تحليلات

إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية .. جريمة الإبادة الجماعية وانتهاك القوانين الدولية

طباعة

عقدت محكمة العدل الدولية جلسات لنظر القضية التى رفعتها دولة جنوب إفريقيا فى 29/12/2023 (التى نرفع لها القبعة؛ إذ قامت بهذا الإجراء القانونى) ضد الكيان الصهيونى لما يرتكبه من مجازر ضد الشعب الفلسطينى الأعزل، فهذه الدعوى تبرز ما يرتكبه الكيان الصهيونى من جرائم ومخالفات للقوانين الدولية التى تلتزم بها وتقشعر الأبدان لعدد الجرائم التى ترتكب فى حق أهالى غزة، فتسلط الضوء على التصرفات الإسرائيلية وما قامت به المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية والأنوروا وغيرهما من المنظمات الدولية، وأقوال أعضاء مجلس الحرب فى إسرائيل ووزراء الحكومة الإسرائيلية. وتطالب دولة جنوب إفريقيا بتطبيق قواعد اتفاقية الإبادة الجماعية، فطلبت بصفة عاجلة من المحكمة أن تتخذ إجراءات وقتية، فتأمر إسرائيل بوقف القصف والتشتيت والقتل المنظم للمدنيين والسماح بإدخال المعونات على وجه السرعة، أما الدعوى الموضوعية فسوف تأخذ وقتا طويلا من المحكمة لأنها تتطلب مذكرات، ويمكن لدول أخرى الدخول فى الدعوى لدعم أحد طرفى الدعوى، وتقديم ما يسند كل طرف. وقد نظرت المحكمة فى يومين منفصلين مرافعتين من كل من جنوب إفريقيا وإسرائيل ثم رفعت الجلسة للتداول، ومن المنتظر أن تقرر المحكمة ما تراه بشأن التدابير الوقتية خلال الأيام القادمة.

ومما يثير السخرية أن يعلن بعض صناع الأفلام فى الولايات المتحدة أنهم سوف يقومون بعمل أفلام سينمائية توضح كيف قامت مجموعة بأسلحة بدائية أن تحارب كيان دولة بأسلحة حديثة ومتطورة وتعد من أقوى جيوش العالم، ولما كان هذا الموضوع يثير العديد من التساؤلات منها: ما قواعد اتفاقية الإبادة الجماعية؟ وما مدى انطباقها على النزاع؟ ما سبب قيام دولة جنوب إفريقيا بهذا العمل؟ هل المحكمة مختصة بنظر هذه الدعوى أم لا؟ هل يمكن إلزام إسرائيل بالانصياع لقرار المحكمة؟ وماذا يحتوى ملف الدعوى الذى تقدمت به دولة جنوب إفريقيا والتدابير الوقتية التى طلبتها من محكمة العدل الدولية؟ ما تقييم الجلستين اللتين نظرت فيهما الدعوى أمام محكمة العدل الدولية؟ هل يمكن محاكمة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية؟

سوف نقوم بالإجابة عن هذه التساؤلات من خلال ما يلى:

أولا: قواعد اتفاقية الإبادة الجماعية ومدى انطباقها على النزاع

[أ] قواعد الاتفاقية

تعد اتفاقية الإبادة الجماعية هى معاهدة دولية تجرم الإبادة الجماعية، وتلزم الدول الأعضاء بفرض حظرها، وتعد أول أداة قانونية لتدوين الإبادة الجماعية كجريمة، وأول معاهدة لحقوق الإنسان اعتمدتها بالإجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 9 ديسمبر 1948خلال الدورة الثالثة للجمعية ضمن قرار الجمعية العامة رقم 260، وتعترف ديباجتها بأن الإبادة الجماعية قد ألحقت بالبشرية خسائر فادحة فى جميع فترات التاريخ، وأن التعاون الدولى مطلوب لتحرير البشرية من هذه الآفة الشنيعة، وتحتفل الأمم المتحدة فى التاسع من شهر ديسمبر من كل عام بتوقيع تلك الاتفاقية، وقد صدقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها 69/323، المؤرخ فى 29 سبتمبر 2015 بحسبان هذا اليوم هو اليوم العالمى لمكافحة الإبادة الجماعية وعقاب من يقوم بها، وكان لهذه الاتفاقية دور مهم فى تطوير القانون الجنائى الدولى، وفى محاسبة مرتكبى هذه الجريمة، وتحفيز جهود الوقاية منها، وفى إعطاء صوت لضحاياها.

تعرف جريمة الإبادة الجماعية وفقا للاتفاقية بأنها: أى من الأفعال المرتكبة بقصد التدبير الكلى لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها بما فى ذلك: [1] قتل أعضاء من الجماعة؛ [2] إلحاق أذى جسدى أو روحى خطير بأعضاء من الجماعة؛ [3] إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادى كليا أو جزئيا؛ [4] فرض تدابير تستهدف الحئول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة؛ [5] نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

تنص المادة الثالثة من الاتفاقيةعلى أنه يعاقب على الأفعال التالية:(أ) الإبادة الجماعية.(ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.(ج) التحريض المباشر والعلنى على ارتكاب الإبادة الجماعية.(د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.(هـ) الاشتراك فى الإبادة الجماعية.

