دراسات - مجلة السياسة الدولية

الملاحة البحرية بين تهديد الدول ومخاطر الإرهاب

طباعة
لفتت الأحداث الأخيرة،‮ ‬المتعلقة بهجمات هددت الملاحة البحرية في مضيق هرمز،‮ ‬انتباه الدارسين والسياسيين‮. ‬فقد تم احتجاز عدد من ناقلات البترول من قبل السلطات الإيرانية،‮ ‬والذي تم عدُّه ردا انتقاميا علي احتجاز الناقلة الإيرانية‮ "‬جريس‮ ‬1‮" ‬في منطقة جبل طارق بتهمة نقل الوقود إلي نظام الرئيس السوري‮. ‬وقد اعتاد دارسو العلوم السياسية،‮ ‬في السنوات الأخيرة،‮ ‬تحليل الشأن الإيراني،‮ ‬وعلاقة هذه الدولة مع‮ ‬غيرها من الدول كنموذج للصراع الدولي،‮ ‬أو دراسة السياسة الخارجية الإيرانية،‮ ‬بالتركيز علي محددات السياسة الخارجية الإيرانية،‮ ‬تحديدا،‮ ‬في مواجهة الدول الكبري‮.‬ وسيجد هؤلاء الدارسون مجالا للدراسة،‮ ‬في ظل الموقف الإيراني،‮ ‬وفي ظل مخاوف الدول الكبري علي حركة الملاحة الخاصة بسفنها في مضيق هرمز‮.‬
لكن هناك زاوية أخري يمكن النظر من خلالها إلي كل هذه التطورات،‮ ‬هي زاوية الأمن البحري‮. ‬وتحاول هذه الدراسة الإجابة عن تساؤل‮: ‬ما هو أثر مختلف أنواع المخاطر والتهديدات علي الهدف البحري أو الملاحة البحرية بصفة عامة؟‮. ‬ويتفرع عن هذا التساؤل عدد من الأسئلة الفرعية،‮ ‬هي‮: ‬ما هو أثر تهديدات الدولة علي الملاحة البحرية؟،‮ ‬وما هو أثر تهديد الفاعلين من‮ ‬غير الدول علي الملاحة البحرية؟،‮ ‬وكذلك أي الأهداف البحرية يعد أكثر عرضة لمختلف أنواع المخاطر؟،‮ ‬وتستند هذه الدراسة إلي النظريات التي تشرح المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الهدف البحري لتحاول تبين أنواع الفاعلين الذين قد يهاجمون الهدف البحري،‮ ‬وأيهم أشد خطورة،‮ ‬وكذلك الأهداف البحرية الأكثر عرضة للمخاطر‮. ‬وستسعي هذه الدراسة للإجابة عن هذه الأسئلة، مع محاولة إلقاء الضوء علي ناقلات البترول كهدف بحري مميز،‮ ‬والمخاطر التي من الممكن أن تتعرض لها‮.‬
تستخدم الدراسة التحليل المقارن في محاولة لتبين أثر تهديدات الدول،‮ ‬وتهديدات الفاعلين من‮ ‬غير الدول علي الملاحة البحرية،‮ ‬بالتركيز علي دراسة الحالة الإيرانية‮. ‬وتكتسب مناقشة تهديدات الملاحة البحرية أهمية كبري لدي المسئولين،‮ ‬وصانعي القرار،‮ ‬والمنظمات الدولية،‮ ‬بالإضافة إلي الأهمية العلمية لهذا الموضوع الذي يستحق أن يتناوله الباحثون بالدراسة والتحليل‮. ‬وبالتالي،‮ ‬تهدف الدراسة إلي استكشاف أبعاد هذا الموضوع الذي تعاظمت أهميته علي المستويين العلمي والعملي‮.‬
تنقسم الدراسة إلي أربعة أقسام‮. ‬يشرح القسم الأول الإطار النظري، ويتناول القسم الثاني تهديدات الدول للأهداف البحرية‮. ‬أما القسم الثالث،‮ ‬فيتناول مخاطر الفاعلين من‮ ‬غير الدول،‮ ‬وهي الجماعات الإرهابية والقراصنة‮.‬ ويلقي القسم الرابع الضوء علي مساعي كل من الدول والمنظمات الدولية لتأمين الملاحة البحرية،‮ ‬ومكافحة المخاطر التي تهددها‮.‬ وأخيرا،‮ ‬تنتهي الدراسة بخاتمة‮.‬
أولاً‮- ‬الإطار النظري‮:‬
قام الباحثون بالتنظير للمخاطر والتهديدات التي قد تواجه أي هدف بحري، شارحين إمكانية استهدافه بواسطة فاعل،‮ ‬مثل الدولة،‮ ‬أو بواسطة فاعل من‮ ‬غير الدول‮. ‬وهذا هو الإطار النظري الذي ستتبناه الدراسة‮.‬ وتجدر الإشارة إلي قلة الجهود التنظيرية التي تناولت هذا الموضوع وفسرته، وستتبني الدراسة التنظير الخاص بـريان هنري وآخرين،‮ ‬وكذلك تنظير مايكل ادجيرتون، وهما تنظيران يتسمان بوجود أوجه تلاق وتشابه بينهما‮.‬
بالنسبة لتنظير ريان هنري وآخرين، فقد تناول ثلاثة أنواع من المخاطر التي تواجه الملاحة البحرية‮. ‬كان‮ ‬النوع الأول‮ ‬هو مخاطر الفاعلين من‮ ‬غير الدول، والتي انقسمت إلي المخاطر الطبيعية الخارجة عن إرادة الإنسان، والقرصنة، والإرهاب‮. ‬وتهتم الدراسة بمخاطر القرصنة والإرهاب‮. ‬وتنتشر القرصنة في عدة مناطق من العالم،‮ ‬تأتي علي رأسها منطقة القرن الإفريقي،‮ "‬والتي تضم خليج عدن،‮ ‬والجزء الجنوبي من البحر الأحمر،‮ ‬وحوض الصومال‮". ‬وتبرز خطورة هذه الحوادث في تلك المنطقة،‮ ‬بالنظر إلي الإحصاءات التي أظهرت أن أكثر من نصف حوادث القرصنة،‮ ‬التي حدثت في العالم بأسره في عام‮ ‬2009،‮ ‬وقعت في تلك المنطقة من العالم‮. ‬كما تعد منطقة جنوب شرق آسيا،‮ ‬التي تضم‮ "‬الأرخبيل الإندونيسي وبحر الصين الجنوبي‮"‬،‮ ‬من أشهر مناطق القرصنة‮. ‬كذلك،‮ ‬تناول التنظير المخاطر المتمثلة في هجمات الجماعات الإرهابية،‮ ‬التي ستسعي وراء الأهداف ذات الأهمية المعنوية والفعلية،‮ ‬مما يجعل من ناقلات البترول وغيرها من عناصر البنية الأساسية للطاقة أهدافا حيوية وكفيلة بإحداث أثر اقتصادي سلبي علي مستوي العالم‮. ‬وقد أظهرت الإحصاءات انتشار الهجمات الإرهابية في المحيط الهندي منذ عام‮ ‬‭.‬2000
علي صعيد آخر، شرح ريان هنري وآخرون نوعا آخر من التهديدات التي تواجه الهدف البحري،‮ ‬والتي يكون مصدرها الدول،‮ ‬وكان التركيز هنا علي الدول الفاشلة‮. ‬ولأن هذا التنظير‮ ‬غربي بالأساس،‮ ‬فقد تناول أيضا الدول المارقة‮. ‬لقد أوضح هذا التنظير أن الدول الفاشلة والظروف السائدة فيها هي المناخ المناسب لنمو وازدهار ظاهرتي القرصنة والإرهاب‮.‬ أما الدول التي سماها البعض في الغرب الدول المارقة،‮ ‬فتكمن خطورتها في أنها تقوم بمحض إرادتها بتوظيف هذه الأساليب وغيرها لتحظي بمنافع معينة‮.‬
أما النوع الثالث والأخير من التهديدات،‮ ‬وفقا لهذا التنظير،‮ ‬فهو الذي ينتج عن صراعات الدولة مع الدولة‮. ‬وتتمثل خطورة مثل هذه الصراعات علي إمدادات الطاقة في أمرين،‮ ‬يتمثل الأول في حرص إحدي الدول المتصارعة علي تعطيل هذا الإمداد لخدمة أحد أغراض الصراع‮.‬ أما الأمر الآخر،‮ ‬فهو بعيد عن قرارات الدول المتصارعة،‮ ‬ويتمثل في الصراع نفسه،‮ ‬الذي قد يولد حالة من العنف تسبب درجة عالية من الخطورة علي ناقلات الطاقة في تحركاتها في الممرات البحرية‮. ‬ويتبادر إلي الذهن،‮ ‬عند استعراض هذا النوع من المخاطر،‮ ‬احتمال حدوثه في بحر الصين الجنوبي بسبب اشتداد النزاعات في تلك المنطقة حول الجزر هناك،‮ ‬وحول البحر نفسه‮. ‬فالنزاعات لا تتمحور فقط حول الموقع الاستراتيجي للجزر،‮ ‬بل أيضا حول مصادر الطاقة تحت قاع البحر‮.‬
الجدير بالذكر أن هؤلاء الباحثين قاموا بضرب الأمثلة علي النوعين الأخيرين،‮ ‬وهما مخاطر الدولة،‮ ‬ومخاطر صراعات الدولة،‮ ‬تجاه الدولة،‮ ‬مسترشدين بمنطقة مضيق هرمز،‮ ‬حيث توقع البعض إمكانية لجوء إيران إلي استخدام صواريخ‮  "‬دودة القز‮" ‬Silkworm ‮ ‬المضادة للسفن،‮ ‬وقوارب الدوريات،‮ ‬وغيرها من أجل استهداف الناقلات‮. ‬ثم قاموا باستبعاد هذا الاحتمال،‮ ‬لأن هذا التصرف سيصيب سفن دول ليست لها علاقة بصراع إيران مع‮ ‬غيرها،‮ ‬وهذا سيضر بوضع وسمعة إيران كشريك تجاري بحري حريص علي عائدات البترول‮(‬1‮).‬
هناك تنظير مشابه لمايكل ادجيرتون،‮ ‬قام فيه بتصنيف أنواع المخاطر،‮ ‬التي يتعرض لها الهدف البحري،‮ ‬إلي نوعين فقط من المخاطر،‮ ‬هما مخاطر الدول،‮ ‬ومخاطر الفاعلين من‮ ‬غير الدول‮. ‬ففي تناوله لمخاطر الدول، أوضح كيف يمكن لدولة أن تستهدف ميناء دولة عدو لها،‮ ‬سواء كان هذا الاستهداف جزءا من حرب،‮ ‬أو كان عبارة عن هجمة‮ ‬غير متماثلة‮ ‬Asymmetric‮.‬ ومن أجل توضيح هذا النوع من المخاطر،‮ ‬يستشهد ادجيرتون بأبرز مثال،‮ ‬هو هجوم القوات اليابانية علي أسطول الولايات المتحدة الأمريكية في ميناء بيرل هاربور عام‮ ‬‭.‬1941‮ ‬وكانت إحدي الاستراتيجيات التي اتبعها كلا الطرفين هي مهاجمة السفن التجارية التابعة للطرف الآخر،‮ ‬في محاولة لحرمانه من إمدادات الطاقة الخاصة به‮. ‬أما عن أبرز الأمثلة علي هذا النوع من التهديد،‮ ‬والذي حدث في السنوات القليلة الماضية،‮ ‬فكان هجوم القوات الروسية علي الميناء الجورجي‮ "‬بوتي‮". ‬وتسبب هذا الهجوم في عواقب بالغة السوء،‮ ‬سواء علي البحرية في دولة جورجيا،‮ ‬أو علي فرص الشحن التجاري البحري بسبب الاحتلال الروسي‮(‬2‮).‬
