مقالات رأى

التغيرات المناخية وموجات اللجوء الجديدة

طباعة

تشهد العديد من دول العالم هذه الفترة موجة كبيرة من الصراعات سواء صراعات داخلية أو صراعات خارجية بين الدول المختلفة ما يؤدى إلى عدم استقرار الأوضاع فى هذه المناطق واضطرار المواطنين إلى اللجوء فى دول أخرى لفترة حتى تنتهى هذه الصراعات ويعود الاستقرار، وهذا هو اللجوء الذى اعتاده المجتمع الدولى والمنظمات الدولية. من المعروف أن اللاجئين هم أولئك الذين يضطرون للهرب من الحروب والنزاعات والاضطهاد، ولكن الآن يضاف الانحسار البيئى والتغير المناخى إلى قائمة التحديات التى يواجهها اللاجئون، فماذا لو كان اللجوء دائما لأنه لم يعد يوجد وطن للعودة إليه؟ نتناول هنا الدول الجزرية ولجوء شعوب هذه الدول بسبب اختفاء أوطانهم نتيجة بعض العوامل والتغيرات المناخية.

تشكل الدول الجزرية جزءا مهما من العالم؛ حيث تمتلك ثقافات متنوعة وجمالا طبيعيا لا يمكن تواجده فى أى مكان آخر. ومع ذلك، فإنها تتعرض لتحديات هائلة نتيجة التغيرات المناخية؛ حيث يتم تهديدها بالغرق تحت سطح البحر، لذلك تتعرض الدول الجزرية حاليا لخطر الانقراض، نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر. ومن المحتمل أن يتسبب هذا التحول الكبير فى البيئة البحرية، فى زيادة عدد اللاجئين الذين يسعون إلى الهرب من هذه الدول، والبحث عن ملاذ آمن فى دول أخرى. يتعرض اللاجئون الذين يهربون من الدول الجزرية إلى تحديات كبيرة، فغالبا ما يتم إحباط محاولاتهم للبحث عن ملاذ آمن فى دول أخرى، بسبب القيود المفروضة عليهم والتمييز الذى يتعرضون له، ويمكن أن يتسبب ذلك فى إضعاف الحماية الدولية لللاجئين.

تشكل التغيرات المناخية تهديدا حقيقيا للعديد من الدول الجزرية فى جميع أنحاء العالم، حيث تواجه هذه الدول مخاطر متزايدة من الفيضانات والعواصف الاستوائية وارتفاع مستوى سطح البحر، ما يؤدى إلى تهديد وجودهم الفعلى كدول وشعوب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه التغيرات المناخية تؤثر فى سكان هذه الدول بشكل خاص؛ حيث يعيش الكثير منهم على السواحل، ويعتمدون بشكل أساسى على الزراعة والصيد كمصدر للدخل والغذاء. وبمرور الوقت، تزداد هذه التحديات أكثر تعقيدا وصعوبة؛ حيث يتوقع أن يتسبب ارتفاع درجات الحرارة فى تراجع الإنتاج الزراعى والصيد، وتؤدى الفيضانات إلى تدمير البنية التحتية والمنازل والمصانع.

وفى الوقت نفسه، يعانى سكان هذه الدول صعوبة فى الوصول إلى الموارد والخدمات الأساسية التى تتضمن الرعاية الصحية والتعليم والمياه النظيفة.

إضافة الى ذلك، فإن اختفاء أجزاء من هذه الدول، سينتج عنه تشريد مئات الآلاف من السكان، وسيضطرون إلى البحث عن بدائل جديدة للعيش. ومع تفاقم هذه التحديات، يصبح اللجوء أو الهجرة القسرية إلى دول أخرى الحل الوحيد للبعض. ويمكن أن يشكل هذا تحديا كبيرا للدول المضيفة؛ حيث يجب توفير المأوى والغذاء والمياه والرعاية الصحية والتعليم لهؤلاء اللاجئين.ومن بين تلك الدول الجزرية: جزر البهاما، والمالديف، وكيريباتى، وغيرها الكثير، وتشير الدراسات إلى أن معظم هذه الدول قد تختفى تحت المياه ما يمثل تحديا كبيرا للمجتمع الدولى الذى يجب عليه أن يتحرك بسرعة لتوفير الحماية اللازمة للمتضررين من تلك التحديات المناخية، بما فى ذلك اللاجئون الناجمون عن اختفاء الدول الجزرية. ويجب أن تكون هذه الحماية متعددة الأوجه، بما فى ذلك توفير المساعدة الإنسانية والاستجابة للأزمات وتحسين البنية التحتية وتوفير فرص العمل والتعليم.

ويجب أن تتحمل الدول الأكثر تلوثا التى تسهم بشكل كبير فى تغير المناخ، مسئولياتها الكاملة، وتعمل على تخفيف الآثار السلبية لتلك التحديات على الدول الأكثر ضعفا. ويجب على الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، والمجتمع الدولى ككل، تحمل مسئولياتها فى التصدى لهذه الأزمة، والعمل بشكل مشترك لتحديد الحلول الفعالة لمواجهة هذه التحديات العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم تعزيز الجهود للتصدى لتغير المناخ والحفاظ على البيئة، وذلك من خلال دعم الطاقة المتجددة وتقليل انبعاثات الكربون وتعزيز الاستدامة فى جميع المجالات، بما فى ذلك الزراعة والصناعة والنقل.

على المستوى العالمى، يجب تعزيز التعاون والشراكة بين الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدنى للتصدى لتحديات اختفاء الدول الجزرية واللجوء؛ فقد تم تأكيد هذا من خلال اتفاقية باريس للمناخالتى تدعو إلى تعاون دولى وجهود مشتركة للحفاظ على الكوكب وجميع سكانه.

يجب علينا أن ندرك أن تحديات اختفاء الدول الجزرية واللجوء الناتج عنها ليست مشكلة عادية بل هى من أخطر المشكلات التى ستواجه العالم فى المدة المقبلة، الإحصاءات وفقا للأم المتحدة تشير إلى أنه بحلول 2050 سيكون هناك ما يقرب من 200 مليون لاجئ بسبب التغيرات المناخية، لذلك فهى تحديات عالمية خطيرة تتطلب استجابة عاجلة.

فى النهاية، يجب على الدول الجزرية أن تعمل على تطوير استراتيجيات لمواجهة التحديات البيئية والمناخية، من خلال تحسين إدارة الموارد الطبيعية وتعزيز الحد من الانبعاثات الكربونية، وتشجيع الاستثمار فى الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الخضراء. ومن المهم أيضا تعزيز الشراكات الدولية لتحسين وضع الدول الجزرية من خلال العمل على تقليل انبعاثات الدول الكبرى التى تؤدى إلى تزايد التغيرات المناخية، كما يجب أن تزيد هذه الدول المتسببة فى هذه التغيرات المناخية بشكل كبيرٍالدعم المادى لتحسين الأوضاع البيئية وتحسين وضع اللاجئين الذين يفرون من هذه الدول، وتعزيز الدعم المالى والتقنى لهذه الدول.

ولذلك، فإن تحديات اللاجئين والتحديات البيئية التى تواجه الدول الجزرية، تتطلب تضافر جهود المجتمع الدولى والمنظمات الإنسانية والمجتمعات المحلية، لتوفير الدعم اللازم للدول الجزرية، وتحسين وضع اللاجئين الذين يفرون من هذه الدول، وتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة الطبيعية.

طباعة

    تعريف الكاتب

    إبراهيم فتوح

    إبراهيم فتوح

    كاتب ومحلل سياسي