تحليلات - شئون دولية

نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية .. دلالات وتداعيات

طباعة

أسفرت  نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية، التى عقدت في 24 أبريل 2022، عن إعادة انتخاب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" لولاية جديدة تنتهى في أبريل 2027. حصل ماكرون على 58.54%، فيما حصلت ماريان لوبان على 41.46% من أصوات الناخبيين، الذين امتنع منهم نحو 28.01%.

دلالات فى الأرقام:

كشفت نتائج الانتخابات الفرنسية في جولتها الثانية عن دلالات عدة من شأنها توضيح كيف نجح ماكرون، وخسرت ماريان لوبان، كما تمثل مؤشرات على فهم خارطة طريق الحياة السياسية في فرنسا، وبالتبعية لما يمكن أن تئول إليه الانتخابات التشريعية في يونيو القادم، ومن ثم هل ستعيش فرنسا فترة تعايش وتقاسم للسلطة، أم تتكرر تجربة 2017 من تفرد ماكرون بالسلطة عقب فوز حزبه بالاغلبية النيابية. ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط التالية :

1- اتجاهات التصويت: صوت لماكرون في الجولة الأولى 27.6 % من إجمالي الناخبين المشاركين، فيما حصد في الجولة الثانية 58.5%، وطبقا لحجم جبهة الجمهورية والتى تكونت من المرشحين الخاسرين في الجولة الأولى (يانيك جادوت – آن هيداليجو - فابيان روسيل – فيليب بوتو) كان من المفترض أن يحصد ماكرون أصوات ناخبيهم البالغة 9.4% من إجمالي الناخبين. في المقابل، دعا "إريك زمور" و"ديبون إينيان" ناخبيهم للتصويت لمصلحة لوبان ومنحها 9.1% من الأصوات، على أن تحسم أصوات ناخبي ميلينشون نتيجة السباق، كونه لم يدعم لوبان ولم يدع للتصويت لماكرون. لكن اتجاهات التصويت اختلفت بنسبة كبيرة عن ما دعا إليه المرشحين السابقين أو توقعته استطلاعات الرأى، التى رجحت أن ثلث ناخبي ميلينشون سوف يصوت لماكرون، وثلث أخر يدعم لوبان، والبقية مترددة، حيث إن 42% من ناخبي يملينشون صوت لمصلحة ماكرون، و24% منهم امتنع عن التصويت، و17% صوت لصالح لوبان، والـ 17% المتبقية أبطلت أصواتها، وبالتالي النسبة الأكبر من ناخبي ميلينشون دعمت ماكرون، وساهمت في فوزه. أما عن بقية ناخبي المرشحين، والتى  كان مفترض أن تبلغ قيمة أصواتها نحو 18.5% (مجموع جبهة الجمهورية + جبهة مناهضي ماكرون أو المناصرين للوبان) يحصل ماكرون على نصفهم تقريبا، لكن كشفت تحليل أصوات ناخبي جبهة الجمهورية أن بعضهم لم يدعم ماكرون، حيث أن 34% من ناخبي يانيك جادوت، و18% من ناخبي فاليري بيكريس، و31% من أصوات الجمهوري الديجولي، لم تصوت لماكرون، وهو ما يفسر أن تراجع دعم ماكرون في انتخابات 2022  بنسبة 7.5% عن انتخابات 2017 والتى حصد فيها 66% من إجمالي الناخبيين مقابل 34% لمصلحة ماريان لوبان، التى استطاعت في انتخابات 2022 أن ترتفع حصتها إلي 41.5%، بزيادة 7.5% وهى النسبة التى خسرها ماكرون من أصوات الناخبين.

2- مؤشرات سلبية: شهد انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2022، رقم سلبيا في الامتناع عن التصويت، التى بلغت 28.2%  يعد هو  الاسوء بعد انتخابات عام 1969، والتى فاز بها جورج بومبيدو، وبلغت بها نسبة الامتناع عن التصويت 31.1%. وعلى مستوى المسجلين الفعليين في القاعدة الانتخابية في فرنسا، حصد  ماكرون على 39.08%، وهو يعد بذلك ثانى أسوأ رئيس حصل على نسبة تصويت بعد جورج بومبيدو الذى حصد 37.51% من إجمالي الاصوات الانتخابية المسجلة. جدير بالذكر أن ماكرون نفسه حصد عام 2017 على 43.61% من إجمالي أصوات القاعدة الانتخابية.

3- مؤشرات إيجابية: أسس الجنرال شارل ديجول الجمهورية الخامسة في فرنسا عام 1959، وتولى السلطة في فرنسا لفترتين رئاسيتين، ومنذ ذلك الحين لم ينجح رئيس فرنسي في البقاء على رأس السلطة فترتين، سوى فرانسوا ميتران (الاشتراكى) مابين 1981 وحتى 1988، ثم من 1988 وحتى 1995. وبعده جاك شيراك (الجمهورى الديجولى) من 1995 وحتى 2002 ثم من 2002، وحتى 2007. وأخيرا ماكرون من 2017 وحتى 2022، والفترة التى سوف تبدأ من أبريل 2022 وحتى أبريل 2027. والملاحظة الايجابية لمصلحة معسكر المحافظين ويمين الوسط أنه طوال الجمهورية الخامسة، نجح فقط مرشحين من اليسار (فرانسوا ميتران من 1981 وحتى 1995 ثم فرانسوا أولاند من 2012 إلي 2017) فيما عدا ذلك تميل فرنسا إلي اليمين.

4- التصويت الطبقي: طرحت ماريان لوبان نفسها كممثلة للطبقات الفقيرة التى تضررت من تراجع القوة الشرائية، وانعاكسات الحرب ووباء كوفيد-19، لذا مالت نحو جنوب فرنسا والمناطق العمالية، وهو ما ترجمته توجهات أصوات العمالة والموظفين الصغار، والطبقات الفقيرة، حيث كسبت لوبان: أصوات 67% من العمال، و57% من الموظفين، و23% من المديرين التنفيذيين، و56% من الذين تقل  دخولهم شهريا عن 1250 يورو مقابل 44% منهم صوت لصالح ماكرون. في المقابل، حصد ماكرون أولا أصوات: 77% من أصوات المديريين التنفيذيين، 33% فقط من العمال، 49% من المهن الوسيطة. وفي المجمل، صوت غالبية الناخبين الأكثر دخلا لمصلحة ماكرون، حيث كل ما ارتفع مستوى الدخل زادت نسبة ناخبي ماكرون، لذا مال الناخبين الذين تزيد دخولهم الشهرية عن 3000 يورو إلي دعم ماكرون بنسبة 65%، في حين 35% منهم دعم لوبان.

تحديات وانعكاسات محتملة:

كما تعكس مؤشرات الانتخابات الرئاسية في فرنسا، خلال الجولتين الأولى والثانية، عن عدة تحديات وانعكاسات محتملة سوف تشهدها فرنسا الفترة القادمة، من شأنها أيضا أن تؤثر فى ولاية ماكرون الثانية، منها ما يلي:

1.    انعكاسات الحرب: برزت الحرب الأوكرانية وانعاكساتها على ارتفاع اسعار السلع والخدمات، وتراجع القوة الشرائية، كعامل رئيسي في توجهات الناخبين الفرنسيين في الجولتين الأولى والثانية، سواء من دعم برامج ماريان لوبان وميلينشون في الجولة الأولى أو حصول ماريان لوبان في انتخابات 2022 على نسبة أصوات فاقت ما حصلت عليه في 2017. وحال استمرت الحرب ولم يستطع ماكرون السيطرة على تداعيتها في الداخل الفرنسي، ربما تشهد ولايته الثانية احتجاجات صفر جديدة.

2.    كتل منقسمة. انقسمت الكتل التصويتة إلي ثلاث فرق رئيسية، اليمين المتطرف، أنصار ماكرون من يمين الوسط ومؤيديه من التيارات الأخري، واليسار المتطرف متمثل في ميلينشون، وهو سوف يلقي بظلاله على الانتخابات التشريعية القادمة، في ضوء تراجع الأحزاب التقليدية من جانب، وإعلان ماريان لوبان عدم تحالفها في الانتخابات التشريعية القادمة مع إريك زمور، وهو ما يعنى أن اليمين المتطرف كما انقسم في الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية بين زمور ولوبان، سوف ينقسم أيضا في الانتخابات التشريعية، وهو نفس الحال بين قوى اليسار الاشتراكى والماركسي والخضر.

