تحليلات - قضايا عالمية

قراءة في أوضاع حقوق الإنسان بالولايات المتحدة الأمريكية

طباعة


يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقة أشبه بخريطة طريق عالمية  للحرية والمساواة ونشر ثقافة السلام،  والذي تم اعتماده من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية بباريس في  10ديسمبر1948، والذي دعا المجتمع الدولي لتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية المشهد في نهاية السبعينيات من القرن الماضي بقيادة الرئيس الأمريكي الراحل " جيمي كارتر" في تبنى عملية السلام بين مصر وإسرائيل عقب حرب أكتوبر 1973 بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام عام 1978،   وأيضا إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين،   وكذلك توقيع اتفاقية سالت "للحد من الأسلحة الاستراتيجية" مع الاتحاد السوفيتي لإنهاء فترة الحرب الباردة،   إلى أن توالت فترة الرؤساء بعد ذلك، لتمثل حقبة غير مشرقة منذ بداية حكم جورج دبليو بوش، وغزو العراق، والانتهاك العلني لحقوق الإنسان ومن بعده فترة حكم الرئيس أوباما، حيث كان هناك أمل فى استخدام سياسات إصلاحية تحترم القانون الدولي وعدم التمييز وذلك بناء على جذوره الإفريقية، ثم تولى الرئيس دونالد ترامب الحكم وسياسته الفجة، حيث قام بالانسحاب من اتفاقية تجارة الأسلحة والتي تنظم عمليات نقل ونشر الأسلحة الصغيرة والخفيفة التي تعد جزءا من تحقيق الأمن بالبلاد ووقف ارتكاب الجرائم العشوائية،   ثم تولى الرئيس الحالي "جو بايدن" التى تشهد فترة توليه الحكم انتهاكات بحق المواطنين السود من قبل قوات الأمن .

السياسة الخارجية الأمريكية وحقوق الإنسان:
تبنت الولايات المتحدة الأمريكية  مع بداية الألفية الجديدة سياسات خارجية بمعايير مزدوجة بشأن قضايا حقوق الإنسان واستغلالها للحفاظ على الهيمنة الدولية باعتبارها القوة العظمى العالمية، لتصبح الدولة المطالبة بحماية حقوق الإنسان هي أكثر الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، وذلك مع تولى الرئيس الأسبق" جورج بوش" الحكم ، حيث ارتكب جرائم تعذيب بحق الشعوب، منتهكا "معاهدة الأمم المتحدة ضد التعذيب"، والقانون الإنساني الدولي، دون ملاحقته جنائيا، حيث شهدت فترة توليه الرئاسة تشييد السجون السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، والتي مارست أسوء عمليات التعذيب بما فيها استخدام تقنية  "الإيهام بالغرق" وسوء المعاملة  فى أثناء الاستجواب، وذلك عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 .

 استخدم سجن جوانتانامو في كوبا منذ عام 2002: وهو يعد المثال الحي على وحشية الإدارة الأمريكية، حيث يتم حبس المعتقلين خارج نطاق القانون وحرمانهم من حقوقهم، مع استخدام أبشع أساليب التعذيب التي تخالف الأعراف الدولية والقيم الإنسانية. ووفقا لرواية أحد الأشخاص الذى تم اعتقالهم بسجن جوانتانامو، قال ماجد خان الباكستاني الذى يبلغ من العمر 35 عاما، والذى وجهت له اتهامات بالتآمر والتجسس والقتل  لمحاميه "إن بعضا من أسوأ أساليب التعذيب التي تعرض لها حدثت في جلسة الاستجواب في مايو 2003 عندما جرده حراس وكالة المخابرات المركزية من ملابسه تماما وعلقوه من عارضة خشبية لمدة ثلاثة أيام ولم يقدموا له سوى الماء وكانت المرة الوحيدة التي أنزلوه فيها عن العارضة عصر اليوم التالى عندما كبله المستجوبون ووضعوا غطاء على رأسه ثم أنزلوه في حوض به ماء مثلج وبعد ذلك دفع أحد المستجوبين رأس خان تحت الماء، حتى خشي أن يغرق ثم رفع المستجوب رأسه فوق الماء وطلب إجابات على أسئلة،   ثم دفع رأسه مرة أخرى تحت الماء،   كما سكب الحراس ماء وثلجا من دلو على فم خان وأنفه ثم علق خان على العارضة عاري الجسد إلا من غطاء الرأس، وكل ساعتين أو ثلاثة كان المحققون يسكبون الماء المثلج على جسده مع حرمانه من النوم" و يعد هذا جزءا من رواية أحد المعتقلين، والتي لم يتطرق لها تقرير مجلس الشيوخ فى أثناء مناقشته لهذا الملف، ولا يزال مئات الاشخاص  في جوانتانامو على الرغم من توعد  الإدارة الأمريكية  أمام العالم بغلقه .

غزو العراق2003 : في ظل قيام الولايات المتحدة الأمريكية برفع شعار الديمقراطية، والمساءلة والحكم الرشيد، وتعزيز حقوق الإنسان ارتكبت أبشع الجرائم في حق شعب العراق تحت مسمى مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11سبتمبر2001، فقامت بغزو العراق في عام 2003 بالتحالف مع قوات دولية بحجة نزع أسلحة الدمار الشامل، وقامت بهذا الغزو دون احترام للقانون الدولي الإنساني، كما قامت بقتل الأطفال والشيوخ والنساء، واستهدفت قصف كل دور العبادة و الأماكن الحضارية من متاحف ومعابد، واستولت على جميع آبار البترول فى الأراضي العراقية حيث أصبحت تحت سيطرتها، إلا  أن المثال الحي على انتهاك حقوق الانسان هو تشييد سجن أبو غريب التي ارتكبت به انتهاكات صارخة، حيث صارت على نفس النهج  بتكرار الأفعال الوحشية التي ترتكب في سجن جوانتانامو فى هذا السجن  إلا  أن استراتيجيات التعذيب لم تذكر في حروب العصر الحديث حيث تضمنت اعتداءات جنسية وجسمانية على السجناء ،وتم تسريب صور من داخل السجن لهذه الفظائع، مع إحدى الصور الأخرى التي ظهر فيها سجين واقفا على صندوق مرتديا قناعا أسود وفي يده وصلات أسلاك كهربائية. وهذه جميعها أدلة موثقة تثبت ارتكاب الولايات المتحدة الأمريكية جرائم حرب ضد الإنسانية وانتهاك المواثيق الدولية دون محاسبة .

السياسة الداخلية الأمريكية وحقوق الإنسان:
تعد السياسة الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية جزءا لا يتجزأ من سياساتها الخارجية التي شهدت وقائعها الانتهاك المعلن لحقوق الإنسان والقوانين الدولية،   وهذا ما تم تتبعه بالداخل من انتهاك "الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان" التي نصت عليها المادة (2)، من خلال العنصرية والتمييز التي تتبع ضد المواطنين الأمريكيين" السود "Black الذين كانوا يشكلون 48.8مليون شخص من أصل  329.5مليون شخص في عام،2019 والذين تعود جذورهم إلى الزنوج والمهاجرين الذين يتم التعامل معهم بوحشية من قبل رجال الشرطة الأمريكية وإطلاق الرصاص الحي عليهم واحتجازهم دون أدلة تثبت اتهامهم بارتكاب الجرائم، مما دفع أحد المقررين المختصين للأمم المتحدة بالاعتراف أن هذه الفوارق العرقية هى من بقايا العبودية والفصل العنصري.

أبرز جرائم العنصرية ضد "السود":
- قام ضابط شرطة مدينة "مينيا بوليس" السابق " ديريك شوفين" بارتكاب جريمة قتل لأحد المواطنين السود، ويدعى “جورج فلويد"، وذلك فى أثناء تثبيته على الأرض بغية اعتقاله من قبل شرطة المدينة بحجة تداوله لأموال مزورة بأحد المتاجر - كما أدعى صاحب المتجر- حيث قام ضابط الشرطة بالضغط على عنق "فلويد"  "بركبته" لمنعه من الحركة فى أثناء الاعتقال لنحو تسع دقائق مما أدى إلى  وفاته .

قام أحد المدنيين، وهو رجل أبيض، بفتح النار وقتل 22 شخصا من "السود " في أحد متاجر "وولمارت" في مدينة إلباسو في ولاية تكساس وكان الدافع لجريمته هو كراهية ذوي الأصول الإسبانية، مما دفع مجموعة من المحامين البارزين في مجال حقوق الإنسان وحقوقيين من جميع أنحاء العالم بإعداد تقرير دولي، رصد قتل الشرطة للأمريكيين السود على مدار تاريخ طويل من انتهاكات القانون الدولي التي ترتفع في بعض الحالات إلى  مستوى الجرائم ضد الإنسانية ،كما طالبوا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بفتح تحقيق فوري بهدف الملاحقات القضائية.

كما أشارت بعض الإحصاءات الصادرة عن مكتب التعداد الأمريكي إلى  أن الولايات المتحدة الدولة المتقدمة الوحيدة التي تضم ملايين الجوعى، حيث كان هناك 39.7 مليون شخص يعانون الفقر في عام 2018، وفي ليلة واحدة في عام 2020 كان هناك أكثر من نصف مليون أمريكي يفتقرون إلى  مأوى دائم،   كما كان هناك 65 مليون شخص بالغ آثروا عدم السعي للحصول على علاج لمشكلة طبية بسبب التكلفة. وعلى مر التاريخ، تبين أن السياسة الداخلية تؤثر بشكل فاعل فى السياسة الخارجية لما لها من أهمية في رسم معالم الأخيرة.

رصد حالة حقوق الإنسان بالولايات المتحدة الأمريكية وفقا لتقرير الأمم المتحدة:
أوضح التقرير الأممي، خلال مناقشة ملف الاستعراض الدوري الشامل للولايات المتحدة الأمريكية في 2015، بالأمم المتحدة، بعض التوصيات الموجهة إليها، ومنها ضرورة الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية، والتصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، كما دعتها بعض الدول إلى  ضرورة التصديق على اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل وذوى الإعاقة،   والنظر في الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب،   وأيضا التصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن التمييز في (الاستخدام والمهنة)،   والتصديق على اتفاقية تجارة الأسلحة وتعزيز النظام الدولي في نقل الأسلحة الصغيرة والخفيفة،   كما جاءت التوصيات من العديد من الدول بضرورة التصديق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية،  وأيضا إنشاء مؤسسة وطنية مركزية لحقوق الإنسان .

وفى الأخير، يتضح من مما سبق أن الولايات المتحدة الأمريكية متورطة فى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وليس لديها الاستراتيجيات الكافية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان للقضاء على الفقر والبطالة، وعدم توفير الرعاية الصحية، فى ظل ممارسة أنواع من التمييز بمختلف أشكاله.

طباعة

    تعريف الكاتب

    دينا عبد الواحد

    دينا عبد الواحد

    سكرتير جمعية الأمم المتحدة زيمبابوى لشمال إفريقيا والشرق الأوسط