قمت، بمنتهي السذاجة، بسؤال مساعدي الذكي، بعد دقائق معدودة من حدوث الهجوم السيبراني الإسرائيلي على عناصر حزب الله بصورة متزامنة في كل من جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنونية، وكذلك في سوريا، في يوم 18 سبتمبر 2024، والذي أدي إلى مقتل نحو تسعة أفراد، وجرح أكثر من ثلاثة آلاف شخص، هل من الممكن أن تكتب لي قصة قصيرة تحت بند قصص الخيال العلمي، حول تحويل هواتفنا الذكية وأجهزتنا الإلكترونية إلى سلاح قاتل؟ فجاء رده بعد ثوان معدودة، كما عودني دائما، بتلك القصة الخيالية، والتي تدور أحداثها في مدينة تكنولوجوبوليس الخرافية، حيث كانت الحياة تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، وكان كل مواطن متصلًا من خلال هواتفهم المحمولة وأجهزتهم الإلكترونية، التي أصبحت أدوات لا غنى عنها للتواصل والعمل والترفيه. ومع ذلك، تحت سطح هذه المدينة الرقمية المثالية كان يكمن تهديد صامت.وفي هذه المدينة، كانت تعيش الدكتورة إيفلين هارت، عالمة أمن المعلومات المرموقة، ولكنها في الوقت ذاته، محبطة من اعتماد الناس المفرط على الأجهزة الإلكترونية والتكنولوجيا، وكانت تعتقد أن اعتماد البشرية على الأجهزة الإلكترونية يؤدي إلى فقدان الاتصال البشري الحقيقي. لذا، وضعت خطة لتحويل هذه الأجهزة إلى أسلحة، مدفوعة برغبة في توجيه رسالة صادمة للبشرية.وباستخدام خبرتها في علوم البرمجيات وأمن المعلومات، طورت الدكتورة هارت برنامجًا ضارًا يسمى "نبض الشبح"، حيث يمكن لهذا البرنامج التسلل إلى أي جهاز إلكتروني، من الهواتف الذكية إلى الساعات الذكية، وتحويلها إلى أسلحة قاتلة. بمجرد تفعيله، ويتسبب نبض الشبح في إصدار الأجهزة لموجات صوتية عالية التردد، قادرة على التسبب في إصابات داخلية خطيرة أو حتى الموت.وقد تم تنفيذ خطة الدكتورة هارت في صباح يوم عادي، بينما كان الناس يمضون في روتينهم اليومي والذهاب إلى أعمالهم ومدارسهم، بدأت أجهزتهم فجأة في الاهتزاز وإصدار ضوضاء عالية النبرة. ومن ثم انتشر الذعر بسرعة حيث أخذت الموجات الصوتية تسبب الفوضى والارتباك، وامتلأت المستشفيات بالضحايا الذين يعانون من إصاباتغير مفهومة، وغرقت المدينة كلها في حالة من الفوضى غير المسبوقة.ووسط هذا الهرج والمرج، اكتشف شاب يدعى ليو مصدر الهجوم، باستخدام مهاراته التكنولوجية، التي مكنته من تتبع برنامج نبض الشبح ليصل إلى مصدره في مختبر الدكتورة هارت، وقام بمواجهتها، وتوسل إليها لإيقاف الهجوم، بعد أن أقنعها بأن التكنولوجيا، رغم عيوبها، لديها القدرة على خدمة الناس وتحسين حياتهم. وبعد أن رأت الدكتورة هارت الدمار الذي تسببت فيه بأفعالها،أوقفت برنامج نبض الشبح، منهية الهجوم القاتل، وسلمت نفسها إلى الشرطة المحلية، متقبلة المسئولية عن أفعالها، معللة بأنها كانت مجرد دعوة للاستيقاظ للمجتمع لإيجاد توازن بين التكنولوجيا والاتصال البشري. أما ليو، فقد أصبح بطلًا، مستخدمًا مواهبه لضمان عدم حدوث مثل هذه المأساة مرة أخرى.
إذا الخيال أصبح حقيقة واضحة، على أرض لبنان وسوريا في هذه المرة، وأصبحت أجهزة الاتصال الإلكترونية بمثابة قنابل، تنفجر في أجساد حامليها، بعد العبث بشبكة اتصالات حزب الله، والولوج إليها، للتحكم في أجهزة الاتصال المرتبطة بها، لجعل بطاريتها تنفجر نتيجة لزيادة التحميل عليها.وبدون شك، فإن التقنيات غير المتطورة التي يعتمد عليها عناصر حزب الله في التواصل فيما بينهم، والتي تنتمي إلى تسعينيات القرن الماضي، أي تقنيات أقرب إلى استخدام منجنيق أمام مقاتلة شبحية من الجيل الخامس، قد ساعدت الجانب الإسرائيلي في الوصول لأهدافه، وإيقاع آلاف الجرحى في ثوان معدودات، بمن فيهم السفير الإيراني لدي لبنان.
هذه سابقة تاريخية بلا شك، وتؤكد أن الفضاء السيبراني هو امتداد لواقعنا المادي، ولا يمكن فصله، وحماية هذا الفضاء السيبراني، هو حماية للأمن القومي للدول، في عصرنا القائم على المعلومات وشبكات الاتصالات.والدول المتقدمة تكنولوجيا، مثل الولايات المتحدة، والصين، ودول الاتحاد الأوروبي، تدرك هذا الأمر بمنتهي الوضوح، بما جعل حلف الناتو يدرج الهجوم السيبراني الجسيم ضمن الأمور التي تحتم تفعيل البند الخامس من ميثاق الحلف والخاص بالدفاع المشترك، وجعل الولايات المتحدة تطلق استراتيجية للأمن السيبراني في 2023، تتضمن تسخير إمكانيات الولايات المتحدة بالكامل لملاحقة مرتكبي الجرائم المعلوماتية بشتى السبل والطرق أينما كانوا!
وفي حقيقة الأمر، نحن أمام منعطف خطير، فيما يخص تسليح المعلومات، بل تفخيخها، لأننا قد نري في أي نزاع عالمي قادم، قيام دولة ما باستخدام تلك المفاهيم ضد مواطني دولة ما، بالسطو الرقمي على شبكات الاتصالات المحمولة، لتفجير الملايين، بل المليارات، من البشر، من خلال هواتفهم الذكية وحاسباتهم الشخصية.وهنا علينا أن نتخيل عدد الضحايا، ونقارنها بضحايا القنبلة الذرية في هيروشيما وناجازاكي، لنري حجم المأساة، والتي ستكون بدون إطلاق رصاصة واحدة.
سيناريو مرعب، تأثيره أضعاف أضعاف الحرب النووية، وعلينا أن نستعد له قبل فوات الأوان، لأنه قد حدث مرة، وغالبا من الممكن أن يحدث مرات ومرات في مستقبلنا القريب قبل البعيد. والاستعداد لهذا السيناريو، لا يمكن بتصور أن المنجنيق هو سلاح يناسب هذا العصر، بل امتلاك قدرة الردع السيبراني، بتطوير التقنيات التي تحقق هذا الغرض بأيدٍ وطنية، وليس الاعتماد على التقنيات الواردة إلينا من الشركات العالمية، وأن الاستثمار في هذا الشأن بوجود منظومة بحث علمي قادرة على تحقيق هذا الهدف، هي سبيل أوحد، لمن يريد أن يحمى مقدراته، اليوم قبل الغد.