تعد الأمثلة سالفة الذكر نماذج لاستهداف الدولة لموانئ وملاحة الدولة العدو في الحروب التقليدية‮. ‬أما عن الاستهداف في الحالات‮ ‬غير المتماثلة‮ ‬،Asymmetric‮ ‬فيجب الإشارة إلي أن هذا اللفظ يقصد به عدم التماثل في القوة‮. ‬والمقصود بمثل هذه الهجمات توجيه ضربة مؤلمة من دولة ضعيفة إلي دولة قوية‮.‬ لكن بما أن خيار الحرب سيكون مستبعدا بالنسبة للدولة الضعيفة،‮ ‬فهي تلجأ إلي استهداف‮ "‬عناصر ضعيفة من البنية التحتية‮" ‬للدولة القوية‮. ‬وبالتالي،‮ ‬تزداد فرص نجاح الدولة الأضعف لسببين،‮ ‬أولهما استغلال نقطة الضعف لدي الدولة القوية،‮ ‬وآخرهما يكمن في الهجوم المفاجئ الذي لا تتوقعه الدولة القوية‮. ‬عندما تستهدف هذه الهجمات سفنا أو موانئ،‮ ‬فهي تضع نصب أعينها هدف التخريب،‮ ‬أو إثارة رعب السكان‮. ‬وتتناول هذه الهجمات استهداف‮ "‬سلسلة الإمدادات لميناء أو منطقة،‮ ‬والمرافق التي تمد الميناء بالطاقة والخدمات الأخري، ونظم المعلومات التي تساعد علي تدفق التجارة، أو الأشخاص الذين يعملون في منطقة الميناء‮." ‬وكان المثال الواضح علي هذا النوع من الهجمات هو ما قامت به القوات العراقية،‮ ‬وقت انسحابها من الكويت،‮ ‬حيث سربت البترول في مياه الخليج العربي‮. ‬وفقا لادجيرتون، فإن شعور الرئيس العراقي بالضعف النسبي أمام القوات التي تحاربه جعله يفكر في التخلص من كل هذه الكميات من البترول بهذا الشكل،‮ ‬من أجل الإضرار بالقوات المعادية له بأكثر من طريقة،‮ ‬منها إعاقة قدرتها علي الهبوط البرمائي،‮ ‬وكذلك ضياع فرص الاستفادة من البترول لاستكمال الحرب‮. ‬بالرغم من هزيمة صدام في النهاية،‮ ‬فإن هذا يعد أحد أمثلة الضربات‮ ‬غير المتماثلة‮. ‬كما تناول ادجيرتون مثالا آخر علي الضربات‮ ‬غير المتماثلة، وهو مثال مرتبط بأزمة الملاحة في مضيق هرمز، وهو تهديد إيران للدول الكبري المعادية لها بأنها ستستغل موقعها،‮ ‬وتغلق الممر البحري المهم،‮ ‬مضيق هرمز،‮ ‬لو تم توجيه ضربات إليها‮. ‬وقد تناول ادجيرتون التداعيات الخطيرة لغلق هذا الشريان الذي يربط بين منتجي البترول ومستورديه،‮ ‬ورأي أن هذا التهديد لو نفذ بالفعل،‮ ‬فإن إيران ستكون قد وجهت هجمة‮ ‬غير متماثلة لدول تفوقها قوة‮.‬
في محاولة لتقديم شرح وافٍ‮ ‬لمقدار الخطر الذي يمكن أن تمثله الدولة،‮ ‬إذا قررت أن تهاجم هدفا بحريا، أبرز ادجيرتون مصطلح‮ "‬وكلاء الدولة‮"‬،‮ ‬وهي‮ "‬منظمات أو جماعات لا ترتبط بشكل رسمي بالحكومة الوطنية،‮ ‬أو الجهات الحكومية‮"‬،‮ ‬لكن يمكن أن تستشعر الدولة أهمية التعاون معها لتوجيه ضربات‮ "‬ضد الموانئ والبنية التحتية البحرية‮."‬
ثم انتقل ادجيرتون إلي النوع الثاني والأخير من المخاطر التي يمكن أن يواجهها الهدف البحري،‮ ‬وذلك بواسطة الفاعلين من‮ ‬غير الدول،‮ ‬وهي جماعات لا تربطها أية‮ ‬صلة بالدولة‮. ‬وحتي لا يتم الخلط بين هجمات الفاعلين من‮ ‬غير الدول،‮ ‬ومفهوم وكلاء الدولة، يوضح ادجيرتون أن هذه الجماعة‮ (‬الفاعل من‮ ‬غير الدول‮) ‬يمكن أن تدخل في تحالف لفترة معينة مع الدول من أجل الحصول علي بعض الامتيازات‮. ‬لكن بانتهاء هذا التحالف،‮ ‬ترجع الجماعة إلي وضعها الطبيعي كفاعل مستقل يعمل بما يتوافق مع أهدافه‮. ‬وتبرز العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة كمثال في هذا الصدد‮.‬ فبالرغم من التفاوت الأيديولوجي الواضح بينهما،‮ ‬والصراع في أمور عديدة،‮ ‬فإن سعي‮ "‬القاعدة‮" ‬لمحاربة المخططات الغربية في أفغانستان وباكستان كان أمرا مرغوبا فيه من قبل إيران،‮ ‬ودافعا لها لكي تدعم القاعدة، ولو بشكل محدود، لتحقيق هذا الهدف‮. ‬لكن هذا التعاون كان مؤقتا بسبب الاختلافات الكبيرة بين إيران وهذا التنظيم‮(‬3‮).‬
في تناول ادجيرتون لمخاطر الفاعلين من‮ ‬غير الدول الذين يتسمون بالاستقلال، أوضح أن هذه المخاطر تتمثل في الإرهاب والنشاط الإجرامي‮. ‬تقوم بالأعمال الإرهابية جماعات تسعي إلي تحقيق أهداف معينة، وتتمثل أهم خصائص هذا النوع من المخاطر في‮: "‬استخدام العنف أو التهديد باستخدام العنف، الهدف منه دعم قضية سياسية،‮ ‬أو دينية،‮ ‬أو أيديولوجية، والتأثير علي أو تخويف حكومة أو شعب‮." ‬أما عن المفهوم الواسع،‮ "‬النشاط الإجرامي‮"‬،‮ ‬فهو يتم‮ "‬لدعم الإرهاب،‮ ‬أو لمكسب مالي شخصي أو مؤسسي‮". ‬وتندرج العديد من الأعمال تحت مسمي‮ "‬النشاط الإجرامي‮"‬،‮ ‬مثل‮ "‬سرقة الشحنات والابتزاز‮". ‬كما يتضمن هذا المفهوم أنشطة،‮ ‬مثل‮ "‬تهريب الأشخاص،‮ ‬أو المخدرات،‮ ‬أو البضائع المسروقة،‮ ‬أو الأسلحة،‮ ‬أو الأموال، وخطف السفن،‮ ‬أو المركبات، والفساد‮".‬
وبإمعان النظر في هذه الأنشطة الإجرامية المختلفة،‮ ‬يتضح أنها تتضمن ما يقوم به القراصنة‮. ‬والقرصنة تم تعريفها بدقة من قبل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في مادتها رقم‮ ‬101‮ ‬كالتالي‮:‬
أي عمل‮ ‬غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز،‮ ‬أو أي عمل سلب يرتكب لأغراض خاصة من قبل طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة، ويكون موجها في أعالي البحار، ضد سفينة أو طائرة أخري، أو ضد أشخاص أو ممتلكات علي ظهر تلك السفينة،‮ ‬أو علي متن تلك الطائرة،‮ ‬أو ضد سفينة،‮ ‬أو طائرة،‮ ‬أو أشخاص،‮ ‬أو ممتلكات في مكان يقع خارج ولاية أية دولة‮.‬
وقد ألقي ادجيرتون الضوء علي أهم ما يميز فعل القرصنة،‮ ‬وهو مكان وقوعها‮ "‬في مكان يقع خارج ولاية أية دولة‮".‬ وأوضح أيضا أن النشاط الإجرامي لو تم‮ "‬داخل نطاق ولاية أية دولة‮"‬،‮ ‬فهو يسمي‮ "‬سرقة مسلحة في البحر‮" ‬أو خطفا‮(‬4‮).‬
وبالتالي، فإن الخلاصة،‮ ‬بعد عرض الإطار النظري،‮ ‬أن الإلمام بموضوع المخاطر والتهديدات التي تواجه الهدف البحري أو الملاحة البحرية مسألة تستدعي دراسة المخاطر التي تقف وراءها دول، وتلك التي تكون وراءها جماعات من‮ ‬غير الدول،‮ ‬وأهمها الجماعات الإرهابية والقراصنة‮. ‬وبالتالي،‮ ‬ستتضمن هذه الدراسة قسما عن تهديدات الدول للملاحة البحرية،‮ ‬ثم قسما عن الفاعلين من‮ ‬غير الدول،‮ ‬والمقصود هنا الجماعات الإرهابية والقراصنة، ثم الجهود الدولية الساعية إلي مكافحة المخاطر التي تهدد الملاحة البحرية،‮ ‬وأخيرا خاتمة الدراسة‮.‬
ثانيا‮- ‬تهديدات الدول للهدف البحري أو الملاحة البحرية‮:‬
يتضح من الإطار النظري للدراسة أن الباحثين، حتي في أثناء شرح نظرياتهم، كان يغلب عليهم القلق من إيران كدولة بإمكانها أن تهدد حرية الملاحة البحرية،‮ ‬وبالتالي أصبحت إيران نموذجا بارزا،‮ ‬ليس فقط بسبب تهديداتها بغلق مضيق هرمز،‮ ‬بل أيضا بسبب قيامها باحتجاز ناقلات نفط بالفعل علي مدي الشهور الماضية،‮ ‬وهذا هو ما سيتناوله هذا القسم بالتفصيل في محاولة لإلقاء الضوء علي مدي إمكانية أن تكون دولة هي مصدر تهديد الهدف البحري‮.‬
يستدعي توضيح كل هذه الأمور التحدث عن أهم المضايق في المحيط الهندي،‮ ‬والتي تتمثل في مضيق هرمز،‮ ‬ومضيق ملقا،‮ ‬وباب المندب،‮ ‬ومضايق سوندا،‮ ‬ولومبوك،‮ ‬وقناة موزمبيق‮. ‬هناك إجماع علي أن مضيق هرمز يكتسب أهمية خاصة كممر مائي حيوي،‮ ‬أو كما تشير الأدبيات للمضايق باستخدام تسمية نقاط الاختناق‮ ‬"Chokepoints”‮ ‬وتؤكد الإحصاءات هذه الأهمية، فهذا المضيق هو القناة لعبور‮ "‬حوالي‮ ‬88٪‮ ‬من بترول الخليج‮" ‬العربي،‮ "‬وحوالي‮ ‬20٪‮ ‬من البترول العالمي‮". ‬في تقديرات عام‮ ‬2011، علي سبيل المثال، كان اليوم في المتوسط يشهد عبور‮ "‬14‮ ‬ناقلة تحمل‮ ‬17‮ ‬مليون برميل من البترول الخام،‮ ‬وحوالي مليوني برميل من منتجات البترول التي تمر من‮ .. ‬خلال المضيق‮". ‬وهذا يبرز مدي تأثير هذا المضيق الحيوي في توفير الطاقة،‮ ‬وبالتالي في الاقتصاد العالمي ككل‮. ‬أما عن الدول المطلة علي هذا المضيق،‮ ‬فهي إيران من ناحية الشمال،‮ ‬وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة من ناحية الجنوب‮. ‬لا يزيد عرض هذا الممر الحيوي علي‮ ‬21‮ ‬ميلا بحريا‮. ‬وبالتالي،‮ ‬فإن من حق كل جانب مطل علي المضيق السيطرة علي عشرة أميال ونصف ميل بحري،‮ ‬وفقا لأحكام القانون الدولي‮(‬5‮).‬
من هنا، جعلت هذه الأوضاع الجغرافية الباحثين يتخوفون مما يمكن أن تفعله إيران،‮ ‬حتي من قبل أن تقوم بالتهديد بغلق المضيق فعلا‮. ‬فقد شرحت الدراسات هذا الاحتمال مؤكدة أنه يمنح إيران ثقلا سياسيا،‮ ‬خصوصا في ظل حصولها علي صواريخ صينية مضادة للسفن‮(‬6‮). ‬ومع مرور الوقت،‮ ‬زاد هذا الاحتمال في أذهان الدارسين،‮ ‬وذلك بسبب أنشطة إيران في المضيق،‮ ‬والتي تهدف إلي استعراض القوة‮. ‬ربط المحللون بين هذه الأنشطة العسكرية في مياه المضيق،‮ ‬وفرض العقوبات الاقتصادية من قبل مجلس الأمن منذ عام‮ ‬‭.‬2006‮ ‬وبالفعل،‮ ‬سعت إيران إلي تطوير الإمكانيات العسكرية من ألغام وصواريخ بما يسهل عليها‮ ‬غلق المضيق‮(‬7‮).‬
