مقالات رأى

ما الذي يجرى في السودان؟!

طباعة

ماذا عن كواليس الحرب الأهلية التي تدور رحاها في السودان حاليا؟ هل يمكننا القول إن الحرب الداخلية بالسودان قد تكون أحد أو كل العناصر التالي ذكرها بعد؟

وفي البداية هل لنا أن نتساءل: هل بدأت هذه الحرب بين الفريقين الرئيسيين في السودان على حين غفلة أم سبقها ترتيبات وتجهيزات؟ لا يمكننا قطعا الحكم ببدء الحرب فجأة خاصة أن قوات الدعم السريع كانت تعرف أهدافها التي بدأت بالسيطرة عليها!

 والسؤال التالي: هل قامت قوات الدعم السريع بهذا الهجوم المباغت عن طريق قواتها فقط أم تلقت عونا من جهات خارجية لها مطالب أو أهداف أو مصالح تود الحصول عليها، حيث ظهرت أثناء القتال أسلحة أمريكية حديثة بيد قوات الدعم السريع؟ فهل عجلت الولايات المتحدة الأمريكية بإشعال النزاع لتحقيق أهداف غير معلنة؟ ماذا دار في لقاء حميدتي الأخير مع آبي أحمد، والذي تم في مقر وزارة الدفاع الإثيوبية يوم السبت ٢١ يناير بحضور وزير الدفاع إبراهام بلاي؟ وهل لهذا اللقاء علاقة ببدء الحرب؟

جميع هذه التساؤلات ومحاولة الإجابة عنها أو التكهن بإجابات لها تنم بما لا يدع مجالا للشك عن وجود أياد خفية تحرك طرفي النزاع سواء كان برغبتهما أو قسرا عنهما باستخدامهما أو أحدهما على الأقل كعرائس متحركة (ماريونيت) يتم التلاعب بها لتحقيق تلك الأهداف الخفية!

١-هل اتخذت الحرب كغطاء للحصول على ذهب السودان كما حدث سابقا بالعراق، حيث يمثل السودان ثاني أكبر منتج للذهب على مستوى القارة الإفريقية، وذلك لعرقلة محاولات العديد من دول العالم العودة لاقتناء الذهب كبديل للدولار في الاحتياطيات النقدية عن طريق محاولة الاستيلاء على وتجفيف منابع الذهب في العالم ومن هذه المصادر السودان؟

٢-هل هي محاولة لشغل العالم بقضية جديدة تؤدي لتشتيت جهود الدول التي تعمل على التخلي عن الدولار وإحلاله بسلة عملات جديدة، خاصة بعد فرض العقوبات الاقتصادية ضد روسيا عقب الحرب الأوكرانية وتجميد أصول وأموال روسية قدرت بثلاثمئة وثلاثين مليار دولار أمريكي ما فاقم قلق العديد من الدول التي كانت تحتفظ باحتياطيات كبيرة من العملة الأمريكية، ما أدى إلى تسليط الأضواء على مخاطر الاحتفاظ بأصولٍ دولارية قد تتبخر بين عشية وضحاها؟

٣-هل للحرب علاقة بتخوف الولايات المتحدة مؤخرا من تقلص نسبة احتفاظ الدول عالميا باحتياطياتها النقدية بعملة الدولار كعملة دولية حيث تراجع نصيب الاحتياطيات الدولارية لدى البنوك المركزية بنسبة 7.8% في عام 2022 إلى أدنى مستوى له منذ سنة 2003 طبقا لبلومبرج، في إشارة إلى تراجع هيمنة الدولار الأميركي في الاقتصاد العالمي؟ ونشوب مثل هذه الحرب قد يفتح المجال نحو السيطرة على مصادر الذهب بالسودان، حيث تسيطر قوات الدعم السريع بقيادة الفريق حميدتي على صناعة تعدين الذهب، التي تمثل أقل قليلا من خمسين في المئة من موارد السودان.

٤-بدا مؤخرا أن طبيعة التجارة في العالم تتغير، وأن الدول التي كانت تحتفظ بالدولار باعتباره العملة الرئيسية في التجارة الدولية بدأت في تغيير قواعد اللعبة خاصة في ظل تشجيع الصين لاستخدام عملتها، اليوان، في التجارة مع الدول الأخرى، الأمر الذي أصبح مهدداً لدور العملة الخضراء التي تتربع على عرش التجارة العالمية. وقد عقدت الصين اتفاقات مع دول مختلفة كالبرازيل وكازاخستان وغيرها تسمح بالتبادل التجاري معها بالعملة المحلية. هذا وتوضح تصريحات العديد من الخبراء الاقتصاديين أن سياسة العقوبات الأمريكية، باعتبارها سلاحا في يد الولايات المتحدة، تضر بقوة العملة الأمريكية ودورها البارز في التجارة والاقتصاد العالميين. تأتي هذه الآراء في وقت تسعى فيه دول بريكس" والتي تضم كلا من الصين وروسيا في عضويتها، إلى تحجيم دور الدولار في الاقتصاد العالمي. لذا فهل يمكن القول إن الولايات المتحدة قد بدأت في تسليح الدولار؟

