من المجلة - ملف العدد

إجراءات مواجهة تغير المناخ .. رؤية مقارنة بين نتائج مؤتمرى باريس وجلاسكو

طباعة

«ينبغى على الأطراف اتخاذ إجراءات للتصدى لتغير المناخ، وأن تحترم وتعزز وتراعى ما يقع على كل منها من التزامات بما يحقق التنمية المستدامة، فتغير المناخ يشكل شاغلاً مشتركاً للبشرية».. مؤتمر باريس 2015.

«ينبغى التوجه نحو التقنيات الخضراء للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإعداد برنامج عمل لتحديد هدف عالمى بشأن التكيف الذى سيحدد الاحتياجات والحلول الجماعية لأزمة المناخ».. مؤتمر جلاسكو 2021.

 «لا نملك سوى أرض واحدة» شعار يوم البيئة العالمى 2022، وهو أيضا شعار مؤتمر استكهولم للبيئة البشرية 1972.

فلا تزال الأرض تحتوينا ولكن يجب أن نستمر فى تقليل آثار ما صنعه الإنسان من مشكلات بيئية ظهرت من جراء نظم تنمية تجاهلت النظم البيئية وأثرت فى المناخ. ويشكل التكيف والتخفيف من تغيرات المناخ تحديا عالميا يجب على الجميع الاتجاه نحوهما. ولهاتين الإشكاليتين أبعاد محلية ووطنية، وإقليمية، ودولية، فهما تشكلان عنصرا أساسيا فى الاستجابة العالمية الطويلة الأجل لتغير المناخ وإسهام رئيسى منها لحماية البشر وسبل العيش والنظم الإيكولوجية، وعلى جميع الأطراف تكثيف جهود التكيف والتخفيف ودعم الجهود والتعاون الدولى المتعلق به، فهناك حاجة ملحة الآن أكثر من أى وقت مضى للتكيف والتخفيف من آثار تداعيات المناخ.

تبدو قضيتا التكيف والتخفيف من تداعيات تغير المناخ والإهتمام بهما أمرا شغل العلماء والباحثين والسياسيين منذ التسعينيات من القرن الماضي. وقد ظهر هذا الاهتمام فى تناول هذه القضية فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1992، حيث أشارت فى المادة (4) الخاصة بالالتزامات إلى قيام جميع الأطراف بإعداد برامج وطنية تتضمن تدابير للتخفيف من تغير المناخ عن طريق معالجة الانبعاثات البشرية الصادرة من غازات الدفيئة وإزالة الانبعاثات، واتخاذ تدابير لتيسير التكيف بشكل ملائم مع تغير المناخ، وتنفيذ تلك البرامج ونشرها، وكذلك تطوير وإعداد خطط ملائمة ومتكاملة لإدارة المناطق الساحلية والموارد المائية والزراعية وحمايتها، لاسيما فى إفريقيا التى باتت متضررة من الجفاف والتصحر والفيضانات. كما تضمنت الاتفاقية أخذ أمور تغير المناخ فى الحسبان إلى الحد الممكن عمليا فى سياسات الدول وإجراءاتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ذات الصلة، واستخدام أساليب ملائمة، مثل تقييمات الأثر، تصاغ وتحدد على الصعيد الوطنى بغية التقليل إلى أدنى حد من الآثار الضارة التى تلحق بالاقتصاد والصحة العامة ونوعية البيئة من جراء المشاريع أو التدابير التى تضطلع بها من أجل التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، وأن تتخذ الدول تدابيرمناظرة بشأن التخفيف من تغير المناخ مع ضرورة الحفاظ على نمو اقتصادى قوى ومستدام واستخدام التكنولوجيا، فضلاً عن تقديم إسهامات منصفة من جانب كل الأطراف فى الجهد العالمي.

أولاً - مؤتمر واتفاقية باريس 2015:

عُقد مؤتمر باريس لتغير المناخ فى الفترة من 29 نوفمبر إلى 13 ديسمبر 2015، وتضمن الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ.