وباستعراض تطور التهديد الإيراني بغلق المضيق أمام الملاحة العالمية، فقد بدأ هذا علي يد نائب الرئيس الأول،‮ ‬محمد رضا رحيمي،‮ ‬في عام‮ ‬2011،‮ ‬حيث هدد بغلق المضيق،‮ ‬ومنع ناقلات البترول من العبور،‮ ‬حال قيام الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات علي بلاده بسبب برنامجها النووي‮. ‬وتكرر نفس فحوي هذا التهديد علي يد العميد البحري حبيب الله سياري،‮ ‬الذي رأي أن مهمة إغلاق المضيق تعد أمرا‮ ‬يسيرا بالنسبة لقدرات القوات البحرية لبلاده‮(‬8‮).‬
وقد أثارت هذه التهديدات مخاوف المحللين الذين رأوا أن أهم المضايق بالنسبة للملاحة الدولية هي هرمز،‮ ‬وملقا،‮ ‬وسنغافورة، لكنهم اضطروا للاعتراف بأنه عند المقارنة بين الثلاثة،‮ ‬ربما يكتسب مضيق هرمز أهمية خاصة،‮ ‬وذلك لسببين، أولهما هو العدد الضخم من ناقلات البترول التي تمر من خلاله،‮ ‬وآخرهما يتعلق بإمكانية مرور السفن في طرق أطول لتفادي المرور من خلال المضيقين الآخرين‮. ‬أما بالنسبة لمضيق هرمز،‮ ‬فلا يوجد مسار آخر يمكن للسفن اتباعه‮(‬9‮). ‬كما قالت الباحثة كيتلين تالمدج‮ "‬إن إغلاق إيران لمضيق هرمز يأتي علي قائمة كوابيس أمن الطاقة العالمي‮"(‬10‮).‬
وبدأ المحللون منذ ذلك الوقت في تقدير مدي إمكانية أن تقوم إيران بتنفيذ تهديدها،‮ ‬فشكك البعض في إمكانية هذا،‮ ‬مؤكدين أن إيران بهذا التصرف لن تعادي الولايات المتحدة فحسب،‮ ‬بل دول منطقة الخليج أيضا،‮ ‬مثل العراق والكويت، وستقطع خط الملاحة بين دول الخليج والعالم، فالتهديد بإغلاق الممر انتهاك للقانون الدولي ولسيادة الدول‮(‬11‮). ‬وقد حاول البعض الآخر مساعدة العالم علي استعادة الإحساس بالأمان، فقد رأوا أن التهديد الإيراني يجب عدم الاستخفاف به أو تكذيبه‮. ‬لكن في الوقت نفسه،‮ ‬يجب عدم القلق بشأنه أكثر من اللازم،‮ ‬لأن إيران نفسها ستلحقها أضرار بالغة لو تم إغلاق المضيق‮(‬12‮). ‬وهناك من المحللين من أكد أهمية صادرات البترول بالنسبة لإيران،‮ ‬حيث تمثل هذه الإيرادات‮ "‬70٪‮ ‬من عائدات الحكومة‮". ‬وذكروا أن الممر المائي الوحيد الذي ينقل البترول الايراني إلي السوق العالمية هو مضيق هرمز‮(‬13‮).‬
والمتابع للشأن الإيراني والصراع مع الدول الكبري،‮ ‬في الأشهر القليلة الماضية،‮ ‬سيرصد تطورا مقلقا للأحداث في مضيق هرمز‮. ‬فقد تعددت الحوادث التي تعرضت لها ناقلات البترول في مضيق هرمز‮. ‬ففي‮ ‬13‮ ‬يونيو‮ ‬2019،‮ ‬تعرضت اثنتان من ناقلات البترول الأمريكية للهجوم بالقرب من المضيق‮.‬ وبالرغم من الاتهام الأمريكي الصريح لإيران بأنها تقف وراء هذا الهجوم،‮ ‬فإن إيران أنكرت صلتها به‮. ‬بعد ذلك بأسبوع،‮ ‬أسقطت إيران طائرة عسكرية أمريكية بدون طيار،‮ ‬وكان تبرير الحكومة الإيرانية لهذا التصرف هو انتهاك هذه الطائرة لمجالها الجوي‮. ‬ثم في‮ ‬4‮ ‬يوليو من العام نفسه،‮ ‬تم احتجاز ناقلة البترول الإيرانية‮ "‬جريس‮ ‬1‮" ‬في منطقة جبل طارق،‮ ‬حيث اتهمت إيران بنقل هذا البترول إلي النظام السوري الحاكم‮. ‬الجدير بالذكر أن الخارجية البريطانية قد اشترطت أن تتعهد إيران بالامتناع عن نقل هذا البترول إلي النظام السوري ليكون هناك إمكانية للإفراج عن هذه الناقلة‮. ‬وكان الحرس الثوري الإيراني قد أدلي بتصريح ينم عن رغبة في الانتقام،‮ ‬فقد لوح بإمكانية الرد عن طريق احتجاز ناقلة بريطانية‮. ‬وكان هذا هو نفس مغزي تصريح علي خامنئي الذي وصف ما فعلته بريطانيا بأنه‮ "‬قرصنة‮." ‬ثم توالت الأنباء عن احتجاز ناقلات البترول التي تمر في المضيق من قبل السلطات الإيرانية‮. ‬ففي‮ ‬17‮ ‬يوليو‮ ‬2019،‮ ‬أعربت التصريحات الأمريكية عن الشكوك في احتجاز إيران لناقلة بترول تحمل علم بنما‮. ‬ثم أعلن الحرس الثوري أنه اكتشف أن ناقلة بترول أجنبية تقوم بتهريب الوقود،‮ ‬ولذلك احتجزها‮. ‬ثم انتشرت أنباء في يوم‮ ‬19‮ ‬يوليو‮ ‬2019‮ ‬عن احتجاز إيران لناقلتي بترول،‮ ‬ثم أعلن الحرس الثوري احتجازه لناقلة‮ ‬Stena Impero‮ ‬المسجلة في بريطانيا،‮ ‬وثارت أنباء عن صعود الحرس المسلحين إلي الناقلة‮ "‬مصدر‮" ‬التي تحمل علم ليبيريا،‮ ‬ثم السماح لها باستئناف رحلتها‮(‬14‮). ‬ولم تنته محاولات إيران احتجاز ناقلات البترول عند هذا الحد،‮ ‬حيث قامت باحتجاز ناقلة بترول في يوم‮ ‬31‮ ‬يوليو‮ ‬2019،‮ ‬لكن تم الإعلان عن هذه الواقعة يوم‮ ‬4‮ ‬أغسطس‮. ‬كانت المخالفة التي قامت بها الناقلة، وفقا لأحد قادة الحرس الثوري، هي تهريب الوقود،‮ ‬وأشارت بعض الأنباء إلي أنها ناقلة عراقية‮(‬15‮). ‬وقد تحقق لإيران ما أرادت،‮ ‬فقد أعلنت سلطات جبل طارق عن الإفراج عن الناقلة الإيرانية،‮ ‬وذلك في‮ ‬15‮ ‬أغسطس‮ ‬2019‮(‬16‮).‬
وتتضح في نهاية هذا القسم إمكانية أن تكون دولة خطرا علي الهدف البحري أو الملاحة البحرية،‮ ‬وهو ما تبين من خلال مناقشة الموقف الإيراني،‮ ‬ومدي قدرة هذه الدولة علي إعاقة الملاحة في مضيق هرمز‮. ‬هذا علي الرغم من أن‮ "‬فقط الدولة صاحبة العلم لها السلطة الكاملة علي السفن التي تحمل علمها، وبالتالي، فإن سيطرة الدول الأخري علي هذه السفن محدود جدا‮"(‬17‮). ‬إلا أن إيران أثبتت قدرة الدولة علي تهديد الأهداف البحرية‮. ‬وبما أن هذه الدراسة تلقي الضوء علي ناقلات البترول،‮ ‬فقد اتضح مقدار الخطر والتهديد الذي تتعرض له مثل هذه الناقلات لأهميتها الاقتصادية الكبيرة‮.‬
ثالثًا‮- ‬مخاطر الفاعلين من‮ ‬غير الدول علي الملاحة البحرية‮:‬
تهتم هذه الدراسة في تناولها لمخاطر الفاعلين من‮ ‬غير الدول بالجماعات الإرهابية من جهة،‮ ‬والقراصنة من جهة أخري‮. ‬سيناقش الجزء الأول من هذا القسم الإرهاب البحري،‮ ‬وسيناقش الجزء الثاني القرصنة،‮ ‬وينتهي هذا القسم باستعراض أوجه العلاقة بين النشاطين‮.‬
أ‮) ‬الإرهاب البحري‮ ‬Maritime Terrorism‮:‬
لم يكن تعريف الإرهاب البحري مهمة سهلة بالنسبة للدارسين‮.‬ فلو بدأنا بتناول تعريف العمل الإرهابي بصفة عامة في القانون الدولي العرفي فسنجد أنه يجب أن تتوافر به العناصر التالية‮:‬
1‮- ‬ارتكاب عمل إجرامي‮ (‬مثل القتل والخطف،‮ ‬وأخذ الرهائن،‮ ‬وإحراق الممتلكات عمدا وغيرها‮)‬، أو التهديد بهذا العمل‮.‬
2‮- ‬النية في نشر الخوف بين السكان‮ (‬والذي يستلزم بصفة عامة خلق خطر عام‮)‬،‮ ‬أو بشكل مباشر أو‮ ‬غير مباشر إجبار سلطة وطنية أو دولية علي القيام بتصرف معين، أو الامتناع عن القيام بتصرف معين‮.‬
3‮- ‬عندما يتعلق العمل بعنصر عابر للحدود‮.‬
رأي أحد المحللين أنه بالاستناد إلي هذا التعريف للإرهاب، يتطلب تعريف الإرهاب البحري القيام ببعض الإضافات البسيطة،‮ ‬مثل أن نية نشر الخوف ستكون في النطاق البحري،‮ ‬أو ربما يكون الهدف علي البر،‮ ‬لكن سيتم استخدام السفينة كسلاح لمهاجمته‮. ‬لكن للأسف،‮ ‬لم يستطع الباحثون الوصول إلي تعريف للإرهاب البحري بهذه السهولة،‮ ‬وبدأوا يتساءلون عن تكييف العمل الإرهابي البحري لو تم التحضير له علي البر مثلا، فهل يدخل هذا في نطاق أعمال الإرهاب البحري؟
من هنا، قامت‮ ‬غرفة الاستئناف في المحكمة الخاصة في لبنان بتعريف الإرهاب البحري الدولي كالتالي‮:‬
1‮- ‬التحضير لـ‮ (‬علي الأرض وفي البحر‮)‬، أو ارتكاب، أو التهديد بعمل إجرامي‮ (‬مثل القتل، أو الخطف، أو أخذ الرهائن، إحراق الممتلكات عمدا وهكذا‮) ‬في المجال البحري‮.‬
أو‮ ‬2‮- ‬التحضير لـ‮ (‬علي الأرض وفي البحر‮)‬، أو ارتكاب، أو التهديد بهجوم علي المنشآت البحرية، مرفق السفينة والميناء‮.‬
أو‮ ‬3‮- ‬التحضير لـ‮ (‬علي الأرض وفي البحر‮)‬، أو ارتكاب، أو التهديد بهجوم علي مرفق علي البر باستخدام سفينة‮.‬
4‮- ‬النية في نشر الخوف بين الشعب‮ (‬والذي يستلزم خلق خطر عام‮)‬،‮ ‬أو إجبار سلطة وطنية أو دولية بشكل مباشر أو‮ ‬غير مباشر علي اتخاذ تصرف معين، أو الامتناع عن القيام به‮.‬
5‮- ‬عندما يتعلق العمل بعنصر عابر للحدود‮(‬18‮).‬
وهناك تعريف آخر قدمه مجلس التعاون الأمني لآسيا والمحيط الهادي‮ ‬(CSCAP)‮ ‬عن الإرهاب البحري،‮ ‬هو‮: ‬القيام بأعمال وأنشطة إرهابية في البيئة البحرية، باستخدام أو ضد سفن أو منصات ثابتة في البحر أو الميناء، أو ضد أي شخص من ركابها أو أفرادها، أو ضد المرافق أو المستوطنات الساحلية، بما تشمل منتجعات السياح، ومناطق الموانئ ومدن الموانئ‮(‬19‮).‬
