أنشطة السياسة الدولية - حلقات نقاش

آليات مقترحة:|" ندوة ": بطء مسار التحول الديمقراطي في مصر

طباعة

السبت 10 -3-2012

اختلفت وجهات النظر حول العراقيل التي تقف حائلاً أمام مسار التحول الديمقراطي في مصر بعد انهيار النظام الاستبدادي ، وكذلك في كيفية الاستفادة من تجارب دول عديدة مرت بتلك المرحلة، والتي نجحت في إرساء قيم الديمقراطية .من هنا، انطلقت الندوة التي نظمها مركز بحوث الشرق الأوسط برئاسة د. جمال شقرة، مدير المركز، وبحضور د. أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، للوقوف على أسباب وملابسات بطء المسار الديمقراطي في مصر .

تحديات المسار الديمقراطي

أكد المشاركون في الندوة  أن هناك عددا من العقبات التي ترسخ عملية الفوضى السياسية التي يشهدها المجتمع الآن، وتحول دون الانتقال إلى الديمقراطية. وتتجلي أهم هذه التحديات فيما يلي:

- انقسام الشرعية في الدولة ما بين الشرعية الثورية في مواجهة الشرعية البرلمانية، وبالتالي فإن حالة الانشقاقات الحالية تعرقل عملية الانتقال السلمي لدولة مدنية جديدة.

- حالة النفاق التي انتشرت واختزلت الثورة في فئة الشباب فقط، وغيبت باقي الفئات التي خرجت مطالبة بإسقاط النظام. وترجع هذه الحالة إلى غيبة الوعي السياسي، والأمية السياسية لدى الكثير من الشباب الذي يمتلك الخبرة الميدانية، ولكنه يفتقد الخبرة السياسية.

- تواري النخبة التقليدية للثورة ، والتي أهيل التراب على دورها ونشاطها رغم احتياجنا له، وذلك نتيجة للإحباط الذي أصابها، وعدم امتلاك الخبرة السياسية.

-  الانتهازية السياسية، لدى الأحزاب بعد الثورة ، إذ لم تضع مصالح مصر وشعبها في أولوياتها.

- الانفلات الأمني – وهو تابع من توابع الثورات – ويعد أحد أهم التحديات أمام بناء دولة مدنية جديدة.

آليات التحول الديمقراطي:

 عرض المتحدثون لسبل التحول الديمقراطي في مصر،  ووصفوا الحالة التي تمر بها العملية السياسية في مصر بظرف تاريخي عصيب لم تمر به مصر منذ أكثر من 53 عاما،ً وأرجعوا أسباب هذه الحالة إلى المصريين الذين لم يستفيدوا بواحدة من تجارب 45 دولة نجحت في التحول الديمقراطي بعد انهيار نظمها القمعية.

ويؤكد المشاركون في الندوة أن هناك آليات محددة سلكتها كل الدول التي نجحت في عملية تحول المسار الديمقراطي، والتي لم تتحقق في مصر بعد مرور عام على الثورة، ومنها:

1. كشف الحقيقة: فلا يمكن التحول من نظام استبدادي إلى ديمقراطي يعمل على إعمال حقوق الإنسان، ويرسي قواعد الديمقراطية إلا بكشف الحقيقة، ولكن للأسف – على حد وصف د.أيمن سلامة - فنحن لدينا في مصر موروث تاريخي في مسألة التكتم على الحقائق، ولعل أبرز الأمثلة الصارخة على ذلك أحداث محمد محمود وماسبيرو .

وبالرغم من أن الدستور المعطل 1971، وهو أكبر دستور في العالم ينص على حقوق الإنسان؛ فإنها مجرد نصوص لا تجاوز الورق التي كتبت عليه، بل إن هناك دولا عربية سبقتنا في مجال الكشف عن الحقائق، منها التجربة المغربية، التي قام فيها الملك محمد السادس - بعد وفاة والده وتوليه الحكم - بإنشاء لجنة وطنية تسمى لجنة الإنصاف والمصالحة لكشف الحقائق عن سنوات الرصاص 1961 – 1996 التي شهدت أبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان.

 ولكن في التجربة المصرية، لم تقم سوى جهة وحيدة، هي المجلس القومي لحقوق الإنسان – هيئة مستقلة – بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث يناير وفبراير 2011، وخلصت إلى أن الرئيس السابق لم يكن مسئولاً بالأمر بالتعدي، ولكنه مسئول بالصمت عن الجرائم، وعدم إحالة المتورطين في قتل المتظاهرين إلى المحاكمة، باعتبارها جريمة قتل جماعي، والتي تعد جريمة دولية.وبالتالي، لا بد من كشف المتعاملين مع النظام البائد، والذين يلبسون رداء الثورة والأدوار الخفية لهم.

2. المحاكمات العادلة والنافذة: فالقانون الدولي لا يحظر على الدول ذات السيادة إنشاء محاكم عسكرية أو ثورية أو خاصة أو خارج القضاء الطبيعي، ولكن بشروط معينة، هي إعمال ضمانات المحاكمة العادلة بمقتضى القانون.ويشير د. أيمن سلامة إلى مثال مشابه للحالة المصرية، عندما تمت محاكمة رئيس ألمانيا الشرقية، ايريك هونكر، في قضايا قتل جماعي، قال القاضي أربع جمل:

- ليست هناك قوانين ولا تشريعات في ظل النظم المستبدة.

- النظم الديكتاتورية لا تحوز شرعية.

- قوات حرس الحدود (الأمن المركزي لدينا في التحرير) التي استخدمت القوة المسلحة لا تملك رخصة قانونية بالقتل.\

- إذا لم يجد القاضي في مثل هذه الأحوال أدلة دامغة على ثبوت الاتهامات، ولم يجد له معينا في القانون، فعليه أن يبحث في قواعد العدالة والإنصاف التي تراعي حقوق المجتمع بجانب حقوق المتهم.

3. آلية تعويض الضحايا: فلابد أن يكون هناك دعم مادي ومعنوي للضحايا الذين سالت دماؤهم، من خلال محاسبة القتلة، ولا بد أن تتعهد الحكومة بأنها لن تعود إلى تكرار تلك الأحداث في المستقبل. إلا أنه بالرغم من إنشاء هيئة قومية لتعويض الضحايا، فإننا لم نتصور أن يمر عام على الثورة، وهناك مصابون لم يعوضوا بعد.

4. آلية تأبين ذكرى الضحايا: فبالرغم من أن هذه من أسهل وأيسر الآليات في مسار التحول الديمقراطي في أي دولة تقف على أعتاب الديمقراطية، فإنه بعد مرور عام، لم نقم حتى الآن نصباً تذكارياً لضحايا وشهداء الثورة، فلا بد من عقد ندوات تخلد ذكرى الضحايا، وأن تكون قبلة الرؤساء القادمين لمصر ميدان التحرير.

5. آلية التطهير والإصلاح المؤسسي: هناك خلط في وسائل الإعلام بين التطهير والإصلاح، فالتطهير يطول الأفراد والرموز، بينما الإصلاح يطول المؤسسات، وإعادة هيكلتها من قوانين وتشريعات ولوائح. ويقول المحاضر إن هناك أربع مؤسسات وفق خبرات التطهير في العالم، هى ( الشرطة – القضاء – الإعلام – الاستخبارات).

6. العفو والمصالحة: يتساءل المحاضر: هل هناك عفو في الجرائم الدولية مثل القتل الجماعي أو التعذيب؟! وهل يكون الرئيس هو المسئول، أم الجندي الذي ينفذ الأوامر؟ ويجيب أنه إذا كان ذلك العفو سيؤدي إلى المصالحة وإعادة السلم للبلاد، فيمكن العفو. ولكن القانون الدولي ينص على أن الصفة الرسمية لا تبيح ارتكاب الجرائم الدولية، ولا تمنع المسئولية، ولا تسقط العقوبة بالتقادم. ولكن هناك ثقافة خطيرة في المنطقة العربية بأكملها، وهي الإفلات من العقوبة.

وأِشارت الندوة إلى أن تنفيذ الآليات السابقة يمكن أن يصعد بمصر على درج الديمقراطية خطوة خطوة في مسار التحول الديمقراطي نحو دولة مدنية جديدة، لأن الخطوات والقفزات غير المحسوبة والمتخبطة قد ترجع بنا إلى الوراء.

ويختتم د. أيمن سلامة كلمته بأن أهم وأخطر قضية لا بد أن توضع في أولويات الأجندة السياسية الآن في مصر هي تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور؛ لأنها أسمى من البرلمان، فالجمعية تصيغ دستورا يرسم أسس الدولة، لكن البرلمان يصيغ قوانين وتشريعات أدني. ولكن لابد ألا يطغى على اللجنة البرلمان بتشكيلة مطلقة أو كبيرة، حتى لا يتم الانحراف عن مصالح الشعب إلى مصالح السلطة التشريعية، خاصة أننا لا نزال لا نمتلك أسساً للديمقراطية السليمة.

طباعة

تعريف الكاتب

أميرة البربري

أميرة البربري

باحثة ماجستير بكلية الإعلام، جامعة القاهرة.