دراسات

ماهيــة ودور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان

طباعة

نوقشت مسألة إنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لأول مرة فى المجلس الاقتصادى والاجتماعى عام 1946، أى قبل صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بنحو عامين؛ حيث دعا المجلس الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة إلى النظر فى إنشاء مجموعات إعلامية أو لجان محلية لحقوق الإنسان داخل كل دولة لتتعاون مع لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التى أنشئت عام 1946. مع التطورات الحاصلة فى المعايير الدولية لحقوق الإنسان، تزايد التركيز على الطرق التى يمكن أن تساعد بها هذه المؤسسات الوطنية على التنفيذ الفعال لتلك المعايير التى تمثل مجموعة من الصكوك الدولية ومنها العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى. بناء على ذلك، قررت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تنظيم حلقة دراسية عام 1978، أسفرت عن وضع مبادئ توجيهية من أجل تشكيل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وأداء عملها. وقد أيدت اللجنة والجمعية العامة للأمم المتحدة هذه المبادئ فيما بعد، ودعت الجمعية الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة إلى اتخاذ خطوات مناسبة لإنشاء هذه المؤسسات، وطلبت من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير تفصيلى بشأنها.

تشير هذه المبادئ إلى أنه يجب أن تكون وظائف المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على النحو التالى:
-  أن تعمل كمصدر تستقى منه حكومة الدولة وشعبها المعلومات عن حقوق الإنسان.
-  أن تنظر فى أى حالة معينة تتعلق بحقوق الإنسان قد ترغب الحكومة فى إحالتها إليها، وأن تتدبر فيها وتتقدم بتوصيات بشأنها.
- أن تدرس وضع التشريعات والقرارات القضائية والترتيبات الإدارية الخاصة بتعزيز حقوق الإنسان، وأن تبقيها قيد المراجعة، وأن تعد التقارير عنها، وتقدمها إلى السلطات المختصة.
- أن تعمل بانتظام، وأن تكون سبل الوصول إليها متاحة لأى شخص من الأشخاص أو أى سلطة عامة.
-  أن تكون لديها فى الحالات الملائمة أجهزة استشارية محلية أو إقليمية لمساعدتها على أداء وظائفها.
وعقدت حلقة عمل بشأن المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان فى باريس عام 1991 بدعوة من لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان؛ حيث أقرت اللجنة فى القرار رقم 1992/54 جملة من المبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية، المعروفة بمبادئ باريس، التى تبنتها بعد ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة فى قرارها رقم 48/134 الصادر فى 20 ديسمبر 1993.

عَرفت المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بعد ذلك تطورا ملحوظا منذ انعقاد المؤتمر العالمى لحقوق الإنسان عام 1993 فى فيينا؛ حيث كان هذا المؤتمر نقطة تحول بالنسبة للمؤسسات الوطنية، فلأول مرة اعترف رسميا بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المتماشية مع مبادئ باريس بوصفها عناصر فاعلة ومهمة وبناءة فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وجرى رسميا تشجيع إنشائها وتعزيزها. وعمل المؤتمر أيضا على تدعيم شبكة المؤسسات الوطنية المنشأة فى باريس عام 1991، ووضع الأسس للمنظمة التى خلفتها، وهى لجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
أكد هذا المؤتمر الكثير من المبادئ المهمة التى من بينها تلك المتعلقة بعدم قابلية تجزئة حقوق الإنسان، والنص على ضرورة ترابطها، إضافة إلى وضع جدول أعمال طموح لحقوق الإنسان فى القرن الحادى والعشرين. أما فيما يتعلق بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، فقد جدد المؤتمر تأكيد الدور المهم والبناء الذى تؤديه هذه المؤسسات من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان، لا سيما ما تؤديه من وظيفة استشارية لدى السلطات المختصة، وما تقوم به من دور فى علاج انتهاكات حقوق الإنسان، وفى نشر المعلومات، وكذا التعليم فى هذا المجال.

وقد عُقدت حلقة عمل ثانية بعد ذلك خاصة بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى تونس عام 1993؛ حيث اجتمع ممثلو عدة مؤسسات وطنية من جميع أنحاء العالم، وناقشوا عددا من الموضوعات ذات الأهمية المشتركة من بينها العلاقات بين الدولة والمؤسسات الوطنية وفيما بين المؤسسات الوطنية ذاتها، وكذا بينها وبين لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. كما اعتمدت الحلقة عددا من التوصيات، من أهمها دعوة المؤسسات الوطنية إلى اتخاذ عدد من التدابير لكفالة توحيد مراكزها وأنشطتها مع المبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية.
وأعادت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عام 2005 فى قرارها رقم 2005/74 تأكيد أهمية إنشاء وتعزيز مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان تتصف بأنها مستقلة وتعددية، وتتفق مع مبادئ باريس، مع أهمية تعزيز التعاون فيما بينها.

أولا ــ ماهية المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان:
يمكن تعريف المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بأنها مؤسسات منشأة بموجب قرار من رئيس الجمهورية أو إحدى الجهات المختصة بالدولة، وتعمل وفق مبادئ باريس، وتختص بتعزيز وحماية حقوق الإنسان من خلال تقديم آراء وتوصيات ومقترحات وتقارير ذات صفة استشارية إلى الجهات الرسمية بالدول، وتعمل على حث الدول إلى الانضمام والتصديق على الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان، كما تسعى لمواءمة القوانين الداخلية للدولة مع التزاماتها بموجب انضمامها إلى الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان. كما تعد المؤسسات الوطنية من العوامل المساعدة على تحقيق وكفالة احترام حقوق الإنسان استنادا إلى الدور الذى تؤديه فى علاج انتهاكات تلك الحقوق، وهو دور حيوى وأساسى لتعزيز وكفالة حقوق الإنسان فى العالم، وجعل الرأى العام العالمى يشعر بحقوق الإنسان ويهتم به.
وتُعرف كذلك بأنها هيئات تنشئها الدول بموجب الدستور أو بمقتضى قانون أو مرسوم، مهمتها -على وجه الخصوص- القيام بتعزيز وحماية حقوق الإنسان على المستوى الوطنى، ويشمل دورها عموما التصدى للتمييز بجميع أشكاله، وكذلك دعم الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وهى جزء من جهاز الدولة وتقوم الدولة بتمويلها.
وتعد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فريدة، وهى لا تشبه أى جهة أخرى من الجهات التابعة للدولة؛ فهى لا تخضع للسلطة التنفيذية، أو السلطة التشريعية، أو السلطة القضائية، رغم أنها تعد مسئولة أمام السلطة التشريعية بشكل مباشر أو غير مباشر، كما أنها غير قريبة من الحكومة على الرغم من أنها تقوم بتمويلها بشكل خالص أو بشكل أساسى.
والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ليست منظمات مجتمع مدنى، فهى مؤسسات لها أساس قانونى نظامى ومسئوليات قانونية خاصة كجزء من جهاز الدولة. ويتضح الفرق بين المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدنى فيما يخص التحقيق فى الشكاوى؛ حيث تبحث الأولى عن الحقيقة بشكل محايد، ولا تنحاز إلى أى جانب، فأى مؤسسة وطنية لا بد من أن تكون مستقلة عن منظمات المجتمع المدنى تماما، كما يجب أن تكون مستقلة عن الحكومة. وفى مجال التحقيق، ربما تؤدى أى مؤسسة وطنية عملها داخل إطار محدد قانونا، ويجب أن تمتثل للمبادئ العامة للعدالة وسيادة القانون.
وتعد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان عنصرا رئيسيا فى أى نظام وطنى لحقوق الإنسان، كما تعد أيضا «الجسر» الممتد بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى، فهى تربط بين مسئوليات الدولة وحقوق المواطنين، وهى تصل القوانين الوطنية بالنظم الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان. كما تقوم المؤسسات الوطنية فى أحيان كثيرة بانتقاد الإجراءات التى تتخذها الحكومات التى أنشأتها ومولتها، وذلك لا يثير أى نوع من الدهشة، نظرا لأن الدول كثيرا ما تكون الهدف للشكاوى الخاصة بحقوق الإنسان.

ثانيا ــ أنواع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان:
تتنوع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تنوعا كبيرا حتى لا تكاد مؤسسة تُطابق أخرى، وليست هناك تسمية موحدة، كما لا يوجد نموذج موحد لها، فهى تحمل أسماء مختلفة، منها: لجنة حقوق الإنسان، ومعهد حقوق الإنسان، ومركز حقوق الإنسان، وأمين المظالم، والمحامى البرلمانى، وحامى المواطنين، والمفوض.
ويحق للدول وفقا لإعلان وبرنامج عمل فيينا، أن تختار الإطار الذى يناسبها على أفضل وجه، مع مراعاة المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن مبادئ باريس قد وضعت المعايير الدنيا فيما يخص أدوار المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومسئولياتها، فإنها لا تفرض نماذج أو هياكل معينة، وتتطور حاليا بشكل كبير إلى هياكل مؤسسية مختلفة، وتوجد اختلافات كثيرة بقدر ما توجد مناطق جغرافية وأعراف قانونية.
هناك أنواع مختلفة من المؤسسات الوطنية بالمعنى العام للمفهوم، فمراجعو الحسابات العامون وأمناء المظالم التقليديون الذين يمارسون ولايات خاصة بحقوق الإنسان فى قوانينهم التأسيسية ينتمون إلى مؤسسات وطنية مستقلة قد تتناول مسائل حقوق الإنسان فى أعمالها، لكنها ليست مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان. من ناحية أخرى، تقع على مؤسسات أمناء المظالم فى كثير من الأحيان بعض المسئوليات المحددة ذات الصلة بحقوق الإنسان.
ومن خلال قراءة القانون التأسيسى والولاية الممنوحة لأى مؤسسة وطنية، يمكن تحديد ما إذا كانت هذه المؤسسة هى بالفعل مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان أم لا. وبهذا تتخذ بعض مؤسسات أمناء المظالم موقف القادر على معالجة مسائل حقوق الإنسان من الناحية العملية، حتى إذا كانت لدى الدولة مؤسسة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، وفى مثل هذه الحالات، يجب تشجيع المؤسسات للعمل معا تجنبا لأى ازدواجية أو التباس.
ويعد نموذج مؤسسة أمين المظالم شائعا فى أوروبا الشرقية، وأمريكا الوسطى، وأمريكا الجنوبية، ودول الكومنولث، ويوجد اعتراف متزايد بدور اللجان الوطنية لحقوق الإنسان ومؤسسات أمناء المظالم فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان على المستويات الوطنية، والإقليمية، والدولية، ويتم تشجيع زيادة التعاون بين هذه المؤسسات والشبكات الإقليمية لحقوق الإنسان، وكذلك بينها وبين منظومة الأمم المتحدة.
فى بعض الأحيان، يوجد لدى بعض الدول أكثر من مؤسسة وطنية واحدة تتولى مسئوليات خاصة بحقوق الإنسان. وفى بعضها الآخر، قد يفرض الإطار الدستورى أو القانونى تكليفات معينة تتعلق بمناطق جغرافية مختلفة. وتوجد فى دول أخرى، مؤسسات وطنية تضطلع بمسئوليات ذات قضايا نوعية، ومنها حقوق المرأة، وحقوق الطفل، وحقوق الأقليات. وبالتأكيد، فإن وجود مؤسسة وطنية موحدة لحقوق الإنسان ولديها صلاحيات واسعة النطاق للتعزيز والحماية تمثل أفضل نموذج، وهو الموصى به عند النظر فى إقامة مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وفقا لمبادئ باريس.

1- لجان حقوق الإنسان:
أُنشئت فى كثير من الدول لجان لكفالة تطبيق القوانين واللوائح الخاصة بحماية حقوق الإنسان وتطبيقها تطبيقا فعالا، تعرف عادة بلجان حقوق الإنسان. تعمل هذه اللجان بشكل مستقل عن أجهزة الحكومة على الرغم من أنها تكون مطالبة بتقديم تقاريرها سواء لرئيس الجمهورية أو إلى رئيس الحكومة أو إلى السلطة التشريعية؛ حيث أنشئت بموجب قانون صادر عن البرلمان، وتتكون اللجان بصفة عامة من شبكة أعضاء واسعة، ومن خلفيات متنوعة تماشيا مع مبدأ الاستقلالية، ومع ضرورة كفالة التمثيل العددى، وهو من المعايير الأساسية فى مبادئ باريس. ويعمل الأعضاء إما بدوام كامل أو بدوام جزئى، فيما يكون منصب المفوض الرئيسى أو رئيس اللجنة منصبا متفرغا، وقد تكون لكل دولة اشتراطاتها أو قيودها المحددة فى اختيار الأعضاء.
وتهتم لجان حقوق الإنسان أساسا بحماية المواطنين ضد التمييز، وبحماية حقوق الإنسان بصفة عامة، وتهتم بعض اللجان بالادعاءات المتعلقة بانتهاك أى حقوق نص عليها الدستور، أو حالات التمييز بأنواعها التى تشمل التمييز بحسب اللون، والدين، والجنس، والأصل العرقى أو الوطنى، والتوجه الجنسى، والمعتقدات الثابتة وما شابهها. وللجان حقوق الإنسان العديد من الوظائف، ولعل أهمها يتمثل فيما يلى:
- تسلم الشكاوى الواردة من الأفراد والتحقق منها، أو من حين لآخر الواردة من الجماعات التى تدعى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان المخالفة للقانون الوطنى القائم.
- المراجعة الدورية لسياسة الحكومة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان لاكتشاف مواطن الضعف فيها، وتقديم اقتراحات حول سبل تطويرها.
- الارتقاء بوعى المجتمع فى مجال حقوق الإنسان، وقد تشمل عملية التطوير والتثقيف الخاص بحقوق الإنسان الإعلام بأهداف ومهام اللجنة وإثارة المناقشات وتنظيم الندوات.

وتشترك نماذج المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان القائمة على «اللجان» فى الصفات الآتية:
- أنها مؤسسات رسمية لها ولاية صريحة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ويتمتع الكثير منها بولاية واسعة النطاق، فيما يتمتع بعضها الآخر بولاية ضيقة تتركز على قضايا مواضيعية، مثل حقوق الطفل أو حقوق المرأة.
- يرؤسها رئيس وعدد من الأعضاء المتفرغين أو بدوام جزئى، وهم صانعو القرار فى اللجنة.
- الكثير منها يستطيع تلقى شكاوى من الأفراد ( الوظيفة شبه القضائية وفقا لمبادئ باريس).
- الكثير منها يتمتع بسلطة إصدار التوصيات فى إطار القيام بتحقيق ما.

2- مؤسسات أمناء المظالم:
عُرف نظام أمين المظالم أو (الأمبودسمان) لأول مرة فى العصر الحديث فى السويد عام 1809، عندما تضمن الدستور قرارا بتعيين أمين للمظالم فى السويد التى كانت أول دولة ينشأ بها مثل هذا النظام، ثم امتدت الفكرة بعد ذلك إلى الدول الإسكندنافية، ثم انتشرت فى كثير من دول العالم المختلفة التى أنشأت بدورها مكاتب مماثلة للأمبودسمان. ويتركز عمل أمناء المظالم على استخدام الوساطة والمساعى الحميدة للتحقيق فى الشكاوى وإيجاد حلول لها.
تستند المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، التى تتجسد فى صورة أمناء المظالم، لا سيما فى أمريكا الوسطى، وأمريكا الجنوبية، وأوروبا الشرقية، وبعض الدول الإفريقية، إلى رئيس واحد للمؤسسة، وتعمل هذه المؤسسات على تعزيز وحماية حقوق الإنسان أيضا. وتختلف الدول فى تسمية هذه المؤسسات الواردة فى هذه الفئة، أى أمين المظالم، مثل محامى الشعب، والمدافع عن الشعب ووسيط الجمهورية... إلخ. ويعتمد هذا النموذج على الشهرة والنزاهة والقيادة من شخص أمين المظالم نفسه، وكذلك السلطة التى يمارسها فى المجتمع.

وتتسم مؤسسات أمناء المظالم بما يأتى:
- بأنها مؤسسات رسمية يعهد إليها بولاية تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
- يقوم البرلمان بناء على سلطة دستورية، أو من خلال تشريع خاص بتعيين أمين المظالم.
- تخضع عادة لرئاسة عضو واحد، وهو صانع القرار بالمؤسسة، كما يوجد فى بعضها نواب.
- يُعهد إليها بولاية لتتناول أساسا مسائل حقوق الإنسان بصفة عامة، على الرغم من أنها قد تتخصص فى موضوعات متخصصة فى حقوق الإنسان كحقوق المرأة، أو الطفل، أو الأشخاص ذوى الإعاقة.
- تحقق فى موضوعات حقوق الإنسان، كما أنها تستطيع تلقى الشكاوى الفردية.
- يقوم مكتب أمين المظالم خاصة على تلقى الشكاوى من الأفراد، والتحقيق فى هذه الشكاوى، شريطة أن يكون مما يدخل فى اختصاصات أمين المظالم وذلك باتباع الإجراءات المقررة لذلك، وما يتاح له من وسائل للقيام بذلك كإتاحة سبل الاطلاع على وثائق جميع السلطات العامة، أو إجبار الشهود بما فيهم المسئولون الحكوميون على تقديم المعلومات، وبعد ذلك يصدر بيانا أو توصيات بناء على هذا التحقيق، ويحال هذا البيان عموما إلى مقدم الشكوى، وكذلك إلى المكتب والسلطة موضوع الشكوى، بحيث يجوز لأى مواطن انتهكت حقوقه أن يتقدم بشكوى إلى أمين المظالم، إلا أن بعض البلدان تقتضى أن يكون الشاكى قد استنفد جميع سبل الانتصاف القانونية والإدارية البديلة.
- يقتصر نشاطها عموما على تقديم التوصيات، وقد عُهد إليها بعد ذلك بسلطة التوجه إلى المحاكم العادية أو الهيئات القضائية المتخصصة فى حالات محددة؛ حيث تكون توصياتها قد قُوبلت بالإهمال أو الرفض.

أما فى حالات أمناء المظالم الذين يتمتعون بصلاحيات تقديم التوصيات، فقد تتسم بمزيد من المرونة والسرعة فى معالجة الشكاوى، وفيما يجب أن تكون قراراتهم معللة بالأسباب ومدعومة بالأدلة، فإنها بوجه عام ليست ملزمة.
ويعمل وجود عضو واحد فى رئاسة المؤسسة على تعقد الاشتراطات المتعلقة بالتعددية، كما أنه يقلل من مصداقية المؤسسة بين قطاعات المجتمع. وهناك طرق للالتفاف على ذلك بوجود هيئات أو مجالس استشارية. وقد تأكد هذا الأمر من خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 63/169 والصادر عام 2008 بشأن دور أمين المظالم والوسيط والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان. وفى هذا القرار، أكدت الجمعية العامة أهمية الإدارة الذاتية والاستقلال لأمين المظالم والوسيط والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وشجع القرار الدول الأعضاء بالأمم المتحدة على النظر فى إنشاء أو تعزيز الإدارة الذاتية والاستقلالية لأمين المظالم والوسيط والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ووضع آليات للتعاون بين هذه المؤسسات بهدف تنسيق إجراءاتها وتعزيز إنجازاتها وتبادل الدروس المستفادة.

تتمثل الوظيفة الأساسية لهذه المؤسسة فى وجوب تأكدها من مراعاة الإنصاف والإجراءات القانونية فى الإدارة العامة؛ حيث يقوم مكتب أمين المظالم على الأخص بحماية حقوق الأفراد الذين يعتقدون أنهم ضحية لإجراءات ظالمة من جانب الإدارة العامة، ومن ثم فإن أمين المظالم يعمل فى كثير من الأحيان كوسيط نزيه بين الفرد المظلوم والحكومة.

3- المؤسسات المختلطة:
المؤسسات الوطنية المختلطة لحقوق الإنسان هى مؤسسات رسمية يُعهد إليها بولايات متعددة، وهى تتناول بالأساس حقوق الإنسان، إلا أنها قد تتناول موضوعات أخرى مثل مكافحة الفساد والحفاظ على البيئة. هذه المؤسسات عادة ما تشترك فى حمل صفات المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان «شبيهة بأمين المظالم»، أى إنها تخضع لرئاسة شخص واحد، كما أنها تتمتع بولاية كاملة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، كما تعمل على تعزيز الترابط وتستطيع العمل بشكل تعاونى أكثر فيما يتعلق بالشكاوى الفردية. وتنبع معوقات هذه المؤسسات من صعوبة تناول ولاية متعددة بشكل فعال، ووضع حقوق الإنسان على قدم المساواة نفسها مع الموضوعات الأخرى كمكافحة الفساد والحفاظ على البيئة.