٥-هل أرادت الولايات المتحدة وضع قدم داخل الأراضي السودانية كمنافس لروسيا في الحصول على ثروات وموارد السودان الطبيعية، وتحجيم محاولات روسيا توسيع رقعة نفوذها في إفريقيا عموما والسودان على وجه الخصوص لخدمة المصالح الروسية في المنطقة متجاوزة السودان ذاته؟

يضاف إلى ما سبق التأثير المتوقع للحرب السودانية فى الشأن المصري. وهنا يأتي التساؤل: ماذا عن حرب الكواليس الخفية وتأثيرها فى مصر؟ هل لنا أن نتساءل: ما إذا كان تأجيج الحرب الأهلية ونشر الفوضى في السودان لهما علاقة بظهور النسخة الحديثة من ناصر في شخص الرئيس السيسي وما يمثله ذلك من مخاوف أو عدم قبول راود الغرب سابقا؟ هل يعيد التاريخ نفسه في مشهد معاهدة لندن سنة ١٨٤٠ وتوقف تمدد النفوذ المصري في عهد محمد علي باشا؟

قطعا ستؤدي هذه الحرب إلى نتائج سلبية على الأمن القومي المصري وتعيد فتح المجال للتنظيمات الإرهابية لإيجاد ملجأ لها وملاذ منه تنطلق نحو تحقيق أهداف وضعتها أطراف دولية وإقليمية تسعي لتعطيل عجلة التنمية المصرية التي انطلقت لتحقيق الاكتفاء الذاتي من محاصيل مهمة مثل القمح والذرة والسكر والزيوت، وزيادة حجم الصادرات، والتصنيع العسكري، وتحديث القدرات التسليحية للجيش المصري.. إلخ.

فهل هي محاولة لجر مصر لمصيدة السودان، والتي ستكون مؤثرة سلبا عن طريق فتح جبهة جديدة للإرهاب على حدود مصر الجنوبية تضر بحالة الاستقرار الأمني في مصر، ما يمثل ثقلا جديدا على الأجهزة الأمنية المصرية؟ هذا بالإضافة إلى تزايد أعداد اللاجئين المتوقع لما يقدر بنسبة عشرة فى المئة من إجمالي تعداد السكان، بما يشكل إضراراً هائلا بالاقتصاد المصري المثقل بالفعل. ثم تأتي محاولة الزج بمصر عسكريا في السودان وما يمثله ذلك من تكلفة باهظة ستؤثر حتما فى مشروعات الإعمار التي تتم حاليا. ويجب ألا يفوتنا ما قد ينتج عن تعقيد مسألة التعامل مع سد النهضة، سواء كان دبلوماسيا أو غير ذلك.

أخيرا وليس آخرا، ماذا عن فرق المهندسين المصريين التي تتولى إدارة جميع المنشآت المائية بالسودان مثل سدّى مروي والرصيرص وغيرهما بناء على اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل الموقعة عام ١٩٥٩ مع السودان وكذا من خلال الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل الناتجة عن هذه الاتفاقية التي أبرمت عام ١٩٦٠؟ وماذا عن فرق المقاومة الاستباقية للذود المبكر عن الزراعات المصرية من هجوم الجراد الصحراوي طبقا للاتفاق المبرم مع وزارة الزراعة والغابات بالسودان عام ٢٠١٣ بمشاركة منظمة الفاو؟

ربما يمكننا، من منظور ورؤية شاملة متكاملة آخذين ما سبق بعين الاعتبار، أن ندرك حجم الضغط الذي تتعرض له مصر من لاعبين دوليين وإقليميين (دول غير عربية) لهم مصلحة في تحجيم الدور المصري وعدم الانطلاق للرحابة الاقتصادية والإقليمية والدولية؟

فلعلنا نستفيق كشعب ونحاول تفهُم الصورة الكلية لما خلف الكواليس لتقدير الحجم الهائل من ضغوط وتبعات اتخاذ القرار المصري!

حفظ الله مصر.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. أحمد عرفان

    د. أحمد عرفان

    استشارى تكنولوجيا المعلومات