وتتسم كل هذه المحاولات لتعريف الإرهاب البحري بالوضوح والدقة،‮ ‬وتعد مجهودات مكملة لبعضها بعضا‮. ‬الملحوظ هو أنه لم يحدث اختلاف واضح بين الباحثين حول محدودية هجمات الإرهاب البحري‮. ‬وقد أكدت الإحصاءات هذا التصور،‮ ‬حيث أوضحت قاعدة بيانات الإرهاب العالمي أنه خلال أربعين عاما،‮ ‬حدث‮ ‬98‮ ‬ألف عمل إرهابي،‮ ‬كان من بينها‮ ‬199‮ ‬حادثا إرهابيا بحريا‮ "‬أي أقل من‮ ‬0‭.‬2٪‮" ‬من إجمالي الحوادث الإرهابية‮. ‬والسبب باختصار هو أن البيئة البحرية تستلزم قدرات معينة تفتقدها معظم الجماعات الإرهابية‮.‬ ومن أبرز الجماعات التي لديها هذه القدرات هي نمور تاميل‮ ‬Tamil Tigers‮.‬
ويبقي السؤال‮: ‬هل من الممكن أن تفضل الجماعات الإرهابية التي اعتادت علي الهجمات البرية أن تعمل في البحر؟ اختلف الباحثون حول أسباب التوجه للأهداف البحرية،‮ ‬ومدي أهمية الهدف البحري بالنسبة للجماعة الإرهابية‮. ‬علي سبيل المثال، قام بيتر لير بدراسة أوضح من خلالها إمكانية اللجوء إلي البيئة البحرية‮. ‬فقد أوضح أن الجماعات الإرهابية تتسم في طريقة تفكيرها وعملها بالمحافظة، وبالتالي فمن الممكن أن تترك البيئة المعتادة‮ (‬البر‮)‬،‮ ‬وتتنقل إلي البيئة الجديدة‮ (‬البحر‮). ‬لكن عند الانتقال إلي البيئة البحرية،‮ ‬ستلجأ إلي التجربة بغرض التأكد من قدرتها علي التكيف مع هذه البيئة الجديدة لتقوم بعد ذلك بشن هجمات أكثر تعقيدا‮.‬
من ناحية أخري، ناقش البعض الصعوبات التي قد تجعل الجماعات الإرهابية تتردد في مهاجمة الهدف البحري،‮ ‬ومن أهمها أن الجماعات الإرهابية اعتادت علي هجمات البر‮. ‬أما الهجوم البحري،‮ ‬فهو يتطلب أمورا لا تألفها الكثير من الجماعات الإرهابية،‮ ‬مثل المراكب،‮ ‬والتدريب علي قيادة السفن‮. ‬بالإضافة إلي ذلك، فإن استهداف سفينة في عرض البحر مسألة بعيدة عن الاحتياجات اليومية للمواطن العادي،‮ ‬ولن تصيبه بالرعب كما أنها بعيدة عن وسائل الإعلام،‮ ‬مما يجعلها في النهاية‮ ‬غير جذابة بالنسبة للجماعة الإرهابية‮.‬
وبالرغم من الأسباب السابق ذكرها، فإن هناك جماعة من الدارسين كانت لديهم الحجة علي أن الهدف البحري قد يكون هدفا مثيرا لاهتمام الجماعات الإرهابية‮. ‬وقد أرجعوا ذلك إلي عدة أمور،‮ ‬مثل‮: ‬انتشار الشركات المتخصصة في تزويد المواطنين الراغبين في التعلم بالتدريبات اللازمة والأدوات البحرية، وهو أمر تستطيع الجماعات الإرهابية الإفادة منه لتنمية قدراتها البحرية‮.‬ وكذلك هناك جماعات إرهابية تضع نصب أعينها هدف الإضرار بالاقتصاد،‮ ‬ولذلك ستحرص هذه الجماعات علي مهاجمة السفن،‮ ‬لأن هذا سيؤثر سلبا في الوضع المالي والاقتصادي‮(‬20‮). ‬وحتي بعيدا عن الدارسين،‮ ‬ومن وجهة نظر مسئولي السياسة والأمن،‮ ‬فقد ساد الاعتقاد بينهم بأن الإرهابيين من مصلحتهم أن يبدأوا في توجيه نشاطهم إلي البحر لعدة أسباب،‮ ‬أهمها تزايد الإجراءات الأمنية علي البر،‮ ‬مما يعوق عملهم،‮ ‬ويجعل من الأسهل القيام بعملياتهم في البحر‮. ‬كما أنه بالنظر إلي تزايد نسبة الشحن العالمي للبضائع في البحر،‮ ‬ووجود ناقلات البترول وغيرها، فإن العمليات الإرهابية البحرية ستساعد في إحداث خلل اقتصادي كبير،‮ ‬وهو ما ترجوه الجماعات الإرهابية‮. ‬علي سبيل المثال، فالهجمة الإرهابية علي الناقلة‮ ‬M/V Limburg في عام‮ ‬2002‮ ‬لم تؤد إلي خسائر بشرية كبيرة،‮ ‬إلا أنها أسهمت بشكل مباشر في انهيار قصير المدي للشحن الدولي في خليج عدن والمسطحات المائية المجاورة،‮ ‬كما أدت إلي ارتفاع‮ ‬0‭.‬48‮ ‬دولار في برميل البترول الخام برنت،‮ ‬وغير ذلك من الآثار‮. ‬ودائما ما تناقش الأدبيات تأثير هذه الهجمات في الاقتصاد العالمي،‮ ‬وتنظيم القاعدة الذي أعلن استهدافه للتجارة والاقتصادات الغربية‮. ‬وقد نسب للقاعدة بعد تفجير‮ ‬Limburg التصريح التالي‮: "‬عن طريق تفجير ناقلة البترول في اليمن، قطع المحاربون المقدسون الحبل السري وشريان الحياة للمجتمع الصليبي‮"(‬21‮).‬
بالإضافة إلي كل تلك الأسباب، يمكن أن يبدو الهجوم علي هدف بحري جذاب،‮ ‬لو كانت الجماعة الإرهابية ترغب في إحداث كارثة بيئية‮. ‬فلو تم استهداف ناقلة بترول مثلا،‮ ‬وحدث تسريب قوي منها،‮ ‬فسيؤدي ذلك إلي أضرار بالغة تصيب البيئة البحرية في الموقع الذي تم فيه تسريب البترول‮. ‬وإن ترك ليجرفه التيار،‮ ‬فسيكون الدمار أكثر‮(‬22‮).‬
تثبت الهجمات الإرهابية البحرية أن عددا قليلا من المنظمات الإرهابية هو الذي يستطيع القيام بهجمات الإرهاب البحري‮. ‬ودائما ما تؤكد الدراسات أن أبرز الجماعات ذات الخبرة البحرية هي نمور تاميل‮ ‬Liberation Tigers of Tamil Eelam وفرعها البحري‮: ‬نمور البحر‮ ‬the Sea Tigers. هذه الجماعة‮ ‬(LTTE)‮ ‬تسعي من وراء عملياتها إلي تكوين‮ "‬وطن تاميل هندوسي مستقل في شمال سيريلانكا‮"‬،‮ ‬وراح ضحية هجماتها ما يزيد علي ستين ألف شخص‮. ‬ولفرعها البحري‮ "‬نمور البحر‮" ‬باع في الهجمات البحرية منذ عام‮ ‬1984،‮ ‬حيث دمر جزءا كبيرا من البحرية السيريلانكية‮. ‬واستطاعت هذه الجماعة الإرهابية التي احتلت الصدارة أن تصبح نموذجا يحتذي به بالنسبة للجماعات الإرهابية الأخري،‮ ‬بالرغم من أنها جماعة يتركز كل نشاطها الإرهابي في سيريلانكا‮. ‬كما تناولت الدراسات جماعة أخري تمتعت بهذه القدرة البحرية،‮ ‬هي جماعة أبو سياف في الفلبين،‮ ‬والتي تعددت هجماتها البحرية‮. ‬لقد ساعدتها قدرتها البحرية ومساندة السكان المحليين لها في القيام بهجمات إرهابية بحرية في جنوب شرق آسيا‮(‬23‮).‬
ودائما ما يثور الجدل بشأن تنظيم القاعدة،‮ ‬وما إذا كان يملك القدرات البحرية للقيام بالأنشطة الإرهابية البحرية أم لا‮. ‬فقد أعلن التنظيم عن اهتمامه بالهجمات البحرية،‮ ‬واختلف الدارسون في توقعاتهم لحجم الأسطول البحري للتنظيم بشكل كبير‮.‬ فهناك من أعطي تقديرا تقريبيا،‮ ‬وقال إنه يتكون من‮ ‬15‮ ‬إلي‮ ‬30‮ ‬سفينة،‮ ‬وهناك من وصل في توقعاته لحجم الأسطول إلي عدد‮ ‬300‮ ‬سفينة‮. ‬وتوقع الباحثون أن بعض السفن في هذا الأسطول تستخدم لأغراض تجارية،‮ ‬مما يساعد التنظيم في تمويل عملياته‮. ‬وكتب البعض عن أن التنظيم قد استخدم هذا الأسطول في نقل المتفجرات التي استخدمت في الهجوم علي سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام‮ ‬1998‮(‬24‮).‬
وقد حاول بعض الباحثين الذين انشغلوا بتقدير خطر الجماعات الإرهابية علي الأهداف البحرية شرح سيناريوهات الهجمات الإرهابية التي من الممكن أن يتعرض لها كل نوع من السفن، وكان من أبرزهم جرينبرج وآخرون‮.‬
فمثلا عند تناول السيناريوهات والمخاطر التي من الممكن أن تواجه عبارات الركاب، أظهر هؤلاء الباحثون أن سيناريوهات الهجمات الإرهابية المختلفة التي من الممكن أن تتعرض لها تتضمن‮: ‬الترتيب لتفجير السفينة عن طريق مركب محمل بالمتفجرات يصطدم بها، كما أن بإمكان الجماعة تكليف‮ ‬غطاسين بتركيب جهاز شديد الانفجار علي هيكل السفينة لتنفجر السفينة وتغرق، وكذلك بإمكان أحد الانتحاريين تفجير نفسه علي السفينة‮. ‬من ناحية أخري، يمكن للجماعة الإرهابية الهجوم علي السفينة من البر،‮ ‬أو من مركب باستخدام المدفعية الثقيلة،‮ ‬مما يسفر عن الكثير من القتلي والجرحي‮. ‬ويبقي السؤال عن مدي اهتمام الجماعات الإرهابية بمهاجمة عبارات الركاب‮. ‬وتكشف الدراسة عن أن الجماعات الإرهابية ستفضل الهجوم علي الحاويات أو حتي السفن السياحية أكثر مما تلجأ إلي الهجوم علي العبارات‮. ‬ومع ذلك،‮ ‬فإن هناك مزايا عدة في اتخاذ القرار باستهداف عبارات الركاب،‮ ‬تتمثل في سهولة الهجوم وتضمنه للكثير من الضحايا،‮ ‬وكسب تغطية إعلامية كبيرة للحادث‮. ‬والمثال البارز في هذا الصدد هو الهجوم الإرهابي الذي استهدف‮ ‬Super Ferry 14‮ ‬في الفلبين في عام‮ ‬2004،‮ ‬والذي لم يكن مكلفا علي الإطلاق،‮ ‬سواء من الناحية المادية،‮ ‬أو حتي من ناحية كمية المتفجرات المستخدمة،‮ ‬لكن استطاعت الجماعة الإرهابية تحقيق أهدافها من خلاله،‮ ‬سواء من ناحية كثرة الضحايا‮ (‬116‮ ‬قتيلا وأكثر من‮ ‬300‮ ‬جريح‮)‬، أو من ناحية تركيز وسائل الإعلام علي الحادث‮(‬25‮).‬
وتناولت الدراسة نفسها نوعا آخرا من السفن،‮ ‬هي سفن السياحة،‮ ‬وإمكانية أن تكون هدفا للجماعات الإرهابية‮. ‬وتبرز هنا حادثة هجوم أشخاص من جبهة التحرير الفلسطينية،‮ ‬قاموا بخطف السفينة‮ ‬Achille Lauro في محاولة للضغط من أجل إنقاذ بعض الفلسطينيين من البقاء في سجون إسرائيل‮. ‬وقعت هذه الحادثة في عام‮ ‬1985،‮ ‬وأسفرت عن فشل الخاطفين في تحقيق هدفهم،‮ ‬وقتل أحد الركاب،‮ ‬ولم يستطع الخاطفون الفرار،‮ ‬حيث تمت إدانتهم في محاكم إيطاليا‮.‬
من ناحية أخري، قد تقوم الجماعة الإرهابية بالهجوم من البر أو من خلال مركب باستخدام المدفعية الثقيلة، كما يمكن أن يأخذ الهجوم شكل هجوم بيولوجي يتسبب في تلويث الطعام أو الشراب الذي تعتمد عليه السفينة‮. ‬وتستطيع الجماعة الإرهابية بهذا الشكل إحداث آثار اقتصادية كبيرة وكذلك خسائر بشرية، فبعض السفن السياحية الكبري يزيد عدد ركابها،‮ ‬بالإضافة إلي طاقمها،‮ ‬علي‮ ‬400‮ ‬شخص‮(‬26‮).‬
ونظرا لاهتمام هذه الدراسة بناقلات البترول، ينبغي التركيز علي ما تناولته دراسة جرينبرج وآخرين من سيناريوهات للهجوم الإرهابي علي الحاويات، والذي من الممكن أن تقوم به الجماعات الإرهابية بعدة أساليب،‮ ‬مثل‮: ‬السعي إلي‮ "‬إغراق أو تعطيل سفينة في قناة ضيقة أو مدخل ميناء‮"‬،‮ ‬وذلك بعد انفجارها،‮ ‬والذي من الممكن أن يتم عن طريق قنبلة علي سطحها أو جهاز يضعه‮ ‬غطاسون علي هيكل السفينة‮. ‬كما يمكن أن تحدث الكارثة بشكل آخر يتمثل في تمكن الإرهابيين من الصعود إلي سطح السفينة،‮ ‬واستخدام العنف للاستيلاء علي قيادة السفينة بهدف أن تصطدم بكوبري أو أية منشأة،‮ ‬مما يسفر عن تعطيل حركة الشحن،‮ ‬وكذلك عن ضحايا‮ (‬قتلي وجرحي‮)‬، بالإضافة إلي الحصول علي الدعاية المطلوبة‮. ‬كما يمكن حدوث سيناريو مشابه لهذا السيناريو الأخير،‮ ‬لكن بشكل أكثر خطورة وتدميرا،‮ ‬وذلك عن طريق استغلال الإرهابيين للحاوية،‮ ‬ووضع قنبلة تقليدية أو قذرة‮ (‬جهاز إشعاعي‮) ‬أو نووية عليها،‮ ‬حتي تصل الحاوية إلي وجهة معينة يريدها الإرهابيون،‮ ‬ثم يقومون بتفجير القنبلة‮.‬
وبالرد علي سؤال ما إذا كانت الحاويات هدفا يحرص عليه الإرهابيون أم لا، فإن الإجابة نعم لأسباب عدة،‮ ‬أهمها أنه من الناحية الفنية والتكتيكية،‮ ‬ليس من الصعب مهاجمة حاوية‮. ‬من خلال السيناريوهات سالفة الذكر،‮ ‬يتضح أن الحاوية يمكن أن تتحول إلي مركبة يستخدمها الإرهابيون لنقل أسلحة الدمار الشامل‮. ‬وأخيرا،‮ ‬فإن استهداف الحاويات له تأثير سلبي للغاية في اقتصادات الدول‮. ‬وبالتالي،‮ ‬فإن الجماعة التي تنجح في استهداف الحاويات تكون قد أضرت بالاقتصاد وقامت بحادث إجرامي يسفر عن ضحايا،‮ ‬كما أنها تحصل علي مكاسب سياسية تتمثل في اتهام الشعب للقيادة السياسية بالفشل‮(‬27‮).‬
وبعد استعراض هذه السيناريوهات الهامة، فإن أهم الهجمات الإرهابية علي الأهداف البحرية قد تمثلت في‮:‬
‮❊ ‬الهجوم علي‮ ‬USS Cole‮: ‬تعرضت السفينة‮ ‬Cole‮ ‬لهجوم عنيف أسفر عن العديد من الضحايا‮ (‬من القتلي‮ ‬17‮ ‬بحارا أمريكيا،‮ ‬ومن الجرحي‮ ‬40‮). ‬وكاد الهجوم يدمر واحدة من أقوي السفن الحربية الأمريكية، مما تطلب أكثر من عام لإصلاحها‮.‬
‮❊ ‬الهجوم علي‮ ‬Limburg‮:‬ هي ناقلة بترول مسجلة في فرنسا،‮ ‬وكان السيناريو المستخدم في الهجوم عليها هو استخدام مركب محمل بالمتفجرات للاصطدام بها،‮ ‬وذلك عند ساحل اليمن في‮ ‬‭.‬2002‮ ‬قام تنظيم القاعدة بهذا العمل الإرهابي الذي أسفر عن‮ ‬غرق أحد البحارة،‮ ‬وإهدار‮ ‬90‮ ‬ألف برميل من البترول في خليج عدن‮. ‬وورد في البيان الصادر عن المكتب السياسي للتنظيم‮: "‬إذا كانت مركب لا تبلغ‮ ‬تكلفتها ألف دولار أمريكي استطاعت تدمير ناقلة بترول بهذا الحجم، إذن تخيلوا درجة الخطر التي تهدد شريان الحياة التجاري للغرب،‮ ‬وهو البترول‮."‬
وقد أسهمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في إحساس السلطات الأمريكية بالخوف من الإرهاب البحري‮. ‬وبدأوا يدرسون كيف يمكن أن تتطور الأدوات التي يستخدمها الإرهابيون في عملياتهم‮. ‬فبعد استخدام شاحنات وطائرات، من الممكن أن يوظف الإرهابيون السفن والحاويات في شن هجماتهم‮. ‬كما زادت المخاوف الأمريكية من احتمال أن يكف الإرهابيون عن استخدام المتفجرات التقليدية،‮ ‬ويتجهوا إلي استخدام‮ "‬الأسلحة الكيميائية،‮ ‬أو البيولوجية،‮ ‬أو الإشعاعية،‮ ‬أو النووية‮"‬،‮ ‬أو‮ ‬CBRN‮.‬ وأصبح المحللون واثقين من أن الهجمات الإرهابية ستتم فيما بعد باستخدام القنبلة الاشعاعية أو‮ ‬"Dirty Bomb”‮(‬28‮).‬
ب‮- ‬القرصنة‮:‬
بعد تناول مخاطر الجماعات الإرهابية علي الأهداف البحرية، يجب تناول مخاطر القراصنة علي الأهداف البحرية في إطار شرح تهديدات الفاعلين من‮ ‬غير الدول‮. ‬وقد تمت الإشارة إلي تعريف القرصنة في قسم الإطار النظري‮. ‬أما عن أهم المناطق الجغرافية التي تعاني خطر القرصنة،‮ ‬فتتمثل في جنوب شرق آسيا، وأمريكا الجنوبية، وشرق وغرب إفريقيا‮(‬29‮).‬
وهناك تصنيف يشرح نشاط القرصنة،‮ ‬ويقدم خمسة نماذج من القرصنة‮:‬
‮- ‬النموذج الأول من القرصنة‮: ‬السرقة البسيطة لمخازن السفن والأشياء القيمة من السفن في المرساة‮/ ‬الراسية في العوامة‮/ ‬الموجودة جنبا إلي جنب الرصيف
‮- ‬النموذج الثاني من القرصنة‮: ‬السرقة المسلحة‮/ ‬العنيفة ضد سفن في المرساة‮/ ‬الراسية في العوامة‮/ ‬الموجودة،‮ ‬جنبا إلي جنب الرصيف‮.‬
‮- ‬النموذج الثالث من القرصنة‮: ‬السرقة المسلحة‮ /‬العنيفة ضد سفن في الطريق‮.‬
‮- ‬النموذج الرابع من القرصنة‮: ‬الهجمات المسلحة علي السفن في الطريق لغرض أخذ الرهائن،‮ ‬وطلب فدية‮.‬
‮- ‬النموذج الخامس والأخير من القرصنة‮: ‬الخطف وانتقال الملكية المتعمد للسفينة،‮ ‬عمليات‮ "‬السفينة الوهمية‮".‬
كما ظهر اختلاف آخر في نشاط القرصنة،‮ ‬هو الاختلاف في الهدف والنتيجة،‮ ‬وهو ما يتضح باستعراض ظاهرة القرصنة في مختلف المناطق في العالم‮. ‬فبالنسبة لضحايا حادث القرصنة،‮ ‬فالعدد يتفاوت بين منطقة وأخري، فيصل إلي معدلات قليلة نسبيا في حوادث القرصنة التي تحدث في إفريقيا ومعدلات أكبر لو كان الحادث في منطقة بحر الصين الجنوبي ومضيق ملقا، وهذا يشير إلي اختلاف في الأهداف‮. ‬فالقرصان الإفريقي ينصب اهتمامه علي الفدية‮. ‬أما القرصان الآسيوي يعمل وهو يضع نصب عينيه الاستيلاء علي السفينة والشحنة‮. ‬وقد رأت الدراسات أن قدرات القراصنة تتمثل في عنصرين هما‮: "‬الكفاءة‮ (‬مثل المعرفة،‮ ‬والخبرة،‮ ‬والمهارات‮)‬،‮ ‬والأدوات‮ (‬كالمعدات،‮ ‬والمتفجرات،‮ ‬والتسليح،‮ ‬والمال‮)"(‬30‮).‬
وللتعرف أكثر علي ظاهرة القرصنة،‮ ‬يجب التنويه إلي أن صورة قرصان اليوم تختلف عن قراصنة الماضي، فقرصان اليوم حظي بالتدريب والقدرة علي استخدام معدات علي مستوي عال من التكنولوجيا‮. ‬كما تظهر الإحصاءات اختلافات في عدد هجمات القرصنة علي مر السنين‮. ‬لقد لاحظ المهتمون بهذا الشأن حدوث انخفاض واضح في عدد هجمات القرصنة بعد عام‮ ‬‭.‬2003‮ ‬فقد قل عدد الهجمات من‮ ‬329‮ ‬عام‮ ‬2004‮ ‬إلي‮ ‬276‮ ‬عام‮ ‬2005،‮ ‬ثم انخفض أكثر في عام‮ ‬2006‮ ‬ليصل إلي‮ ‬‭.‬239‮ ‬وقد فسر المحللون هذا التراجع بأنه يعكس نجاح المسئولين والقوات البحرية للدول‮. ‬لكن الظاهرة كانت من القوة بحيث زادت معدلاتها مرة أخري ليصل عدد الحوادث في عام‮ ‬2007‮ ‬إلي‮ ‬269،‮ ‬وتحديدا زاد عدد السفن التي تتعرض لهذا الخطر الجسيم علي سواحل الصومال ونيجيريا‮. ‬لم تكتسب سنة‮ ‬2007‮ ‬أهميتها فقط من زيادة معدلات هذه الحوادث، بل أيضا لأنها أظهرت أن ناقلات البترول قد دخلت دائرة اهتمام القراصنة‮. ‬حقا إن القراصنة يهدفون إلي الفدية،‮ ‬وبالتالي سيسعون إلي الاستيلاء علي أية سفينة تحمل شحنة‮ ‬غالية الثمن‮.‬ إلا أنهم في السنوات الأخيرة،‮ ‬بدأوا يتجهون بأنظارهم أيضا إلي السفن ذات الشحنات المتعلقة بمصادر الطاقة،‮ ‬التي أدركوا سهولة مهاجمتها والاستيلاء عليها،‮ ‬كما هو الحال بالنسبة إلي ناقلات البترول،‮ ‬التي لم يعد من الصعب مهاجمتها في المضايق‮. ‬وهذا بالطبع‮ ‬يمكن أن تكون له تداعيات سلبية للغاية،‮ ‬لأن تفجير ناقلة كبيرة في أحد المضايق سيكون كفيلا بشل حركة الملاحة فيه لأيام،‮ ‬مما سينتج عنه‮ "‬ارتفاع في سعر البترول‮". ‬وقد شهد العالم مثل هذا التأثير بعد الهجوم علي الناقلة‮ ‬Limburg‮ ‬في‮ ‬‭.‬2002
وبالنسبة لناقلات البترول،‮ ‬محور اهتمام هذه الدراسة، يري البعض تزايد احتمالات الهجوم عليها‮. ‬يمكن التوصل إلي هذه النتيجة عن طريقة تصور شكل ناقلة البترول وحركتها‮. ‬فالناقلة حركتها بطيئة في المياه،‮ ‬ولن تتمكن من التحرك بسرعة لتفادي القراصنة الذين يحاولون مهاجمتها،‮ ‬بالإضافة إلي مشكلة أخري،‮ ‬هي اضطرار الناقلات للمرور عبر أحد المضايق المهمة،‮ ‬كهرمز،‮ ‬أو ملقا أو باب المندب،‮ ‬وربما تضطر إلي المرور عبر أكثر من واحد منها‮(‬31‮).‬
وهناك دراسات أكدت أن ناقلات البترول أصبحت محور بحث القراصنة الذين ما يلبثون أن يعثروا عليها حتي يحتجزوها ويقضوا فترة تتراوح بين خمسة وعشرة أيام لإنزال شحنة البترول‮.‬ وفي حالة الاستيلاء علي السفن من قبل بعض القراصنة الصوماليين،‮ ‬أحيانا يكون الاحتجاز لمدة أشهر‮. ‬تقليديا،‮ ‬كان الباحثون يعتقدون أن القراصنة ليسوا معنيين بنوع معين من الشحنات،‮ ‬بل ينصب كل تركيزهم علي الفدية، لكن لم يعد الحال كذلك مع ازدياد أهمية شحنات البترول‮. ‬لذلك،‮ ‬يجد القراصنة ضالتهم في منطقة خليج عدن التي يزدهر فيها نشاطهم،‮ ‬وذلك لأن ثلث البترول الخام في العالم تحمله ناقلات تعبر من خلال هذه المنطقة،‮ ‬ويسعي القراصنة للاستيلاء عليه وبيعه‮. ‬وقد اختلفت التحليلات بشدة حول السفن التي يسعي إليها القراصنة‮. ‬فهناك تحليلات ترجح ميلهم إلي‮ "‬سفن الشحنات الكبيرة،‮ ‬والحاويات،‮ ‬وناقلات البترول‮"‬، بينما أكدت تحليلات أخري انجذاب القراصنة إلي السفن الأقل قوة وقدرة علي حماية نفسها،‮ ‬لكنها تحمل شحنة كبيرة‮(‬32‮).‬
وكان من أهم حوادث القرصنة،‮ ‬التي تعرضت لها ناقلات بترول الخليج العربي،‮ ‬ما حدث في نوفمبر‮ ‬2008،‮ ‬حيث هاجم القراصنة ناقلة البترول السعودية العملاقة‮ ‬The Sirius Star وبالتالي فاز القراصنة الصوماليون بحمولة من البترول الخام،‮ ‬قيمتها مئة مليون دولار علي الأقل‮. ‬وثارت المخاوف في ذلك الوقت من عدم تقدير القراصنة لضخامة الناقلة،‮ ‬واحتمال أن يقوموا بقيادتها في المياه الضحلة،‮ ‬مما ستكون له آثار مدمرة علي البيئة‮. ‬وبالرغم من حدوث عشرات حوادث القرصنة علي الساحل الصومالي في عام‮ ‬2008،‮ ‬فإن هذه الناقلة كانت أكبر سفينة سقطت في أيدي القراصنة‮(‬33‮).‬
وقد اهتم الباحثون بتقدير حجم الآثار الضارة لأعمال القرصنة،‮ ‬والتي لا تقتصر علي تهديد أرواح طاقم السفينة،‮ ‬والاستيلاء علي الشحنة فحسب، بل تمتد تأثيراتها السلبية لتصيب الاقتصاد العالمي كله،‮ ‬وهذه التأثيرات تحديدا هي ما حاولت مؤسسة‮ ‬One Earth Future Foundation رصده‮. ‬وقد توصلت إلي تقدير لما تحمله الاقتصاد العالمي جراء أعمال القرصنة في الفترة بين‮ ‬02008‮ ‬و2011،‮ ‬وهو مبلغ‮ ‬يصل إلي خمسة مليارات دولار سنويا‮. ‬وقد اتسم هذا التقدير بالعمق والشمول،‮ ‬حيث أوضح أن‮ ‬2٪‮ ‬فقط من هذا المبلغ‮ ‬يمثل تكلفة أعمال القرصنة‮. ‬أما باقي النسب،‮ ‬فتتمثل في تكاليف حماية السفن لدفع هذا الخطر‮ (‬63٪‮)‬، وما تتكبده الدول والمنظمات الدولية لمعالجة هذه المشكلة‮ (‬24٪‮). ‬أما عن الآثار السلبية علي الدول المجاورة للمناطق التي تتم فيها القرصنة،‮ ‬فقدرت بـ‮ ‬9٪‮ ‬من هذه المبالغ‮(‬34‮).‬
ج‮) ‬الإرهاب البحري والقرصنة‮:‬
في نهاية الجزء الخاص بتهديدات الفاعلين من‮ ‬غير الدول،‮ ‬والذي تمت فيه مناقشة مخاطر الجماعات الإرهابية والقراصنة، تجدر الإشارة إلي نقاط التلاقي بين هذين النوعين من المخاطر،‮ ‬كما ورد في الأدبيات،‮ ‬كالتالي‮:‬
أولا‮- ‬تم الجمع بين الظاهرتين‮ (‬الإرهاب البحري والقرصنة‮) ‬عند الحديث عن نقاط الضعف التي أتاحت الفرصة للإرهابيين والقراصنة للقيام بأنشطتهم،‮ ‬مثل‮ "‬مراقبة‮ ‬غير مناسبة للشواطئ، وأمن موانئ مهلهل، واعتماد شديد للتجارة البحرية علي المرور في النقاط الخانقة‮ (‬التي تتعرض فيها السفن إلي الهجوم‮)". ‬هذا الضعف سببه أن الدول الساحلية تسعي لتأمين البر، مما يمنح الفرصة للمتطرفين للعمل في البيئة البحرية،‮ ‬والتمكن من الاختباء‮(‬35‮). ‬وقد ظهر هذا الجمع بين النشاطين في دراسات تناولت قارة آسيا تحديدا‮. ‬وبالحديث عن جنوب شرق آسيا،‮ ‬يتم تحليل النشاطين‮.‬ فبالنسبة للإرهاب، تم تناول نقاط الضعف التي زادت من مخاطر الإرهاب،‮ ‬وهي الحاويات،‮ ‬حيث لا يقوم رجال الأمن والمسئولون بالتأكد بأنفسهم من كل ما تتضمنه الشحنة، لدرجة أن الإحصاءات أظهرت أن نسبة الحاويات التي تخضع للتفتيش تصل إلي‮ ‬5٪‮ ‬علي أقصي تقدير‮. ‬وتكمن المشكلة في أنه حتي إذا كان المسئول عن الشحنة مواطنا صالحا،‮ ‬فإن هذا لا يلغي احتمال استغلال الخارجين عن القانون للحاويات،‮ ‬وذلك بسبب سهولة العبث بأقفال الحاوية،‮ ‬حيث يري الكثيرون أنها إذا كانت سليمة،‮ ‬لما اقترب أي شخص من الحاوية،‮ ‬لكن هذا الظن خاطئ خصوصا،‮ ‬في ظل قلة تكلفة الأقفال‮. ‬وفي مغامرة مقلقة أظهرت إمكانية خرق أمن الموانئ في الولايات المتحدة الأمريكية، استعانت‮ ‬ABC News بكمية من اليورانيوم استطاعت الحصول عليها من جماعة بيئية، واستطاعت رغم كونها جهة إعلامية،‮ ‬وليست إرهابية،‮ ‬أن تجعل الحاوية تتحرك من تركيا وتصل إلي الولايات المتحدة الأمريكية‮. ‬لقد أثارت هذه التجربة المخاوف والقلق،‮ ‬فقد تمكنت جهة إعلامية من القيام بذلك، إذن فمن الممكن أن تقوم به الجماعة الإرهابية بسهولة‮.‬
ثم استكملت الدراسة تحليلها وتعرضت لواقعة قرصنة تمت تجاه ناقلة كيماويات في مضيق ملقا‮.‬ وأظهرت الدراسة قدرا من الارتياح بأن هذه الناقلة قد وقعت في يد قراصنة،‮ ‬لأن الإرهابيين بإمكانهم استغلال هذه الكيماويات في إحداث كارثة،‮ ‬وهذا هو ما شرحه مدير دراسات الإرهاب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدفاعية بجامعة استراليا الوطنية كليف ويليامز‮: "‬يستطيع الإرهابيون الاستيلاء علي سفينة شحن واستخدامها كسلاح ضد السفن العسكرية أو البنية التحتية المدنية مثل الكباري‮ .."(‬36‮). ‬وتناولت دراسة أخري علاقة الارتباط بين الظاهرتين‮. ‬وقد استدل أحد الباحثين علي هذه العلاقة عندما ركز علي جنوب شرق آسيا وعلي سيريلانكا،‮ ‬حيث وجد عددا من الجماعات تمارس كلا النشاطين‮: ‬الإرهاب الذي يكمن وراءه دافع سياسي،‮ ‬والقرصنة التي تحقق المكسب الاقتصادي‮. ‬وأهم هذه الجماعات هي‮: ‬نمور تاميل، والجبهة الوطنية لتحرير مورو‮(‬37‮).‬
ثانيا‮- ‬لقد تناولت الدراسات المخاوف من أن تحاول الجماعات المتطرفة،‮ ‬التي تري أنها‮ ‬غير قادرة علي التكيف مع البيئة البحرية،‮ ‬أن تتعاون مع عصابات قادرة علي تنفيذ عملياتها في البحر، وبالتالي سيكون هؤلاء المجرمون أداة لتنفيذ هدف الإرهابيين‮. ‬لكن بالرغم مما ورد في كثير من الدراسات،‮ ‬فإن هذه الصلة بين ظاهرتي الإرهاب البحري والقرصنة لا تزال موضع شك، وذلك لأن كل نشاط إجرامي منهما له الأجندة الخاصة به،‮ ‬بل وربما تكون الأهداف متناقضة، حيث من مصلحة القراصنة أن تظل الملاحة التجارية العالمية في أفضل حال،‮ ‬فإن هذا هو ما يولد الأرباح بالنسبة لهم‮. ‬أما الإرهابيون،‮ ‬فبعضهم أعلن أن هجومه علي الغرب يتضمن توجيه ضربات قاصمة ضد التجارة البحرية‮. ‬من ناحية أخري، فالدافع يختلف بين النشاطين‮. ‬فالقرصان يسعي وراء المال‮. ‬أما الإرهابي،‮ ‬فهو دائما يسعي إلي تحقيق هدف سياسي‮. ‬وبالرغم من كل هذه الفروق بين النشاطين،‮ ‬فقد استمرت فكرة الارتباط والتعاون بين الإرهابيين والقراصنة في السيطرة علي أذهان كثير من المسئولين وصانعي القرار،‮ ‬وهو ما اتضح في تحليلهم للحوادث البحرية،‮ ‬مثل هجوم بعض المجرمين علي السفينةDewi Madrim ‮ ‬في‮ ‬‭.‬2003‮ ‬بالرغم من الغموض الذي أحاط بالهجوم،‮ ‬لأن الجناة قادوا السفينة لفترة قصيرة جدا،‮ ‬ثم سرقوا منها أدوات ووثائق،‮ ‬ولم يتم تحديد هويتهم،‮ ‬مما جعل المكتب البحري الدولي يصنف هذا الهجوم علي أنه حادث قرصنة‮.‬ إلا أن هناك محللين أصروا علي أن المهاجمين هم إرهابيون كانوا يحاولون اكتساب بعض التدريب ليتمكنوا فيما بعد من قيادة سفينة،‮ ‬واستخدامها كسلاح لمهاجمة ناقلة،‮ ‬أو ميناء،‮ ‬أو منشأة‮(‬38‮).‬
وبعد مناقشة المخاطر التي تتعرض لها الملاحة البحرية من قبل الدول،‮ ‬وكذلك من قبل الفاعلين من‮ ‬غير الدول، يتناول القسم الأخير من الدراسة أهم الجهود الدولية لضمان أمن وسلامة الملاحة البحرية‮.‬