4- الهيئات الاستشارية:
تتجه الهيئات الاستشارية إلى أن تكون عضويتها واسعة النطاق وبالغة التعددية، مع مشاركة من كثير من قطاعات المجتمع. فى حين أنها تتمتع بولاية تعزيز وحماية حقوق الإنسان، إلا أنها قد لا تقوم جميعها بالتحقيق فى الشكاوى الفردية. وتتجه الهيئات الاستشارية إلى التركيز على إسداء المشورة إلى الحكومة بشأن القضايا الرئيسية لحقوق الإنسان، كما أنها تُقدم توصيات، وممارسة ولاية واسعة فى المجالات البحثية والاستشارية ذات الصلة بحقوق الإنسان.

5- المعاهد والمراكز:
تندرج بعض المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تحت فئة «المعاهد» أو «المراكز»، وتميل شأنها شأن الهيئات الاستشارية إلى تضمينها لعضوية واسعة النطاق تشكل طائفة واسعة من ممثلى المجتمع، وهى تختلف عن الهيئات الاستشارية فى أن العضوية الواسعة النطاق عادة لا تشارك مباشرة فى صنع القرار الذى يُترك لموظفين فنيين، لكنها تضع إطار السياسة العامة التى تعمل المؤسسة من خلالها، كما تميل إلى التركيز أكثر على البحوث ذات الصلة بحقوق الإنسان.

6- المؤسسات المتعددة:
هناك ظاهرة شائعة بدأت تتزايد فى عدد من الدول، وهى وجود مؤسسات متعددة فى الدولة نفسها، وتكون مسئولة عن تعزيز حقوق معينة وحمايتها مثل حقوق المرأة أو حقوق الطفل. ويجب أن يكون هناك تنسيق بين هذه المؤسسات، حتى يمكن استخدام سلطاتها وصلاحياتها بطريقة تكفل تعزيز وحماية حقوق الإنسان. وأكد التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أنه عند التعامل مع مؤسسات وطنية متعددة، يجب أن تكون هناك استراتيجيات واضحة لتحسين التعاون ومنها مذكرات التفاهم، أو الاتفاقات المشتركة لمعالجة أوجه التداخل فى الاختصاصات ومعالجة الشكاوى والمسائل ذات الصلة بحقوق الإنسان.
وتتمتع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بعدد من المزايا، فهى تُمكّن الدول من الوفاء بالتزاماتها الدولية فى مجال حقوق الإنسان. وتنال المؤسسات الوطنية سلطاتها من الدولة، وهذه الصفة الرسمية تمنحها شرعية وصلاحيات لأداء مهامها، كما تتاح للمؤسسات الوطنية سبل الاتصال بالحكومة وبصانعى السياسات، كما يُستمع أيضا لتوصياتها حتى ولو لم تتخذ إجراءات بشأنها. وتشغل المؤسسات الوطنية مكانا فريدا يجعلها تصل الحكومة بمنظمات المجتمع المدنى، وتشجع توفير نقطة محايدة للاجتماع وإجراء حوار وتيسير التعاون بين الجانبين. ولأن المؤسسات الوطنية لا تتصف باتساق محدد أو مصلحة ذاتية غير المصلحة العامة، فهى تعد فى وضع مثالى يؤهلها لأن تتولى تقديم رسالة متوازنة بشأن الحقوق التى يجب أن يتمتع بها المواطنون.

ثالثا ـ وظائف المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان:
تقوم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بعدد من الأدوار وفقا لما هو منصوص عليه فى مبادئ باريس كالتالى:

1- تعزيز حقوق الإنسان:
يعد تعزيز حقوق الإنسان وظيفة أساسية للمؤسسات الوطنية ذات الصلة بهذا الشأن، وعنصر أساسى فى مبادئ باريس، ويعنى نشر المعلومات والمعرفة لعامة الجمهور، فضلا عن فئات مستهدفة، محددة، كما أنه يسعى إلى إيجاد ثقافة خاصة بحقوق الإنسان لكى يتقاسم كل فرد فى المجتمع القيم التى تنعكس فى الإطار القانونى لحقوق الإنسان على المستويين الدولى والوطنى، وأن يتصرف وفقا لذلك.
من المبادرات التى تقوم بها المؤسسات الوطنية فى إطار وظيفة التعزيز ما يلى:

أ- التثقيف فى مجال حقوق الإنسان:
ينص العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى المادة 14، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فى المادة 10، على أن التثقيف فى مجال حقوق الإنسان هو التزام من الالتزامات الدولية، وتتضح هذه الالتزامات من إعلانات وبرامج العمل التى استقرت عليها المؤتمرات العالمية ومنها مؤتمر فيينا عام 1993.
وإذا كان التثقيف التزاما من التزامات الدولة، فإنها تسعى جاهدة للقيام بذلك، وتعد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أداة فعالة لذلك؛ حيث تقوم هذه المؤسسات بالمساعدة على صياغة مبادرات التعليم والتدريس فى مجال حقوق الإنسان فى المدارس والجامعات، والقيام بمبادرات الوعى العام، ومنها الحملات والدورات التدريبية والمؤتمرات، وكذلك القيام بإصدار منشورات كالكتيبات الإعلامية والتقارير السنوية، والقيام بحلقات دراسية وورش عمل بوصفها وسيلة لبحث وتعزيز فهم أفضل لحقوق الإنسان. وتعد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بمنزلة مستودع معرفة أو سجل محفوظات وطنى لوثائق حقوق الإنسان، وغيرها من الوثائق التى لها آثار رئيسية على حقوق الإنسان.

ب- ضمان التناسق بين المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتشريع الوطنى:
تنص الفقرة الثالثة من مبادئ باريس على أنه: «على المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تعزيز وضمان التناسق بين التشريع واللوائح والممارسات الوطنية مع الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التى تعد الدولة طرفا فيها والعمل على تنفيذها بطرق فعالة».
فحقوق الإنسان، وإن كانت ذات طبيعة عالمية، أو دولية، أو إقليمية، فإن مسئولية احترامها وتعزيزها تكون على المستوى الداخلى، وتقع على عاتق السلطات التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، وتساعد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على كفالة تنفيذ الالتزامات الدولية على المستوى الوطنى، وتقوم فى هذا الشأن بما يلى:
- تنسيق التشريعات واللوائح والممارسات على المستوى الوطنى مع الصكوك الدولية التى تعد الدولة طرفا فيها.
- تشجيع التصديق أو الانضمام إلى اتفاقات حقوق الإنسان التى لم تنضم إليها الدولة.
- سحب التحفظات التى تكون الدولة قد سجلتها على بعض مواد الاتفاقات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان.

2- حماية حقوق الإنسان:
تنص مبادئ باريس على أن تقوم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بحماية حقوق الإنسان، ويتطلب جانب الحماية أن تكون للمؤسسات الوطنية سلطة إجراء التحقيق ورصد حالة حقوق الإنسان، وفى كثير من الحالات قبول الشكاوى الفردية والتحقيق فيها، وتتركز ولاية الحماية على سيادة القانون، وإقامة العدل، ومكافحة الإفلات من العقوبة.
وتعد المؤسسات الوطنية أداة فعالة فى دعم إصلاح القانون، وتعزيز المؤسسات القضائية والأمنية بما فى ذلك نظام الشرطة والسجون، فتقوم المؤسسات الوطنية بدعم الامتثال للمعايير الدولية والمعاونة فى ضمان أن تتفق إقامة العدل مع معايير حقوق الإنسان، وتقديم سبل انتصاف فعالة خاصة للأقليات. وتركز أنشطة الحماية الأساسية فى المقام الأول على منع التعذيب، والاحتجاز، وزيارة السجون، وأماكن الاحتجاز بشكل معلن، وطلب إجراء مقابلات شخصية على انفراد مع المحتجزين.

أ- رصد حقوق الإنسان:
يعد الرصد جانبا أساسيا من الولاية العامة للحماية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. ويشير الرصد إلى نشاط الملاحظة وجمع البيانات وفهرستها وتحليلها والإبلاغ عن حالة أو وقوع حادثة متعلقة بالانتهاكات. ويعد الهدف من الرصد توثيق انتهاكات حقوق الإنسان بهدف التوصية باتخاذ إجراء تصحيحى أو إجراء وقائى وتثقيفى. إن تقرير الرصد هو فى الأساس سرد لما جرت ملاحظته إما بشكل مباشر من المؤسسة الوطنية أو بما ذكره آخرون. وتعد المعايير التى تهتدى بها المؤسسات الوطنية فى إعداد تقرير الرصد عادة أقل قوة من تلك التى تهتدى بها عندما تقوم بالتحقيق فى الشكاوى.
من المبادئ التى ينبغى أن تحكم الطريقة التى ينفذ بها رصد حالة حقوق الإنسان هى المصداقية والسرية، وأن تتمتع المؤسسات الوطنية بسلطة جمع المعلومات والأدلة التى تحتاج إليها لأداء هذه الوظيفة بفعالية ومنها سلطة إجبار الشهود على الحضور وتقديم الأدلة، وسلطة زيارة جميع أماكن الحرمان من الحرية... إلخ، وعلى الدول -بطبيعة الحال- أن توفر للمؤسسات الوطنية الموارد المالية والبشرية اللازمة للقيام بهذا الدور.

