تحليلات

تحقيق الضبط المجتمعى .. والجوانب القانونية لـتنظيم الانتظار بالشوارع

طباعة

لا شك فى أن القانون 150 لسنة 2020 عندما صدر كانت هناك الآراء المختلفة حول تطبيقه، وعده بعض الناس سلوكا من الدولة لتحصيل مبالغ من المواطنين دون سبب. والحقيقة، إن هذا القانون يهدف للقضاء على اقتصاد مواز كان يحصل على أموال المواطنين، وكذا القضاء على بلطجية الركن فى الشوارع والإتاوات التى كانوا يحصلون عليها. وعلى الرغم من مرور أربع سنوات على القانون فإنه لم يطبق بشكل كامل، وهناك بطء كبير فى تطبيقه وخاصة فى الأحياء القديمة، الأمر الذى يتطلب التنبيه الجدى على المحافظين والإدارات المحلية بسرعة تطبيق القانون وإخطار وزارة التنمية المحلية بما قامت به فى تنفيذ القانون. وكانت اللائحة التنفيذية للقانون قد صدرت من وزارة التنمية المحلية وتحمل رقم 5 لسنة 2021، وقامت الوزارة من جانبها بإعداد كراسة شروط ومواصفات موحدة بعد مراجعتها من مجلس الدولة حتى تتمكن المحافظات من طرح المواقع للاستغلال وفقا لأحكام قانون تنظيم التعاقدات التى تبرمها الجهات العامة بالقانون رقم 182 لسنة 2018 ولائحته التنفيذية.

تنبع فلسفة وضع قانون انتظار المركبات رقم 150 لسنة 2020 فى أهميته العملية لمواجهة ظاهرة الإتاوات التى يفرضها الخارجون عن القانون على أصحاب السيارات بالشوارع، والعمل على تنظيم الانتظار بالشوارع وزيادة موارد الدولة للاستفادة منها فى تنفيذ المشروعات الخدمية للمواطنين، فالشخص الذى يقوم بركن سيارته ويدفع فلوسا لأشخاص خارج إطار القانون، ويخضع لحالة من الابتزاز بطريقة أو بأخرى، يساعده القانون على التخلص من هذا الاستغلال؛ حيث يتم تنظيم وقف السيارات وفقا للقانون بآليات سليمة، فالدولة تقضى بذلك على فوضى ركن السيارات بالشارع، وألزمت الجهات الإدارية بتحديد الطرق التى يتم تطبيق التشريع بها، كما يؤدى تطبيق القانون إلى القضاء على أحد الاقتصاديات الموازية، وتوفير فرص عمل حقيقية للراغبين فى العمل، وذلك من خلال توفير مبالغ مهدرة على الدولة يحصل عليها البلطجية فى الشارع بطرق غير شرعية. وحتى يمكن السيطرة على أماكن انتظار السيارات يجب وضع ضوابط لحق استغلال وتشغيل الشوارع لانتظار المركبات، وألا يسمح لأى شخص بالعمل دون الحصول على رخصة مزاولة نشاط، وأن يتحمل المسئول سواء كان شخصا أو شركة المسئولية الكاملة المدنية والجنائية عن نفسها وعن العاملين لديها، وأن تلتزم بسلامة وأمن المركبات وطريقة انتظار السيارات طبقا للكروكى المعتمد من المحافظة، وهذا يهدف القضاء نهائيا على حالة الفوضى المتعلقة بإشكالية انتظار المركبات فى الشوارع إلى حالة منظمة، تحت سيطرة الدولة.

لا شك فى أن الدولة تخدم المواطنين، وكذا المحافظات فى تحصيل مبالغ مالية فى مقابل إيقاف السيارات فى أماكن وساحات داخل المحافظات، وتمكين المواطنين من ترك سياراتهم فى أمان بعيدا عن سطوة البلطجية، وهذا يتطلب إجراء برنامج تدريبى فى كل محافظات الجمهورية للمسئولين المختصين بإدارة تلك المواقف والساحات، يتضمن هذا البرنامج العوائد من تنفيذ القانون والتعريف بفلسفة تطبيقه وخطوات تطبيقه وأماكن التطبيق، وهذا يعنى أنه على كل محافظة وكذلك الأحياء التابعة لها إعداد قاعدة بيانات بمواقع انتظار المركبات بالساحات والمواقف المطروحة للاستغلال وطرحها على راغبى التعاقد الجادين الذين يملكون القدرات اللازمة لتشغيلها. وسوف ينشأ عن التطبيق الجيد للقانون وإحكام السيطرة على الشوارع عودة الشارع المصرى لرونقه وشكله الحضارى ومنع التكدس والازدحام، وقد منح القانون كل حى تحديد تعريفة معينة لكل سيارة لركنها أمام المنازل، ومواجهة أعمال البلطجة التى تمارس من جانب بعض الخارجين عن القانون.

