تحليلات

أبعاد "أزمة تكساس" وتداعياتها

طباعة

شهدت ولاية تكساس فى الولايات المتحدة أزمة غير مسبوقة تتعلق بالمهاجرين غير النظاميين، حيث يتواصل وصولهم وعبورهم للحدود الجنوبية للولايات المتحدة بأعداد كبيرة، حيث أثارت هذه الأزمة جدلاً كبيرًا بين السلطات المحلية فى تكساس والحكومة الفيدرالية. وتعتبر تكساس السابقة الأولى من نوعها فى الولايات المتحدة الأمريكية التى نددت باستقلالها عن الولايات المتحده..ويرجع  ذلك لعدة اعتبارات ومعايير تتحلى بها ولاية تكساس وتضعها فى مكان لا تلام عليه فى أخذ قرارات متفردة لصالح الولاية، أدت بدورها إلى  تمردها على الحكومة المركزية الأمريكية فى واشنطن بمنتهى الجرأة.

دوافع ومحددات:

تعد ولاية تكساس فى الولايات المتحدة الأمريكية ولاية فريدة من نوعها بالعديد من الجوانب التاريخية، والثقافية، والجغرافية، التى تميزها عن غيرها من الولايات. وفيما يلى بعض الأسباب التى تجعل تكساس مميزة وتبرزها كولاية فريدة:

 المساحة والتنوع الجغرافى:تكساس هى ثانى أكبر ولاية فى الولايات المتحدة من حيث المساحة، حيث تمتد على مساحة تفوق 268 ألف ميل مربع. تتنوع المناظر الطبيعية فى تكساس بشكل لافت، حيث يمكن رؤية الجبال، والوديان، والشواطئ، والسهول، مما يجذب الزوار من داخل الولاية وخارجها.

التاريخ والثقافة: تمتلك تكساس تاريخًا غنيًا يعود للفترات القديمة، حيث كانت جزءًا من المستعمرات الإسبانية ثم المكسيكية قبل أن تصبح جزءًا من الولايات المتحدة. يُظهر هذا التاريخ التنوع الثقافى فى التقاليد والفنون والمأكولات فى تكساس.

القوة الاقتصادية: تُعد تكساس من أغنى الولايات الأمريكية اقتصاديًا, بفضل صناعاتها المختلفة مثل صناعة النفط والغاز، والزراعة، والصناعات التحويلية. كما أنها توفر فرص عمل جذابة, تجذب إليها السكان من جميع أنحاء العالم.

 على الصعيد نفسه،  تعد تكساس ثانى أكبر قوة اقتصادية فى الولايات المتحدة، بعد ولاية كاليفورنيا, كانت ولاية تكساس جزءا من المكسيك فى الماضى، ولكن اليوم أصبح لديها 24 تريليون دولار من الناتج المحلى الإجمالى, والذى يقارب 9% من الناتج المحلى للولايات المتحدة.

ويوجد العديد من المقاومات المساندة لتقدم ولاية تكساس من أهمها مجاورتها لأهم البلدان المتقدمة, والتى تكون بمثابة دافع للتقدم والرقى الاقتصادى وهى على النحو التالى:(كندا, وكوريا الجنوبية, وروسيا, وأستراليا, حتى المكسيك نفسها).

على الصعيد الاقتصادى يبلغ ناتج المكسيك المحلى الإجمالى ثمانية تريليونات دولار، وهذا مثال حى ويعتبر من أهم أسباب قدرة تكساس على الاستقلال عن الولايات الأمريكية، حيث إنها تعتبر ثامن أكبر اقتصاد بالعالم، بالإضافة إلى تمتع تكساس بأكبر حقل مكتشف للنفط والغاز فى العالم، ويعتبر ذلك أحد أهم عوامل القوى اقتصاديا فى ولاية تكساس، حيث تمثل تكساس بمفردها 43% من إنتاج النفط الخام الأمريكى، و25% من إنتاج الغاز الطبيعى, ليس ذلك فحسب وتنتج ولاية تكساس أيضا 20% من الكهرباء فى أمريكا من خلال الرياح والطاقة الشمسية, نيابة عن عوامل القوى والسيطرة التى تتمتع بها تكساس أنها ليست مجرد ولاية، فحسب بل هى محطة الطاقة التى تشكل مستقبل الولايات المتحدة. 

تداعيات الاستقلال:

مدى تأثر مكانة الولايات الماحدة باستقلالية ولاية تكساس حيث تعد ولاية تكساس من أكبر الولايات فى الولايات المتحدة الأمريكية، ولها تاريخ طويل ومعقد يشمل فترات من (الاستقلالية والتابعية). فى حالة انفصال ولاية تكساس عن الولايات المتحدة يكون لذلك الانفصال تأثير كبير وملحوظ على مكانة أمريكا على المستوى الدولى والداخلى.

السيادة الأمريكية: إذا انفصلت ولاية تكساس عن الولايات المتحدة، فإن ذلك سيؤدى إلى فقدان الولايات المتحدة جزءًا كبيرًا من أرضها وسكانها. هذا قد يؤثر سلبًا على سيادة البلاد وقوتها كونها دولة موحدة.

الشئون الخارجية: قد يؤدى انفصال ولاية تكساس إلى تغير فى العلاقات الخارجية لأمريكا، حيث ستضطر الولايات المتحدة إلى التعامل مع دولة جديدة فى حال استقلال تكساس.

القضايا الدستورية: قد يثير انفصال ولاية تكساس قضايا دستورية داخل أمريكا بشأن حق التقرير بالذات للولايات، مما قد يؤدى إلى نقاشات دستورية دائرة.

الأثر الاقتصادى: يمثل انفصال ولاية تكساس خسارة اقتصادية كبيرة للولايات المتحدة نظراً لأهمية اقتصاد تكساس كوجه رئيسى لصناعات مختلفة ولها ثقلها فى المجال الاقتصادى وتم ذكر المقومات الاقتصادية التى تجعل تكساس من أولى وأقوى الولايات اقتصاديًا.

المكانة  التاريخية: بالإضافة إلى التأثير الحديث، سيلامس انفصال ولاية تكساس بجزء من التاريخ الأمريكى، خصوصًا بعودته لفترة الاستقلال كجمهورية.

جذور الأزمة:

طلب البيت الأبيض من ولاية تكساس السماح لقواتهم الفيدرالية بإزالة الأسلاك الحدودية على الولاية , حيث إن هذه الاسلاك توجد بين ولاية تكساس وبين المكسيك وتمنع الهجرة غير الشرعية، أو أنهم يستخدمون صلاحية بايدن لإلغاء صلاحية الحاكم على الحرس الوطنى للولاية.

تصاعدت الأحداث بسبب رفض حاكم تكساس الأمر, مما أدى ذلك إلى تأييد 21 ولاية أمريكية لتكساس من أصل 50, وهناك إشارة من تأييد بعض من الولايات ومساندتها لاستقلال تكساس ورفضها لقرار الحكومة العليا بإزالة الأسلاك الشائكة إلى انقسام مؤكد.

فى السياق نفسه رفعت ولاية تكساس دعوى قضائية العام الماضى لوقف قطع الأسلاك،  مبررة ذلك بإشارتها إلى أنها تدمر بشكل غير قانونى ممتلكات الدولة وتقوض الأمن من أجل مساعدة المهاجرين على عبور الحدود. مما دفع إلى أن محكمة استئناف اتحادية فى ديسمبر2023 أمرت عملاء حرس الحدود بوقف هذه الممارسة أثناء سير إجراءات المحكمة، وقدمت وزارة العدل هذا الشهر طلبًا طارئًا، تطلب فيه من المحكمة العليا إلغاء هذا القرار.

يذكر أن ولاية تكساس  تشهد فى الولايات المتحدة أزمة غير مسبوقة تتعلق بالمهاجرين غير النظاميين، حيث يتواصل وصولهم وعبورهم للحدود الجنوبية للولايات المتحدة بأعداد كبيرة، حيث أثارت هذه الأزمة جدلاً كبيرًا بين السلطات المحلية فى تكساس والحكومة الفيدرالية.

على الصعيد نفسه تتصاعد التوترات بين تكساس والمسئولين الفيدراليين بسبب استمرار أزمة المهاجرين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك،  مع تصويت المحكمة العليا الأمريكية بالسماح لعملاء حرس الحدود الفيدراليين بإزالة حاجز الأسلاك الشائكة المثبت هناك بمبادرة من حاكم الولاية الجمهورى.