ب- التحقيق فى انتهاكات حقوق الإنسان:
ترتكز أعمال الحماية على سلطة إجراء التحقيق، بيد أنه يجب القول إن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ليست بديلا عن مسئولى إنفاذ القوانين، أو أنها تؤدى وظيفة السلطة القضائية بشكل خاص.
وتُجرى التحقيقات بطريقة محايدة لا تحابى الشاكى أو المدعى عليه، فالتحقيقات تجمع المعلومات حول ادعاءات انتهاك حقوق الإنسان وتسعى إلى التوصل إلى قرار حول ما حدث بالفعل، وما إذا كانت الادعاءات تستند إلى أسس جيدة، ويبدأ التحقيق عادة بادعاءات عمل معين، أو الامتناع عن عمل قد حدث، وأن مستوى التمتع بحق معين يتعرض للخطر. فالهدف من أى تحقيق هو الإجابة عن سؤالين: هل حدث انتهاك لحقوق الإنسان؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن المسئول عن الانتهاك؟
وتشير مبادئ باريس إلى بعض الصلاحيات التى ينبغى أن تتوافر للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى هذا الإطار ومنها القيام بجميع التسهيلات لأداء هذه المهمة بالاطلاع على كل الوثائق والاتصال بجميع الأشخاص اللازمة لإجراء التحقيق. وتقوم المؤسسات الوطنية بهذه المهمة بعد قبول القضايا وتقرير ما إذا كانت الشكوى مقبولة لإجراء التحقيق، وما إذا كانت تقع فى نطاق اختصاصها ثم التحقيق فيها بجمع وتحليل الأدلة، ثم تتخذ المؤسسة قرارا رسميا بشأن الشكوى وجميع الإجراءات الموالية لضمان احترام القرار، كما يجوز لها التحقيق فى الشكاوى والالتماسات المتعلقة بحالات فردية.
ما نخلص إليه هو أن التحقيق يعد وظيفة مهمة لجميع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، فمن خلال التحقيق تكون أى مؤسسة وطنية قادرة على أن تحمى بشكل مباشر الأفراد من انتهاكات حقوق الإنسان، كما أن وجود آلية وطنية تتمتع بسلطة التحقيق فى التجاوزات وتوفير الإغاثة للضحايا يعد رادعا قويا للسلوك الانتهاكى، ومؤشرا واضحا لالتزام الحكومة بحقوق الإنسان ورغبتها فى النهوض بالتزاماتها الدولية والمحلية بجدية.
لهذه الأسباب، يجب على أى مؤسسة وطنية أن تتفهم دورها فى التحقيق، ويتوقف نجاح أى مؤسسة وطنية فى الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالتحقيق أيضا بشكل مباشر على كون تمتعها بالصلاحيات والموارد الضرورية لتنفيذ الوظيفة بشكل فعال وبكفاءة، وهذا التزام من طرف الدولة.

3- إسداء المشورة للحكومات والبرلمانات:
تقع على عاتق المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان -وفقا لمبادئ باريس- مسئولية إسداء المشورة إلى الحكومة والبرلمان وسائر السلطات، وذلك بتقديم الآراء والمقترحات والتوصيات والتقارير.
وتنص مبادئ باريس على أنه يجوز للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أن تسدى المشورة إما بناءً على طلب معين أو بمبادرة خاصة منها، وتعد هذه المشورة مصدرا حيويا وجاريا من السياسة العامة والمعلومات القانونية بشأن طائفة واسعة ومتنوعة من موضوعات حقوق الإنسان. وتستطيع المؤسسات الوطنية أن تعزز الحوار، وتيسر التعاون مع الحكومة والبرلمان؛ حيث يساعد ذلك على إيجاد ثقافة قوية خاصة بحقوق الإنسان.
ويتضمن جزء محدد ومهم من هذه المشورة التصديق على الاتفاقات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وإلغاء التحفظات، وإدراج الحقوق فى التشريعات الوطنية.

4- التعاون والتنسيق:
إن التعاون والتنسيق من المتطلبات المنصوص عليها فى مبادئ باريس. فوفقا لهذه الوظيفة، يجب أن تتعاون المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان مع المؤسسات الأخرى، وأن تتقاسم المعلومات معها؛ حيث تقوم فى هذا الشأن بإنشاء علاقات مناسبة ومثمرة فيما بينها وبين مختلف الآليات الخاصة بحماية حقوق الإنسان، ويشمل ذلك الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى وغيرها.

أ- التفاعل مع النظام الدولى لحقوق الإنسان:
عندما تصدّق دولة -أو تنضم- إلى معاهدة لحقوق الإنسان، فإنها تصبح دولة طرفا فيها، وتتعهد بالالتزامات القانونية المبينة فيها، وتنص المعاهدات على إنشاء لجان دولية تتكون من خبراء ومستقلين لرصد تنفيذ أحكامها فى تلك الدول التى صادقت عليها وانضمت إليها، ولبلوغ هذه الغاية تقدم الدول تقارير إلى هيئات المعاهدات تتعلق بتنفيذ الالتزامات المنصوص عليها فى المعاهدة.
هنا، تستطيع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أن تحسن عملية الإبلاغ، وذلك بالتعاون مع المسئولين عن إعداد التقارير إما بالإسهام فى التحليلات أو استعراض المسودات الأولية والتعليق عليها، وكذا بتوفير المعلومات إلى هيئات المعاهدات. وفى المقابل تستخدم المؤسسات الوطنية توصيات وتعليقات المعاهدات للاسترشاد بها فى وضع خطط عملها.
 أما عن تفاعل المؤسسات الوطنية مع مجلس حقوق الإنسان والاستعراض الدورى الشامل، فإنها تضطلع بدور واضح فى إطار مجلس حقوق الإنسان، مثل الإدلاء ببيانات شفوية فى إطار بنود جدول أعمال المجلس، وفيما يخص آلية الاستعراض الدورى الشامل وهى إحدى آليات مجلس حقوق الإنسان، التى تعد عملية فريدة تنطوى على استعراض سجلات حقوق الإنسان الخاصة بجميع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة مرة كل أربع سنوات ونصف السنة، وتوفر فرصة لجميع الدول لإعلان الإجراءات التى اتخذتها لتحسين أحوال حقوق الإنسان والتغلب على التحديات التى تواجه التمتع بحقوق الإنسان... إلخ، وتقوم المؤسسات الوطنية بالتعاون معها من خلال:
- حضور جلسات الاستعراض الدورى الشامل.
 - الإدلاء بتعليقات عامة قبل اعتماد تقرير الفريق العامل فى جلسة عامة.
- المشاركة فى متابعة تنفيذ التوصيات التى تصدرها الآليـــــة.

ب- التعاون مع المؤسسات الوطنية الأخرى والشبكات الإقليمية المعنية لحقوق الإنسان:
يتم تشجيع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المنشأة حديثا ودعمها فى إقامة اتصالات مع المؤسسات الوطنية الأخرى القائمة والشبكات الإقليمية لحقوق الإنسان؛ حيث يساعد الحوار المنتظم مع هذه المؤسسات والشبكات على أن تفهُّم المؤسسة الوطنية الجديدة أن المشكلات التى تواجهها مشتركة مع المؤسسات الوطنية الأخرى، كما أن هذا الحوار يعد فرصة للتعلم من الآخرين، ومن بين الأساليب التى اُستخدمت فى هذا الشأن ما يلى:
- تعزيز تبادل الموظفين لكى تستفيد المؤسسات من خبرة الآخرين فيما يتعلق بنهجها تجاه مسائل محددة.
- تعزيز الجولات الدراسية من مؤسسة إلى أخرى حيث تتوافر لدى واحدة منها خبرة معترف بها فى مجال ترغب مؤسسة أخرى فى تطويره... إلخ.
- تنظيم حلقات دراسية وحلقات عمل مع مؤسستين أو أكثر لبحث مشكلة أو مسألة محددة بهدف المقارنة واستخلاص الدروس من كيفية معالجة المسائل من طرف كل مؤسسة، ويساعد تشجيع المشاركة فى الشبكات الإقليمية على التثبت من صحة المؤسسة الوطنية المنشأة حديثا، وسوف يؤكد القبول والاعتماد من جانب الشبكات الإقليمية أن المؤسسة تعمل وفق مبادئ باريس وتضفى عليها المصداقية التى تحتاج إليها لتنفيذ المهام المطلوبة منها.

ج- التعاون مع المجتمع المدنى:
يعد وجود مجتمع مدنى قوى وفعال فى غاية الأهمية بالنسبة لأى نظام لحقوق الإنسان، كما أن التعاون بين المؤسسات الوطنية والمجتمع المدنى مطلب وضرورة معا من أجل النجاح فى النهوض بحقوق الإنسان، فندرة الموارد تعد حقيقة واقعة بالنسبة للمجتمع المدنى بوجه عام والمنظمات غير الحكومية على وجه التحديد، فالتعاون والتنسيق ضروريان؛ حيث يمتلك المجتمع المدنى مجموعة من المعلومات المحلية التى لا يمكن أن تكون متوافرة بسهولة لأى مؤسسة وطنية، وهذه المعلومات تسمح للمؤسسة الوطنية بإعداد مبادرات فعالة لمعالجة المسائل الحالية، وتمكنها من اتخاذ إجراء وقائى لمعالجة المسائل المحلية التى تنشأ لاحقا فى مجال حقوق الإنسان. فى المقابل، تستطيع هذه المؤسسات أن تقدم للمجتمع المدنى عددا من المزايا، من بينها الحصول على قدر أكبر من الخبرة فى مجالات محددة ومنظور أوسع نطاقا بشأن مسائل حقوق الإنسان، وكذا آليات من خلالها يمكن معالجة هذه المسائل بشكل أكثر فعالية.
يجب على المجتمع المدنى أن يتقبل فكرة أن إنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان يعد أمرا مهما؛ حيث تستطيع هذه المؤسسات أن تؤدى دورا رائدا فى تعزيز هذه الحقوق وحمايتها. كما يجب ألا تسعى المؤسسات الوطنية إلى السيطرة على أو التحكم فى المجتمع المدنى؛ لأن هذا من شأنه ليس فقط أن يُقابل بالرفض من جانب المجتمع المدنى بوصفه أمرا غير ملائم، بل إنه لن يساعد على تحسين حالة حقوق الإنسان.

د- التعاون مع السلطات الوطنية الأخرى:
يجب أن تتشاور وتتعاون المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان مع الهيئات الوطنية الأخرى المسئولة عن تعزيز هذه الحقوق وحمايتها، ومنها مؤسسات أمناء المظالم، والكيانات الحكومية المسئولة عن حقوق محددة كحقوق المرأة، وحقوق الطفل، ومكافحة الفساد.
كما يجب أن تتعاون المؤسسات الوطنية مع السلطات الوطنية وأصحاب المصلحة من أجل إقامة العدل، والوصول إلى العدالة، وإنفاذ القوانين.