وتعد اتفاقية باريس علامة فارقة فى عملية تغير المناخ المتعددة الأطراف، لأنه لأول مرة تقوم اتفاقية ملزمة بجمع كل الدول فى قضية مشتركة للاضطلاع بجهود طموح لتغير المناخ والتكيف مع آثاره، حيث يوفر اتفاق باريس إطاراً دائماً يوجه الجهد العالمى لعقود قادمة، والهدف هو رفع مستوى طموح الدول بشأن المناخ بمرور الوقت. ولتعزيز ذلك نص الاتفاق على إجراء عمليتى مراجعة، كل منها على مدى خمس سنوات، والتحول إلى عالم منخفض الكربون. هذا الاتفاق يعد تنفيذه أمرا ضروريا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لأنه يوفر خريطة طريق للإجراءات المناخية، من شأنها تقليل الانبعاثات وبناء القدرة على الصمود والتكيف مع تغير المناخ.

ومن خلال ما طرح بالمؤتمر وتضمنته الاتفاقية فى مجال التكيف والتخفيف من آثار تداعيات تغير المناخ، نشير إلى بعض الإجراءات، منها التزام الأطراف بإجراءات للتكيف مع الآثار الضارة لتغير المناخ، وتعزيز القدرة على تحمل تغير المناخ، وتوطيد التنمية المنخفضة الانبعاثات من غازات الدفيئة، مع تكوين رؤية طويلة الآجل وروابط بين التخفيف والتكيف والتعاون، فضلاً عن تقديم الموارد المالية من الدول المتقدمة بهدف تحقيق التوازن بين التخفيف والتكيف مع الوضع فى الحسبان الاستراتيجيات النابعة من الدول وأولويات واحتياجات الدول النامية والدول الإفريقية، مع تأكيد تبسيط الإجراءات الخاصة بالوصول إلى الموارد المالية.

بالإضافة إلى ذلك، هناك تنفيذ ودعم الإطار الحالى المحدد وانتهاج سياسات بديلة، مثل النهج المشترك للتخفيف والتكيف للإدارة المتكاملة والمستدامة للغابات، مع تأكيد تحفيز فوائد عدم استخدام الكربون المتعلقة بهذا النهج وتمويل أنشطة التنفيذ والدعم بناءً على النتائج، وكذلك الالتزام باتباع نهج التعاون الطوعى فى تنفيذ الإسهامات على المستوى الوطنى حتى تسمح بطموح أعلى فى إجراءات التخفيف والتكيف لديها بما يدعم التنمية المستدامة والسلامة البيئية، فضلا عن تقديم خطة عمل لحماية الشعوب وسبل المعيشة والأنظمة البيئية والتكيف معها، ومراعاة النوع الاجتماعي، على أن تكون مبنية وموجهة بواسطة أفضل العلوم المتاحة والمعارف التقليدية ومعارف الشعوب الأصلية وأنظمة المعرفة المختلفة.

وتضمنت الإجراءات الالتزام بالتعاون الدولى لجهود التكيف بما يحقق الحفاظ على الأنظمة البيئية ووضع خطط للتعاون للتكيف، وتشمل ما يرتبط بالعلم والتخطيط والسياسات والتنفيذ لإجراءات التخفيف، وكذلك التزام المنظمات والهيئات المتخصصة بالأمم المتحدة بدعم جهود الأطراف فى تنفيذ مختلف الإجراءات الخاصة بالتكيف، مع التزام كل طرف بعمليات للتخطيط والتكيف وتنفيذ الإجراءات بالإضافة إلى إعداد وتحسين الخطط والسياسات أو الإسهامات ذات الصلة التى تشمل تنفيذ خطط التكيف الوطنية وتقييم مخاطر تغير المناخ على المناطق والأنظمة البيئية مع دعم إنتاج الغذاء، وأيضاً التزام الأطراف بتخفيف وتقليل -والتعامل مع- الخسائر والأضرار المتعلقة بالآثار العكسية لتغير المناخ، علاوة على الظواهر المناخية المتطرفة، ودور التنمية المستدامة فى تقليل المخاطر والخسائر والأضرار على أن يقدم كل طرف معلومات حول هذا الأمر لتحقيق التكيف.