تنص المادة السادسة من الاتفاقيةعلى أنه يحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية، أو أى من الأفعال الأخرى المذكورة فى المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التى ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها. كما تنص المادة الثامنة من الاتفاقية على أن لأى من الأطراف المتعاقدة أن يطلب إلى أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تتخذ، طبقا لميثاق الأمم المتحدة، ما تراه مناسبا من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية أو أى من الأفعال الأخرى المذكورة فى المادة الثالثة.

كما تنص المادة التاسعة من الاتفاقية على أنه تعرض على محكمة العدل الدولية، بناء على طلب أى من الأطراف المتنازعة، النزاعات التى تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما فى ذلك النزاعات المتصلة بمسئولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أى من الأفعال الأخرى المذكورة فى المادة الثالثة.

[ب] مدى انطباق الاتفاقية على النزاع

من استعراض المواد السابقة للاتفاقية فإنه يتضح لنا مدى اتفاق قواعد الاتفاقية مع الإيذاء الذى قامت به دولة الاحتلال فى حق الشعب الفلسطينى، ولا شك فى أن دولة إسرائيل هى الفاعل والمحرض والشريك فى الجريمة والمسئولية تكون على من يقال عنهم مجلس حرب الذى شكل لإعمال الإبادة الجماعية بحق أشخاص عزل لا حول لهم ولا قوة لهم للدفاع عن أنفسهم. فقام الكيان الغاشم بقتل أهالى غزة دون تفرقة؛ فقتل النساء والأطفال الذين لم يشاركوا فى النزاع بين إسرائيل وحماس فأصبحت غزة مقبرة لأبنائها، ونتج عن أعمال القتل الكبيرة أنه دفن الفلسطينيين فى مقابر جماعية من دون التعرف إلى كثير منهم، وألحقت الأذى الجسدى والنفسى بكل أهالى القطاع، ومنعت المستشفيات من القيام بعلاج المرضى بعد أن دمرت المستشفيات وقتل الأطباء والممرضين والصحفيين الذى يغطون المجازر التى قامت بها، ولم تمنع المجرمين التابعين لها من ارتكاب الجرائم ضد الأهالى، الأمر الذى أصاب بعض جنود الاحتلال بالأمراض النفسية كونهم يحاربون العزل ويقتلونهم فهم لا يحاربون بل يدمرون، ولما كان الاحتلال الغاشم لم يحاكم الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية أمام محاكمه بوصفه المحرض والشريك والمساهم والفاعل الأصلى فى هذه الجرائم فإن القضاء الدولى تكون له الولاية فى نظر الدعاوى، ووفقا للاتفاقية فلأي من الأطراف المتعاقدة أن يطلب إلى أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تتخذ ما تراه مناسبا من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية، كما أن الاتفاقية قد أقرت التزام المحكمة بناء على طلب أى من الأطراف فى الاتفاقية أن تنظر النزاعات المتصلة بمسئولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أى أفعال أخرى.

منذ الإعلان عن قيام دولة جنوب إفريقيا برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية فقد بدأت الدول تؤيد الدعوى وبعضها أبدى رغبته فى المشاركة فى الدعوى، ويتطلب الموضوع حشدا جماهيريا من العالم أجمع وحشدا قانونيا من رجال القانون وحشدا إعلاميا، وقيام الإعلام بتقديم كل ما لديه من أدلة تؤيد هذا السلوك الإجرامى من جانب إسرائيل، وقيام الجميع بالوقوف ضد الدول الاستعمارية والدول الموجهة ضد الإنسانية وحق تقرير المصير، فأبناء وأحفاد نيلسون مانديلا الذى دخل السجن لمدة 27 عاما وخرج ليكمل مسيرته ويصبح رئيسا لدولة جنوب إفريقيا، لم يرتكب السلوكيات ذاتها ضد البيض التى وقعت عليه، ولكنه أصلح المجتمع بين البيض والسود وخلق العدالة والمساواة فى دولة جنوب إفريقيا حتى أصبحت دولة لها كيان كبير يقف الجميع احتراما وإجلالا لها. وتدخل دولة جنوب إفريقيا فى الدعوى وهى دولة ليست متضررة بشكل مباشر بالحرب فى غزة وهو أمر نادر للغاية، ويدل على صدق نياتها والتزامها بالقانون الدولى.

ثانيا - اختصاص محكمة العدل الدولية بنظر الدعوى

محكمة العدل الدولية هى إحدى الهيئات الست التابعة لمنظمة لأمم المتحدة وتفصل فى النزاعات بين الدول وذلك وفقا لنص المادة 34 /1 من نظامها الأساسى (الدول فقط هى التى يجوز لها أن تكون أطرافا فى القضايا المعروضة على المحكمة)، وتقع فى المحكمة فى لاهاى وتتشكل المحكمة من 15 قاضيا (يشترط فى قضاة المحكمة عدد من الشروط منها:[1] ألا يكون هناك قاضيان من دولة واحدة، [2] أن يكونوا من بين الأشخاص ذوى الأخلاق الرفيعة الذين يمتلكون المؤهلات المطلوبة فى بلدانهم للتعيين فى أعلى المناصب القضائية أو فقهاء معترف بهم فى مجال القانون الدولى، [3] أن ينتخبوا من جانب الجمعية العامة ومجلس الأمن)، ويضاف إلى تشكيلها فى كل دعوى قضائية منظورة أمامها قاضيان من طرفى الدعوى وهم فى هذه الدعوى جنوب إفريقيا وإسرائيل.