وباستعراض القانون ولائحته التنفيذية يتضح لنا الآتى:

- وضع القانون مادة أولى متعلقة بالنظام العام لا يجوز مخالفتها وهى مزاولة نشاط انتظار السيارات من خلال الترخيص المسبق من الجهات المختصة، فأشارت المادة الأولى من القانون إلى أنه: (لا تجوز مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات فى الشوارع الخاضعة لولاية المحافظات أو أجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلا بعد الحصول على رخصة مزاولة النشاط، ولدى أصحاب حق استغلال أماكن انتظار المركبات، وذلك كله وفقا للأحكام المنظمة فى هذا القانون)، وبناء عليه، فإن المشرع حظر ممارسة ذلك النشاط دون موافقة مسبقة من الجهات المعنية وبترخيص يستخرج منها.

- ألقى المشرع التزاما على الجهات المختصة بتكليف لجنة تقوم بهذا العمل تحت إشرافها ومتابعتها، حيث نصت المادة الثانية على أنه: (تنشأ بكل محافظة وجهاز مدينة تابع لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لجنة لتنظيم انتظار المركبات فى الشوارع الخاضعة لأحكام هذا القانون، ويشار إليها فى هذا القانون باللجنة المختصة، ومع مراعاة أحكام القانون رقم ٥٩ لسنة ١٩٧٩ فى شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة، يصدر بتشكيل اللجنة المشار إليها وتحديد المعاملة المالية لأعضائها قرار من المحافظ أو رئيس مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بحسب الأحوال، على أن تضم فى عضويتها ممثلين عن وزارة الداخلية)، فالمشرع ألزم المحافظات وأجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية بتشكيل لجان تختص بإدارة أماكن الانتظار.

- كلف المشرع تلك اللجان بتكليفات فى المادة الثالثة منها: [1] تتولى اللجنة تحديد الأماكن والأوقات التى يجوز فيها انتظار المركبات بالشوارع الخاضعة لولاية المحافظة، أو جهاز المدينة المختص بما لا يعوق حركة المرور، وبالتنسيق مع إدارة المرور المختصة.[2] إعداد كراسات الشروط الخاصة بحق استغلال أماكن الانتظار وفقا لأحكام قانون تنظيم التعاقدات التى تبرمها الجهات العامة الصادر بالقانون رقم ١٨٢ لسنة ٢٠١٨، مع مراعاة أن تتضمن تلك الشروط إمكانية استخدام التطبيقات التكنولوجية الحديثة فى الأماكن القابلة لذلك.[3] تحديد مقابل انتظار المركبات حسب المساحة والموقع الجغرافى فى الأحوال والأوقات التى يتقرر فيها هذا المقابل، مع مراعاة المستوى الاقتصادى لطبيعة المكان.[4] تحديد الضوابط والاشتراطات المتطلبة فى القائمين على العمل بتنظيم انتظار المركبات سواء لدى الشركات أو الأفراد.[5] منح رخصة مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات للأشخاص التابعين للشركات والأفراد.

- أشارت المادة الرابعة إلى أن تقدم طلبات استخراج رخصة مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات إلى اللجنة المختصة لتتولى فحصها واتخاذ القرارات فى شأنها، وأضافت اللائحة التنفيذية للقانون أنه يتم فتح ملف لطالب الترخيص ويأخذ رقما مسلسلا ويمنح إيصالا بذلك، ويتم فحص الملف فإذا تبين للجنة المختصة عدم استيفاء طالب الترخيص المستندات المطلوبة أخطرته على عنوانـه الثابت بالطلب خلال 30 يومـا من تاريخ تسلمه باستيفائها فى موعد غايته 15 يوما، وإلا حفظ الطلب، وفى حـالة موافقة اللجنة على طلب الترخيـص يخطر طالب الترخيـص خلال مدة لا تزيد على 15 يوما على عنوانه الثابت بالطلب لسداد رسـم الترخيص المقرر خلال مدة لا تزيد على 30 يوما، وتلتزم الجهة المختصة بتسليم الرخصة بعد سداد ذلك الرسم.

- تسرى الرخصة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، ويجب على المرخص له تقديم طلب التجديد خلال الشهر الأخير من مدة الترخيص، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون رسوم استخراج الرخصة بما لا يجاوز ثلاثة آلاف جنيه.