الأمة الأمريكية على أعتاب انقسام بين ولاياتها:

أشارت حدة تصاعد التوترات  إلى انزلاق خطير للولايات المتحدة، ويرجع ذلك إلى أن حاكم ولاية أوكلاهوما يقول إنه قد يرسل تعزيزات عسكرية من الحرس الوطنى فى ولايته لمساندة تكساس، وهناك تقارير تؤكد أنه إن حدث ذلك فإن الحرس الوطنى للولاية قد يشتبك مع الجيش الأمريكى نفسه.

 أعلنت ولاية تكساس  بشكل صريح أنها تريد الانفصال عن الولايات المتحدة بسبب معارضتها للهجرة غير الشرعية والتى يعتبرونها (غزوا)، على غرار  الولايات المتحدة  التى تسمح بها.

على الصعيد نفسه أمر الرئيس جو بايدن بإزالة الحواجز التى بنتها تكساس لمنع دخول المهاجرين،  وصرحت الولاية بأن حكومة بايدن تتصادم معها ولا تستطيع حمايتها من أزمة  الهجرة غير الشرعية.

كانت  ولاية تكساس قد أشارت إلى أنها تريد أن تتحكم فى زمام الأمور بنفسها دون أن تنصاع لقرارات الحكومة المركزية, كما أكدت  المطالبة بالانفصال إن لم تذعن الولايات الأمريكية لطلباتها وعدم التدخل فى شئون الولاية  واحترام عدم قبولها لإزالة الأسلاك الشائكة والسماح لمرور الأمريكيين بنظام الهجرة غير الشرعية الذي ترفضه الولاية, لأنها ولاية قائمة  على قوانين ودساتير لا يمكن مخالفتها, حتى لا يحدث خلل داخلى فى الولاية.

ونتيجة لمطالبة الولايات المتحدة والحكومة المركزية من تكساس إزالة الحواجز, قام أهل تيكساس بإنشاء هاشتاجTEXIT يدعون فيه بشكل مكثف للانفصال حتى أصبح ترندا.إمكانية انفصال تكساس غير مستبعد لأنه أمر منصوص عليه فى دستور الولاية وقد تنضم معها بعض الولايات التى تؤيدها، مثل (فلوريدا، وأوكلاهوما، وأركنسا، ومونتانا) لتكوين اتحاد سياسى منفصل مكون من خمس ولايات مع تكساس.

وقد نشر حاكم ولاية تكساس، جريج أبوت، تدوينة على صفحته بمنصة أكس (تويتر سابقا)أكد فيها: "أن  تكساس ستواصل ممارسة حقها الدستورى فى حماية حدودها الجنوبية والدفاع عنها.. وفى غياب الرئيس بايدن، ستبقى تكساس على أهبة الاستعداد للحفاظ على سلامة سكان تكساس والأمريكيين".

وأشار رئيس الجمارك وحماية الحدود الأمريكية لشبكة CNN، إلى أن حكم المحكمة العليا "يسمح لنا بالوصول إلى الحدود حتى نتمكن من البدء فى الوصول كما فعلنا من قبل"، مشيراً إلى أن "بقية القضية لا تزال قيد التقاضى النشط".

وصرح مصدر فى إنفاذ القانون لشبكة CNN، بأن عملاء الجمارك وحماية الحدود الفيدراليين مستعدون الآن لاختراق السياج "بسرعة" ردًا على أى أمور تشغيلية منقذة للحياة أو مسائل تشغيلية حرجة. وأضاف المصدر أنهم سيخرقون السياج على الفور لتقديم المساعدة لأى فرد فى محنة أو إذا اعتبروه "ضروريًا من الناحية التشغيلية".

وقدمت ولاية تكساس اتهاما صريحا اتهمت فيه الحكومة الفيدرالية بعدم أداء واجباتها فى تأمين الحدود، ما سمح بدخول ملايين المهاجرين غير الشرعيين.

طباعة

    تعريف الكاتب

    نادية العناني

    نادية العناني

    باحثة دكتوراه فى الإعلام - جامعة المنصورة