مقالات رأى

الأبعاد الإستراتيجية للاتحاد الخليجي

طباعة

الدعوة الاتحادية التي بادر إليها العاهل السعودي لبلورة الكيان الخليجي الموحد، تنطوي في الواقع على أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية، ونحن هنا نحاول أن نعالج هذه الأبعاد بتداعياتها وامتداداتها التي تستوجب منا التهيؤ من الآن لخلق البنية التحتية المناسبة من اجل ان ننجح في توظيف رصين لمواردنا القومية؛ تمهيدا لولادة دور عربي جديد بطابع خليجي هذه المرة لاستعادة الهوية العربية التي تسللت الى ملامحها القومية أدوار إقليمية تسعى لتمرير أجندتها في بيئة عربية غاب عنها في الواقع الدور العربي الفاعل والمؤثر منذ سنوات.

أولاً: الأبعاد الاقتصادية للاتحاد:

حتى ندرك جيدا الابعاد الاقتصادية لقيام حالة الاتحاد الخليجي، علينا أن نغوص قليلا في لغة الأرقام، فالناتج القومي الإجمالي الخليجي سيكون (تريليون و258 مليار دولار أميركي سنوياً) الأمر الذي سيدفع بهذا الناتج الى ان يقفز الاقتصاد الخليجي الى المرتبة (السادسة عشرة) عالمياً، وبمرتبة واحدة بعد الاقتصاد الكندي، ويلينا بمرتبة الاقتصاد الاندونيسي.

واذا عرفنا ان التعداد السكاني الخليجي بعد قيام حالة الاتحاد (لمواطني مجلس التعاون الخليجي سيكون تقريبا 27 مليوناً من دون المقيمين الأجانب)، واذا عملنا معادلة نسبة وتناسب بين معدل الناتج القومي الخليجي ومجموع تعداد السكان لدول الخليج، فإن نصيب الفرد الخليجي من الناتج القومي سيرتفع هو الآخر إلى 4 أضعاف.

هذه الكتلة الاقتصادية الضخمة ستكون الاولى من نوعها في الشرق الاوسط، حيث سنتفوق على تركيا بمرتبتين وعلى إيران بخمسة مراتب، ولن يتبقى امامنا سوى التوظيف الصحيح لمواردنا لبناء قوتنا القومية بعد ان توفرت القوة الاقتصادية الضخمة التي ستستند على موارد بشرية قومية (خالصة) كافية جدا في ظل ثورة التكنومعلوماتية التي يشهد تفاعلاتها العالم الآن. الى ان ننطلق في مضمار الحصول على المكانة الإقليمية الرفيعة، فإذا ما نجحنا في ذلك، فإن جواز السفر الخليجي آنذاك لن يكون اقل شأنا من الجواز الأميركي والأوروبي.

ثانيا: الأبعاد السياسية:

هذه الكتلة الاقتصادية اذا ما قدر لها النجاح وترجمت الى قوة قومية بكل ابعادها، ستنعكس وتترجم على شكل دور سياسي اقليمي في المنطقة، فلن يكتب النجاح لاي قرارات عالمية اواقليمية تتخذ بشأن المنطقة دون ان تمر تلك القرارات بالغربال الخليجي، لان الدور السياسي الخليجي المقبل وخصوصا اذا ما اقترن بتخطيط استراتيجي رصين، سيجعل العالم العربي برمته مضطرا إلى الالتفاف حول الاتحاد الخليجي وخصوصا اذا ابتدأ الاتحاد الخليجي بتصفير خلافاته مع بعض الدول العربية وابتدأت صفحة جديدة من العمل العربي المشترك ليس من خلال الجامعة العربية هذه المرة، بل من خلال العاملين القومي والبراغماتي معاً، كمحددات واقعية ومنطقية وموضوعية للعلاقات العربية ـ العربية.

وفيما يخص القوى الاقليمية في الشرق الأوسط (تركيا وإيران وإسرائيل)، فإن عليهم ان يعيدوا النظر في سياساتهم الاقليمية؛ نظرا لولادة قوة اقليمية جديدة تتفوق عليهم جميعا من الناحية الاقتصادية، هذه القوة الخليجية ستكون عاملا مهما في رجحان كفة توازن القوى الاقليمي، وان كانت القوة الخليجية بحكم اهميتها الجيو استراتيجية قادرة على ان تتحكم في ثلاثة احزمة جيوبولوتيكية مهمة في المنطقة وهي:

1- الحزام الفضائي الإقليمي: الذي سيشمل الأجواء الاقليمية وطبقات الفضاء الخارجي ممثلة في مدارات الاقمار الصناعية، هذا الحزام الذي يربط (فضائيا) الشرق بالغرب، والشمال بالجنوب. سيجعل من الاجواء الاقليمية الخليجية محل حاجة مستمرة للقوى العالمية والاقليمية.