كما أشارت الإجراءات إلى بناء قدرة الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية على التصدى للمخاطر والتكيف، وتشمل التنوع الاقتصادى والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية،  مع وضع رؤية استراتيجيه طويلة الأجل حول أهمية تحقيق وتطوير ونقل التكنولوجيا بصورة كاملة بهدف تحسين القدرة على التكيف مع تغير المناخ والحد من الانبعاثات الدفيئة، وكذلك وضع آلية لتشجيع الابتكار، حيث يعد أمرا حاسما للاستجابة الفعالة العالمية الطويلة الأجل للتكيف مع تغيرات المناخ وتعزيز النمو الاقتصادى، فضلاً عن تكليف لجنة التكيف بمراجعة الترتيبات المؤسسية لإجراءات التكيف التى نصت عليها الاتفاقية الإطارية والنظر فى المنهجيات المطلوبة لتقييم احتياجات التكيف فى الدول النامية. كذلك، وضع منهجيات واعتمادها حول الخطوات اللازمة لتسهيل حشد الدعم من أجل التكيف فى الدول النامية.

وقد طُلب من الصندوق الأخضر للمناخ الإسراع بصياغة برامج عمل وطنية للتكيف ودعم الدول الأقل نموا والتنفيذ اللاحق للسياسات والمشروعات والبرامج المحددة من هذه الدول. كما تقرر حث الأطراف من الدول المتقدمة من خلال خريطة طريق محددة لتحقيق الهدف المتمثل فى الاشتراك بتوفير 100 مليار دولار سنويا بحلول 2020 للتخفيف والتكيف مع زيادة تمويل التكيف من المستويات الحالية، ومواصلة تقديم الدعم الحالى للتكنولوجيا وبناء القدرات.

وتقرر أيضا أن تسعى عملية الفحص التقنى للتكيف إلى تحديد فرص حقيقية لتعزيز القدرة على التصدى لأخطار تغير المناخ والحد من نقاط الضعف وزيادة فهم إجراءات التكيف وتنفيذها، وان تراعى عملية الفحص التقنى للتكيف أيضا عملية الفحص التقنى للتخفيف وأساليبها ومخرجاتها ونتائجها. كما تقرر دعوة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى تعزيز أنشطة التوعية التى من شأنها تسهيل فهم صناع القرار لخطط وإجراءات التكيف.

ويقوم مرفق البيئة العالمى بتمويل الأنشطة وعمل برامج معززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة وتدهور الغابات فى البلدان النامية، وانتهاج سياسات بديلة، مثل نهج التخفيف والتكيف المشتركة للإدارة المتكاملة والمستدامة، وكذلك دعوة القطاعين العام والخاص للمشا ركة فى تعزيز مستوى الطموح فى مجال التخفيف والتكيف وتنفيذ المساهمات المحددة وطنيا، مع إتاحة الفرص للتنسيق بين مختلف الأدوات والترتيبات المؤسسية ذات الصلة.

ثانيا- مؤتمر جلاسكو 2021:

تم انعقاد المؤتمر عام 2021 بمدينة جلاسكو الأسكتلندية بالمملكة المتحدة فى الفترة من 31 أكتوبر إلى 21 نوفمبر2021، وهو يمثل الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف (cop26). وقد أكد ميثاق جلاسكو للمناخ تعزيز تنفيذ اتفاقية باريس من خلال الإجراءات التى يمكن أن تضع العالم فى مسار أكثر استدامة وأقل إنتاجا للكربون. وقد أعادت الدول تأكيد هدف باريس المتمثل فى الحد من الزيادة فى متوسط درجات الحرارة العالمية، ومواصلة الجهود للحد منها إلى 1٫5 درجة مئوية، وأكدت الآثار المحسوسة بالفعل لتغيرات المناخ فى كل منطقة.

ومن خلال ما طرح بالمؤتمر ووثيقته فى مجال التكيف والتخفيف من آثار تداعيات تغير المناخ، نشير إلى بعض الإجراءات، منها إنشاء برنامج عمل لتحديد هدف عالمى بشأن التكيف، الذى سيحدد الاحتياجات والحلول الجماعية لأزمة المناخ التى تؤثر بالفعل فى العديد من الدول، وإنشاء شبكة تعرف باسم شبكة «سانتياجو»، تربط الدول المعرضة للخطر بمقدمى المساعدة التقنية والمعرفة والموارد لمعالجة مخاطر المناخ والتكيف معه، وإطلاق حوار جلاسكو  الجديد لمناقشة الترتيبات الخاصة بتمويل الأنشطة الخاصة بالتكيف لتجنب وتقليل ومعالجة الخسائر والأضرار المرتبطة بالآثار الضارة لتغير المناخ.

وتضمنت إجراءات «جلاسكو» التزام الأطراف بمضاعفة التمويل لدعم الدول النامية فى التكيف مع آثار تغير المناخ وبناء القدرة على الصمود. ومع أن هذا لن يوفر التمويل الكامل الذى تحتاج إليه البلدان الفقيرة، فإنه سيزيد بشكل كبير من حماية الأرواح وسبل العيش مع تأكيد التعهد بالوفاء الكامل بهدف الـ 100 مليار دولار بشكل عاجل. وقد عبرت الدول المتقدمة عن ثقتها بتحقيق هذا الهدف بحلول عام 2030، وأيضاً التزام الأطراف بتقديم خطط عمل وطنية أقوى فى مجال خفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى عام 2022 بدلا من 2025.

كما دعت إلى دعم جنوب إفريقيا بعدِّها أكبر منتج للكهرباء فى العالم بقيمة 8٫5 مليار دولار على مدى (3 إلى 5 سنوات) قادمة للانتقال العادل من الفحم إلى اقتصاد منخفض الكربون،  من خلال دول المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والنمسا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبى، وضع حد للدعم غير الفعال  للنفط والغاز الذى لا يعتمد على تقنيات تخفيض الكربون.

وقد تعهدت 130 دولة بإنهاء إزالة الغابات بحلول عام 2030 وحماية الموائل الطبيعية الثمينة والأراضي، وقررت أكثر من ثلاثين دولة وست شركات لتصنيع السيارات أن تكون مبيعاتها من السيارات والشاحنات الجديدة مركبات خالية من الانبعاثات بحلول عام 2040 على مستوى العالم، كما وافقت أربعون دولة على خطة تقودها المملكة المتحدة لتسريع تبنى التقنيات النظيفة بأسعار معقولة فى جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030، وتشمل هذه الخطة خمسة مكونات، هى المركبات العديمة الانبعاثات فى قطاع النقل والطاقة النظيفة، والإنتاج المحدود للانبعاثات للفولاذ فى قطاع الصناعات الهندسية وإتاحة الهيدروجين المتجدد، وترويج الزراعة المستدامة المقاومة لتغير المناخ.

كما تقرر، وفقا لإجراءات جلاسكو، إنشاء صناديق جديدة، إقليمية ودولية، لدعم تدابير التكيف ومضاعفة الالتزامات الحالية بحلول عام  ٢٠٢5، وتعويض الدول الفقيرة عن الخسائر والأضرار الناجمة عن الإسهام التاريخى للدول الصناعية فى الانبعاثات المسببة لتغير المناخ.

ثالثا- جهود مصر والدول العربية والكبرى فى مجال تغير المناخ:

قامت مصر بجهود حثيثة فى مجال الحد من تأثيرات تغير المناخ، خاصة التكيف والتخفيف منها، حيث أعدت، فى مايو 2022، «الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ مصر 2050»،  وحددت خمسة أهداف، هي: تحقيق نمو اقتصادى منخفض الانبعاثات وبناء المرونة والتكيف مع تغير المناخ، وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، وتحسين الحوكمة وإدارة العمل فى مجال تغير المناخ، وتحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، وتعزيز البحث العلمي، وإدارة المعرفة، ونقل التكنولوجيا، ورفع الوعى لمكافحة تغير المناخ.

أصدرت مصر السندات الخضراء بمبلغ 750 مليون دولار، تهدف إلى توفير تمويل المشروعات صديقة البيئة، وتشجيع الاستمارات النظيفة، وإعداد خريطة للمناطق المعرضة لمخاطر التغيرات المناخية على مستوى الجمهورية لمساعدة متخذى القرار فى اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية هذه المناطق والتخفيف من آثار هذه المخاطر. كما تبنت الاتجاه نحو الطاقة الجديدة والمتجددة، حيث أطلقت القاهرة استراتيجية الطاقة المستدامة لعام 2035 (حيث تمثل الطاقة المتجددة حالياً 20%، ويصل المستهدف إلى 42% بحلول 2035)، علما بأنه تم خفض استهلاك مصر من الفحم بنسبة 62٫1%، فضلاً عن اتجاهها للإنتاج والاستثمار فى مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء كوقود نظيف واعد كإحدى آليات تخفيف الانبعاثات واستخدامه محليا، إلى جانب التصدير للأسواق الخارجية، علاوة على التحول إلى وسائل النقل صديقة البيئة باستخدامها للغاز الطبيعي، حيث إنه بديل للوقود الأكثر تلويثا، وكذلك التوسع فى مشروعات النقل المستدام (خطوط جديدة للمترو) ومشروع القطار الكهربائى الخفيف، ومشروع المونوريل بالعاصمة الإدارية الجديدة.

وتسعى مصر إلى خفض التلوث بحلول 2030 إلى 50% من خلال التحكم فى التلوث الصناعى والحد من عوادم المركبات وتنفيذ مشروعات للحد من التلوث وآثار تغير المناخ بالقاهرة الكبرى بتكلفة 200 مليون دولار، وإطلاق مبادرة زراعة 100 مليون شجرة بأنحاء الجمهورية لاستيعاب المزيد من ثانى أكسيد الكربون وتخفيف آثاره، وكذلك تنفيذ برنامج متكامل لإدارة المخلفات الصلبة، يهدف إلى تطبيق معايير دولية لمدافن المخلفات لتخفيف انبعاثات الميثان وتحويل المخلفات إلى وقود باستثمارات إجمالية تتراوح بين 340 و500 مليون دولار لتنفيذ المرحلة الأولى من مبادرات تحويل المخلفات إلى كهرباء.

كما تعمل على تنفيذ مشروعات الغاز الحيوى وتحويل المخلفات الحيوانية والزراعية إلى غاز حيوى يستخدم فى الطهى وتسخين المياه فى المنزل الريفى والمزرعة، حيث تم تنفيذ 1732 وحدة منزلية وزراعية فى 18 محافظة، وكذلك تنفيذ أعمال حماية لـ (210 كم) من الشواطئ المصرية بتكلفة إجمالية 4٫2 مليار جنيه بهدف التكيف مع التغيرات المناخية والتصدى لظاهرة النحر والآثار الناتجة عن ارتفاع منسوب سطح البحر، إلى جانب إيقاف تراجع خط الشاطئ والحفاظ على الأراضى الزراعية والاستثمارات القائمة على السواحل، والمحافظة على سلامة واستقرار الكتل السكنية بالمناطق الساحلية.

وفقاً لهذه الجهود، تقدمت مصر خمسة مراكز فى مجال مكافحة تغير المناخ لتتقدم فى الترتيب على كل من الولايات المتحدة وتركيا وجنوب إفريقيا محتلة المركز الحادى والعشرين عام 2022 مقارنة بالمركز السادس والعشرين عام 2014. وقد أشار صندوق النقد الدولى إلى أن إصدار السندات الخضراء السيادية لمصر يدعم مبادرات المناخ فى أكثر من مجال بما فى ذلك الطاقة المتجددة، والنقل النظيف، واستدامة المياه، كما تعد مصر من بين الدول التى بذلت بالفعل جهودا للتكيف المناخى من خلال التوصل إلى الاقتصاد الأخضر.