تختص المحكمة وفقا لاختصاصها القضائى بنظر اتهام دولة عضو فى منظمة الأمم المتحدة ضد دولة أخرى عضو فى المنظمة لانتهاك التزامات ومعاهدات دولية أقرتها منظمة الأمم المتحدة، كما تنص المادة 36/1 من النظام الأساسى للمحكمة على أن (يشمل اختصاص المحكمة جميع القضايا التى يحيلها الأطراف إليها وجميع المسائل المنصوص عليها بشكل خاص فى ميثاق الأمم المتحدة أو فى المعاهدات والاتفاقيات النافذة)، وسبق أن صدقت كل من جنوب إفريقيا وإسرائيل على اختصاص المحكمة بنظر تلك الدعاوى.

من المعروف أن أحكام محكمة العدل الدولية نهائية وغير قابلة للطعن عليها، وليس هناك أى آلية لتنفيذها، ومن شأن صدور حكم بحق إسرائيل أن يضر بسمعتها دوليا ويشكل سابقة قانونية، ومن شأنه أن يضع الولايات المتحدة الأمريكية والدول أعضاء مجلس الأمن فى حرج لأن عدم تنفيذ الحكم يعنى انعدام الثقة بالمنظمة، ويمكن للدول الأعضاء فى المنظمة أن تحمل الولايات المتحدة صاحبة الفيتو الشهير ضد وقف أى عدوان أو جريمة حرب ترتكبها إسرائيل أنها تقف إلى جوارها أيضا فى عدم الانصياع لقرارات المحاكم الدولية، وأنها تعارض أحكام المحكمة بعد صدورها أمام مجلس الأمن لاتخاذ قراره ضد الدولة مرتكبة جريمة الإبادة الجماعية وفقا لقواعد الاتفاقية.

لما كانت الاتهامات الموجهة لدولة إسرائيل تتلخص فى قيامها بجريمة الإبادة الجماعية ضد شعب فلسطين ومواطنى مدينة غزة فإنه يتعين على الفريق القانونى التابع لدولة جنوب إفريقيا أن يقدم كل الأدلة والأسانيد أمام هيئة المحكمة، ومن المهم إثبات جميع أركان جريمة الإبادة الجماعية وهى الركن المادى المتمثل فى السلوكيات التى قامت بها دولة الاحتلال ضد الشعب الأعزل من قتل وتدمير وتجويع ومنع المصابين من العلاج حتى الموت، والنتيجة المتمثلة فى تدمير البنية التحتية والمستشفيات والمساجد والكنائس والقصف العشوائى على منازل وأحياء ليست لها علاقة بالحرب، وأن تكون تلك السلوكيات مرتبطة بالنتيجة برابطة السببية بأن تكون النتائج هى الأثر المترتب على تلك السلوكيات، والركن المعنوى للجريمة، ولما كانت هذه الجريمة من الجرائم ذات القصد الخاص فيجب أن تثبت نية الإبادة لدى دولة الاحتلال، ويمكن إثباتها من خلال ما قام به ممثلوها من اتهام أهالى غزة بأنهم حيوانات بشرية ويجب قتلهم أو تهجيرهم خارج أراضيهم، وسيكون ذلك بمنزلة إثبات الاتهام على دولة الاحتلال والقائمين عليها.

ثالثا- ملف الدعوى الذى تقدمت به دولة جنوب إفريقيا والتدابير الوقتية التى طلبتها من محكمة العدل الدولية

[أ] ملف الدعوى الذى تقدمت به دولة جنوب إفريقيا للمحكمة

لما كانت دولة فلسطين ليست عضوا فى الأمم المتحدة، ومن ثم لم تصدق على اتفاقية الإبادة الجماعية فإن جنوب إفريقيا قد رفعت الدعوى بصفتها عضوا فى المنظمة والمحكمة، وسبق أن صدقت على اتفاقية الإبادة الجماعية مع غيرها من دول العالم ومنها دولة إسرائيل، يشار إلى أن دولة جنوب إفريقيا التى عانت كثيرا التطهير العرقى والفصل العنصرى، أصبحت اليوم من كبار الدول الديمقراطية فى العالم، وقد صوّت البرلمان فى "كيب تاون" على تعليق العلاقات وإغلاق السفارة الإسرائيلية فى جنوب إفريقيا حتى وقف إطلاق النار، والتزام إسرائيل بمفاوضات عادلة وسلام دائم مع الفلسطينيين. كما دعت جنوب إفريقيا المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال ضد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو والقادة الإسرائيليين بسبب تصريحاتهم التى كشفت عن رغبتهم فى إبادة الفلسطينيين.

أشارت التقارير الدولية إلى أن الملف الذى تقدمت به دولة جنوب إفريقيا (84 ورقة) يشار فيه إلى انتهاك الكيان الصهيونى لحياة الفلسطينيين فى غزة والتسبب فى أذى نفسى وجسدى جسيم لهم وتهيئة ظروف معيشية خطيرة تهدف إلى "تدميرهم جسديا" الأمر الذى يعد إبادة جماعية لهم، وأن إسرائيل تتقاعس عن توفير الغذاء والماء والدواء والوقود والمساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة خلال الحرب الدائرة مع حركة (حماس) منذ السابع من أكتوبر من العام الماضى، وتشير أيضا إلى حملة القصف المستمرة التى دمرت جزءا كبيرا من القطاع وأجبرت نحو مليونى فلسطينى على النزوح، وأسفرت عن مقتل وإصابة ما يزيد على مائة ألف، كما طلبت دولة جنوب إفريقيا من المحكمة اتخاذ تدابير وقتية للحفاظ على الفلسطينيين العزل اعتمادا على المادة 41/1 من نظامها الأساسى (يكون للمحكمة سلطة أن تبين، إذا رأت أن الظروف تتطلب ذلك، أى تدابير مؤقتة ينبغى اتخاذها للحفاظ على الحقوق الخاصة بأى من الطرفين). بناء عليه، فقد طلبت من المحكمة أن تأمر إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية فى غزة، ووقف أى أعمال إبادة جماعية أو اتخاذ إجراءات معقولة لمنع الإبادة الجماعية، وتقديم تقارير منتظمة إلى محكمة العدل الدولية حول مثل هذه الإجراءات.

أشار طلب جنوب إفريقيا إلى أن ما قامت به إسرائيل هو سلوك دولة من خلال أجهزتها ووكلائها والكيانات التى تعمل بناء على تعليماتها، أو تحت توجيهها، أو سيطرتها، أو نفوذها، وأنها قامت بهذا السلوك الذى يُشكّل انتهاكا لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين فى غزة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.وأشارت الدعوى أيضا إلى أن إسرائيل "فشلت فى منع الإبادة الجماعية، وفشلت فى مقاضاة التحريض المباشر والعلنى على الإبادة الجماعية".

[ب] التدابير الوقتية التى طلبتها دولة جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية

تبين من أوراق القضية أن دولة جنوب إفريقيا قد وضعت تسعة تدابير تطالب بها المحكمة، وقد أشار إليها كاتب المحكمة فى بداية الجلسة الافتتاحية، ويمكن تلخيصها فيما يلى:

[1] أن تعلق دولة إسرائيل فورا عملياتها العسكرية فى غزة. [2] ضمان عدم اتخاذ أى خطوات تعزيزية لتلك العمليات العسكرية. [3] على كل من جمهورية جنوب إفريقيا ودولة إسرائيل، وفقا لالتزاماتهما بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها- فيما يتعلق بالشعب الفلسطينى- أن تتخذا جميع التدابير المعقولة التى فى حدود سلطاتهما من أجل منع الإبادة الجماعية. [4] على دولة إسرائيل- وفقا لالتزاماتها بموجب الاتفاقية، أن تكف عن ارتكاب أى من الأفعال التى تدخل فى نطاق المادة الثانية وهى: (أ) قتل أعضاء من الجماعة، (ب) إلحاق أذى جسدى أو روحى خطير بأعضاء من الجماعة، (ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادى كليا أو جزئيا، (د) فرض تدابير تستهدف الحول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة. [5] على دولة إسرائيل، فيما يتعلق بالفلسطينيين، التوقف عن اتخاذ جميع التدابير، بما فى ذلك إلغاء الأوامر ذات الصلة والقيود و/أو المحظورات. كى تمنع:(أ) طردهم وتشريدهم قسرا من منازلهم، (ب) الحرمان من: الحصول على الغذاء والماء الكافيين، الوصول إلى المساعدات الإنسانية - بما فى ذلك الوقود الكافى والمأوى والملابس والنظافة والصرف الصحى، الإمدادات والمساعدة الطبية، (ج) تدمير الحياة الفلسطينية فى غزة.[6] على دولة إسرائيل، أن تضمن عدم ارتكاب أى أفعال موصوفة فى النقطتين (4) و(5) أو المشاركة فى التحريض المباشر والعلنى أو محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، أو التآمر أو التواطؤ فى ذلك.[7] على إسرائيل أن تتخذ تدابير فعالة لمنع إتلاف الأدلة المتعلقة بالادعاءات، وضمان الحفاظ عليها. وتحقيقا لهذه الغاية، يتعين ألا تعمل إسرائيل على منع أو تقييد وصول بعثات تقصى الحقائق والتفويضات الدولية والهيئات الأخرى إلى غزة.[8] يجب على إسرائيل أن تقدم تقريرا إلى المحكمة عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر (بموجب التدابير المؤقتة) خلال أسبوع واحد، اعتبارا من تاريخ صدوره، وبعد ذلك على فترات منتظمة وفقا لما تأمر به المحكمة، حتى تصدر قرارها النهائى فى القضية. [9] على دولة إسرائيل أن تمتنع عن أى إجراء، وأن تضمن عدم اتخاذ أى إجراء قد يؤدى إلى تفاقم النزاع المعروض على المحكمة أو إطالة أمده أو أن تجعل حله أكثر صعوبة.

رابعا - تقييم الجلستين اللتين نظرت فيهما الدعوى أمام محكمة العدل الدولية

يشير النظام الأساسى للمحكمة فى بداية نظر الدعوى من حيث قبول القضية شكلا قبل أن تنظر الموضوع من ناحية الاختصاص، ولدولة إسرائيل الحق فى الدفع بعدم اختصاص المحكمة فى نظر الدعوى باعتبار أن النزاع بين دولة وجماعة مسلحة، والمحكمة تنظر النزاعات بين الدول، وأنه ليس هناك نزاع قائم مع دولة جنوب إفريقيا رافعة الدعوى بصفتها عضوا فى المنظمة الدولية ومصدقة على قانون المحكمة والاتفاقية، فإذا رفضت المحكمة الاعتراض فإنها تنظر الدعوى وتمارس اختصاصها القضائى، وتتقدم كل دولة بما لديها من أسانيد من خلال المحامين التابعين لها، فالمحكمة لا تستمع لشهود أو تستجوب أحدا، ولكنها بعد جلسات الاستماع تتخذ قرارها فى التدابير المؤقتة التى طلبتها الدولة رافعة الدعوى، وتقوم المحكمة إما بالاستجابة لطلب دولة جنوب إفريقيا باتخاذ تدابير مؤقتة من أجل منع تفاقم النزاع وطلب وقف النزاع لحين نظر الدعوى، أو أن ترفض التدابير وترفض الدعوى برمتها.

طلبت دولة جنوب إفريقيا من المحكمة بملف الدعوى اتخاذ بعض التدابير المؤقتة وهو ما دفع باستعجال النظر فى القضية لاتخاذ تدابير عاجلة دون المساس بشأن الأسس الموضوعية، والإجراءات التمهيدية سيتم اتخاذها دون المساس بما إذا كانت القضية ستمضى قدما أم لا فى النهاية، وأن المعايير التى قد تقرر بموجبها محكمة العدل الدولية إصدار التدابير المؤقتة لن يكون لها أى تأثير فى النهاية على القرار النهائى الذى سوف يتخذ فيما بعد.وتتخذ المحكمة تدابير مؤقتة لتجميد الوضع لحين النظر فى القضية، وهذه التدابير تؤخذ إذا رأت أن هناك مخاطر كبيرة إذا لم تتخذ، وفى هذه الحالة يمكن أن يكون ذلك وضع سكان غزة.وطلبت جنوب إفريقيا من المحكمة أن تأمر إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية فى غزة، ووقف أى أعمال "إبادة جماعية" أو اتخاذ إجراءات معقولة لمنع الإبادة الجماعية، وإصدار تقارير منتظمة إلى محكمة العدل الدولية عن مثل هذه الإجراءات.

وعُقدت جلستا الاستماع يومى 11،12 /1/ 2024 وأمام جنوب إفريقيا وإسرائيل يومان منفصلان لعرض قضيتهما المؤيدة أو المعارضة لإجراء التدابير الوقتية على النحو التالى:

الجلسة الأولى من جلسات المحاكمة:

بدأت الجلسة الأولى يوم الخميس الموافق 11/1/2024 وقام ممثلو دولة جنوب إفريقيا الواحد تلو الآخر بالمرافعة أمام المحكمة، وتتمحور أوجه الاتهام فى إدانة المحتل الغاشم الذى يمزق الشعب الفلسطينى، ويخيرهم إما بالتهجير خارج أرضهم أو بالإبادة الجماعية، فيمنع عنهم المأكل والمشرب ويسلبهم الحياة والأمن والاستقرار ويرفض حقهم فى تقرير المصير، وأنه على مدى عشرات السنوات زج بهم فى السجون وكسر أواصل دولتهم، وفرض حصارا بريا وجويا وبحريا ما دفع أهالى غزة إلى حافة المجاعة فمنعهم من ممارسة جميع حقوق الإنسان التى أقرتها منظمة الأمم المتحدة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وأضافوا أن الجنود الإسرائيليين يلتقطون صورا لأنفسهم وهم يحتفلون بتدمير المدن والقرى، مشيرين إلى أن أكثر من 80% من سكان غزة يعانون الجوع. وأكمل الفريق القانونى لدولة جنوب إفريقيا أن إسرائيل فرضت عن عمد ظروفا فى غزة لعدم السماح بالعيش والتدمير الجسدى للفلسطينيين، مضيفين أن ما يدخل قطاع غزة من مساعدات لا يكفى حاجة سكانه، موضحين أن إسرائيل تتعمد خلق ظروف تحرم الفلسطينيين من المأوى والمياه النظيفة. وأوضحوا أن الأمراض والجوع يفتك أهالى قطاع غزة، مشيرين إلى أن المصابين فى قطاع غزة محرومون من الرعاية الصحية اللازمة لإنقاذ حياتهم، موضحين أن إسرائيل ترتكب عنفا جنسيا بحق النساء والأطفال. فأفعال إسرائيل تشير إلى نية ارتكاب إبادة، وأن الاحتلال يحدد مناطق آمنة للفلسطينيين فى قطاع غزة قبل أن يقوم بقصفها، مشيرين إلى أن نية الإبادة الجماعية لإسرائيل تتجذر فى اقتناعها بأن العدو ليس حركة حماس وإنما نسيج حياة الفلسطينيين فى غزة. وأضاف الفريق القانونى أن نائب رئيس الكنيست دعا إلى محو غزة من على وجه الأرض، ووزير الدفاع الإسرائيلى قال إنهم يحاربون حيوانات بشرية، موضحا أن خطابات المسئولين الإسرائيليين تؤكد نية ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين فى غزة، مشيرين إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى استخدم الخطاب الدينى لتبرير قتل المدنيين والأطفال فى غزة.

