مقالات رأى

يقظة العرب هل تشبه "التنوير الأوروبي"؟

طباعة

هناك ثلاثة أسباب وجيهة تجعل الشرق الأوسط، الذي ما زال يمثل بؤرة الاهتمام العالمي مع بداية عام 2012، مهماً للولايات المتحدة والدول الأوروبية على حد سواء. هذه الأسباب هي: الطاقة والهجرة وإسرائيل.

وهي أسباب جرى إضعافها لحد كبير، حيث لم تعد الدول العربية النفطية تتمتع بوضع شبه احتكاري في إنتاج الطاقة كالذي تمتعت به لفترة ليست بالقصيرة، حيث توجد الآن مناطق أخرى غنية باحتياطيات النفط والغاز الحالية والمستقبلية، مما جعل السوق العالمي لهاتين المادتين أكثر تنوعاً وانفتاحاً وتنافسية من ذي قبل، وجعل من فكرة استغلال النفط والغاز كأداة للضغط السياسي، فكرة غير قابلة للتطبيق حالياً.

السبب الثاني أن دول غرب أوروبا تواجه في الوقت الحالي ضغوطاً كبيرة بسبب هجرة أبناء دول البحر المتوسط وشمال أفريقيا إليها، وهو ما تترتب عليه آثار اجتماعية وثقافية خطيرة على تلك الدول التي تبذل جهوداً مضنية للتعامل معها. ومما يفاقم مشكلة الهجرة بالنسبة لدول أوروبا الغربية، وجود روابط بين ظاهرة الهجرة من ناحية، وظاهرة الإرهاب الإسلامي من ناحية أخرى. ورغم أن ظاهرة الإرهاب الإسلامي محدودة، وقابلة للاحتواء، وقد تكون عابرة، فإنها في نفس الوقت ظاهرة يتم التعامل معها بسبب الحادي عشر من سبتمبر، ومن قبل الإدارات الأميركية التي جاءت بعد هذا التاريخ، بطريقة هستيرية إلى حد ما.

السبب الثالث والأخير، أن الشرق الأوسط، الإيراني والعربي، بات مركزاً لصراع عسكري محتمل بسبب المواجهة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. واحتمالات الصراع، ترجع لحقيقة أن الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن أمن إسرائيل ضد كافة الأخطار التي تتهدده، ما يعني أنها تدعم الاحتلال والتوسع الإسرائيليين في الأرض العربية. هذه المسألة باتت الآن محل بحث في الولايات المتحدة، كما أن إسرائيل تتغير حالياً على نحو يضعف تلك الصلة.

لكن، ماذا عن "صحوة" الشرق الأوسط الحالية؟

البعض يقولون إنها صحوة الشعوب المطالبة بالحرية والعدالة... لكن هل هذه الشعوب قادرة على إقامة حكومات عادلة وعصرية؟

هناك في الشرق الأوسط، كما هو معروف، جماعات دينية متشددة تطالب الآن بإقامة حكومات دينية تطبق الشريعة الإسلامية. وهذه المسألة لم تعد مطروحة في الغرب الذي قبل منذ منذ عصر النهضة بصيغة البابا والامبراطور، وبمبدأ فصل الكنيسة عن الدولة. هذا الفصل غير موجود حتى الآن في نظر جماعات الإسلام السياسي التي تدعي أنها مصدر الحقيقة، وأنها المخولة بإدارة المجتمع على هذا الأساس.

عقب انهيار الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، بذلت محاولات عدة لإقامة حكومات علمانية لا تعتمد النص الديني كمرجعية لها، كي تحل محل السلطة العثمانية الآفلة. وكان من أهم تلك المحاولات على الإطلاق المحاولة الناجحة التي قام بها كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة لإقامة دولة علمانية تعتمد العلمانية كأساس للدولة وكتعريف لشخصيتها، تحت حماية الجيش الذي يتدخل لحماية أي خروج عن العلمانية في أي وقت. وكانت هناك محاولات أخرى بذلها المثقفون والسياسيون السوريون واللبنانيون والعراقيون (المسلمون والمسيحيون على حد سواء)، أقاموا من خلالها حزب "البعث" الذي كان يفترض في نظرهم أن يضم كافة مكونات المجتمع في الدول التي يحكمها الحزب. لكن الحزب تقلص عبر السنوات، ليصبح مجرد نظام عائلي طائفي كما هو الحال في سوريا، أو ديكتاتورية حزبية عسكرية كما كان الحال في العراق. لم تحقق هذه الحركة النجاح الذي حققته التجربة العلمانية التركية، وكان صدام حسين، والآن بشار الأسد الذي يكافح من أجل البقاء، الرجلان اللذان قدر لهما أن يظلا إلى غاية "الأنفاس الأخيرة للعلمانية البعثية".

كانت هناك محاولات عربية أخرى ذات أساس علماني، مثل حركة الضباط الأحرار في مصر ذات التوجه الاشتراكي تحت قيادة جمال عبد الناصر، وحركة الضباط الأحرار في ليبيا التي قدمت للمسرح الدولي شخصية القذافي، والمحاولتان باءتا بالفشل. وفي أماكن أخرى من العالم العربي تكافح الآن أنظمة أخرى من أجل البقاء عبر إدخال إصلاحات سياسية بسيطة، وهو أمر يحمل في طياته دلالة مهمة على الجمع بين الدين والسياسة بصيغة ترضي شعوبها.

من هنا يمكن القول إن السؤال الكبير بشأن "اليقظة العربية" الحالية، هو ما إذا كانت هذه اليقظة ستقود بلدانها نحو أنظمة سياسية قادرة على توفير الحرية لكل فرد في المجتمع دون استثناء. هذا السؤال بحاجة لإجابة حاسمة، خصوصاً وأن دول الشرق الأوسط تصطرع مع المشكلة التي يجسدها هذا السؤال منذ فترة طويلة. بمعنى أنها ما زالت تحاول التكيف مع مشكلات واجهها الغرب في فترة الإصلاح الديني والإصلاح الديني المضاد في القرون الوسطى، أي أنها ما زالت تبحث اليوم عن نسختها الخاصة من الاستنارة الأوروبية، أو بتعبير آخر "تبحث عن عصر أنوارها الخاص". هل هذه المشابهة ملائمة؟ في جميع الأحوال، يمكن القول إن زمن متاعب الإسلام السياسي قد بدأ للتو.


---------------------
* نقلا عن الاتحاد الإمارتية، 02 يناير 2012.

طباعة

    تعريف الكاتب

    وليام لورانس

    وليام لورانس

    مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية