تحليلات

الأبعاد والتداعيات الإقليمية لزيارة الرئيس التركى للعراق

طباعة

اختتم الرئيس التركى "رجب طيب أردوغان" زيارته للعراق فى 23 أبريل 2024، وقد مثلت نقطة تحول فى العلاقات بين الدولتين نظرا لأنها الأولى منذ عام 2011، كما تأتى لمعالجة عدد من القضايا العالقة المهمة بين الدولتين أبرزها محاربة الإرهاب والأمن المائى وتعزيز التبادل التجارى؛ حيث شهدت التوقيع على اتفاق "طريق التنمية" بين (تركيا، والعراق، وقطر، والإمارات) الذى سيربط بين دول الخليج العربى والاتحاد الأوروبى من خلال خط برى بحرى يمر بالعراق وتركيا باستثمارات تبلغ 17 مليار دولار، ما يضفى المزيد من الأهمية على تلك الزيارة التى ستعزز التعاون العربى التركى والأمن الإقليمى فى ظل المتغيرات الراهنة بالشرق الأوسط.

نتائج مهمة:

وصل الرئيس التركى "رجب طيب أردوغان" إلى العاصمة العراقية بغداد يوم 22 إبريل 2024 على رأس وفد وزارى كبير فى زيارة رسمية، وعقد لقاءات مع نظيره العراقى "عبد اللطيف رشيد" ورئيس الوزراء العراقى "محمد شياع السودانى"، وشهد التوقيع على 26 مذكرة تفاهم، وعلى اتفاقية "الإطار الاستراتيجى" بين البلدين التى شملت تعزيز التعاون فى مجالات الأمن والطاقة والتجارة، وتقاسم المياه، وكذلك شهد التوقيع على اتفاقية مشروع "طريق التنمية" الاستراتيجى، ثم توجه "أردوغان" إلى عاصمة إقليم كردستان أربيل الذى يتمتع بحكم ذاتى منذ عام 1991 والتقى قياداته، ويمكن القول إن الزيارة أنهت الفتور فى العلاقات التركية العراقية، ودشنت أطر التفاهم لمعالجة القضايا العالقة بين بغداد وأنقرة، ووضعت أسس التعاون المستقبلى بينهما، كما يلى:

- رغبة مشتركة لتعزيز التعاون المشترك:عقد "أردوغان" مع "رشيد" جلسة مباحثات ثنائية وكذلك مع "السودانى"، ثم جلسة مباحثات موسعة، وأوضح "أردوغان" أن "تركيا تثبت فى كل مناسبة أنها صديقة حقيقية للشعب العراقى، وستظل أكبر مدافع عن وحدة العراق السياسية ووحدة أراضيه، ربما تختلف أحيانا وجهات النظر لكن سيتم حل جميع المشكلات فى إطار قانون الجوار"، وأكد "أردوغان" و"رشيد" خلال اجتماعهما فى بغداد أهمية تكثيف التعاون لتدعيم أمن الحدود، ومواجهة تحديات التغيرات المناخية والبيئية. جدير بالذكر أن حجم التبادل التجارى بين العراق وتركيا وصل إلى 20 مليار دولار عام 2023، وكان العراق خلال الربع الأول من السنة الحالية خامس مستورد للمنتجات التركية من الحبوب والمواد الغذائية والمواد الكيميائية والمعادن، وبلغت حصة العراق من الصادرات التركية خلال العقد الماضى 5% من إجمالى صادراتها.

- الاتفاق على مكافحة الإرهاب: أكد "رشيد" أهمية العمل والتنسيق المشترك لمكافحة الإرهاب لأن العراق يرفض أن تكون أراضيه "منطلقا" للاعتداء أو تهديد دول الجوار، كما يرفض أى اعتداء أو انتهاك تتعرض له مدنه"، مؤكدا "وجوب احترام سيادة العراق وأمنه القومى"، وأوضح "السودانى" "أهمية ضمان الأمن للعراق وتركيا"، وقال "أمن تركيا والعراق وحدة واحدة لا تتجزأ"، وأشار "أردوغان" بدوره إلى أن أنقرة مستعدة لدعم بغداد فى "الحرب ضد الإرهاب"، وهذا فى إشارة إلى وجود عناصر حزب العمال الكردستانى التركى (بى كيه كيه) على الحدود المشتركة بين الدولتين التى يبلغ طولها 378 كم، حيث يقوم الحزب باستهداف الداخل التركى بعمليات إرهابية ضد عناصر الجيش والأمن، وقد أسفرت هجماته عن مقتل العشرات منذ مطلع العام حتى الآن.