ونلخص بعض النقاط التى شملها مرافعة دولة جنوب إفريقيا أمام المحكمة فى الجلسة الأولى على النحو التالى:

[1] تمزيق الاحتلال الإسرائيلى للشعب الفلسطينى الأعزل، [2] إهدار حق الفلسطينيين فى تقرير المصير والاستمرار فى انتهاك سيادة الشعب الفلسطينى على أرضه، [3] الجرائم الإسرائيلية ليست وليدة اليوم ولكنها استمرت لعقود طويلة ومازالت ترتكب الجرائم ذاتها فى حق دولة فلسطين والشعب الفلسطينى وتفرض حصارا شاملا على قطاع غزة، [4] العالم كله ينظر اليوم للمحكمة بوصفها المخلص للشعب الفلسطينى الذى تدمره الآلة العسكرية الإسرائيلية بلا هوادة أو رحمة، [5] ما يصرح به ممثلو الدولة من رئيس للوزراء ووزراء بحكومته تعبر عن نية حقيقية لتدمير شعب غزة، [6] انتشار المقابر الجماعية لشهداء غزة يعبر وبصدق عن المجازر التى تحدث لهذا الشعب، [7] القصف الإسرائيلى لم يطل إلا الفلسطينيين العزل، ويدمر البنية التحتية والمستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس وأسر وعائلات بأكملها ومقرات الأمم المتحدة، [8] إسرائيل تطالب مواطنى غزة بمغادرة مساكنهم لتزيلها من على وجه الأرض فأنهت على أحياء بأكملها، [9] الأسلحة المستخدمة هى أسلحة دمار شامل وليست أسلحة تقليدية فهى تؤثر فى كل من أصيب من أطفال ونساء، [10] لم تتورع إسرائيل فى أن تشير إلى خطاب دينى يهودى صهيونى يبرر قتل الأطفال والمدنيين.

الجلسة الثانية من جلسات المحاكمة:

بدأت الجلسة الثانية يوم الجمعة الموافق 12/1/2024 وفى اليوم الثانى للمحاكمة طلب الفريق القانونى لدولة الاحتلال إسقاط تهمة الإبادة الجماعية بدعوى عدم اختصاص المحكمة بموجب الاتفاقية بإصدار أمر بوقف القتال، ونفى أن هناك نية خاصة لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وأن الإبادة كانت فى حق الإسرائيليين، ويجب رفض الطلب والالتماس لما ينطويان عليه من تشهير عميق وصور قانونية مشوهة للحقائق، ولا تعكس واقع الوضع خلال حرب غزة، فحماس هى التى تسعى إلى إبادة جماعية لإسرائيل، وأن وقف الحملة العسكرية الإسرائيلية فى غزة سيجعل إسرائيل عاجزة عن الدفاع عن نفسها. وتقويض حق إسرائيل الأصيل فى الدفاع عن نفسها. ومن الغريب أن تشير دولة الاحتلال إلى أن دولة جنوب إفريقيا لها علاقات وثيقة مع إسرائيل، وتستقبل وفودا من حماس فى أراضيها على الرغم من وصفها منظمة إرهابية فى الكثير من دول العالم، وأنه تساعدها على أجندتها التى تقوم على إبادة دولة إسرائيل، وحرمان إسرائيل من الدفاع عن نفسها. وأن منظمة حماس تستخدم السكان المدنيين فى غزة كدروع بشرية وتختبئ بالمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، وأنها قامت بمجازر فى حق الإسرائيليين فى السابع من أكتوبر، وناقش الفريق القانونى التدابير التى طالبت بها جنوب إفريقيا وعدَّها لا تنطبق على تلك الدعوى، وقام فريق الدفاع بعمل مقارنة بين تلك الدعوى ودعاوى أخرى رفضت المحكمة فرض تدابير وقتية فيها، وحاول مندوب دولة إسرائيل الادعاء بأن مصر هى التى لا تدخل المعونات لأهالى غزة، وأن معبر رفح مفتوح لكل المعونات. وفى نهاية المرافعة طلب ممثل دولة إسرائيل من المحكمة رفض التدابير المؤقتة التى تطالب بها دولة جنوب إفريقيا، وكذا رفع القضية عن المحاكمة ورفض النظر فيها.