5- حماية وتعزيز حقوق فئات محددة:
تعد حقوق الإنسان مترابطة ولا يمكن تجزئتها، وتقوم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بأدوار ومسئوليات مهمة لمساعدة الفئات الضعيفة التى لا تستطيع مساعدة نفسها؛ حيث تعد المؤسسات الوطنية فى كثير من الأحيان هى المؤسسات الوحيدة التى تستطيع أن تعلن آراءها دفاعا عن: النساء، والأطفال، وكبار السن، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والشعوب الأصلية، والعمال المهاجرين، والأشخاص ذوى الإعاقة، والأقليات، واللاجئين وطالبى اللجوء والنازحين داخليا.

6- المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
ليست كل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تشمل ولايتها الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، فالمؤسسات الوطنية التى عُهد إليها مثل هذه الولاية تقوم بمسئولية تشمل التعزيز والحماية، ما لم ينص القانون التأسيسى على غير ذلك.
وتعرض الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية لتحديات محددة؛ لأنها تميل إلى حجبها من خلال المطالب الخاصة بانتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، كما أنه ليس من السهل دائما معالجة هذه النوعية من الحقوق التى تتطلب نهجا طويل الأجل وإجراءات إيجابية من جانب الحكومات.

7- المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى حالات النزاع وما بعده:
تؤدى المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان دورا مهما فى معالجة هذه الحقوق فى حالات النزاع وما بعد النزاع، ويؤدى بعضها دورا ناشطا فى تعزيز السلام وتشجيع الجهود الرامية إلى إنشاء عمليات سلام ودعم اتفاقات السلام، كما تدعم عمليات العدالة الانتقالية والتصالح عقب النزاع.
تسهم أيضا المؤسسات الوطنية فى تحقيق المساءلة ومحاربة الإفلات من العقاب بتوثيق الانتهاكات والتحقيق فيها، ورصد وتسجيل الانتهاكات فى أثناء النزاع، وكذلك فى أثناء الفترات الانتقالية؛ حيث يمكن لهذه الجهود أن تدعم مبادرات الملاحقات القضائية والكشف عن الحقائق، وإجراءات جبر الضرر، وتدابير التعويضات. وتستطيع المؤسسات الوطنية مساعدة الضحايا وذلك بالعمل على أن يتمتع هؤلاء بفرص متساوية وفعالة للوصول إلى العدالة، واتباع إجراء كاف وفعال فيما يتعلق بجبر الضرر. ويمكن أيضا أن تدعم عملية الإدماج فى المجتمع للأشخاص النازحين واللاجئين، وأن تدعم مبادرات خاصة من أجل الأطفال الذين شاركوا فى العمليات الحربية والأطفال المخطوفين، وكذلك مساعدة الضحايا والشهود باتباع تدابير، مثل نقل السكان وإعادة التوطين. وقد أنشئ عدد من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان كجزء من الإصلاح المؤسسى فى عملية تحقيق العدالة فى إطار المرحلة الانتقالية.

رابعا ــ المبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (مبادئ باريس):
مبادئ باريس هى مجموعة المعايير الدولية التى تصلح شروطا دنيا يجب أن تلبيها أى مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان لكى تعد ذات مصداقية من المؤسسات أقرانها وداخل نطاق منظومة الأمم المتحدة. وتعرف أيضا بأنها مجموعة المعايير الدولية المنظمة والموجهة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان؛ إذ هى بمنزلة دستور لعملها وعنصر فاعل وبناء فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان فى منظومة الدولة.
وتتلخص مبادئ باريس فى أن يعهد إلى المؤسسات الوطنية باختصاص تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وأن تعطى لها ولاية واسعة بقدر الإمكان ومنصوص عليها بوضوح فى أحد النصوص الدستورية أو التشريعية التى تحدد تشكيلتها ونطاق اختصاصها، كما توضح ما تعنيه مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان تعمل بشكل كامل، وتحديد ستة معايير أساسية يجب أن تفى بها هذه المؤسسات لكى تكون ناجحة هى:

1- الولاية والاختصاص:
تنص مبادئ باريس على «أن تكون للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ولاية واسعة قدر الإمكان منصوص عليها صراحة فى أحد النصوص الدستورية أو التشريعية التى تحدد تشكيلها ونطاق اختصاصها».
لإعمال حقوق الإنسان بشكل كامل، يجب اتخاذ إجراء شامل لتعزيز هذه الحقوق وحمايتها. فالمؤسسات الوطنية التى تعد ولايتها مقتصرة على واحدة أو أخرى منهما لا تعد ممتثلة لمبادئ باريس. وهذا يسلم بأن التعزيز لا بد منه لتغيير المواقف والسلوكيات، كما يؤكد هذا النهج الشامل الطابعَ العام لحقوق الإنسان، الذى يرتبط بمدى اتساع ولاية المؤسسات الوطنية عليه.
يجب أن يعكس الاشتراط بأن تكون للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ولاية واسعة قدر الإمكان تنوع النماذج المؤسسية القائمة.
تعد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان التى تستمد ولايتها مباشرة من معاهدات دولية، وتتناول جميع حقوق الإنسان، الأكثرَ اتساقا مع الطابع المتماسك والمترابط والشامل لحقوق الإنسان، وتعد النموذج الأفضل فى هذا الإطار.
تنص مبادئ باريس أيضا على «أن تكون ولاية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان محددة بشكل واضح فى أحد النصوص الدستورية والتشريعية». ويكفل وجود أساس دستورى أو تشريعى مزيدا من الثبات؛ حيث إن الولاية لا يمكن تغييرها أو سحبها بمجرد صدور أمر تنفيذى، ويكفل أيضا مزيدا من الاستقلالية، نظرا لأن الولاية من غير المحتمل أن تتغير أو تُسحب إذا فعلت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان شيئا لا توافق عليه الحكومة.
تصف مبادئ باريس نطاق المسئوليات التى يجب أن تندرج داخل الولاية العملية لأى مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان؛ حيث تستطيع المؤسسات الوطنية أن تنظر فى أى موضوع يندرج فى إطار اختصاصها بغض النظر عن مصدر هذا الموضوع، وهى ألا تحتاج إلى موافقة سلطة عليا قبل أن تبت النظر فى موضوع من الموضوعات.
كما يجب أن تقوم أى مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان بالمسئوليات التالية:
• تقديم توصيات ومقترحات وتقارير على أساس استشارى بشأن جميع المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان بما فى ذلك الأحكام التشريعية، وأى حالة لانتهاك حقوق الإنسان، إلى الحكومة أو أى جهة أخرى مختصة.
• تشجيع تصديق الدول على الاتفاقات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان وكفالة تنفيذها.
• تشجيع اتساق القوانين الوطنية مع الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، وتنفيذها بشكل فعال.
• الإسهام فى عملية إعداد التقارير التى ينبغى للدول أن تقدمها إلى هيئات ولجان الأمم المتحدة وإلى الآليات الإقليمية عملا بالتزاماتها بموجب المعاهدات.
• المساعدة على وضع وتنفيذ البرامج المتعلقة بتدريس حقوق الإنسان والبحوث المتصلة بها، وزيادة الوعى بحقوق الإنسان عن طريق الإعلام والتثقيف.
• التعاون مع الأجهزة الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وغيرها من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.

2- التكوين والتعددية:
تتطلب مبادئ باريس أن يكون تكوين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وتعيين أعضائها وفقا لإجراءات تتيح توافر جميع الضمانات اللازمة لكفالة التمثيل التعددى لقوى المجتمع المختلفة ومنها: منظمات المجتمع المدنى المسئولة عن حقوق الإنسان، ونقابات العمال، والمنظمات الاجتماعية والمهنية المعنية، مثل رابطات الأطباء والصحفيين والمحامين، وأساتذة الجامعات والخبراء المتخصصين، كما يشمل مبدأ التعددية كفالة مشاركة المرأة فى عضوية المؤسسات الوطنية. ويجب أن يكون البرلمان جزءا من عملية الاختيار الرسمية لأعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لجعلها أكثر مصداقية وشفافية؛ حيث يستطيع البرلمان أن يضع قائمة موجزة بالمرشحين والاختيار منها فى نهاية الأمر. وأكدت الملاحظات العامة المفسرة لمبادئ باريس أهمية العوامل التالية فى عملية الاختيار والتعيين:
• أن تتسم العملية بالشفافية.
• أن تكون المشاورات واسعة فى جميع المراحل.
• مضاعفة عدد المرشحين المحتملين من طائفة واسعة من فئات المجتمع.
• اختيار الأعضاء بصفتهم الفردية.
ولا ينطبق مبدأ التعددية على أعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فقط، إنما يمتد أيضا ليشمل موظفى هذه المؤسسات؛ حيث تتحسن التعددية إذا كان تكوين الموظفين يعكس أيضا فئات المجتمع المختلفة. يعنى ذلك أن التعددية تتجسد عبر جميع أركان المؤسسة الوطنية. ويمكن أن تعمل التعددية على مستوى الموظفين على تعزيز وضوح رؤية مؤسسة من المؤسسات إزاء الالتزام بالمشاركة الكاملة، وكذلك التأثير بإيجابية فى مصداقية البرامج ومدى فعاليتها.

