تحليلات - قضايا عالمية

الدبلوماسية الإلكترونية وضرورة التوعية العامة

طباعة

يمكن تعريف الدبلوماسية الإلكترونية بأنها استخدام الشبكات الإلكترونية من قبل الدول لتحديد ووضع الأهداف الدبلوماسية والقيام بوظائف الدبلوماسيين بكفاءة، متضمناً في ذلك بشكل أساسي تمثيل الدولة وتعزيز مكانتها، وترسيخ العلاقات دبلوماسية، ثنائية ومتعددة الأطراف، والخدمات القنصلية، فضلاً عن تعميق المشاركة الاجتماعية والثقافية.

تعتبر الدبلوماسية الإلكترونية من أدوات السياسة الخارجية الفعالة، حيث تعد أحد أفرع الدبلوماسية العامة التي تعتمد على تقنيات المعلومات والاتصالات الحديثة. وعلى وجه الخصوص، تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي التي يلعب مستخدموها دورًا رئيسيًا في حشد المواطنين والرأي العام المحلي وكذلك الرأي العام الدولي. وتجدر الإشارة إلى أن الدبلوماسية العامة يقصد بها، في هذا السياق، الدبلوماسية الشعبية التي تساهم في بناء الأساس للدبلوماسية الوطنية.

وتجدر الإشارة إلى أن الدبلوماسية الإلكترونية ليست بديلاً للدبلوماسية التقليدية، ولكنها تمثّل امتداداً جديداً وعملياً لمفاهيم القوة الناعمة وامتداداً للدبلوماسية بمفهومها التقليدي. إذ تساهم في تعزيز أهداف السياسة الخارجية، وتوطيد العلاقات الدولية والتفاعلات الثقافية والاجتماعية، وتعميق العلاقات متعددة الأطراف بين البلدان.

تعمل الرقمنة على تعزيز الدبلوماسية التقليدية عبر الحدود سريعاً، وتعميق أواصر التواصل مع المواطنين، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضًا على المستويين الإقليمي والدولي. ولقد أثر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتطورات المتسارعة في تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة فى أدوات الدبلوماسية من حيث ترسيخ أسس العلاقات الدبلوماسية بشكل أكبر، وإثراء ممارسة الدبلوماسية، والتأثير فى بيئة الدبلوماسية بوجة عام، فضلاً عن جذب الملايين إلى محادثات مفتوحة بين جميع أطياف وفئات الشعوب المختلفة.

ومن الضروري إلقاء الضوء على تطورات الدبلوماسية الإلكترونية منذ عام 1992؛ حيث امتدت هذه التطورات بداية من إدخال البريد الإلكتروني واستخدام المواقع الإلكترونية من قبل الدوائر الدبلوماسية والمنظمات الدولية، إلى الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل المدونات والفيسبوك وتويتر. فقد شهد عام 1992 تطورين مبكرين في الدبلوماسية الإلكترونية، حدث أحدهما في قمة الأرض في ريو دي جانيرو، حيث تم استخدام القوائم البريدية عبر رسائل البريد الإلكتروني لأول مرة من أجل التنسيق للمفاوضات، وكان الآخر هو إنشاء الوحدة الأولى لتطبيقات الكمبيوتر في الدبلوماسية في أكاديمية البحر المتوسط ​​للدراسات الدبلوماسية، وتطورت هذه الوحدة إلى "مؤسسة دبلوماسية" ساهمت في إجراء البحوث وتدريب آلاف الدبلوماسيين على كيفية تأثير الإنترنت فى الدبلوماسية التقليدية. وفي عام 2010، أطلق  Diplo مبادرة الدبلوماسية الإلكترونية لعام 2010 ، والتي تتكون من بناء الوعي الذي خلق زخمًا للدورات والبحوث والمناقشات المجتمعية حول الدبلوماسية الإلكترونية.

 

وتوفر منصات التواصل الإجتماعي مجموعة متنوعة من القنوات للتفاعل والمشاركة بين الشعوب؛ حيث تعزيز أهداف الدبلوماسية وترسيخ التقارب بين مواطني جميع الدول. إلا أن هناك ضرورة مُلحة للنظر في المخاطر والتهديدات المتعددة للدبلوماسية الرقمية والتي تعتمد على فقر أساس الوعي العام، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم تهديدات الجرائم الإلكترونية والقرصنة والإرهاب السيبراني، مع الوضع في الاعتبار أهمية رفع مستوى الوعي العام لدى المواطنين، خاصة مستخدمي المنصات الإلكترونية.

إذ يعتبر حجر زاوية حاسما لمواجهة أفكار التطرف والإرهاب المستشرية عبر لجان إلكترونية مغرضة أو خلايا نائمة تسعى لاستقصاء المعلومات وبث روح الفتنة والفرقة بين الشعوب . وتجدر الإشارة إلى أن الإنترنت وشبكات التواصل الإجتماعي يتم استخدامهم من قبل أصحاب الأهداف المغرضة كقناة لتعميق جذور هذه الأفكار وفرض أيديولوجية غريبة كوسيلة لحرب المعلومات، استغلالاً لغياب الوعي الكافي لدى مستخدمي منصات التفاعل الإلكترونية، مما يهدد الأمن القومي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي .

وفي هذا  الصدد، يمكن للدبلوماسية الإلكترونية أن تكون سلاحًا مزدوجًا على الساحة الدولية في ظل اختلاف وتشتت الشرائح الوطنية والإقليمية، وسلاح السباق في المعلومات وغياب الوعي العام الكافي. تأخذ الدبلوماسية الرقمية بعين الاعتبار ما تحمله من مخاطر، والتي تشمل تسرب المعلومات والقرصنة وإخفاء هوية مستخدمي الإنترنت.

لقد أثرت التطورات المتطردة للإنترنت والاستخدام المكثف لمنصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير فى البيئة التي تجري فيها الدبلوماسية، بالإضافة إلى الأسئلة المتعلقة بالسياسة الجغرافية، والاقتصاد الجغرافي، والسيادة، والاعتماد المتبادل.

ونظراً لأهمية دور الدبلوماسية الإلكترونية في تعزيز الأمن الجماعي، تضع الأمم المتحدة المعايير والأسس التي تهدف إلى زيادة الوعي بأثر التحول للتقنيات الرقمية في المجتمع والاقتصاد، والمساهمة في النقاش العام الأوسع حول كيفية ضمان مستقبل رقمي آمن وشامل للجميع، مع مراعاة معايير حقوق الإنسان ذات الصلة.

وعلى الصعيد الآخر، توفر الدبلوماسية الإلكترونية قنوات جديدة من الفرص لحل المشاكل العالمية المعاصرة. إذ تعد منصات شبكات التواصل الإجتماعي وشبكات إتصال المعلومات العالمية الأخرى بمنزلة فرصة ثمينة للمناقشات العالمية بين مختلف أطياف المجتمع المدني العالمي، والتي من شأنها أن تساعد في تشكيل الرأي العام الدولي، وإرساء أسس العلاقات الدبلوماسية، مما يعزز من أواصر التعاون المثمر ويدعم تحقيق السلم والأمن الدوليين.

ومن بين المساهمات الأكثر فاعلية للدبلوماسية الإلكترونية؛ تسهيل وتعزيز تفاعل الدول في مجالات مختلفة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجال الاجتماعي، مع مراعاة العلاقات بين الأعراق والأطياف والمذاهب المختلفة. جدير بالذكر أن الدبلوماسية الإلكترونية تلعب دورًا مهما في تعزيز توحيد المجتمعات العرقية المختلفة، وتحقيق التقارب بين جميع جوانب حياة الشعوب المختلفة. نظرًا لأن العلاقات بين الأعراق يمكن أن تكون تعاونية أو سلمية أو عدائية بشكل متبادل ، فإن أدوات الدبلوماسية الإلكترونية (مثل وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تويتر أو فيس بوك  أو إنستجرام)، وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي الأخرى، والتي تعزز العلاقات الودية بين الأعراق المختلفة على المستويين الإقليمي والدولي ،مما يساهم إلى حد كبير في حل النزاعات بالطرق السلمية ضماناً للحفاظ على الاستقرار وتحقيق السلم والأمن الدوليين.

وفي خضم الاستخدام المكثف للشبكات الرقمية والسهولة والسرعة التي تعبر بها المعلومات الحدود، أصبح لا يوجد تمييز بين المواطنين المحليين والمواطنين الأجانب. ولذا، هناك ضرورة مُلحة لاحتواء ممارسة الدبلوماسية على كل من الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية الوطنية.

والأهم من ذلك ، ينبغي مواصلة جهود تعزيز حوكمة الإنترنت كجزء أساسي من جدول أعمال الدبلوماسية، وتقييم كيفية قيام التقنيات الجديدة في الوقت المناسب بإعادة تعريف التعاون الدولي والاعتماد المتبادل تحت مظلة التعاون الرقمي.

أخيرًا وليس آخرًا ، فإن الاستمرار في امتلاك استراتيجية شاملة لكيفية استخدام أدوات الدبلوماسية الرقمية لدعم بعض أهداف السياسة الخارجية من شأنه أن يساعد بشكل كبير في تعزيز تنسيق السياسات وتنفيذها، بالإضافة إلى تقييم القدرة على الوصول إلى الجماهير المستهدفة، وتحقيق أهداف محددة مسبقًا وقابلة للقياس، وضمان استخدام الدبلوماسية الرقمية للحصول على أهداف محددة، ونشر التفكير الاستراتيجي. في غضون ذلك ، يعد استمرار رفع الوعي العام وتعزيز أمن الإنترنت أمرًا ضروريًا لمواجهة مخاطر منصات الشبكات الرقمية وشبكات التواصل الإجتماعي ، فضلاً عن القضاء على جذور نشر أفكار التطرف والإرهاب التي لا تهدد الأمن القومي فحسب ، بل تهدد الأمن والاستقرار الدوليين أيضًا .

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    عائشة غنيمي

    عائشة غنيمي

    خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية