كتب - كتب عربية

الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا

طباعة
عرض : راندا موسي - باحثة في الاقتصاد السياسي والشئون الإفريقية
 
بحث د. حمدي عبدالرحمن في فصول كتابه الستة محورية القارة الإفريقية في السياسة الخارجية الإسرائيلية علي اختلاف الفترات الزمنية منذ الخمسينيات وحتي اليوم، موضحا السياسة التي اتبعتها إسرائيل لاستمرار الحضور والتأثير في الساحة الإفريقية، علي الرغم من التغيرات التي شهدها النظام الدولي، والنظم الإقليمية.
 
أهداف محورية في إفريقيا:
 
انطلقت السياسة الخارجية الإسرائيلية من مزيج مصلحي وأيديولوجي، واتسمت بطابع إقليمي بالأساس، مركزة علي منطقة الشرق الأوسط بمعناها الواسع وبامتداداته الجغرافية من المغرب العربي وحتي أفغانستان. وكان هدفها الرئيسي هو الهيمنة والسيطرة في إطار محيطها الشرق أوسطي، وشد أطراف نظم الجوار الإقليمية الكبري بما يمكنها من الاختراق والسيطرة.
 
ونظرا لما تحظي به القارة الإفريقية من أهمية جيوسياسية، واستراتيجية، واقتصادية لإسرائيل، فقد ارتكزت سياستها الخارجية في إفريقيا علي خمسة أهداف رئيسية، تتمثل في:
 
1- كسر حدة العزلة الدولية، وكسب قواعد للتأييد والمساندة بما يضفي نوعا من الشرعية السياسية في الساحة الدولية.
 
2- كسب تأييد الدول الإفريقية من أجل تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي، وهو ما سيجعلها وسيطا مقبولا لإيجاد حل سلمي للصراع.
 
3- العمل علي تحقيق أهداف أيديولوجية توراتية بتقديم إسرائيل علي أنها دولة نموذج لـ "شعب الله المختار".
 
4- السعي لتحقيق متطلبات الأمن الإسرائيلي بتأمين كيان الدولة العبرية، وضمان هجرة اليهود الأفارقة إلي إسرائيل، والحيلولة دون أن يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية خالصة.
 
5- بناء قاعدة استراتيجية لتحقيق الهيمنة الإقليمية لإسرائيل من خلال مبدأ "شد الأطراف"، وهو ما يتضح من تركيزها علي دول إفريقية معينة، مثل: السنغال، وإثيوبيا، والكونغو الديمقراطية.
 
التقارب والقطيعة:
 
يشير المؤلف إلي أن إفريقيا انتقلت إلي الأولوية القصوي في أجندة السياسة الخارجية الإسرائيلية منذ الخمسينيات، حين أرادت أن تكسر العزلة الدولية التي فرضتها عليها الدول العربية، وأن تحصل علي الدعم السياسي من الدول الإفريقية في المحافل الدولية، بعد أن أدركت أهمية تلك الدول في مؤتمر باندونج عام 1955، الذي يعد النقطة الفارقة في التوجه الإسرائيلي نحو إفريقيا. وبعد أن حصلت العديد من الدول الإفريقية علي استقلالها مع بداية الستينيات، وأخذت تنشد طريقها نحو التنمية، كانت إسرائيل تترقب لتقوم ببادرة لمساعدة تلك الدول في بناء اقتصاداتها الناشئة، خاصة علي الصعيد الزراعي، وهو ما شجع العديد من الدول الإفريقية علي إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
 
وهو يوضح أن إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، بما مثل من تحد أمام إسرائيل، حيث إنها لا تتمتع بالعضوية في هذا التجمع الأفروعربي، ثم إقامة العديد من التجمعات العربية والإفريقية، أثار توجسات السياسة الإسرائيلية لوجودها منفردة وسط تلك الكيانات الإقليمية الجديدة، لذلك أخذ النشاط الإسرائيلي يتسع لما هو أكثر من العلاقات السياسية والدبلوماسية، مركزا علي التعاون الفني، والتقني، والتبادل التجاري.
 
وعلي الرغم من أن فترة الستينيات كانت بمنزلة العصر الذهبي في العلاقات الإفريقية - الإسرائيلية، فإنه كان هناك العديد من التحديات أمام السياسة الإسرائيلية وتحركاتها في القارة الإفريقية، منها: عدم إدانة إسرائيل لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وتنامي الدور العربي والمصري، خاصة في القارة، ومحاولة احتواء النشاط الإسرائيلي، وهو ما بدأت تتغير معه مدركات الأفارقة تجاه أزمة الشرق الأوسط، بعد نجاح جهود منظمة الوحدة الإفريقية، وفي الأمم المتحدة بإدانة إسرائيل بعد عام .1967
 
وبعد حرب أكتوبر 1973، تقلص التمثيل الدبلوماسي لإسرائيل في القارة من خمس وعشرين دولة إلي خمس دول. ويشرح الكتاب أن الدول الإفريقية التي قامت بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل قد فعلت ذلك تأييدا للموقف المصري كدولة إفريقية تسعي إلي استعادة أراضيها من الاحتلال الإسرائيلي، في حين فسره البعض بأن الموقف الإفريقي كان يرمي إلي الحصول علي المساعدات العربية، ولاسيما من الدول النفطية، في ظل ظهور منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك).
 