3- الاستقلالية:
تتطلب مبادئ باريس من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أن يتوافر لها تمويل كاف لكى تكون مبانيها الخاصة وموظفوها فى حالة استقلال عن الحكومة. تعد الاستقلالية من عناصر نجاح أى مؤسسة وطنية، وأى مؤسسة وطنية لا تعمل باستقلالية لا يمكن لها أن تعمل بفعالية. وقد يثير موضوع الاستقلالية بعض التساؤلات حول كيف يمكن أن تكون المؤسسات الوطنية مستقلة تماما وهى جهة رسمية وتمول من جانب الدولة خاصة فى الدول التى يُعرف عنها انتهاكاتها لحقوق الإنسان. والإجابة عن هذا السؤال هى أن الدولة تمول أيضا جهات رسمية مستقلة تابعة لها كالقضاء والبرلمان ومكاتب المحاسبات وغيرها.
أ ــ الاستقلال الذاتى القانونى:
يجب للإطار الدستورى أو القانونى الذى ينشئ المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أن يمنحها الشخصية الاعتبارية للسماح لها باتخاذ قرارات بشكل مستقل والتصرف باستقلالية.
ب ــ الاستقلال الذاتى التنفيذى:
يجب أن تتوافر للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان القدرة على تسيير أمور العمل اليومية بشكل مستقل وبعيدا عن أى تأثير، ويعنى هذا أنها تتمتع بصلاحيات إعداد نظامها الداخلى الخاص بها الذى لا يمكن تعديله من أى جهة خارجية، كما يجب ألا تتعرض التقارير والتوصيات التى تصدرها هذه المؤسسات إلى موافقة من أى جهة خارجية.
جــ  ــ الاستقلال الذاتى المالى:
تتطلب مبادئ باريس أن تكفل الدولة توفير الموارد المالية اللازمة لأى مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، لكى يكون لها موظفوها ومبانيها الخاصة. وتعد الاستقلالية المالية أمرا مهما؛ لأن أى مؤسسة وطنية ليست لها السيطرة على مواردها المالية أو على كيفية استخدامها، لا يمكن أن تكون مستقلة.
ويجب أن يشمل التمويل من جانب الدولة للمؤسسات الوطنية ما يلى:
- تخصيص مقرات ( المقر الرئيسى ومقرات فى المحافظات).
- المرتبات والاستحقاقات الممنوحة لموظفيها.
- أجور الأعضاء.
- إنشاء نظم اتصالات ومنها الهاتف والإنترنت.
وألا يشكل التمويل من مصادر خارجية أو أجنبية التمويل الأساسى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان؛ لأن الدولة تقع عليها مسئولية تأمين الميزانية الكافية لأنشطة هذه المؤسسات بهدف الوفاء بالتزاماتها الكاملة. ويجب تحديد مصدر وطبيعة تمويل أى مؤسسة وطنية فى القانون التأسيسى لها، كما تستطيع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أن تعد ميزانيتها وتقدمها إلى البرلمان وتدافع عنها أمامه، ويناقشها الأخير ويوافق عليها أو يطلب إعادة النظر فيها. ويعد من الخطأ ربط ميزانية المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بميزانية وزارة أو جهة حكومية، حتى لو لم يكن هناك تداخل فعلى؛ لأن ذلك يعطى انطباعا بعدم وجود استقلالية.
د  ــ  الاستقلال فى إجراءات التعيين والفصل من الخدمة:
يجب أن تتوافر لأعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المؤهلات والخبرات الفنية اللازمة لأداء وظائفهم، ويجب أن تكون معايير التعيين واضحة ومعروفة جيدا؛ حيث لا بد من وجود خبرات لديهم فى مجال حقوق الإنسان، وأن يتمتعوا بالنزاهة والاختصاص والاستقلالية. كما يجب أن تتسم الأحكام والشروط التى تنظم تعيين الأعضاء بالشفافية والموضوعية، أى تكون موضحة فى الإطار الدستورى أو القانونى الذى ينشئ المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.
كما يجب أن يُمنح أعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تعيينات مضمونة، وأن تكون محددة المدة، وقد تتباين طول المدة حسب كل مؤسسة وطنية، لكن يجب أن تكون المدة كافية لضمان فعالية عمل المؤسسة الوطنية واستقرارها، كما يفضل أن تكون المدة قابلة للتجديد وفقا لمبادئ باريس.
ويجب أن يحدد القانون التأسيسى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تفصيليا الظروف التى يجوز للعضو فيها أن يُفصل من عمله، وأن يكون الفصل متفقا بشكل كامل مع جميع المتطلبات الموضوعية والإجرائية على النحو الذى يحدده القانون، وأن تكون إجراءات الفصل مقصورة على ارتكاب خطأ جسيم يعد بشكل واضح سلوكا غير لائق، أو يدل على انعدام الأهلية بشكل جدى.
ويجب أن تكون آليات الفصل من العمل مستقلة عن السلطة التنفيذية، وفى هذه الحالة يمكن تشكيل لجنة من كبار القضاة، أو من محكمة مختصة، أو إجراء تصويت فى البرلمان.
هـ  ــ الاستقلالية من خلال الامتيازات والحصانات:
يجب أن يتمتع أعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بالحصانة اللازمة من الإجراءات المدنية والجنائية عن الأفعال التى ترتكب فى إطار صفتهم الرسمية، ويجب أن تكون مدرجة فى القانون التأسيسى للمؤسسات الوطنية. وتساعد هذه الحصانة على تحقيق الاستقلالية بمنح الأعضاء ضمانا قانونيا بأنهم لن يواجهوا أى نوع من الانتقام من أى جهة. وتكون الحصانة مهمة، لا سيما للمؤسسات الوطنية التى لها ولاية تلقى الشكاوى بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
ويجب وضع أعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وكذلك موظفوها فى وضع مصون ومحصن من عمليات التفتيش، والحجز، والاستيلاء، والمصادرة، أو أى شكل آخر من التدخل فى ممتلكاتهم، ومحفوظاتهم، أو ما فى حوزتهم. وتعد هذه الحصانة مهمة لحماية قدرة المؤسسات الوطنية فى جمع الوثائق والأدلة والمحافظة عليها، وكذلك لضمان سلامة الشاكين والشهود، وهذا بدوره يعد شرطا أساسيا لقيام المؤسسات الوطنية بدورها.

4- المبادئ التى تنطبق على المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ذات الاختصاص شبه القضائى:
يجب أن تكون لجميع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الولاية الشاملة لحماية حقوق الإنسان ورصد أى انتهاك لها، وكذلك النظر فى أى مسألة تقع فى نطاق اختصاصها، كما يجوز لبعض المؤسسات الوطنية أن تنظر فى الشكاوى الفردية فيما يعرف بالاختصاص شبه القضائى.
تعد المؤسسات الوطنية التى تتلقى الشكاوى الفردية ملزمة بالمبادئ العامة للقانون التى تشمل مفاهيم، مثل النزاهة، والإجراءات القانونية الواجبة، والتفويض الصحيح للسلطة، كل ذلك يجب أن ينعكس فى القانون التأسيسى للمؤسسات الوطنية. ويجب أن تكون للمؤسسات الوطنية أيضا السلطات القانونية ذات الصلة بالتحقيق، وأن تكون قادرة على ممارسة هذه السلطات بشكل مباشر، ويشمل ذلك سلطة إجبار الشهود على المثول للتحقيق وطلب استصدار الأدلة.
ويوجد نوعان من المؤسسات الوطنية ذات الاختصاص شبه القضائى؛ النوع الأول: المؤسسات الوطنية التى تستطيع فرض قرار ملزم على الأطراف عقب إجراء التحقيق. والنوع الثانى يشمل المؤسسات الوطنية الأكثر شيوعا من النوع الأول؛ حيث يمكن أن تتوصل إلى نتيجة، وأن تحيل المسألة إلى مجلس متخصص أو هيئة قضائية بهدف الحصول على قرار ملزم. ويجوز للمؤسسات الوطنية أن تتصرف بالنيابة عن الشاكى فى أثناء الإجراء القضائى أو بالنيابة عن الصالح العام، ويتوقف ذلك على ولايتها القانونية.
وتعرض المؤسسات الوطنية ذات الاختصاص شبه القضائى مجالا أسرع وأقل تكلفة وأيسر منالا للتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان بدلا من النظم التقليدية للمحاكم، ذلك لأنها عادة ما تكون مجانا ولا تتطلب محاميا وهى غير رسمية بدرجة أكثر، كما أنها تسعى إلى توفير سبل انتصاف تستند إلى العدالة الإصلاحية بدلا من العقاب.
وتمتلك المؤسسات الوطنية ذات الاختصاص شبه القضائى السلطة لكى تتوصل إلى نتائج تخرج فى شكل تقرير نهائى بعد إجراء التحقيق، كما أنها تستطيع أن تقدم إلى السلطات توصيات بشأن اقتراح تعديلات فى قانون معين.

خامسا ــ التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (لجنة التنسيق الدولية سابقا):
أُنشئت لجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان من جانب المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى مؤتمرها الدولى المعقود فى تونس عام 1993. وفى مارس 2016، أقر الاجتماع العام للجنة التنسيق الدولية تغيير الاسم من «لجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان» إلى «التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (GANHRI)». وينسق التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أنشطة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الممتثلة لمبادئ باريس على الصعيد الدولي، ومنها ما يلى:
• التفاعل والتعاون مع منظومة الأمم المتحدة.
• التعاون والتنسيق فيما بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والشبكات الإقليمية.
• الاتصال بين الأعضاء ومع الجهات صاحبة المصلحة.
• تنمية وإدارة المعارف.
• وضع المبادئ التوجيهية والسياسات والبيانات.
• تنفيذ المبادرات، وتنظيم المؤتمرات.
ومن بين المهام الأخرى التى يقوم بها التحالف العالمى هى اعتماد الأعضاء من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ومساعدة المؤسسات التى تتعرض للتهديد، وتقديم الدعم الفنى لها لتطوير قدراتها. ويعمل مكتب المفوض السامى لحقوق الإنسان كمراقب دائم فى اللجنة الفرعية للاعتماد التابعة للتحالف العالمى، وهو يعد بمنزلة أمانة للتحالف العالمى. وقد شجعت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى قرارها رقم 63/172 والصادر فى ديسمبر 2008، المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على السعى إلى الحصول على مركز الاعتماد عن طريق لجنة التنسيق الدولية.

ما الاعتماد؟
الاعتماد هو الاعتراف الرسمى بأن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تلبى أو تواصل الامتثال تماما لمبادئ باريس. ويعتمد بموجب النظام الداخلى للجنة الفرعية للاعتماد؛ حيث ينص هذا النظام على أن اللجنة الفرعية للاعتماد يعهد إليها بولاية استعراض وتحليل طلبات الاعتماد المقدمة من رئيس التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ولتقديم توصيات إلى التحالف بشأن امتثال مقدمى الطلبات من المؤسسات الوطنية لمبادئ باريس، ويوجد حاليا مستويان للاعتماد، هما:
• «ألف»: عضو يمتثل كليا لمبادئ باريس.
• «باء»: عضو يمتثل جزئيا لمبادئ باريس.
تُظهر المؤسسات من الفئة «ألف» الامتثال التام لمبادئ باريس، وهى تستطيع المشاركة بشكل كامل فى الاجتماعات الدولية والإقليمية، واجتماعات التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بصفتها لها حق التصويت، كما تستطيع شغل أى منصب فى مكتب التحالف العالمى أو أى لجنة فرعية ينشئها المكتب. ومن حق هذه المؤسسات أيضا المشاركة فى دورات مجلس حقوق الإنسان وهيئاته الفرعية، وعلى أخذ الكلمة فى إطار أى بند من بنود جدول الأعمال، وأن تقدم وثائق وأن تشغل مقعدا منفصلا، وكذلك المشاركة فى بعض هيئات وآليات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتُظهر المؤسسات من الفئة «باء» الامتثال غير التام لمبادئ باريس، ويجوز لها المشاركة بصفة مراقب فى الاجتماعات الدولية والإقليمية، واجتماعات التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، دون أن يكون لها حق التصويت أو شغل منصب داخل مكتب التحالف العالمى أو أى من لجانه الفرعية. ولا يجوز لهذه المؤسسات أخذ الكلمة فى إطار أى بند من بنود جدول الأعمال فى دورات مجلس حقوق الإنسان أو تقديم وثائق له.

لماذا يعد الاعتماد مهما؟
يمنح الاعتماد القبول الدولى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومدى امتثالها لمبادئ باريس، مما يمكِّنها من المشاركة فى الأعمال واتخاذ القرارات فى التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وكذلك فى دورات مجلس حقوق الإنسان، وبعض الهيئات الأخرى التابعة للأمم المتحدة. ويعنى فشل مؤسسة وطنية فى الحصول على الاعتماد أن هذه المؤسسة الوطنية غير مستقلة وغير فعالة بشكل كامل.
يوجد حتى الآن 119 مؤسسة وطنية اعتمدت: 89 مؤسسة وطنية حاصلة على الاعتماد من الفئة «ألف»، و30 مؤسسة وطنية حاصلة على الاعتماد من الفئة «ب».

من يمنح الاعتماد؟
وفقا للنظام الأساسى للتحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، تعد اللجنة الفرعية للاعتماد التابعة له مسئولة عن استعراض امتثال المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لمبادئ باريس؛ حيث تستعرض اللجنة الفرعية الطلبات المقدمة من أجل الاعتماد وتحللها وتقدم توصياتها إلى مكتب التحالف العالمى بشأن امتثال المؤسسة مقدمة الطلب لمبادئ باريس. وتتكون اللجنة الفرعية للاعتماد من مؤسسة وطنية واحدة تتمتع بالاعتماد من الفئة «ألف» من كل شبكة من الشبكات الإقليمية الأربع، وهى: أوروبا، وإفريقيا، والأمريكتان، وآسيا والمحيط الهادى؛ حيث تُعين الشبكات الإقليمية الأربع أعضاء هذه المؤسسات لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
ويدعم قسم المؤسسات الوطنية والآليات الإقليمية فى مكتب المفوض السامى لحقوق الإنسان أعمال اللجنة الفرعية للاعتماد؛ حيث تعمل كأمانة له، ويعد القسم موجزات للمسائل الرئيسية بشأن امتثال المؤسسة الوطنية مقدمة الطلب لمبادئ باريس التى تستخدمها للوصول إلى توصياتها الخاصة بالاعتماد. وتضع اللجنة الفرعية للاعتماد أيضا ملاحظات عامة بشأن المسائل المشتركة، أو المسائل التفسيرية المهمة فيما يخص مبادئ باريس، بهدف تشكيل توجيهات للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بشأن الاعتماد وتنفيذ مبادئ باريس.
كيف يتقرر الاعتماد؟
ينص النظام الأساسى للتحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على أن أى مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان تلتمس الاعتماد عليها أن تتقدم بطلب إلى رئيس التحالف، وتقوم بتقديم الوثائق التالية:
• نسخة من التشريع، أو أى صك آخر بموجبه أنشئت المؤسسة الوطنية.
• مجمل لهيكلها بما فى ذلك عدد الموظفين والميزانية السنوية.
• نسخة من تقريرها السنوى.
• بيان مفصل يبين كيفية امتثال المؤسسة الوطنية لمبادئ باريس.
يقوم قسم المؤسسات الوطنية والآليات الإقليمية التابع لمكتب المفوض السامى لحقوق الإنسان -والذى يعمل كأمانة للجنة الفرعية للاعتماد- باستعراض الوثائق المقدمة من المؤسسة الوطنية مقدمة الطلب، وإعداد ملخص لها؛ حيث يورد هذا الملخص مدى امتثال المؤسسة الوطنية لمبادئ باريس، وكذلك الدرجة التى أظهرت فيها استقلالها وفعاليتها بشكل موضوعى. وتتلقى المؤسسة الوطنية مقدمة الطلب نسخة من هذا الملخص؛ لأنها قد تقوم بتقديم معلومات إضافية أو وثائق إضافية بشأن الملاحظات التى أوردها الملخص. وقد أصبحت إجراءات الاعتماد أكثر دقة؛ حيث لا تقتصر فقط على الاستعراض الورقى، بل يتم الطلب من منظمات وآليات الأمم المتحدة المختلفة ومنظمات المجتمع المدنى وغيرهما من الجهات التى عليها تقديم إسهامات حول المؤسسة الوطنية مقدمة الطلب، ومدى جدارة الطلب المقدم. ويتم أيضا الاتصال بالمؤسسة الوطنية مقدمة الطلب بالهاتف إذا رأت اللجنة الفرعية للاعتماد أنها تحتاج إلى توضيح فى مسألة ذات صلة بالطلب المقدم.
وتصدر اللجنة الفرعية للاعتماد -بناءً على كل ما سبق- توصياتها باعتماد المؤسسة الوطنية مقدمة الطلب سواء فى الفئة «ألف» أو الفئة «ب». وتعد التوصية ذات طابع محدد وفى بعض الحالات مرتبطة زمنيا، مع التركيز على تدبير إصلاحى لضمان الامتثال لمبادئ باريس. وتُرسل التوصية إلى المؤسسة الوطنية التى يكون أمامها 28 يوما للطعن فيها، وبعد ذلك تُرسل إلى مكتب التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الذى يعد قراره نهائيا. ويرسل أيضا إلى المكتب أى طعن وأى وثائق يتلقاها بشأن الطلب المقدم أو الطعن، ويجب أن يخطر أىُّ عضو فى المكتب لا يوافق على التوصية -خلال 20 يوما من تلقيها- رئيسَ اللجنة الفرعية للاعتماد وأمانتها، وتخطر أمانة اللجنة بدورها المكتب على الفور بالاعتراض المثار، وتقدم جميع المعلومات اللازمة لتوضيح هذا الاعتراض. وإذا حدث خلال 20 يوما من تلقى المعلومات، يتقدم أربعة أعضاء على الأقل فى المكتب يمثلون مختلف الشبكات الإقليمية بإخطار أمانة اللجنة بأنهم يعترضون أيضا، تحال التوصية إلى الاجتماع التالى للمكتب لإصدار قرار. وإذا لم يعترض أربعة أعضاء على الأقل من مختلف الشبكات الإقليمية على التوصية خلال 20 يوما من تلقيها، تعد التوصية قد نالت موافقة المكتب، ويعد القرار نهائيا.

متى تتخذ القرارات بشأن الاعتماد؟
- الاعتماد الأولى: يُتخذ هذا القرار عندما تتقدم مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان لأول مرة من أجل الحصول على عضوية التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ولا يمكن منح الاعتماد الأولى إلا إذا كانت المؤسسة الوطنية موجودة لمدة عامين على الأقل فى عضوية التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. ويجوز للمؤسسات الوطنية التى تُحرم من الحصول على الاعتماد من الفئة «ألف»، أن تقدم طلبا من جديد فى أى وقت.
- الاعتماد الدورى: تخضع جميع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، سواء التى تتمتع بالمركز «ألف» أو المركز «باء» إلى إعادة الاعتماد كل خمس سنوات، لضمان امتثالها لمبادئ باريس. وإذا فشلت المؤسسة الوطنية فى إظهار امتثالها لمبادئ باريس يجوز تخفيض مركزها.
- إعادة الاعتماد المؤجلة: يمكن تأجيل إعادة الاعتماد بناء على طلب مقدم من المؤسسة الوطنية، وذلك فى ظروف استثنائية لها ما يبررها.
- سحب طلب إعادة الاعتماد: إذا سحبت مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان ذات المركز «ألف» طلب إعادة اعتمادها بدون مبرر، يجوز أن تُعامل كما لو كانت قصرت فى تقديم الطلب وتعلق عضويتها.
- الاستعراض: يجوز لرئيس التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أو أى عضو فى اللجنة الفرعية للاعتماد أن يشرع فى استعراض أى مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان ذات المركز «ألف»، إذا رأى أن تغير الظروف قد يؤثر فى امتثالها لمبادئ باريس، وتحتفظ المؤسسة الوطنية فى أثناء الاستعراض بمركزها الخاص بالاعتماد. وإذا لم تستطع المؤسسة الوطنية الخاضعة للاستعراض توفير الأدلة اللازمة والكافية فى غضون 18 شهرا لإثبات امتثالها لمبادئ باريس، تنقضى عضويتها.

سادسا ــ الشبكات الإقليمية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان:
هناك أربع شبكات إقليمية رئيسية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وهى: شبكة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الإفريقية، والشبكة الأوروبية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ومنتدى آسيا والمحيط الهادى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وشبكة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى الأمريكتين.

1 ــ شبكة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الإفريقية:
أنشئ ما يسمى «لجنة تنسيق المؤسسات الوطنية الإفريقية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان» عام 1996 بهدف المساعدة على تنسيق أنشطة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى إفريقيا وتعزيز ظهورها. وفى عام 2001، أنشئت أمانة فنية دائمة لهذه اللجنة وكان مقرها جنوب إفريقيا، ثم انتقل المقر إلى كينيا عام 2005. وفى عام 2007، وُضع دستور دائم بموجبه أنشئت شبكة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الإفريقية رسميا، وتضم الشبكة 46 مؤسسة وطنية إفريقية.
تقدم الشبكة برامج لبناء قدرات المؤسسات الوطنية الإفريقية، وتسهل التنسيق والتعاون بين هذه المؤسسات من خلال ربطها بالجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى فى مجال حقوق الإنسان على المستويين الإقليمى والدولى.

2 ــ الشبكة الأوروبية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان:
تضم الشبكة الأوروبية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان 46 مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان فى جميع أنحاء أوروبا لتعزيز وحماية حقوق الإنسان فى المنطقة. وتوفر الشبكة منصة للتعاون والتضامن فى مواجهة تحديات حقوق الإنسان، وصوتًا مشتركًا للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على المستوى الأوروبى.
وتعمل الشبكة على تعزيز دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان من خلال تسهيل تبادل المعلومات والممارسات الجيدة وتنظيم أنشطة بناء القدرات، ودعم المؤسسات الوطنية فى امتثالها لمبادئ باريس فى أثناء إنشائها واعتمادها وعند تعرضها للتهديد، وربط المؤسسات الوطنية بالمؤسسات الأوروبية من خلال تسهيل مشاركتها مع الآليات الإقليمية.

