مقالات رأى

عملية السلام.. نهاية اللعبة

طباعة
يُفترض أن يعقد غداً اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري بناء على طلب السلطة الفلسطينية لبحث الأزمة الراهنة فيما يسمى بالمفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية نتيجة السلوك الإسرائيلي الذي يصر على استمرار النشاط الاستيطاني في الأراضي التي يفترض أن تكون إقليمياً الدولة الفلسطينية الموعودة ناهيك عن رفض تنفيذ الالتزام الإسرائيلي السابق بخصوص الإفراج عن دفعة جديدة من الأسرى قوامها ألف أسير وهما -أي وقف الاستيطان والإفراج عن هؤلاء الأسرى- شرطا السلطة الفلسطينية لاستئناف التفاوض، بالإضافة إلى تنفيذ إسرائيل الاتفاقيات التي سبق أن وقعت عليها فيما يتعلق بالمعابر. وعندما ردت القيادة الفلسطينية على هذا التعنت الإسرائيلي بتقديم طلبات الانضمام إلى خمس عشرة معاهدة أو اتفاقية دولية ازداد التشدد الإسرائيلي ووجدها جون كيري وزير الخارجية الأميركية فرصة للحديث عن «تصعيد متبادل» ومبرراً لمطالبة «الطرفين» بضبط النفس. وكذلك وجدتها إسرائيل ذريعة للتهديد بإعادة وقف تحويل الضرائب التي تجمعها لحساب السلطة الفلسطينية، وكانت قد لجأت إلى تطبيق هذه العقوبة في ديسمبر 2012 بعد منح الأمم المتحدة فلسطين صفة دولة مراقبة، بالإضافة إلى التهديد بتجميد ترخيص تشغيل الهواتف النقالة في أراضى السلطة، وتقليص أنشطة الفلسطينيين في المنطقة (ج) من أراضي السلطة التي تمارس بها إسرائيل سيطرة مدنية وعسكرية كاملة. واعتبر البعض أن موافقة الداخلية الإسرائيلية على مشروع بناء متحف مثير للجدل في القدس الشرقية ذات صلة بالتشدد الإسرائيلي. وأخيراً وليس آخرا فإن «الكنيست» الإسرائيلي يفترض أن يكون قد عقد جلسة بالأمس لبحث أزمة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية لم تُعرف نتائجها حتى وقت كتابة المقال.
 
وقد اعترف جون كيري في زيارته الأخيرة للمغرب أثناء المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع نظيره المغربي بورطة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، وكان عندما تولى منصبه في بداية الولاية الثانية لأوباما يبدو شديد الثقة في قدرته على الوصول إلى تسوية، وبدا أن هذه الثقة تعود إلى أنه غير مستوعب لملف الصراع العربي- الإسرائيلي وجهود تسويته، فقد مات إطار كامب ديفيد (1978) وبعدها مبادرة ريجان (1982) ومؤتمر مدريد (1991) وماتت في أعقابه مباشرة اتفاقية أوسلو (1993)، وعجزت جهود كلينتون طيلة سنوات ثمانية عن التوصل إلى تسوية وماتت خريطة الطريق (2003) رغم إدخالها غرفة الرعاية المركزة من خلال مؤتمر أنابوليس في خريف 2007 وها نحن نقترب من المصير نفسه الآن. وقد حدث هذا الإجهاض المتكرر لجهود التسوية لأن التحدي الأول إن لم يكن الوحيد لها هو السياسة الإسرائيلية، فلها اليد العليا لأنها هي التي تحتل الأرض في غياب أي ضغوط عسكرية أو سياسية عليها، والقوة الوحيدة القادرة حالياً على فرض هذه الضغوط هي الولايات المتحدة التي تخشى إداراتها المتعاقبة من نفوذ اللوبي الصهيوني لديها، ولذلك فإنه بينما نتحدث مع طلابنا كثيراً عن الصعوبات الهائلة للتنبؤ في التحليل السياسي وعن لجوء هذا التحليل إلى أسلوب «السيناريوهات أو المشاهد البديلة للمستقبل» في ظل الظروف المتغيرة تبقى المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية من الحالات القليلة إن لم يكن النادرة التي يمكن التنبؤ بمستقبلها بدقة تامة طالما بقيت المتغيرات الحاكمة فيها على ما هي عليه، ولذا جرؤت عندما بدأت هذه المفاوضات منذ شهور على الكتابة في هذه الصفحة عن مصيرها المحتوم: الفشل وليس سواه.
 
لقد اعترف كيري في مؤتمره الصحفي مع نظيره المغربي بأن الوقت بات محدوداً، وأن الأمر كله يحتاج إلى مراجعة الرئيس أوباما، وذكر أنه يشعر بخيبة الأمل وأبدى أسفه على أن كلا الطرفين لم يتخذا مبادرات تساعد على المضي قدماً بالمفاوضات، ولا يدرى المرء ما هي الأوراق التي بقيت بيد السلطة الفلسطينية حتى تتمكن من التقدم بمبادرات؟ وتحدث المتحدث باسم البيت الأبيض بالمعنى نفسه فقال ما معناه إن ثمة فجوات بين الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي وإن على الطرفين العمل على تقليص هذه الفجوات. والحقيقة أن المعضلة ليست في وجود فجوات بين الموقفين وإنما تكمن المعضلة في عدم وجود مفاوضات أصلاً، وأن الاحتمال الوحيد لنجاح هذه المفاوضات إن صح أن تسمى حينها مفاوضات هو أن يستسلم الجانب الفلسطيني تماماً للمطالب الإسرائيلية وهو ما لا يستطيع أكثر الفلسطينيين اعتدالاً أن يفعله، ولو فعل أي قائد فلسطيني ذلك لكتب بيده نهاية شرعيته ونهاية السلطة الفلسطينية وتجربة التفاوض مع الإسرائيليين من أجل تسوية أصلاً.
 
تبدو البدائل أمام الفلسطينيين شديدة الصعوبة والتعقيد، فبديل الاستسلام غير وارد أصلاً لأنه انتحار سياسي فضلاً عن أنه لا يقدم حلاً أصلاً لأن الحقوق الفلسطينية في ظله ستبقى ضائعة، ولذلك سيبقى على أرض فلسطين وخارجها من يتحداها فتستمر المشكلة وربما تتفاقم إذا تم اللجوء لآليات المقاومة المسلحة، أما البديل الدبلوماسي بطلب الانضمام إلى اتفاقيات دولية فإنه بفرض نجاحه ليس سوى إمكانية لتعزيز المكانة الدولية للفلسطينيين وليست لاستعادة حق واحد من حقوقهم الضائعة. فإذا انتقلنا من المستوى الدبلوماسي العالمي إلى العربي سنصل إلى الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب غداً والذي لا نعلم حتى الآن شيئاً عن نسبة حضوره على المستوى الوزاري ولا عن قدرته في الظروف الراهنة على اتخاذ قرارات قوية تخرج عن المألوف أو قدرته على الالتزام بها وتنفيذها وهذه الأسئلة مثارة بالنسبة لكل أنشطة العمل العربي المشترك. ولو حدث أن نجحت القيادة الفلسطينية في الدعوة لقمة عربية فإن تجارب الغزو الأميركي للعراق (2003) والعدوان الإسرائيلي على لبنان (2006) ثم غزة (2008/2009) لا تبشر بأي خير في هذا الصدد، حيث إن القمة العربية لم تلعب أي دور في أعقاب الأعمال العدوانية في الحالات الثلاث السابقة. ويبقى بعد هذا كله وقبله «البديل الفلسطيني» إذا جاز التعبير فلا أمل في أي إنجاز في الظروف الراهنة ما دام بقي الانقسام الفلسطيني بين «فتح» و«حماس»، ولذلك فإنه من المشجع أن تتحدث إحدى القيادات الفلسطينية من «فتح» عن المصالحة وعن أن «حماس» فصيل فلسطيني مقاوم وليست تنظيماً إرهابياً، غير أن «حماس» للأسف مشغولة بدعم أنصار حلم الخلافة الإسلامية في مصر معطية ظهرها لإسرائيل، كما أن كلا الطرفين -فتح وحماس- لا يفعل شيئاً لوضع منهجه، فلا «حماس» على استعداد للاستغناء عن الهدنة مع إسرائيل، ولا السلطة على استعداد لتنوير الشارع الفلسطيني، ومنطق الطرفين للأسف واضح: الأولوية للاحتفاظ بالسلطة وليس للعمل على استرداد الحقوق.
 
ومع ذلك يبقى الأمل شبه المستحيل في أن يتمكن مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ غداً من اتخاذ ولو خطوة واحدة تفتح الباب لبلورة نهج عربي جديد يخرج عن مألوف اللغة الخشبية التي ميزت القرارات العربية بخصوص فلسطين وغيرها من قضايا العرب لعقود سابقة.
 
----------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الثلاثاء، 8/4/2014.
 
طباعة

تعريف الكاتب

د. أحمد يوسف أحمد