فى المقابل، تقوم أنقرة بقصف جوى لمعسكرات الحزب بالمناطق الجبلية داخل كردستان العراق، ولذا تعترض بغداد وأربيل على هذا القصف، بيد أنهما فشلا فى القضاء على وجود "الكردستانى" داخل أراضى العراق، وقد كان ذلك أبرز الملفات العالقة بين العراق وتركيا، حتى عقد الاجتماع الأول على مستوى وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات والأمن العراقية والتركية بأنقرة فى 19 ديسمبر 2023، ثم عقد الاجتماع الثانى فى منتصف مارس 2024، وتقرر تشكيل لجنة مشتركة بين تركيا والعراق فى مجالات مكافحة الإرهاب، وبختام الزيارة أوضح "أردوغان" أنه يعتقد "أن العراق يدرك ضرورة القضاء على حزب العمال الكردستانى، وأن لديه رغبة فى القيام بذلك، وأكد أن معركة تركيا مع الإرهاب ستستمر بما يتماشى مع القانون الدولى، والقضاء على هذا التهديد يصب فى مصلحة العراق وتركيا، وبالتنسيق مع دول الجوار، ستنهى وجود حزب العمال الكردستانى على حدودها".

- التعاون لإدارة ملف المياه: أوضح "أردوغان" أن "مشكلة المياه تتطلب فحص الظروف الفنية ووضع سيناريوهات مستقبلية، وهنا تبرز الحاجة إلى استخدام الموارد بشكل رشيد، العراق لديه مطالب منا فيما يتعلق بالمياه، وما يجب القيام به فى هذه المرحلة هو طرح خطط وبرامج جديدة مناسبة للظروف المناخية المتغيرة فى العالم ولضمان الاستخدام المستدام للمياه"، وأكد أن "تركيا تتبنى نهجا عقلانيا وموجها نحو إيجاد حلول لهذه القضايا، وسنواصل الحوار بحسن نية وبمنهج بناء لتنفيذ مشاريع مشتركة والتوصل إلى حلول مشتركة لمشكلتنا المشتركة؛ لأن المياه ليست أداة للصراع، بل هى مجال تعاون يخدم مصالحنا المشتركة"، وأكد "السودانى" بدوره أنه ليس من مصلحة أحد أن تتوتر العلاقات مع تركيا بسبب أزمة المياه.

جدير بالذكر، أن حصة العراق من المياه انخفضت من (73 م3) عام 2003 إلى (50 م3) عام 2020، وأرجعت بغداد ذلك لملء السدود التركية على نهر الفرات ومنها سد (إليسو، أتاتورك، كيسلى كايا)، ما عرض العراق لأزمة مائية لأنه يعتمد على نهرى دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا لسد احتياجاته المائية، وقد استجابت تركيا باستمرار لمطالب العراق بالحفاظ على أمنه المائى، وأرجأت ملء سد "إليسو" على نهر دجلة 3 مرات، بيد أن ملف المياه يتطلب المزيد من التعاون بينهما، ولذا تحاول أنقرة المساعدة فى تطوير مشروعات مختلفة فى العراق منذ فترة طويلة لاستخدام المياه بكفاءة وتقليل خسائر المياه، كما أنها أعلنت عزمها تدريب مهندسى وفنيى الرى العراقيين للوصول إلى أفضل استخدام للمياه.

- الدعوة لحفظ الأمن الإقليمى:أشار "أردوغان" و"رشيد" عقب اجتماعهما إلى أهمية تخفيف حدة التوترات فى المنطقة، ووقف التصعيد المستمر واعتماد التفاهمات والحوار البناء لمعالجة القضايا الإقليمية، وهذا فى إشارة إلى استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أشهر، والقصف الإسرائيلى الإيرانى المتبادل الذى أدى إلى سقوط بعض المسيرات الإيرانية بالأراضى العراقية ما يمثل تهديدا لأمن البلاد، كما دعا لوقف إطلاق النار الفورى فى قطاع غزة وحل القضية الفلسطينية بناء على حل الدولتين وحدود 1967.

- دعم تركى لإقليم كردستان: وصل "أردوغان" إلى أربيل مساء 22 إبريل 2024، وعقد اجتماعات مع رئيس إقليم كردستان "نيجيرفان بارزانى" الذى أكد أن الإقليم يرغب فى تطوير علاقاته مع تركيا بكل المجالات، لأنه كان دائما عنصرا للسلام والاستقرار فى المنطقة، ووجه الشكر لأنقرة على الدعم المستمر للإقليم، ودعا لتطوير التعاون الاقتصادى والتجارى مع تركيا، وجدد "أردوغان" بدوره أن دعم بلاده للعراق وإقليم كردستان سيستمر فى جميع المجالات لتطوير العلاقات بينهما.

- توقيع اتفاق مشروع "طريق التنمية": شهد "أردوغان" و"السودانى" التوقيع على مذكرة تفاهم رباعية يوم 22 أبريل 2024 بين العراق وتركيا وقطر والإمارات للتعاون فى مشروع "طريق التنمية" الاستراتيجى، وقد وقعها وزير المواصلات القطرى "جاسم بن سيف السليطي" ووزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتى "سهيل محمد المزروعى"، ووزير النقل العراقى "رزاق محيبس" ونظيره التركى "عبد القادر أورال أوغلو"، ووصف "السودانى" المشروع بأنه سيؤدى إلى "نقلة اقتصادية بالمنطقة وسيتحول إلى جسر رابط بين شعوب المنطقة وثقافاتها". والمشروع يتكون من ثلاثة محاور رئيسية هى المحور البحرى فى "ميناء الفاو" ثم المحور البرى عبر السكك الحديدية، والطرق السريعة، ومن خلاله سيتم مد خط برى خط للسكك الحديدية من خليج البصرة العراقى حتى تركيا بطول 1200 كم؛ حيث سيتم إنشاء خط سكة حديد من قرية "أوفاكوى" الحدودية مع العراق فى جنوب شرق تركيا، ثم سيتم ربطه بشبكة السكك التركية لينتقل بعد ذلك للدول الأوروبية، وتبلغ الميزانية الاستثمارية للمشروع نحو 17 مليار دولار، على أن يُنجز على ثلاث مراحل، تنتهى الأولى عام 2028 والثانية 2033 والثالثة 2050، وسيؤدى المشروع إلى خفض مدة نقل البضائع من 45 يوما من طريق "رأس الرجاء الصالح"، أو 35 يوما من البحر الأحمر، إلى (25) يوما فقط.

وتعقد لجان عراقية اجتماعات شهرية فى بغداد وأنقرة للاتفاق على بدء التنفيذ وتحديد نقاط الربط، وتركيا والعراق بصدد إنشاء "مجلس وزارى" لمتابعة تنفيذ المشروع، وهناك مجلس رباعى لمتابعته يضم ممثلى (العراق، وتركيا، وقطر، والإمارات)، كما سيتم تشكيل مجلس آخر يضم ممثلين عن (بلغاريا، وصربيا، وتركيا والمجر) وهى الدول الأوروبية التى سيتصل بها المشروع برا، وفور الانتهاء من هذا المشروع وتشغيله بالفعل فإن ذلك سيجعله منافسا لممرات النقل الإقليمية البحرية والبرية فى المنطقة، والمشروع يأتى ضمن خطط تركيا لتصبح مركزا إقليميا لنقل الطاقة والسلع إلى أوروبا.

تحديات مستقبلية :

وصف الرئيس التركى "رجب طيب أردوغان" زيارته إلى العراق بأنها ناجحة، وأشار وزير خارجيته "هاكان فيدان" إلى أن التعاون بين بغداد وأنقرة سيمثل "نموذجا" للتنمية الإقليمية بعد تنفيذ مشروع "طريق التنمية"، وبالفعل فقد كانت الزيارة تاريخية ومهمة ونقطة تحول فى تاريخ العلاقات بينهما، بيد أن هناك عددا من التحديات التى ربما تواجه تطوير التعاون التركى العراقى أبرزهاما يلى:

- صعوبة تنفيذ "طريق التنمية": يمر العراق بعدد من المشكلات الأمنية التى ربما تعرقل تنفيذ مشروع "طريق التنمية"؛ حيث إنه سيمر بعشر محافظات عراقية من البصرة جنوبا حتى أقصى الشمال للحدود التركية المشتركة، ولذا فإنتأمين الحدود العراقية التركية شرط رئيسى لتنفيذ المشروع؛ لأن بعض مواقع حزب (العمال الكردستانى) تقع على مسار المشروع، ويمكنه استهداف مواقع المشروع وعرقلة تنفيذه، كما أن حالة الاضطراب الأمنى التى يمر بها إقليم الشرق الأوسط بعد بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ربما تؤدى إلى تراجع بعض الأطراف الدولية عن تمويل المشروع، هذا فضلا عن إثارة المشروع التنافس مع مشروعات أخرى مشابهة له؛ حيث يسعى "أردوغان" من خلال مشروع "طريق التنمية" لتنفيذ ممر نقل إقليمى منافس للممر "الهندى الأوروبى" الذى أعلنه فى اجتماعات مجموعة العشرين بنيودلهى العام الماضى، لربط الهند بدول الخليج العربى ثم الدول الأوروبية عن طريق ممر بحرى، وهو ما يثير التنافس الإقليمى لتنفيذ مشروعات الممرات الاستراتيجية، وربما يتم استهداف أى منها لعرقلة تنفيذها ومنع عوائدها السياسية والاقتصادية الجمة.

- معضلة وجود "الكردستانى" بالعراق:تتركز قيادات وعناصر حزب "العمال الكردستاني" المصنف كجماعة إرهابية فى تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، فى منطقة "جبال قنديل" بشمال العراق وتتخذ منها منطلقا لتنفيذ أعمال إرهابية فى الداخل التركى ما يهدد الأمن القومى التركى والعراق الأمر الذى يتطلب تنسيقا أمنيا مستمرا بين بغداد وأنقرة لمواجهة ذلك، ولذا تريد تركيا إنشاء "حزام أمنى" بشمال العراق بعمق (30 - 40 كم) لمعالجة المشكلة وقطع الصلة ومنع الانتقال بينه وبين و"وحدات حماية الشعب الكردى" بشمال سوريا، وهذا ربما يثير حفيظة بغداد لأنه يعد "اعتداء" على سيادتها داخل أراضيها، كما أن الأخيرة صنفت الحزب بأنه "تنظيم محظور" وليس "إرهابيا" ما يضع حدودا سياسية قانونية فى التعامل معه.

هذا فضلا عن الصلة الوثيقة العشائرية والعرقية بين "الكردستانى" وقيادات "الاتحاد الوطنى الكردستانى" العراقى الكردى فى مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق؛ حيث يشهد الإقليم انقساما بين حكومة عاصمته أربيل التى تدعم جهود محاربة الكردستانى و"السليمانية" التى تقدم دعما لعناصر الكردستانى؛ حيث تتركز عناصره فى مناطقها منها (غارا وجبل قنديل ومخمور وأسوس)، وفى نهاية إبريل 2024 أعلنت وزارة الخارجية التركية إجلاء مواطنيها العاملين فى حقل نفطى عراقى تعرض للقصف بمنطقة "جمجمال" بمدينة السليمانية ما يؤكد استمرار استهداف العناصر الإرهابية للمصالح التركية بالعراق، ولذا فقد استبعد وزير الدفاع العراقى "ثابت العباسى" تنفيذ "عمليات مشتركة" بين أنقرة وبغداد ضد معسكرات الكردستانى، وألمح إلى إمكانية إنشاء "مركز تنسيق استخباراتى مشترك"، جدير بالذكر أن "العمال الكردستانى" أنشأ عام 1982 ويخوض منذ ذلك التاريخ معارك منفصلة فى جنوب تركيا مع الجيش التركى ما أدى إلى مقتل 40 ألف شخص معظمهم من الأكراد.

- الخلاف على تصدير النفط لتركيا:أعلنت مصادر عراقية عزم بغداد إعادة فتح خط أنابيب "كركوك -جيهان" ما قد يسمح لها بإرسال 350 ألف برميل يوميا إلى تركيا دون موافقة إقليم كردستان وتم إغلاقه منذ عقد كامل نتيجة الخلافات بين بغداد وأربيل؛ حيث كان تصدير النفط العراقى من إقليم كردستان يمر عبر تركيا دون موافقة الحكومة المركزية فى بغداد، وقد توقفت هذه الصادرات منذ عام بسبب خلافات قضائية ومشكلات فنية بين بغداد وأربيل ما كبد العراق خسائر تتخطى 14 مليار دولار، ولذا تختلف بغداد وأربيل على آلية تصدير النفط لتركيا مما قد يعرقل التعاون بينهم.

على جانب آخر،حذرت وسائل إعلام تركية من مساع إيرانية لعرقلة التقارب بين أنقرة وبغداد للحفاظ على مكتسباتها، وهو ما برز بعد استبعاد طهران من مشروع "طريق التنمية"، وكذلك فإن محاربة الإرهاب بالعراق لن تتم دون دعم إيرانى؛ حيث تشارك عناصر "الكردستانى" فى "الميليشيات الشيعية" الإيرانية بالعراق مثل قوات "الحشد الشعبى" فى مدينة سنجار مما يعنى أنها تحظى بدعم إيرانى ضمنى، وكذلك يتلقى الحزب دعما لوجستيا من خلالها لتمتلك الأخيرة ورقة ضغط إقليمى على تركيا والعراق، هذا على الرغم من أن طهران تقصف أحيانا معسكرات حزب "بيجاك" الكردى الإيرانى بشمال العراق أيضا الذى ينفذ عمليات إرهابية ضدها.

- غموض الموقف الأمريكى: اختتم "السودانى" زيارة مهمة إلى واشنطن فى منتصف أبريل 2024 وأكد رغبة بلاده فى تطوير العلاقات مع واشنطن وأنقرة كحلفاء لها، ورغم الترحيب الأمريكى بالتقارب التركى العراقى نظرا لوجود قوات وقواعد عسكرية أمريكية بالدولتين، فإن هناك معضلتين حول الموقف الأمريكى من ذلك التقارب لم يتم الإفصاح عنهما حتى الآن، الأولى هو الموقف الأمريكى من تنفيذ مشروع "طريق التنمية" الذى سيعد مشروعا منافسا "للممر الهندى الأوروبى" الذى ستشارك فيه واشنطن، فهل تقبل بذلك؟ المعضلة الأخرى هو الدعم الأمريكى اللوجستى والعسكرى المقدم لوحدات "حماية الشعب الكردية" التى تُعد أكبر مكونات قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد)، وكان لها دور مهم فى محاربة تنظيم "داعش" الإرهابى خلال الفترة (2015-2019) وما زالت تواجه عمليات التنظيم المتفرقة بشمال سوريا، وترتبط "الشعب الكردى" بحزب "العمال الكردستانى" وتقدم له جزءا من المعدات العسكرية الأمريكية التى تحصل عليها وفق التقارير المخابراتية التركية، ما يعرقل الجهود التركية والعراقية للقضاء عليه، فهل تقبل واشنطن التعاون مع أنقرة وبغداد لمحاربة الإرهاب مع  محافظتها على تحالفها مع القوات الكردية؟ هذه التساؤلات ستكشف عنه المواقف الامريكية المقبلة.

مما سبق، نرى أن زيارة الرئيس التركى إلى العراق قد مثلت "نقطة تحول" فى العلاقات بين الدولتين، وأسفرت عن نتائج تاريخية حال تنفيذها لا سيما مشروع "طريق التنمية"، الذى يعد مشروعا إقليميا سيكون طفرة فى التعاون التجارى بينهما، بيد أن هناك عددا من التحديات التى يجب على أنقرة وبغداد مواجهتها لتحقيق ذلك، أبرزها مكافحة الإرهاب، والتنافس الإقليمى على النفوذ بالعراق.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحث أول ومحاضر فى العلوم السياسية والشأن التركى