3 ــ منتدى آسيا والمحيط الهادى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان:
أُسس منتدى آسيا والمحيط الهادى عام 1996، ويضم 25 مؤسسة وطنية من جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادى. ويهدف إلى دعم إنشاء مؤسسات وطنية مستقلة لحقوق الإنسان فى هذه المنطقة ودعم المؤسسات الوطنية للقيام بمهامها فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان. كما يساعدها المنتدى أيضا على صياغة القوانين والسياسات والممارسات والمواقف التى تساعد على تأسيس مجتمعات قوية وعادلة وشاملة.

4 ــ شبكة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى الأمريكتين:
تضم الشبكة 18 مؤسسة وطنية فى قارتى أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، وتهدف إلى ترسيخ ثقافة احترام حقوق الإنسان فى المنطقة والمحافظة عليها وتعزيزها، وتعزيز الاعتراف والتطبيق من جانب حكومات المنطقة للالتزامات والمعايير الدولية فى مجال حقوق الإنسان، والإسهام فى التطور الديمقراطى لدول المنطقة، مما يساعد على ترسيخ سياسات الدول فى مجال حقوق الإنسان، وتشجيع العمل لدعم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى الأمريكتين التى أنشئت وفقا لمبادئ باريس، ودعم إنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى الدول الأخرى فى المنطقة.

سابعا ــ نماذج للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان:
1 ــ المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر:
أنشئ المجلس القومى لحقوق الإنسان بموجب القانون رقم 94 لسنة 2003، والمعدل بالقانون رقم 197 لسنة 2017. ويهدف المجلس إلى تعزيز وتنمية وحماية حقوق الإنسان، وترسيخ قيمها ونشر الوعى بها، والإسهام فى ضمان ممارستها، يتكون المجلس من رئيس ونائب للرئيس، وخمسة وعشرين عضوا من الشخصيات العامة المشهود لها بالخبرة والاهتمام بمسائل حقوق الإنسان، أو من ذوى العطاء المتميز فى هذا المجال.
ويختص المجلس بتحقيق مجموعة الأهداف، منها وضع خطة عمل قومية لتنمية وحماية حقوق الإنسان فى مصر، واقتراح وسائل تحقيق هذه الخطة، وإبداء الرأى والتوصيات فيما يعرض عليه أو يحال إليه من السلطات، وتلقى الشكاوى ودراستها وإحالتها لجهات الاختصاص، ومتابعة الاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتقدم للجهات المعنية بالمقترحات والتوصيات لتطبيقه، وزيارة السجون، وسائر أماكن الاحتجاز، والمؤسسات العلاجية والإصلاحية، والاستماع للسجناء، ونزلاء الأماكن المذكورة؛ للتثبت من حسن معاملاتهم ومدى تمتعهم بحقوقهم، يتعاون المجلس كذلك مع المنظمات والجهات الدولية والوطنية المعنية بحقوق الإنسان فيما يسهم فى تحقيق أهداف المجلس، والمشاركة ضمن الوفود المصرية فى المحافل والاجتماعات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان وتوعية المواطنين بها. وأعطى الدستور فى المادة (99) الحق ﻟﻠﻤﺠﻠﺲ فى ﺇﺑﻼﻍ ﺍﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺃﻯ ﺍﻧﺘﻬﺎﻙ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ، ﻭﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞ فى ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﻣﻨﻀﻤﺎ ﺇلى ﺍﻟﻤﻀﺮﻭﺭ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻃﻠﺒﻪ.

2 ــ المجلس الوطنى لحقوق الإنسان فى المغرب:
أنشئ المجلس الوطنى لحقوق الإنسان فى مارس 2011 بموجب الظهير الشريف رقم 1، و11، و19 (ليحل محل المجلس الاستشارى لحقوق الإنسان الذى أنشئ فى عام 1990). وتفعيلا لمضامين دستور 2011 ذات الصلة، وتنفيذا لالتزامات المغرب الدولية بموجب اتفاقات حقوق الإنسان لا سيما ما يتعلق بآليات التظلم فى مجال حقوق الإنسان، تمت المصادقة عام 2018 على القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الذى استحضر وضعه الدستورى بوصفه هيئة لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وكذا مبادئ باريس المنظمة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومبادئ بلجراد حول العلاقات بين البرلمانات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
وفقا لهذا القانون، أحدثت لدى المجلس، فى إطار مهامه الحمائية لحقوق الإنسان، كل من الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، والآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل، ثم الآلية الوطنية الخاصة بحماية حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة. كما يتوفر المجلس على 12 لجنة جهوية لحقوق الإنسان تساعده على ممارسة مهامه على المستوى الجهوى، ويتألف المجلس، إضافة إلى الرئيس والأمين العام، من ثلاثين عضوا، يختارون من بين الشخصيات المشهود لها بالتجرد والنزاهة، والتشبث بقيم ومبادئ حقوق الإنسان، والعطاء المتميز فى سبيل حمايتها والنهوض بها.
ويتولى المجلس رصد ومراقبة وتتبع أوضاع حقوق الإنسان على الصعيدين الوطنى والجهوى، وإجراء التحقيقات والتحريات اللازمة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وإنجاز تقارير تتضمن خلاصات ما قام به، ويتولى توجيه هذه التقارير إلى الجهات المختصة، مشفوعة بتوصياته. وينظر المجلس فى جميع حالات انتهاك حقوق الإنسان، إما تلقائيا أو بناء على شكوى مما يعنيهم الأمر أو بتوكيل منهم، ويدرس الشكاوى ويعالجها ويتتبع مسارها وإخبار المعنيين بالأمر بمآلها؛ بالإضافة إلى زيارة أماكن الاعتقال والمؤسسات العقابية، ومراقبة أحوال السجناء ومعاملتهم، وكذا مراكز حماية الطفولة وإعادة الإدماج، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، والمؤسسات الاستشفائية الخاصة بمعالجة الأمراض العقلية والنفسية، وأماكن الاحتفاظ بالأجانب فى وضعية غير قانونية، والتدخل بكيفية عاجلة كلما تعلق الأمر بحالة من حالات التوتر قد تفضى إلى وقوع انتهاك حق من حقوق الإنسان بصفة فردية أو جماعية، وذلك ببذل كل مساعى الوساطة والصلح التى يراها مناسبة بتنسيق مع السلطات العامة المعنية.

3 ــ  مؤسسة أمين المظالم (الأمبودسمان) فى البرتغال:
أنشئت مؤسسة أمين المظالم عام 1975 وفقا للقانون رقم 9/91، كما نُصَّ على هذه المؤسسة فى الدستور البرتغالى الصادر عام 2014، وينتخب أمين المظالم لمدة أربع سنوات من جانب البرلمان، مع إمكانية إعادة انتخابه مرة واحدة للفترة نفسها، وتتلقى مؤسسة أمين المظالم الشكاوى من جميع الأشخاص (الطبيعيين أو الاعتباريين) فى حالة وجود انتهاك لحقوقهم الأساسية، أو فى حالة وجود تصرفات غير عادلة من جانب الجهات الحكومية، وتتمثل الوظيفة الرئيسية لأمين المظالم فى الدفاع عن الحقوق الأساسية والحريات والمصالح المشروعة للمواطنين وتعزيزها، مما يضمن العدالة وشرعية ممارسة السلطات العامة.
وعقب تصديق البرتغال على البروتوكول الاختيارى لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، عينت مؤسسة أمين المظالم كآلية وقائية وطنية، لتكون مهمتها زيارة السجون وأماكن الاحتجاز، والتأكد من اتباع معايير وقواعد حقوق الإنسان داخلها، وتمتع نزلاء هذه الأماكن بحقوقهم.

4 ــ المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان فى النرويج:
أنشئت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان عام 2015 لتعزيز تنفيذ حقوق الإنسان فى النرويج وفقا للدستور والقانون الداخلى والقانون الدولى لحقوق الإنسان، وتتكون من خمسة أعضاء ينتخبون من جانب البرلمان لمدة 4 سنوات، مع إمكانية إعادة انتخابهم لمرة واحدة، ويتمثل دورها فى رصد حالة حقوق الإنسان فى النرويج والإبلاغ عنها، بما فى ذلك تقديم توصيات لضمان الوفاء بالتزامات النرويج فى مجال حقوق الإنسان، وإسداء المشورة إلى الحكومة والبرلمان والهيئات العامة الأخرى والأطراف الخاصة بشأن إعمال حقوق الإنسان، ونشر المعلومات حول حقوق الإنسان، بما فى ذلك تقديم التوجيه للأفراد حول آليات الشكاوى الوطنية والدولية، وتشجيع التدريس والتعليم والبحث فى مجال حقوق الإنسان، وتسهيل التعاون مع الهيئات العامة ذات الصلة والأطراف الأخرى العاملة فى مجال حقوق الإنسان.

5 ــ اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان فى كوريا الجنوبية:
أنشئت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان عام 2011 وفقا للقانون رقم 6481 والمعدل بالقانون رقم 14028 لسنة 2016، وتتكون المؤسسة الوطنية من 11 عضوا بمن فيهم الرئيس ينتخبون من جانب البرلمان لمدة 3 سنوات، مع إمكانية إعادة انتخابهم لمرة واحدة، ويتمثل دورها فى تطوير سياسات حقوق الإنسان من خلال إجراء البحوث فى مجال حقوق الإنسان وإصدار التوصيات، والتحقيق فى قضايا التمييز وانتهاكات حقوق الإنسان وتوفير سبل الانتصاف، وتعزيز التثقيف فى مجال حقوق الإنسان وزيادة الوعى العام بحقوق الإنسان، ومراجعة التشريعات واللوائح والنظم القانونية والسياسات والممارسات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتعزيز ورصد التنفيذ الوطنى للمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، والتعاون مع الوكالات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدنى، وهيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.

طباعة

    تعريف الكاتب

    عمرو وجدى

    عمرو وجدى

    باحث فى مجال حقوق الإنسان