وقد شاركت الدول العربية فى جهود مواجهة تغير المناخى على نحو كبير، فقد أقامت تونس بعض المشروعات للتكيف والتخفيف، منها مشروع المنظومات الواحيَّة وسبل كسب العيش الذى ساعد الواحات التقليدية فى التغلب على عوامل التصحر وتحسين المنظومات البيئية، وكذلك مشروع الإدارة المتكاملة للأراضى فى المناطق المتأخرة الذى اشتمل على تدخلات لإدارة الأراضى  تراعى قضايا المناخ، وهو من الاستثمارات الخضراء للتكيف مع تغير المناخ.

فقد أقام المغرب بعض مشروعات للتكيف والتخفيف، منها مشروع الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية، وخلق اقتصاد أزرق تتوافر له مقومات الاستدامة، بالإضافة إلى تحسين مستويات الاحتواء فى البر، وكذلك مشروع كسب العيش لصائدى الأسماك لجعلهم أقدر على الصمود والتكيف مع الاحترار العالمي، وما ينجم عنه من ارتفاع درجات الحرارة، ما خلف آثارا سلبية على أقوات المجتمعات الساحلية واستهلاكها. وتساعد مساندة أنشطة إضافية، مثل زراعة الطحالب والسياحة البيئية هذه المجتمعات فى تنويع أنشطتها، وأن تصبح أقدر على الصمود فى وجه الصدمات المناخية والتكيف معها.

كما قررت الرباط إيقاف استعمال الأكياس البلاستيكية وإطلاق خطط جديدة لتوسيع شبكتى الترام الكهربائى واستبدال  سيارات الأجرة القديمة الملوثة، والبدء فى أول مشروع فى إفريقيا لتأجير الدراجات فى المدن، إلى جانب زراعة 200 ألف هكتار من الغابات للتخفيف من تداعيات تغير المناخ.

 تتبنى بعض البلدان العربية الخليجية حلول نظم الزراعة الحديثة بما فيها الزراعة العمودية والمائية التى تخفض استهلاك المياه بنسب لا تقل عن 90% وتزيد من معدل الإنتاجية، وتعمل على توفير الدعم المادى وتأمين مستلزمات الزراعة بقيمة منخفضة وتقديم التوجيه الإرشادى الذى يضمن نجاح النظم واستدامتها.

وقد طرحت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2015 خطة تنفيذية باسم «الأجندة الخضراء لدولة الإمارات 2015-2030» تضمنت مجالات الطاقة الخضراء، والاستثمار الأخضر، والمدن الخضراء، والحياة الخضراء، والتقنيات الخضراء، حيث  قامت  بتحسين عمليات إنتاج الإسمنت باستخدام مواد صديقة للبيئة فى تصنيع الخرسانة، كما استخدمت أسلوب الزراعة المائية (بدون تربة) كنمط للتكيف مع المناخ الصحراوى الجاف من خلال تعزيز كفاءة استخدام المياه وتحسين نوعية المحاصيل.

وأنشأت مدينة دبى بالإمارات العربية المتحدة المركز الدولى للزراعة الملحية (إكبا ICBA)، ويركز على وضع حلول للتكيف فى مجالات المياه والزراعة وأنواع المحاصيل التى تتحمل شدة الجفاف أو الملوحة وتوسيع العمل على هذا النحو، ومن ثم ربطها بالنماذج الاقتصادية.

وأعدت إفريقيا مبادرة السور الأخضر العظيم لزراعة (100) مليون هكتار بالأشجار والشجيرات بحلول عام  2030 لمنع الصحراء الكبرى من التوسع جنوبا. ويتوقع أيضا من هذا الحزام الأخضر هطول الأمطار داخل منطقة الساحل الإفريقية، وتقليل درجات الحرارة فى الصيف فى معظم أنحاء شمال إفريقيا، وفى حوض البحر المتوسط.

كما تعددت أيضا جهود الدول الكبرى فى مواجهة تداعيات تغير المناخ، منها جهود أوروبا والصين وكندا واستراليا.

فعلى المستوى الأوروبي، ابتكرت شركة (يوريكا) بالمملكة المتحدة دراجة نارية تقدم مفهوماً ثوريا للانسيابية الهوائية، ما يسهم فى تحسين كفاءتها بنحو 15 إلى 20% مقارنة بالدراجات النارية التقليدية. كما أحيت مدينة لندن ممراتها المائية Discoverتحت عنوان «أنهار التغيير» التى استخدمتها كأقنية صرف صحى بعد تغطيتها بالخرسانة منذ مئات السنين.