رابعًا‮- ‬الجهود الدولية لضمان أمن الملاحة البحرية‮:‬
كان الأمن البحري ومكافحة المخاطر التي تتعرض لها الملاحة البحرية علي رأس أولويات عدد من المنظمات الدولية والدول الكبري في العالم‮. ‬ويتناول هذا القسم إشارات سريعة إلي أهم هذه الجهود‮:‬
1‮- ‬حلف شمال الأطلنطي‮:‬
يتضمن اسم الحلف في حد ذاته بعدا بحريا، فقد حرص علي وجود‮ "‬جسر بحري‮" ‬يربط بين الولايات المتحدة وكندا من جهة،‮ ‬ودول‮ ‬غرب أوروبا من جهة أخري‮. ‬وبمرور الوقت، تنامي الاهتمام بتأمين البيئة البحرية بالإعلان عن‮ "‬الاستراتيجية البحرية للتحالف‮"‬،‮ ‬وذلك في عام‮ ‬2011،‮ ‬وتمثلت في استراتيجية طويلة المدي ترسم خطة زمنية لدور الحلف في خلال الفترة التالية‮ (‬عقدين إلي ثلاثة عقود‮). ‬وقد ظهر الدور الواضح للحلف فيما يخص مكافحته لظاهرة القرصنة في الصومال‮(‬39‮).‬
2‮- ‬المكتب البحري الدولي التابع للأمم المتحدة‮:‬
يعد‮ "‬المكتب البحري الدولي‮" ‬International Maritime Office من أهم الجهات الساعية إلي تأمين الملاحة البحرية،‮ ‬وهذا الكيان هو أحد الكيانات التابعة للأمم المتحدة‮. ‬من خلال النقاشات والاستشارات، يسعي هذا المكتب إلي الوصول بالملاحة البحرية إلي درجة أعلي من الأمن والسلامة‮.‬ فالأمن البحري هو شغله الشاغل‮. ‬وتشمل ورقة العمل الخاصة به هدف‮ "‬دعم نقل بحري سالم وآمن‮ .. ‬وكفء ومستدام عن طريق التعاون‮". ‬واستطاع هذا المكتب تقديم الدعم وتوفير المعلومات والإحصاءات، كما استطاع أن يكون راعيا لوثائق دولية بارزة في هذا الشأن،‮ ‬مثل‮: ‬اتفاقية قمع الأعمال‮ ‬غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية لعام‮ ‬1988،‮ ‬والبروتوكول التابع لها لعام‮ ‬2005‮(‬40‮).‬
علي صعيد الدول، تعددت الجهود الرامية إلي تفادي مخاطر الإرهاب البحري والقرصنة‮. ‬فكانت الولايات المتحدة الأمريكية من الدول التي أدركت خطر الإرهاب البحري، لذلك صممت الجمارك الأمريكية مبادرة سميت‮ "‬مبادرة أمن الحاويات‮"‬،‮ ‬تهدف إلي القضاء علي فرص الإرهابيين الذين يستغلون الحاويات في عملياتهم‮. ‬وقد آمنت دول أخري بأهمية هذا الجهد،‮ ‬ودخلت في اتفاقيات مع الجمارك الأمريكية في سعيها للتأكد من عدم استغلال الحاويات،‮ ‬والعمل علي التحقق من مدي وجود أسلحة إرهابية فيها منذ البداية،‮ ‬أي في ميناء المغادرة‮(‬41‮).‬
وبالنسبة لظاهرة القرصنة،‮ ‬فقد تضافرت الجهود من أجل مكافحة هذا الخطر،‮ ‬الذي يزداد في مناطق مثل الصومال‮. ‬فقد أظهرت الإحصاءات أن عام‮ ‬2008‮ ‬قد شهد‮ ‬49‮ ‬حادث خطف ناجحا للسفن،‮ ‬والمثير للانتباه أن‮ ‬42‮ ‬حادثا منها تمت في هذه المنطقة‮(‬42‮). ‬لقد أثارت حوادث القرصنة المتزايدة عند ساحل الصومال قلق الدول الكبري في العالم للدرجة التي دفعت الولايات المتحدة،‮ ‬والاتحاد الأوروبي،‮ ‬وعددا من الدول الكبري للتعاون والدفع بسفنها الحربية إلي هذه المنطقة‮.‬ ومن أمثلة هذه الدول روسيا،‮ ‬التي شاركت بسفنها في جهود مقاومة القرصنة عند ساحل الصومال‮. ‬وقد تعرضت إحدي السفن الروسية للخطف في عام‮ ‬2010،‮ ‬وتم استدعاء البحرية الروسية لإنقاذ السفينة التي كانت تحمل ما يساوي‮  ‬خمسين مليون دولار من البترول الخام من القراصنة الصوماليين،‮ ‬وهو ما تم بالفعل‮. ‬وتأتي الصين ضمن قائمة الدول المشاركة في حماية السفن عند ساحل الصومال‮. ‬لم تعتمد الصين علي قواتها فحسب،‮ ‬بل استشعرت أهمية التعاون،‮ ‬وتكثيف الجهود مع الدول الأخري لإجراء مسح للمنطقة في ظل المبادرة البحرية“Shared Awareness and Deconfliction (SHADE)"الوعي المشترك والتفكيك بهدف تأمين مناطق في‮ ‬غرب المحيط الهندي‮.‬
كما شاركت في هذه الجهود إيران التي أحست بالخطر بعدّها أحد مصدري البترول،‮ ‬وتحتاج إلي تأمين سفنها‮. ‬فقد تعرضت المصالح التجارية الإيرانية للخطر بسبب القراصنة الصوماليين في عدة مناسبات،‮ ‬مثل خطف السفينة‮ ‬MV Delight‮ ‬التابعة لهونج كونج،‮ ‬والمحملة بالحبوب لإيران‮. ‬وأشارت توقعات البعض إلي أن رجوع السفينة وشحنتها تم مقابل مالي استفاد منه القراصنة‮. ‬كما تم المساس بمصالح إيران كمنتج للبترول عندما تعرضت ناقلة البترول الإيرانية‮ ‬Damavand لمحاولة خطف من قبل القراصنة الصوماليين في مايو‮ ‬2011،‮ ‬وهو ما استدعي تدخل البحرية الإيرانية لإنقاذ السفينة‮. ‬وكانت من الدول المشاركة في هذه الجهود أيضا الهند،‮ ‬التي تهتم بهذا الأمر لعدة أسباب،‮ ‬منها القرب الجغرافي من هذه المنطقة الخطرة، كما أن مواطنيها عانوا هذه الحوادث كثيرا،‮ ‬وكانوا من بين الرهائن الذين لا يتم الإفراج عنهم إلا بعد دفع الفدية المطلوبة‮.‬
من ناحية أخري، يبرز الوجود البحري الأمريكي الدائم والنشط والحريص علي التعامل بحسم مع المشكلات في تلك المنطقة‮. ‬كما حاولت المنظمات الدولية،‮ ‬كالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو،‮ ‬الدخول في مهمات بحرية لتأمين هذه المنطقة‮(‬43‮). ‬ففي نوفمبر‮ ‬2008،‮ ‬ظهر دور القوات البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي التي أطلقت‮ ‬Operation Atlanta،‮ ‬وذلك لحماية مبعوثي الإغاثة الإنسانية العاملين تحت مظلة برنامج الغذاء العالمي من اعتداء القراصنة الصوماليين‮(‬44‮).‬
الخاتمة‮:‬
أثارت تهديدات الملاحة البحرية في منطقة مضيق هرمز أذهان الدارسين في علم السياسة،‮ ‬سواء من يركز منهم علي الصراع الدولي في عالم اليوم،‮ ‬أو من يجد نفسه مهتما بالسياسة الخارجية الإيرانية تجاه الدول الكبري‮.‬ إلا أن هذه الدراسة حاولت أن تتخذ منحي مختلفا،‮ ‬فقد نبعت من اهتمام بالأمن البحري،‮ ‬ونوعية المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها الأهداف البحرية أو الملاحة البحرية بصفة عامة‮. ‬واتسمت الأطر النظرية التي تسعي لشرح وتفسير المخاطر والتهديدات التي تواجه السفن والملاحة البحرية بالندرة الشديدة‮. ‬وقد أوضح التنظيران اللذان تبنتهما هذه الدراسة أن الهدف البحري يكون عرضة لنوعين من المخاطر،‮ ‬هما تهديد الدولة ومخاطر الفاعلين من‮ ‬غير الدول‮. ‬شرحت هذه الدراسة تهديدات الفاعلين من الدول،‮ ‬مسترشدة بالتطورات في مضيق هرمز،‮ ‬وكيف أصبحت إيران تمثل خطرا علي الناقلات التي تمر في المضيق‮. ‬ثم انتقلت الدراسة لمناقشة المخاطر التي يتعرض لها الهدف البحري من قبل فاعلين من‮ ‬غير الدول،‮ ‬وأهمهم الجماعات الإرهابية والقراصنة‮.‬
وقد حاولت الدراسة الإجابة عن الأسئلة التي طرحتها في المقدمة،‮ ‬والتي كانت عن ماهية المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها الملاحة البحرية، وأي الفاعلين هو الأكثر خطورة علي الملاحة البحرية،‮ ‬وأي الأهداف البحرية تعد أكثر عرضة للمخاطر‮. ‬استطاعت الدراسة بالفعل أن تجد الإجابة عن أنواع المخاطر والتهديدات المختلفة التي يتعرض لها الهدف البحري،‮ ‬وقامت بشرحها بالتفصيل وبالأمثلة‮. ‬لكن مع الأسف،‮ ‬لم يتبين للباحثة أي الفاعلين سيشكل خطرا أكبر علي الملاحة البحرية‮: ‬هل هي الدول أم القراصنة والجماعات الإرهابية؟ فهذا أمر لم تحسمه الأطر النظرية ولا الأدبيات السابقة‮. ‬أما عن التساؤل الخاص بأي الأهداف البحرية أكثر عرضة للهجوم، فقد أبرزت الدراسات أهمية استهداف ناقلات البترول بالفعل لعلو قيمتها ودورها في التأثير في الاقتصاد العالمي،‮ ‬لكن لا يمكن الجزم بأنها الأكثر عرضة للمخاطر والتهديدات‮.‬ فدراسة جرينبرج وآخرين تناولت مختلف أنواع السفن،‮ ‬وبينت إمكانية تعرضها لمخاطر الإرهاب البحري‮. ‬بل وصلت درجة عدم اليقين لدي الدارسين إلي درجة أن الحديث عن الإرهاب البحري قد تناول أسبابا تجعل الجماعات الإرهابية تبتعد عن البحر‮.‬ وعلي النقيض من ذلك، تناول أسبابا تجعل من البحر بيئة جذابة لعمل الجماعات الإرهابية‮.‬
وقد أظهرت الدراسات تحليلات كانت في كثير من الأحيان متناقضة، ولذلك ظهرت دراسات بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر،‮ ‬تحاول أن تتكهن بالهجمات التالية،‮ ‬التي من الممكن أن تكون بحرية،‮ ‬وكانت كلها سيناريوهات حاول البعض تقديمها لصناع القرار الذين كانوا في حالة عدم يقين تجاه مصدر الخطر والتهديد‮. ‬وحاول الكثير منهم وضع سيناريوهات لهجمات تنظيم القاعدة، وكيف يمكن أن تكون‮(‬45‮).‬