ولا شك فى أن ما جاء به الفريق القانونى لدولة إسرائيل لم يخرج عن مهاترات ومحاولات لإلقاء الاتهام على منظمة حماس بوصفها التى بدأت بالهجوم ومحاولة النيل من الشعب الفلسطينى، وأن ما قامت به من ادعاء أنها هى التى تتعرض للإبادة الجماعية، فهذا يدعو للتعجب من الأقوال التى لا تنبع عن أفعال حقيقية، كذلك فمصر لا ولم تمنع دخول المعونات لمعبر رفح، فالدخول يكون بموافقة مسبقة من دولة الاحتلال، كما أنها قد دمرت المعبر من داخل غزة لتعوق دخول المعونات من ناحية مصر.

وما يثير السخرية أن دولة الاحتلال الغاشم تتهم دولة بحجم جنوب إفريقيا بأن عملها تحركه مجموعة مسلحة وهى حماس، وأنها الذراع القانونية لتلك الجماعة، وبدأت فى التصريح بانتقادات بأنه ادعاء "لا أساس لها من الصحة"، وقال رئيس إسرائيل إسحق هرتسوغ إنه "لا يوجد ما هو أكثر وحشية وسخافة" من هذه الدعوى. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو: إنه "فى الوقت الذى تحارب فيه إسرائيل إبادة شعب تُتهم هى بإبادة شعب". وأضاف نتنياهو: "رأينا اليوم عالما مقلوبا رأسا على عقب، ونحن نحارب الإرهابيين والأكاذيب". كما أشار وزير دفاع الاحتلال إلى أنه "لا توجد حرب عادلة وأخلاقية أكثر من هذه الحرب ولا جيش أكثر أخلاقية من الجيش الإسرائيلى".

خامسا - مدى صحة محاكمة قادة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية

نرى أنه يجب أن تنظر المحكمة الجنائية الدولية أيضا توقيف مجلس الحرب فى دولة إسرائيل لإخلالهم بالقانون الدولى الإنسانى واتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 بالقتل والتدمير للممتلكات العامة والخاصة والمستشفيات ومنع المعونات والمواد الغذائية والغاز ومطالبتهم الفلسطينيين بالتهجير خارج غزة إلى مصر وأى دول أخرى، وإعلانهم ووزراء الكيان الصهيونى بترك بلادهم والذهاب إلى دول أخرى. ولكن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها أن تمارس اختصاصها إلا بإحالة من مجلس الأمن، بخلاف محكمة العدل الدولية التى تنظر الدعاوى التى تحال إليها من الدول الموقعة على الاتفاقية مباشرة. وبالطبع سوف تقف الولايات المتحدة الأمريكية حجر عثرة فى إحالة الكيان الصهيونى أمام المحكمة الجنائية الدولية، فهى لم توافق على وقف نزيف الدماء ضد أبناء فلسطين فكيف تحاكم المحتل، وما قامت به دولة الاحتلال هو من قبيل النزاع المسلح بين المحتل والشعب الفلسطينى الأعزل وأنها تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين الذى ينص عليه ميثاق المنظمة. وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست عضوا فى المحكمة الجنائية الدولية فإنه يمكن إحالة مجلس الحرب الإسرائيلى للمحكمة كما حدث مع رعايا دول أخرى، فالمحكمة لا تحاكم دولا ولكن تحاكم أشخاصا طبيعيين، كما أن المحكمة لا تعتد بالصفة الرسمية لمرتكبى الجرائم لأنها وفقا للمادة 27 من نظامها فإن جميع الأشخاص متساوون أمامها دون تمييز بسبب الصفة الرسمية.

وباستعراض النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية تبين أنه ينص على ثلاث جرائم ترتكب بالفعل فى حق الشعب الفلسطينى الأعزل، فالمادة السادسة تنص على جريمة الإبادة الجماعية حيث تشير إلى أنه تعنى "الإبادة الجماعية" أى فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكا كليا أو جزئيا:(أ) قتل أفراد الجماعة.(ب) إلحاق ضرر جسدى أو عقلى جسيم بأفراد الجماعة.(ج) إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلى كليا أو جزئيا.

كما تشير المادة السابعة من ذات النظام إلى الجرائم ضد الإنسانية؛ حيث تنص على أنه يشكل أى فعل من الأفعال التالية "جريمة ضد الإنسانية" متى ارتكب فى إطار هجوم واسع النطاق أو منهجى موجه ضد أى مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم:(أ) القتل العمد.(ب) الإبادة..... (د) إبعاد السكان أو النقل القسرى للسكان..... (ح) اضطهاد أى جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس .... أو لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن القانون الدولى لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأى فعل مشار إليه فى هذه الفقرة أو بأى جريمة تدخل فى اختصاص المحكمة..... (ى) جريمة الفصل العنصرى.(ك) الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التى تتسبب عمدا فى معاناة شديدة أو فى أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.

