضرورة الاقتصادية للتعاون حول اتفاقات طاقة جديدة، ومن الممكن في هذا الإطار إحياء منتدي غاز شرق المتوسط كمنصة متعددة الأطراف ذات مصداقية، تضمن أمن الطاقة وحل النزاعات. ويطرح السيناريو الثالث ليدور حول التحول الاستراتيجي نحو توجيه الاستثمارات لمشروعات الطاقة المتجددة (كالطاقة الشمسية، والرياح، والهيدروجين) بدلا من مضاعفة استثماراتها في الغاز، خاصة مع إدراك دول شرق المتوسط أن نافذة الفرص لتطوير الغاز الطبيعي على نطاق واسع تضيق.
ويؤكد المؤلف على أن احتياطات الغاز الهائلة في المنطقة تشكل فرصة لا تتاح إلا مرة واحدة في كل جيل للتحول الاقتصادي، ولكن الصراعات المستمرة، والنزاعات البحرية، وديناميكيات الطاقة العالمية المتغيرة تهدد بإهدار هذه الإمكانيات. وفي إطار ذلك يتعين على دول الإقليم إدراك أن أمن الطاقة والازدهار السياسي يرتبطان بشكل جوهري بالاستقرار السياسي والتعاون وليس الصراع.
ويُختتم كتاب "شرق المتوسط إلي أين؟ "بسؤال محوري، يدور حول هل يستثمر إقليم شرق البحر المتوسط الفرص المتاحة لبناء مستقبل تعاوني في مجال الطاقة، أم إنه سيظل محاصرا في دوامة الصراعات التي حددت ماضيه؟
ويعد ذلك الكتاب إضافة علمية قيمة للمكتبة العربية في مجال الطاقة، والجغرافي السياسية، والأمن الإقليمي، وموضوع دبلوماسية الغاز في شرق المتوسط، حيث يتميز بقوة الطرح، وشمول الرؤية، وعمق التحليل كما هو موضح في عرض الفصول الثلاثة السابقة.