- تناولت المادة الخامسة من القانون رقم 150 لسنة 2020 الشروط الواجب توافرها فيمن يرخص له بمزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات وهى 6 شروط لممارسة مهنة السايس، وجاءت هذه الشروط كالتالى:[1] إجادة القراءة والكتابة، [2] ألا تقل سنه عن 21 سنة يوم تقدمه بطلب الترخيص للجنة المختصة، [3] أداء الخدمة العسكرية أو أعفى من أدائها قانونا، [4] لديه رخصة قيادة سارية، [5] يتقدم بشهادة صحية من الطب الشرعى، أو المعامل المركزية بوزارة الصحة تفيد عدم تعاطيه المواد المخدرة، [6] ألا يكون سبق الحكم عليه بعقوبة جناية أو فى جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو فى إحدى جرائم المخدرات أو التعدى على النفس ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.وأضافت اللائحة التنفيذية للقانون أن يتقدم بمؤهله الدراسى أو شهادة محو الأمية مع صورة بطاقة الرقم القومى أو جواز سفر سارٍ وصحيفة الحالة الجنائية.

- نصت المادة التاسعة من القانون على أنه مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد منصوص عليها فى أى قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من مارس نشاط تنظيم انتظار المركبات فى الشوارع الخاضعة لأحكام هذا القانون دون ترخيص، أو فى غير الأماكن المحددة لذلك، أو حصل مبالغ مالية من قائدی المركبات تجاوز القيمة المحددة بمعرفة اللجنة المختصة، وتضاعف العقوبة بحديها فى حالة العود. كما نصت المادة العاشرة على أنه: يُعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة بذات العقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون إذا ثبت علمه بها، وكان إخلاله بالواجبات التى تفرضها عليه تلك الإدارة قد أسهم فى وقوع الجريمة، وتكون الشركة (الشخص المعنوى) مسئولة بالتضامن عن الوفاء بما يُحكم به من عقوبات مالية وتعويضات. إذا قام أحد أصحاب السيارات المتضررين برفع دعوى قضائية ضد المسئولين عن إدارة الساحة أو موقف الانتظار.

- أشار القانون إلى بعض الأمور التنظيمية منها، جواز إلغاء الرخصة بقرار مسبب من اللجنة إذا تم تحصيل مبالغ مالية من قائدى المركبات تجاوز القيمة المحددة من اللجنة، وكذا يجوز للمحافظ أو لرئيس مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بحسب الأحوال، طرح حق الاستغلال لجميع أماكن الانتظار فى الشوارع الخاضعة لأحكام هذا القانون أو جزء منها للشركات أو الأفراد، وفقا لأحكام قانون التعاقدات التى تبرمها الجهات العامة المشار إليه، وذلك بما لا يتجاوز عشر سنوات، على أن تئول نسبة (٧٠٪) من حصيلة تلك الرسوم لمصلحة المحافظات وأجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ولا يجوز للشركات أو الأفراد أصحاب حق استغلال أماكن انتظار المركبات تحصیل فى مقابل انتظار من قائدى المركبات، بما يجاوز القيمة المحددة بمعرفة اللجنة المختصة.

ركن السيارة الخاصة فى الشوارع الرئيسية والمناطق التى تنظمها المحافظات:

لا شك فى أن هناك جدلا واسعا بشأن الشوارع العمومية والمسموح فيها بركن السيارات صفا واحدا بجوار الرصيف، فقد وضعت وزارة التنمية المحلية تنظيما لذلك الأمر بحيث لا يحدث تكدس فى الشوارع، لذا يحق لصاحب السيارة التى توضع بالشوارع أمام المسكن الخاص به طلب تصريح لحجز مكان انتظار السيارة أمام العقار الخاص به، وذلك من خلال تقديم طلب للإدارة المحلية المختصة ويضم الطلب الأوراق التالية: [1] صورة بطاقة الرقم القومى، [2] صورة رخصة السيارة(تقديم الأصل للاطلاع عليه مع الطلب)، وتقدم الطلبات إلى مكتب داخل الحى المختص يسمى المركز التكنولوجى لخدمة المواطنين، تتم معاينة المكان من قبل الحى خلال يومين من تقديم الطلب، وسداد رسوم الانتظار بالشهر، وهى مبلغ 300 جنيه تضاف إليها الضريبة، أو تدفع لمدة سنة كاملة- نقدا أو بالفيزا- حيث يقوم الحى بإصدار إيصال ولافتة باسم المشترك ووضعها مكان حجز السيارة، ويتم وضع حواجز بمكان حجز انتظار السيارة لمنع وقوف سيارات أخرى، على أن يتحمل المواطن تكاليف الحواجز ويشترى الحواجز بنفسه، وتسرى الرخصة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.

ختاما، فنحن نتطلع لمجتمع راق، وشوارع نظيفة، وأحياء جميلة، واستغلال جيد لموارد الدولة بحيث تصرف العوائد الناتجة عن استثمار تطبيق قانون انتظار المركبات فى خدمة المواطن، وإحياء الشوارع والأحياء، وضبط سير العمل بها، ومنع البلطجة، وفرض السطوة من خلال الخارجين عن القانون.

طباعة

    تعريف الكاتب

    لواء د. خالد مصطفى فهمى

    لواء د. خالد مصطفى فهمى

    أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة والجامعات المصرية ورئيس قسم حقوق الإنسان بجامعة السلام