كما تنص المادة الثامنة من النظام ذاته على جرائم الحرب، فللمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولا سميا عندما ترتكب فى إطار خطة أو سياسية عامة أو فى إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم.ولغرض هذا النظام الأساسى، تعنى "جرائم الحرب": (أ) الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 أغسطس 1949، أى فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة:ومنها: [1]القتل العمد.[2] التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما فى ذلك إجراء تجارب بيولوجية.[3] تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.[4] إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة...... [7] الإبعاد أو النقل غير المشروعين.

(ب) الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة، فى النطاق الثابت للقانون الدولى، أى فعل من الأفعال التالية:[1] تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة فى الأعمال الحربية.[2] تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أى المواقع التى لا تشكل أهدافا عسكرية..... [4] تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية فى الأرواح، أو عن إصابات بين المدنيين، أو عن إلحاق أضرار مدنية، أو عن إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة.[5] مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المبانى العزل التى لا تكون أهدافا عسكرية، بأية وسيلة كانت.....[9] تعمد توجيه هجمات ضد المبانى المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، شريطة ألا تكون أهدافا عسكرية......[12] إعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة...... [24] تعمد توجيه هجمات ضد المبانى والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملى الشعارات المميزة المبينة فى اتفاقيات جنيف طبقا للقانون الدولى...... [25] تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التى لا غنى عنها لبقائهم، بما فى ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه فى اتفاقيات جنيف.

ختاما

 ما قامت به دولة إسرائيل يشكل جميع تلك الجرائم، فهى تعد من جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فقد قامت بكل أشكال الإبادة الجماعية، كما سبق أن أشرنا فهى تعرضهم للهلاك والتدمير وتدفعهم للمجاعة والقتل والإيذاء الجسدى والنفسى، كما ارتكبت الجرائم ضد الإنسانية بجميع الأفعال التى تشكل جرائم ضد الإنسانية بقتلهم ومحاولة إبعادهم عن بلادهم بدعوتهم للخروج من غزة والضغط على دول الجوار مصر والأردن حتى توافق على نزوحهم إلى أراضيها واغتصاب أرضهم منهم وكل الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التى تتسبب عمدا فى معاناة شديدة، أو فى أذى خطير يلحق بالجسم، أو بالصحة العقلية أو البدنية، كما قامت بجريمة حرب بقيام جيشها بعدته وعتاده بالدخول فى حرب ضد شعب أعزل وتدمير للممتلكات الخاصة والعامة وتستولى على ما يقع تحت يدها، وتدمير للبنية التحتية وإحداث معاناة نفسية وجسدية بحق الشعب الأعزل، والقيام بأفعال الإبعاد أو النقل غير المشروعين، وأنها تتوجه إلى الشعب الأعزل بانتهاك للقانون الدولى بتعمد توجيه هجمات ضد سكان غزة بصفتهم أفرادا مدنيين لا يشاركون فى الأعمال الحربية بين الكيان الصهيونى وجماعة حماس وتعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية ومنازل الأهالى فتدمرها على الرغم من أنها لا تشكل أهدافا عسكرية عن عمد وبإرادة حقيقية هادفة إلى القضاء على شعب غزة فتهاجم وتقصف المدن والقرى وتدمر المزروعات والمساكن والمبانى والأهالى العزل وتعمد توجيه هجمات ضد المساجد والكنائس والمدارس وأماكن الإيواء التابعة لمنظمة الأمم المتحدة والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، وتوجيه هجمات ضد المبانى والمواد والوحدات الطبية وعربات الإسعاف على الرغم من استعمالها الشعارات المميزة المبينة فى اتفاقيات جنيف طبقا للقانون الدولى وهى الهلال الأحمر الفلسطينى، كما أنها تعمد تجويع المدنيين وحرمانهم من المواد التى لا غنى عنها لبقائهم، وتعمد عرقلة الإمدادات التى ترسلها مصر وكل دول العالم وتضعها أمام المعابر رافضة دخولها، وإذا دخلت تكون هدفا لسلاح الجو الإسرائيلى، وتقوم بتفتيش الإمدادات قبل دخولها دون حياء أو إنسانية فقد غابت عنها الإنسانية.

نتمنى من محكمة العدل الدولية أن تتعجل فى قرارها بشأن الدعوى التى أصبحت ملحة لكل شعوب العالم، فتتخذ قرارها العادل بإنصاف القضية الفلسطينية، ومطالبة إسرائيل بوقف عدوانها الغاشم على غزة، وحتى يكون لها الحق الكامل فى التعويضات عن كل الأضرار التى لحقت ببنيتها التحتية، وما أصاب أهلها من قتل وإصابات وتدمير.

إذا لم تلتزم إسرائيل بتنفيذ قرارات المحكمة وهو المتوقع منها لأنها لا تحترم أى قواعد أو اتفاقيات، فوداعا لحقوق الإنسان أمام إسرائيل التى لا تحترم القواعد الدولية ويشجعها للأسف أقطاب فى النظام الدولى.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    لواء د. خالد مصطفى فهمى

    لواء د. خالد مصطفى فهمى

    أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة والجامعات المصرية ورئيس قسم حقوق الإنسان بجامعة السلام