ومن الملاحظ أن السياسة الإسرائيلية لم تيأس من إمكانية استمرار علاقاتها مع القارة الإفريقية. فعوضا عن المنظور الجماعي في علاقاتها بدول القارة، اعتمدت إسرائيل علي إقامة علاقات ثنائية بحسبانها أداة أكثر عقلانية ورشادة، وإدراكا للمصلحة المتبادلة. وكان أهم ما يميز تلك العودة هو ترشيد الحركة الإسرائيلية، فلم يعد مجرد التدافع، وكسب النفوذ والتأثير لدي دول القارة هدفا بذاته، بل ركزت علي الدول والمناطق ذات النفوذ الحيوي في التوجه الاستراتيجي الإسرائيلي.
 
الثابت والمتغير في السياسة الإسرائيلية:
 
خمسة عوامل شهدها النظام الإقليمي ساعدت، بشكل أو بآخر، علي التمكين من عودة قوية للسياسة الإسرائيلية، وفقا لما يراه المؤلف الذي يلخصها في:
 
1- توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية عام 1979. وباستكمال الانسحاب الإسرائيلي، بدأت عملية عودة العلاقات الإفريقية مع إسرائيل.
 
2- خيبة أمل الأفارقة من العون العربي، فكثيرا ما اشتكي الأفارقة من الوعود العربية بتقديم المساعدات التنموية التي لم تتحقق.
 
3- الخوف من السياسات الليبية المثيرة للقلق في إفريقيا، وكان التضامن العربي معها أحيانا مصدرا للقلق، كما حدث في النزاع الليبي - التشادي.
 
4- التغيرات الإقليمية والدولية في جنوب إفريقيا، وتفكك الاتحاد السوفيتي.
 
5- تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا منذ نهاية السبعينيات.
 
وفي ظل تلك المتغيرات، اعتمدت السياسة الإسرائيلية علي برامج التعاون الفني لتوفير العودة الملائمة لإسرائيل للقارة الإفريقية.
 
وهكذا، وعلي الرغم مما يشهده النظام الدولي من تغيرات هيكلية، والتحولات في منطقة الشرق الأوسط، فإن تحقيق الهيمنة الإقليمية لإسرائيل ارتبط بمساعيها للمحافظة علي مصالحها، التي تتلخص في تأمين البحر الأحمر، والتركيز علي دول القرن الإفريقي، ودول حوض نهر النيل، والوقوف ضد الحركات المعادية للغرب، حيث تقدم إسرائيل نفسها للعالم الغربي بحسبانها المدافع الأول عن القيم الديمقراطية العلمانية في مواجهة الحركات الأصولية الإسلامية. وتعزز إسرائيل وجودها في القارة الإفريقية بالمساعدات الفنية والعسكرية.
 
التهديد الإسرائيلي والأمن القومي العربي:
 
علي الدوام، كان هناك ثمة ارتباط بين الاختراق الإسرائيلي للقارة الإفريقية، وحالة التردي في الدور العربي، علي نحو سمح بهذا الاختراق للنظم الأمنية والإقليمية بالقرن الإفريقي، والامتدادات الإفريقية للأمن القومي العربي، وإشعال الخلاف بين دول المنبع والمصب لحوض النيل. ويري المؤلف أن قدرة إسرائيل علي التكيف مع ما يطرأ علي المنطقة من تغيرات أتاحت إحداث تغييرات في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، عقب ثورات الربيع العربي. ففي استجابة لما شهدته المنطقة من تطورات متسارعة، كان عليها تطويع العقيدة الأمنية لتصبح أكثر مقدرة علي مواجهة التحديات الإقليمية والدولية الجديدة.
 
وختاما، ينتهي المؤلف إلي ضرورة إقامة حوار استراتيجي عربي - إفريقي جديد يتجاوز إشكاليات الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في القارة الإفريقية، من خلال: إعادة تصحيح المفاهيم التي تعكس المخزون الثقافي والحضاري، وعدم اختزال العلاقات البينية في المقايضات السياسية والتبادل التجاري، والاتفاق علي أسس جديدة للتعاون، واستخدام وسائل القوة الناعمة للدول المؤثرة في المنطقة مثل: مصر، والمملكة العربية السعودية.
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. حمدي عبد الرحمن

    د. حمدي عبد الرحمن

    أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة