مقالات رأى

أين تمضي أفغانستان؟

طباعة

في شهر ديسمبر ــ كانون الأول الفائت شهدت مدينة بون انعقاد مؤتمر جديد حول مستقبل أفغانستان؛ أي في المدينة التي شهدت يوم 5 ديسمبر ــ كانون الأول من عام 2001 قيام الدولة الأفغانية الجديدة تحت رعاية الأمم المتحدة بعد سقوط طالبان. كان يمكن للذكرى العاشرة أن تكون مناسبة لإغلاق الفصل السياسي ــ العسكري الذي أودى بحياة الآلاف من البشر وكلّف كل سنة مليارات الدولارات. لكن ذلك المؤتمر الذي لم تحضره باكستان وطالبان فشل فشلا كبيرا مما عكس تدهور الوضع في أفغانستان وتباعد وجهات نظر البلدان الأجنبية التي شاركت فيه.

كان الهدف الأساسي لذلك المؤتمر هو تهيئة إطار لما بعد عام 2014 ــ الفترة المحددة لرحيل قوات الأطلسي ــ بغية إدارة المساعدات الدولية التي تسمح للبلاد بتأمين حاجتها الاقتصادية. وهذه مسألة أساسية كون أن حوالي 90 بالمائة من ميزانية البلاد تأتي من المساعدات الخارجية ولا تستطيع الحكومة الأفغانية دفع رواتب جنودها وهي عاجزة عن تسيير أمور إداراتها.

بالنسبة للوضع العسكري يعرف الجميع أن موازين القوى تميل لصالح المتمردين الذين يرفضون سلطة الدولة المركزية. حاولت الولايات المتحدة من ناحيتها أن تقيم شراكة على المدى الطويل تسمح لها بالاحتفاظ بالقواعد العسكرية الخمس التي تتيح لها الدفاع عن مصالحها.

إيران وروسيا وباكستان أظهرت عدم موافقتها على ذلك. ويبدو أن حكومة حميد قرضاي تضع شروطا مالية تجعل الولايات المتحدة نفسها غير متحمّسة كثيراً لمثل هذا السيناريو.

 لقد فهمت واشنطن كما يبدو أن النظام الأفغاني غير قابل للإصلاح وأنه لم يعد أكثر من نوع من تحالف المصالح الاقتصادية ذات الطابع المافيوزي غالبا وبدون مشروع سياسي ولا قاعدة اجتماعية. والفرنسيون والبريطانيون والألمان يفاوضون حول المساعدات الاقتصادية الثنائية دون أي تنسيق. أمّا منظمة الأمم المتحدة التي همّشها مجلس الأمن الدولي منذ عشر سنوات على المسرح الأفغاني فهمت أنه يُنتظر منها الكثير لإدارة المساعدة الاقتصادية بعد عام 2014 .

كذلك تختلف مواقف الحلفاء حيال الموقف من طالبان. الأميركيون والبريطانيون يقومون باتصالاتهم دون فتح مفاوضات حقيقية، والألمان كانوا يريدون دعوة ممثلين عن طالبان لمؤتمر بون، الأمر الذي رفضه شركاؤهم.

هذه الأسباب تشرح فشل المؤتمر الذي كشف بعد أشهر من الاتصالات السرية أو القمم العامة مثل قمة اسطنبول عن الطريق الدبلوماسي المسدود الذي يوجد فيه الملف الأفغاني. هذا خاصّة أن إدارة اوباما التي دخلت عمليا في الحملة الانتخابية الرئاسية لن تأخذ أيّة مبادرة خلال الأشهر القادمة.وحركة طالبان التي تعتبر نفسها في موقع قوّة قد تجد أنه من مصلحتها انتظار عام 2014. ففي ذلك التاريخ لن تكون حكومة قرضاي تحكم سيطرتها سوى على بعض المدن الكبرى ولن تستطيع الاعتماد سوى على بعض المعاقل الإثنية في الشمال والغرب.

هذا الوضع يعني أن القسم الأكبر من المناطق الريفية ومناطق الحدود الأفغانية ــ الباكستانية ستكون تحت سيطرة طالبان والمجموعات الجهادية. هكذا بعد عشر سنوات من التواجد الغربي تعود أفغانستان من جديد معقلا للمجموعات التي تعلن حقدها ضد البلدان العربية وأيضا ضد الهند والحكومة الباكستانية. ثم إن زيادة الهجمات الليلية واستخدام الطائرات بدون طيار واغتيال قادة طالبان لن يسمح بتأمين تلك المناطق.

ولهذه الأسباب سوف تنضمّ المدن الأفغانية تدريجيا للتمرّد. في مثل هذا السياق جرت التفجيرات ضد الشيعة في مطلع الشهر الماضي كنمط من العمليات لا مثيل له في تاريخ البلاد والهادف إلى مواجهة طائفية. كما تعبر تلك العمليات عن إدخال الأزمة الأفغانية في إطار المنطق الإقليمي حيث يفقد ائتلاف القوى الغربية شيئا فشيئا كل سيطرة على الوضع السياسي.

وبالنسبة للتوترات بين الهند وباكستان فإنها تنحو باتجاه التعمّق. الهند تدعم صراحة جميع المجموعات المناهضة لطالبان. إنها ترمي بذلك إلى نقل نقطة التوتر الرئيسي مع باكستان من كشمير إلى أفغانستان. وبهذا المعنى تكمن الإستراتيجية الهندية في زيادة الأزمة السياسية الداخلية بباكستان عبر تدهور الوضع على الحدود الأفغانية ــ الباكستانية وتسهيل حركة وعمل المجموعات الجهادية الباكستانية المتواجدة في المنطقة والتي تقوم بنشاطاتها أكثر فأكثر ضد إسلام أباد انطلاقا من أفغانستان. ولذلك تجد باكستان أن لها مصلحة في قيام حكومة لطالبان في كابل بأسرع وقت ممكن.

العناصر السابقة كلها رغم عدم حصرها تبيّن الفشل الكامل للتدخّل العسكري الغربي تحت رعاية الحلف الأطلسي. وهذا يدلل مرّة أخرى أنه من المستحيل إعادة بناء أيّة دولة من الخارج. وكل محاولة للحلول مكان القوى المحليّة ضرب من الأوهام.الأكثر إثارة للقلق هو أن البلدان الغربية هي المسؤولة عن تدهور الوضع الأفغاني وأنها ليست قادرة على حل الأزمة ذات الرهانات الإقليمية قبل كل شيء.

---------------------
* نقلا عن آراء وأفكار - الإثنين 9 يناير 2012.

طباعة

    تعريف الكاتب

    ديدييه بيليون