تحليلات - عالم عربى

خلافات حادة: إلى أين تصل الأزمة بين الرئيس التونسي ورئيس الحكومة؟

طباعة

رغم مرور أكثر من أسبوع على تصديق مجلس نواب الشعب التونسي-البرلمان- على تعيين 11 وزيرا ضمن التعديل الوزاري، الذي أجرته حكومة هشام المشيشي في السادس عشر من يناير الماضي، فإن أداء اليمين الدستورية لهؤلاء الوزراء ما زال معلقا بسبب تأزم العلاقة بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة بسبب تمسك الأول برفض أداء عدد من الوزراء للقسم نتيجة وجود شبهات فساد وتضارب مصالح ذكرها الرئيس، خلال كلمته، التي ألقاها أمام مجلس الأمن القومي التونسي فى اجتماعه الأخير في الخامس والعشرين من الشهر المنقضى.

تأسيسا على ما سبق، وفي ظل تأزم العلاقة بين رءوس المؤسسات الكبرى في الدولة التونسية، متمثلة في رئيس الدولة، الذي يرفض التعديلات الوزارية، ورئيس الحكومة، الذي يصر على قيام الحكومة بمهامها بعد تمرر البرلمان وموافقته على التعديلات، ومجلس نواب الشعب الذي مرر تعديلات "المشيشي" الوزارية بأغلبية نواب حركة النهضة، وحزب قلب تونس، وائتلاف الكرامة، الجناح السياسي في البرلمان، الذي يأخذ موقفا مناهضا لسياسة الرئيس في الفترة الأخيرة- يمكن طرح عدة تساؤلات، هي: إلى أين تصل حدود الأزمة بين الأطراف، أى بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة في ظل دستور يعتبر، وفقا لخبراء قانونيين أن أداء الوزراء لليمين أمام رئيس الجمهورية ليس إجراء شكليا، بل هو إجراء جوهري، وأنه بإمكان رئيس الجمهورية أن يجتهد وأن يصرح بأنه غيرُ ملزمٍ بتسمية بعض الوزراء الجدد وقبول أداء اليمين منهم؟. وكيف يمكن التصرف في ظل تمسك الأطراف الثلاثة، الرئيس ورئيس الحكومة والأغلبية البرلمانية بمواقفهم، وما حدود انعكاس هذا على الداخل التونسي؟.

واقع متأزم:

قال الرئيس "سعيد" فى أثناء الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي التونسي، وفي حضور رئيس الحكومة " المشيشي"، إن "التعديل الحكومي لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور، وتحديدا ما نص عليه الفصل 92-، أي ضرورة التداول في مجلس الوزراء إذا تعلق الأمر بإدخال تعديل على هيكلة الحكومة، بالإضافة إلى حدوث إخلالات إجرائية أخرى"، وهو ما يعتبر وفقاً للمراقبين للشأن التونسي، يعد بمنزلة إنذار، وتحذير ليس لرئيس الحكومة وحده، بل أيضاً للتحالف البرلماني المناهض لسياساته، والدعم لرئيس الحكومة، المتمثل في حركة النهضة، وحزب قلب تونس، وائتلاف الكرامة، خاصة، أن حركة النهضة، هي التي ساندت ودعمت هشام المشيشي، بل وتشاورت معه على عرض تعديلاته الحكومية على البرلمان لتمريرها وصبغها الصفة الدستورية، على اعتبار أن ذلك يضع الرئيس قيس سعيد في حرج أمام الشعب، حيث  أكد منذ أكثر من شهر تقريبا على عدم سماحه لبعض الوزراء بأداء اليمين الدستورية أمامه، رغم تأكيد بعض الخبراء الدستوريين التونسيين بأن " الفصل 92 من الدستور التونسي قيد من حرية الرئيس، وعليه أن يقبل التعديلات الوزارية التي يقرها البرلمان، باعتبار أن النظام السياسي التونسي نظام برلماني وليس رئاسيا.

وما يزيد المشهد التونسي تعقيداً، أن رئيس الحكومة "المشيشي" أصبح لدية ثقة برلمانية مريحة تجعله يتمسك بموقفه ضد الرئيس، حيث يحظى رئيس الحكومة بثقة ثلاث كتل وازنة، تضمن بقاءه في منصبه، وترجح تمسكه بتعديلاته الوزارية، أهمهم حركة النهضة، حيث كان المشيشي خلال الثلاثة شهور الأخيرة دائم التواصل مع الحركة، كما أن الصراع غير المعلن في أغلب أوقاته بين الحركة ورئيس الجمهورية منذ جولات راشد الغنوشي الخارجية، وتعديه على صلاحيات "قيس سعيد"، جعل الحركة تحرص على دعم "المشيشي" نكاية في الرئيس. وبالإضافة إلى حركة النهضة، يلقى رئيس الحكومة دعم ومساندة من حزب قلب تونس، الذي صدر قرار قبل شهر بحبس رئيسه نبيل القروي، منافس "قيس سعيد" في الانتخابات الرئاسية. هذا بالإضافة إلى الدعم الذي يلقاه "المشيشي" من ائتلاف الكرامة، الحليف الإسلامي لحركة النهضة، ومن بعض النواب المستقلين.

كما أن إعلان الرئيس قيس سعيد عن عدم تشاور رئيس الحكومة معه في اختياراته الوزارية، وإخراجه بعض الوزراء المقربين من الرئيس، وعلى رأسهم وزير الداخلية، قد يتسبب في خسارتهما معاً أمام الشعب الذي بدأ يحمل مسئولية سوء الوضع الاقتصادي إلى الرئيس ورئيس حكومته باعتباره أحد اختياراته. هذا بالإضافة إلى أن الخط الذي تبناه هشام المشيشي في اختيار أعضاء حكومته، والذي من ملامحه غياب المرأة، وتضارب مصالح-حسب ما أكده الرئيس قيس سعيد في اجتماعه الأخير مع مجلس الأمن القومي التونسي - سيضعه في ورطة إذا أصر الرئيس على عدم عقد جلسة حلف اليمين الدستورية لجميع الوزراء  حتى إن تم ذلك وفشلت حكومة "المشيشي" في تجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة.

إلزام دستوري:

وفقا لدستور دستور 2014 التونسي، تبقى مسئولية الحكومة أمام البرلمان فقط وليس الرئيس، خاصة أن الفصل 92 من الدستور التونسي مقيد لرئيس الجمهورية في مواجهة البرلمان ورئيس الحكومة. وبالتالي، يمكن القول إن شكل العلاقة بين رئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي والكتل النيابية الوازنة في البرلمان سيكون العامل الرئيسي في كسب ثقة الحكومة أمام الشعب في ظل موافقة البرلمان على تعديلاتها. لكن هذه الثقة التي أكسبها البرلمان للتعديلات الحكومية، ورفض الرئيس لبعض وزرائها سيعرض الحكومة لأزمة كبيرة، وربما تفشل في تجاوز أزمتها مع الرئيس، حتى إن ساندها الواقع الدستوري.

انطلاقا من المنحى الذي يفرضه الدستور التونسي على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان، تبدو الأزمة بين الأطراف الثلاثة مستمرة إذا لم تدرك خطورة تمسكها بموقفها على حساب الشعب وأزمته الاقتصادية. وعليه، فإن الأحزاب التونسية الممثلة في مجلس نواب الشعب، والكتل النيابية الوازنة من غير حركة النهضة، التي تدرك أهمية ضبط البرلمان لمساره، وأن صدامه مع الرئيس سيضع كل من الحكومة والرئيس في مأزق، خاصة، أن رئيس الحكومة هشام المشيشي جاء من خارج الكتل النيابية الثماني المعتمدة، وفقا للائحة الداخلية لمجلس نواب الشعب التونسي، إضافة إلى أنه مستقل ولا يحمل الصفة الحزبية.

تحركات الضرورة:

 إن سعى حركة النهضة وأحلافها، حزب قلب تونس، وائتلاف الكرامة، إلى دعم حكومة المشيشي ضد الرئيس "قيس سعيد" يعنى تكرار سيناريو الرئيس السابق الباجى قايد السبسي ويوسف الشاهد ومساندة الحركة له في مواجهة الرئيس عام 2018، خاصة أن النهضة تريد دفع الخلاف بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية إلى أقصاه، مما يمكّنها من فرض أجندتها على المشيشي الذي ظهر كأنه في أزمة عميقة مع الرئيس بعد إقالة وزير الداخلية.

كما أن بلوغ الصراع بين الرئيس ورئيس الحكومة إلى أزمة حادة، بالإضافة إلى حالة الاحتقان في الشارع والغضب الشعبي الذي بلغ أيضاً أقصى درجاته نتيجة انهيار المنظومة الصحية، وتدهور الوضع الاجتماعي وانكماش الاقتصاد التونسي بنسبة أكبر من 8 بالمائة، وزيادة العجز المالي إلى ما يزيد على 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي- يتطلب تحركات الضرورة لحلحلة الأزمة، خاصة أن الدستور التونسي بتوزيعه الاختصاصات بين الأطراف الثلاثة قد يبعث على ضرورة إيجاد حل سياسي ينهي المأزق الذي تمر به البلاد.

وبالتالي، قد يكون الحل الأمثل، وفقا للمراقبين التونسيين لتجاوز المأزق السياسي، يتمثل في لقاء يجمع رؤساء المؤسسات الثلاثة، الرئاسة والحكومة والبرلمان، بقيادات منظمات المجتمع المدني الذين يحظون باحترام مختلف الأطراف، التي يأتى على رأسها رئيس الاتحاد العام للشغل التونسي بهدف التوصل إلى اتفاق يلزم بتنظيم أداء اليمين الدستورية للوزراء الأحد عشر مع مواصلة التحريات القضائية بشأن من تحوم حولهم شبهات وعزل من يثبت ضلوعه في قضايا فساد. كما أكد الرئيس أمام مجلس الأمن القومي التونسي. أنه فى حالة الاتفاق على هذا المسلك، قد يكون من الضروري التوجه إلى المحكمة الدستورية التونسية للفصل في مثل هذه الخلافات، خاصة وأن خبراء القانون الدستوري التونسيين لم يتفقوا على رأي واحد بخصوص رفض "قيس سعيد" قبول بعض أو جميع الوزراء الذين نالوا ثقة البرلمان في التحوير الوزاري الأخير. فبعضهم يرى أن أداء الوزراء لليمين أمام رئيس الجمهورية ليس إجراء شكليا، بل هو إجراء جوهري، في حين يرى آخرون أن عدم قبول الرئيس أداء اليمين للوزراء الذين أكسبهم البرلمان ثقته يعد خرقا للدستور.

في النهاية يمكن القول إن الأزمة بين الأطراف الثلاثة في الدولة التونسية، الرئيس ورئيس حكومته والبرلمان، لن تنتهي حتى لو تم إنهاء مؤقت حول الخلاف على أداء حلف اليمين للوزراء الجدد، نتيجة لانقسام القوى السياسية الكبرى التونسية بين الرئيس ورئيس الحكومة. فالأول مدعوم بالاتحاد العام للشغل التونسي، وهو جهة سياسية مؤثرة في الشارع، بالإضافة إلى  بعض الكتل البرلمانية الكبيرة، مثل حركة الشعب والتيار الديمقراطي، بينما يساند ويقف مع رئيس الحكومة، كل من حركة النهضة، التي لن تستفيد من إنهاء الأزمة كما فعلت من قبل، أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق "السبسي"، وحزب قلب تونس، الذي يحاول أن يستفيد من الأزمة بخروج رئيسه من السجن، ناهيك عن  ائتلاف الكرامة الذي يتحرك كما تريد حركة النهضة.

 

 

 

طباعة

تعريف الكاتب

 د.أبوالفضل الإسناوي

د.أبوالفضل الإسناوي

مدير تحرير مجلة السياسة الدولية