2- الحزام البحري الإقليمي: الذي سيربط البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر بمياه الخليج العربي وبحر العرب، وصولا الى مياه المحيط الهندي، الامر الذي سيعطي هيمنة خليجية مطلقة على خطوط الملاحة البحرية وخطوط امداد الطاقة، ومجال الحركة الاستراتيجية للقوات البحرية وامن المياه الاقليمية لأهم منطقة في العالم.

3- الحزام البري الإقليمي: سيخلق لنا مساحة شاسعة من مجال الحركة الاستراتيجية للسياسات الدفاعية البرية، وسيخلق مجالا بريا اوسع لقدراتنا العسكرية.

ثالثا: الأبعاد الأمنية:

الأمن نعمة مجهولة في مجتمعاتنا الخليجية، ولن نشعر بقيمتها الحقيقية الا اذا فقدناها، هذه النعمة التي تعتبر الأساس للاستقرار السياسي والاقتصادي لأي بلد، حتى الجهود الجبارة التي تبذلها مؤسساتنا الأمنية لا نشعر بها لأن هذه المؤسسات تحب أن تكون جهودها مترجمة على شكل أفعال في الشارع الخليجي وليس مجرد أقوال، ففي الولايات المتحدة بلد الحرية والتقدم، انقطع التيار الكهربائي ليلا عن ولاية (اوكلاهوما) الأميركية عام 1996 لمدة ساعتين فقط، فارتكبت (10000) جريمة سرقة وسطو مسلح، وهذا يدل على ان مؤسساتنا الأمنية نجحت في خلق ثقافات أمنية ومنظومات قيمية داعمة للأمن القومي في مجتمعاتنا الخليجية بحيث تجعل من المواطن هو من يطبق القانون حتى في ظل غياب سلطة القانون نفسها في ظروف استثنائية، فالهدف هنا هو إحياء الضمير الإنساني للمواطن الخليجي على مدار الساعة وفي ظل كل الظروف، يقينا منها بأن خدمة الوطن بصورة متكاملة غاية لا تدرك وشرف رفيع يتمناه أي إنسان وقمع الخارج عن القانون واجب في حالة المساس بأمن الوطن ليعم الأمن والأمان ودون ذلك لن تكون هنالك حرية.

وفي حالة قيام الاتحاد الخليجي، فإن مؤسساتنا الأمنية مدعوة لتطبيق سياسة (التعشيق) بين المؤسسة الأمنية والمواطن الخليجي؛ لخلق حالة من التقارب الروحي والحرص الوطني المتبادل بين الدولة والمواطن، والتي من المفترض ان تتكون من المحاور التالية:

1 - ينبغي أولا، أن تتم عملية اعادة هيكلة المؤسسات الأمنية الخليجية بعد قيام حالة الاتحاد، فتتم عملية دمج للإدارات وإضافة أقسام، وتطوير سياسات وبرامج تدريب ونظم معلومات واستحداث تقنيات امنية جديدة، وكل ذلك من قبل قيادة امنية خليجية لها رؤيتها الخاصة التي يمكن من خلالها اشتقاق الإستراتيجية الأمنية الخليجية التي تتناسب مع التحديات المقبلة.

2 - استحداث مناهج تعليمية وأكاديمية وثقافية في الاتحاد الخليجي تركز على ترسيخ مفهوم الأمن في المجتمع والثقافة الإستراتيجية ببعديها التفكير الإستراتيجي والتخطيط الإستراتيجي، هذه الثقافات الأمنية المتنوعة ستخلق وعيا جماهيريا بمستوى وأهمية الجهود التي تبذلها المؤسسات الامنية في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار، كما ستخلق وعيا إضافيا مفاده أن مصير الإنسان الخليجي ومصير عائلته وما يملك إنما يتوقف وبدرجة كبيرة على ما تبذله المؤسسات الأمنية من مجهود، وبالتالي سيجد المواطن الخليجي ومن منطلق روحي و(ضمائري) نفسه مضطرا الى الانخراط في عملية تعاون نموذجية ودائمية مع مؤسسات الامن الخليجي.

3 - تعزيز تفاعلات مؤسسات المجتمع المدني مع أجهزة الشرطة وأجهزة الأمن القومي من خلال لقاءات دورية منتظمة واستثنائية، للوقوف على ما يعانيه المواطن مباشرة من ثغرات امنية، وللوقوف على ما يعانيه رجل الأمن من تحديات اثناء تأديته لواجباته، والاستماع الى مقترحات المواطنين، وتشجيع الجامعات ومراكز الابحاث على دراسة المشاكل الامنية وبشكل فرق عمل جماعية ويفضل ان ينخرط مع هذه الفرق رجال الامن وعينات من المجتمع.

4 - أملنا كبير في الله العلي العظيم وبقادتنا الميامين وبمؤسساتنا الامنية، أن تختصر الطرق وتختزل الجهود، ويقصر الوقت في سبيل الوصول إلى هدف المصلحة الخليجية.

---------------------
* نقلا عن البيان الإمارتية، 02 يناير 2012.

طباعة

    تعريف الكاتب

    أحمد محمد بن سميط