3.    تراجع الجمهورية للأمام: يشهد حزب "الجمهورية للامام"، وهو حزب الرئيس ماكرون- الذى أسسه كبديل للاجزاب التقليدية-  تراجعا حادا. فقد خسر الانتخابات الاقليمية في يونيو 2021، ولم يستطع الفوز بأى إقليم، وهو ما يعقد مهمة ماكرون، الذى يسعى للتقارب مع اليمين الديجولى، وكذلك المؤيدين للرئيس الأسبق ساركوزى. وحال خسر حزب "الجمهورية للأمام الانتخابات التشريعية المقبلة، فقد تشهد فرنسا أزمات سياسية بين مؤسسة الرئاسة والحكومة.

4.    حكومة تعايش أم إندماج: يعرف النظام الفرنسي بأنه شبه رئاسي، وخلال عمر الجمهورية الخامسة في فرنسا، ظهر نوعان من الحكومات التى عملت مع الرئاسة، الأولى تسمى حكومة الاندماج وتنشأ حين يحصد فيها حزب الرئيس الفائز-بالانتخابات الرئاسية- بالأغلبية في مجلس النواب، حيث تصبح كل الصلاحيات في يد الرئيس الذي يشكل الحكومة، وهو ما حدث مع ماكرون في عام 2017. أما النوع الآخر من الحكومات، هى حكومة التعايش وتنشأ حين يصبح الرئيس الفائز-بالانتخابات الفرنسية - من حزب يختلف عن الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية،كما جري في عهد الرئيس الاسبق جاك شيراك (من اليمين الديجولى) في ولايته الأولى من 1995 وحتى 2002، حيث نجح الحزب الاشتراكى في حصد الاغلبية البرلمانية وتولى "ليونيل جوسبان" رئاسة الوزراء، وتقاسم السلطة مع شيراك. سوف تحدد الانتخابات التشريعية القادمة مصير الحكومة الفرنسية وحجم سلطات ماكرون.

6- تحالف اليسار: يعول زعيم حزب فرنسا الابية "جون لوك ميلينشون " على توحيد اليسار بكل أطياف المعتدل أو الوسط والمتطرف والخضر، على أمل أن يتولى رئاسة وزراء فرنسا، استغلالا لارتفاع شعبيته مابين 2017 و2022، وكونه المرشح اليسار الأمثل –من وجهة نظره- لقيادة اليسار، خاصة تراجع شعبية الحزب الاشتراكى في 2022، وعدم استطاعة مرشحته "آن هيدالجو" تخطى نسبة الـ 5% في الانتخابات الرئاسية بجولتها الأولى. وحتى الآن لم يعلن اليسار توحده وإجماعه على دعم ميلينشون أو تبنى تحالف مشترك يخوض الانتخابات التشريعية من خلالها.

إجمالا، يمكن القول إن الانتخابات الفرنسية في جولتها الثانية شهدت نجاح جبهة الجمهورية في الحشد ضد ماريان لوبان، لكن في المقابل طرحت نتائج الانتخابات بجولتيها عدة  تساؤلات عن مستقبل الأحزاب التقليدية خاصة الحزب الاشتراكى والجمهورى، كما تطرح مخاوف بشأن مصير الحكومة القادمة ومدى اتساقها مع أجندة ماكرون الداخلية، في ظل أن الانتخابات الثلاث الرئاسية والاقليمية والتشريعية في فرنسا، ليست بضرورة تعطى مقياس موحد على توجهات الناخب الفرنسي، فالاحزاب التقليدية نجحت في الانتخابات الاقليمية، وخسرت في الرئاسية، على عكس الأحزاب المتطرف بزعامة لوبان وميلينشون خسرا الانتخابات الاقليمية ولم توفق أحزابهما في تولى رئاسة إقليم من الـ 18، لكن شعبيتهما ارتفعت في الانتخابات الرئاسية!

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    ‬بهاء‮ محمود

    ‬بهاء‮ محمود

    باحث في العلاقات الدولية‮.