فقد سعت السويد للتحول من الوقود الأحفورى فى قطاع النقل إلى الوقود المستدام والاعتماد على الكهرباء فى تشغيله،  وكذلك إنتاج المزيد من الخلايا الشمسية وتخزين الطاقة، فضلا عن تقديم إعفاءات ضريبية للصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة، مع اتخاذها خطوات لخفض استخدامها.

أما هولندا، فقد عملت على تقديم حوافز للشركات لإدارة أعمالها بطريقة صديقة للمناخ، مع الانتقال الكامل لإعادة استخدام النفايات.

ونفذت إيطاليا مشرعا مكونا من 6 كبسولات بلاستيكية تستند إلى قاع البحر على بعد 40 مترا من الشاطئ، وهى من أول الدفيئات المعدة للزراعة تحت الماء فى العالم. ويهدف المشروع إلى إنشاء نوع جديد من الزراعة المستدامة والصديقة للبيئة، ويتم فيه مراقبة درجات الحرارة والرطوبة ومستويات الضوء لضمان الظروف المثالية لنمو النبات. وتشير النتائج إلى أن الضغط المتزايد داخل الكبسولات سبب لسرعة الإنبات، كما لا توجد حاجة لاستخدام المبيدات وتزويد النباتات بمياه البحر المحلاة والماء الناتج عن التكاثف على جدران الكبسولات.

وقد طورت شركة نمساوية محرك احتراق هيدروجينى للمركبات الثقيلة بديلا عن محرك الديزل التقليدى لتفادى انبعاثات نحو 3٫5 طن من غازات الدفيئة عن كل مركبة سنويا.

كما أطلق بنك الاستثمار الأوروبى (EIB) أول خطة يخصصها للتكيف المناخي، وتهدف لدعم المشروعات للتكيف مع آثار تغير المناخ فى جميع أنحاء العالم. وتعهد البنك بزيادة حصة دعم التكيف بميزانيته إلى نسبة 15% من التمويل الإجمالى الذى يقدمه للعمل المناخى بحلول عام 2025.

ودشنت المفوضية الأوروبية الاتفاقية الخضراء التى تستهدف تحقيق الأهداف المتعلقة بالانبعاثات وتطوير صندوق لدعم الدول الأكثر تضررا من وقف استخدام الوقود الأحفوري.

من ناحية أخرى، قامت وزارة البيئة والإيكولوجيا الصينية بـ (5700) مشروع تخضير تغطى 347 ألف هكتار، وخططت للتحول إلى مشروعات الطاقة الكهرومائية 352 GW، وبالتالى أصبح استهلاك الطاقة النظيفة يمثل 22٫1%، وقامت بتخفيض استهلاك الفحم بنسبة 9٫5 % مقارنة بعام 2012. كما بلغ عدد السيارات التى تستخدم الطاقة الجديدة فى الصين 3044 مليونا.

كما قامت بكين بإطلاق المرحلة الثانية من مزرعة الرياح البحرية التابعة لمجموعة سانشيا بخليج شينفهوا فى مدينة فوتشنيج بمقاطعة فوجيان، كأول توربين رياح فى الصين يعمل بقوة 10 ميجاوات بثبات لمدة خمسة أشهر وولد 13 مليون كيلوات / ساعة من الكهرباء، وهى حالياً أكبر توربينات الرياح البحرية فى منطقة آسيا والمحيط الهادي، وثانى أكبر توربينات العالم.

وقامت كندا بتطبيق تسعير الكربون فى أغلب المقاطعات منذ عام 2019، وحددت الحكومة أهداف المبيعات من المركبات الخالية الانبعاثات بنسبة 10% بحلول عام 2025، و30% بحلول عام 2030، و100% بحلول عام 2040. كما ابتكرت هيئة الطرق باستراليا خطة أسفلت جديدة بوضع قطع من السيراميك الفاتح اللون مع خلطة الأسفلت، ما يساعد فى انعكاس أشعة الشمس ويخفف من حرارة الطريق.

الخلاصة: هناك اتفاقيات توقع، والتزامات تدشن، ونقاشات تطرح، وتعهدات تطلق، وآمال تعلق. لكن يبدو أن ما طرحته المؤتمرات الخاصة بتغير المناخ، سواء فى باريس 2015، أو جلاسكو 2021، وغيرها، وإن كان قد حقق تقدماً محدوداً فى عدد من القضايا المتعلقة بتقليل الانبعاثات الكربونية، واستخدام الوقود الأحفوري، والقيام ببعض إجراءات التكيف والتخفيف، حيث أطلقت بعض الدول بالفعل حلولاً منخفضة الكربون وأسواقا جديدة، وظهر ذلك فى قطاعى الصناعة والنقل، فإنه لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به، خاصة التعهد المتمثل فى دعم الدول النامية بـ 100 مليار دولار سنويا للتخفيف والتكيف وزيادته، والاتجاه نحو الطاقة الجديدة، لاسيما الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والحد من استخدام الوقود الأحفورى وتقليل الانبعاثات. هناك أيضا المزيد من الحاجة إلى إجراءات للتكيف فى مجال الزراعة والغذاء والمياه باستحداث أساليب جديدة، وكذلك إجراءات للحفاظ على التنوع البيولوجى والنظم البيئية والغابات. فنحن بحاجة إلى توعية الناس بقضايا تغير المناخ وما يجب أن يقوموا به من سلوكيات، فهم أحد الأضلاع المهمة والفاعلة أيضا، لأنهم مستهلكون ومنتجون فى آن.

لقد كان للمؤتمرات والاتفاقيات زخم شديد لتحقيق ما تم الاتفاق عليه، وأحياناً رفع سقف الطموحات، لكن يبقى هناك شوط كبير لنقطعه، ليس بزيادة التعهدات، وإنما بالإرادة السياسية للدول لتحقيق طموحات سكان الكوكب. ويبقى المحك الأخير هو الخيار والالتزام الأخلاقى وسيبقى هو المحك الأهم لوقف تدهور الكوكب لاستقامة الحياة وجودتها.

الهوامش:

- اتفاق باريس، الأمم المتحدة، 2015.

- اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الأمم المتحدة، 1992.

- الخطط الوطنية للتغير المناخى لدولة الإمارات العربية (2017-2050)، وزارة التغير المناخى والبيئة، 2017.

- المركز الدولى للزراعات المحلية ICBA، دبي، الإمارات، 2016.

- قاظم المقدادي، استكهولم، فعاليات لمواجهة التحديات البيئية فى انتظار تنفيذ التعهدات، مجلة البيئة والتنمية، المنتدى العربى للبيئة والتنمية (AFED)، يونيو 2022، عدد (291).

- محمد الجالي، البيان المصرى الأوروبى المشترك حول المناخ والطاقة، جريدة اليوم السابع، يونيو 2022.

- مركز المعلومات واتخاذ القرار، مجلس الوزراء: التغيرات المناخية، إبراز المخاطر العالمية، التداعيات العالمية والمحلية حتى 2050، توجهات مستقبلية، نشرة دورية، السنة(1)، العدد (3)،  مارس 2020.

- مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بتغير المناخ فى جلاسكو كوب 26 - اتفاق جلاسكو.

- نجيب صعب، مجلة التنمية والبيئة ضمن غلاسكو، إلى اللقاء فى مصر والإمارات، 14 نوفمبر 2021، عدد رقم (1592).

- وزارة البيئة، (الاستراتيجية لوطنية لتغير المناخ 2050)، 2022.

- وزارة البيئة، التجربة المصرية للتصدى للتغيرات المناخية، 2022.

- Paris climate change of conference November 2015, Summary report, 29 November, 13 December 2015, International Institute for sustainable development (IISD).

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. عبد المسيح سمعان عبد المسيح

    د. عبد المسيح سمعان عبد المسيح

    الأستاذ بكلية الدراسات العليا والبحوث البيئية، جامعة عين شمس