وبالتالي،‮ ‬أوضحت هذه الدراسة مدي العجز والنقص في دراسات الأمن التي تتعامل مع البيئة البحرية، والتي تجعلنا، علي سبيل المثال، غير قادرين علي تبين ما إذا كانت إيران كدولة هي الأكثر خطورة علي الملاحة البحرية أم الجماعات الإرهابية والقراصنة‮. ‬وقد أصاب بيجر وإدموندز حين كتبا في عام‮ ‬2017‮ ‬عن وضع دراسات الأمن البحري‮ ‬ maritime security وطالبا بأن تسعي هذه الدراسات للتغلب علي ما أطلقا عليه‮ "‬العمي تجاه البحر‮" ‬sea blindness ‮ ‬وتقدير مدي أهمية وخطورة التهديدات البحرية علي السياسة العالمية ككل‮(‬46‮).‬
 
الهوامش‮ :‬
 
1- Ryan Henry et al. Promoting International Energy Security, vol. 3: Sea Lanes to Asia, (RAND Corporation: 2012), pp. 11-18.
2- Michael Edgerton, A Practitioner‮'‬s Guide to Effective Maritime and Port Security, (John Wiley and Sons Inc.: 2013), pp. 49-50.
3- Ibid. pp. 52-54, 56, 59, 60.
4- Ibid. pp. 61-63, 67-68.
5- Qamar Fatima and Asma Jamshed, The Political and Economic Significance of Indian Ocean: An Analysis, South Asian Studies: A Research Journal of South Asian Studies, Volume 30, Issue 2 (July-December 2015), pp. 74-75.
6- Dagobert L. Brito and Eytan Sheshinski, Alternatives to the Strait of Hormuz, The Energy Journal, Volume 19, Issue 2 (1998), p.136.
7- Katerina Oskarsson, Great Powers, the Persian Gulf, and Global Oil: A Comparative Analysis, (PhD diss., Old Dominion University, Dec. 2014), p.229.
8- J. Kraska and R. Pedrozo, International Maritime Security Law, (Brill: 2013), p‭.‬269.
9- Stefan Kirchner and Birute M. Salinaite, The Iranian Threat to Close the Strait of Hormuz: A Violation of International Law? Jurisprudence, Volume 20, Issue 2 (2013), pp. 549-550.
10- Caitlin Talmadge, Closing Time: Assessing the Iranian Threat to the Strait of Hormuz, International Security, Volume 33, Issue 1 (Summer 2008), p‭.‬82.
11- Stefan Kirchner and Birute M. Salinaite, Op.cit. p.562.
12- J. Peter Pham, Iran‮'‬s Threat to the Strait of Hormuz: A Realist Assessment, American Foreign Policy Interests, Volume 32 (2010), p.64.
13- Strait of Hormuz: Iran‮'‬s Disruptive Military Options, Strategic Comments, Volume 18, Issue 1 (February 2012), p‭.‬1.
14- Henry Austin, Iran captures UK tanker: Timeline of Persian Gulf Political Tensions, Independent, Friday 19 July, 2019, accessed August 18, 2019, https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/iran-uk-british-tanker-strait-hormuz-stena-impero-mesdar-a.9013196html
15- Iran ‮'‬seizes Iraqi tanker in Gulf for Smuggling Fuel, BBC News, 5 August 2019, accessed August 18, 2019, https://www.bbc.com/news/world-middle-east-49225916
16- Richard Perez-Pena and Megan Specia, Gibraltar Releases Iranian Tanker, Hours after US Asked to Seize it, The New York Times, August 15, 2019, accessed August 19, 2019, https://www.nytimes.com/15/08/2019/world/europe/iran-gibraltar-tanker.html
17- Md Saiful Karim, Flag State Responsibility for Maritime Terrorism, SAIS Review of International Affairs, Volume 33, Issue 2 (Summer-Fall 2013), p‭.‬127.
18- Md Saiful Karim, The Rise and Fall of the International Law of Maritime Terrorism: The Ghost of Piracy is still Hunting, New Zealand Universities Law Review, Volume 26 (June 2014), pp. 87-88.
19- Col. Antonio Guido Monno, Piracy and Terrorism, Threats to Maritime Security: A Brief Analysis, in: Sylvia Ciotti Galletti (editor), Piracy and Maritime Terrorism: Logistics, Strategies, Scenarios (Amsterdam, IOS Press: 2012), p‭.‬70.
20- Victor Asal and Justin V. Hastings, When Terrorism goes to Sea: Terrorist Organizations and the Move to Maritime Targets, Terrorism and Political Violence, Volume 27, Issue 4 (2015), pp. 722-724.
21‮- ‬تعددت الدراسات التي تشرح العلاقة بين إنتاج البترول والتعرض للإرهاب،‮ ‬وأثبتت بالفعل العلاقة الطردية بينهما‮. ‬وأكدت هذه الدراسات أن الإرهابيين بالفعل يوجهون ضرباتهم لمنشآت وشركات البترول لإحداث أثر سلبي خطير علي الاقتصاد الوطني أو العالمي،‮ ‬وأحيانا يقومون بذلك للتعبير عن اعتراضهم علي وجود شركات أجنبية تعمل في مجال البترول،‮ ‬وأحيانا للحصول علي الفدية، وأحيانا لتدمير المصالح الجيوسياسية للدول الأعداء‮. "‬في سنة‮ ‬2012‮ ‬فقط،‮ ‬كانت هناك‮ ‬35‮ ‬هجمة إرهابية علي الأقل استهدفت خطوطا أو ناقلات‮ .. ‬أو حقول بترول أو‮ ‬غاز طبيعي‮". ‬انظر‮:‬
- Chia-yi Lee, Oil and Terrorism: Uncovering the Mechanisms, Journal of Conflict Resolution, Volume 62, Issue 5 (2018), pp. 903-928.
22-  Michael D. Greenberg et al. Maritime Terrorism: Risk and Liability, (RAND Corporation, 2006), pp. 15-18.
23- Richard Farrell, Maritime Terrorism: Focusing on the Probable, Naval War College Review, Volume 60, Issue 3 (Summer 2007), pp. 48-49.
24- Dr Donna J. Nincic, The Challenge of Maritime Terrorism: Threat Identification, WMD and regime response, Journal of Strategic Studies, Volume 28, Issue 4 (2005), p.623.
25- Michael D. Greenberg et al. Op.Cit. pp. 94-95.
26- Ibid. pp. 73, 74, 80, 81.
27- Ibid. pp. 112, 113, 114, 118, 120, 124.
28‮- ‬تعتمد القنبلة الاشعاعية أو القنبلة القذرة علي‮ "‬مادة متفجرة تقليدية،‮ ‬مثل الديناميت أو نيترات الأمونيوم التي تصنع باستخدام مواد إشعاعية، والتي تنتشر عندما تنفجر القنبلة‮". ‬تصيب القنبلة الضحايا لتقتلهم أو تصيبهم،‮ ‬منذ لحظة الانفجار،‮ ‬نظرا لاحتوائها علي متفجرات تقليدية، كما أن انفجارها ينشر مواد إشعاعية تهدد حياة الأفراد،‮ ‬لذلك سموها‮ "‬قنبلة قذرة‮".‬
- Michael Richardson, A Time Bomb for Global Trade: Maritime  Related Terrorism in an Age of Weapons of Mass Destruction, (Singapore: Institute of Southeast Asian Studies, 2004), pp. 5, 18, 50, 51.
29- Col. Antonio Guido Monno, Op.Cit. pp. 62-63.
30- George Ad. Psarros et al. On the Success Rates of Maritime Piracy Attacks, Journal of Transportation Security, Volume 4 (2011), pp. 313-315.
31- Farhad Mehdiyev, Providing and Maintaining the Security of Maritime Oil Platforms and Pipelines, in: Silvia Ciotti Galletti (editor), Piracy and Maritime Terrorism: Logistics, Strategies, Scenarios, (Amsterdam: IOS Press, 2012), pp. 106, 107, 110.
32- Stephanie Jones, Maritime Piracy and the Cost of World Trade, Competitiveness Review, Volume 24, Issue 3 (2014), pp. 162, 164.
33- Somalia- Gulf of Aden: Oil Supertanker seized, Africa Research Bulletin, November 1st30th 2008, p.17761.
34- Bruno S. Sergi and Giacomo Morabito, The Pirates' Curse: Economic Impacts of the Maritime Piracy, Studies in Conflict & Terrorism, Volume 39, Issue10 (2016), p.937.
35- P. Chalk, Maritime Dimension of International Security: Terrorism, Piracy, and Challenges for the United States (RAND Corporation: 2008), pp. 21-22.
36- Catherine Zara Raymond, Maritime Terrorism in Southeast Asia: A Risk Assessment, Terrorism and Political Violence, Volume 18, Issue 2 (2006), pp. 242-251.
37- Martin N. Murphy, Chapter Two: Maritime Terrorism, the Adelphi Papers, Volume 47, Issue 338 (2007), p.49.
38- P. Chalk, Op.Cit. p. 31-32.
39 J. Kraska, & R. Pedrozo, Op.Cit. pp. 47, 49, 55.
40- KT Kandler, Violence at Sea: The Legal Framework to Combat Maritime Terrorism, (MA thesis, the Arctic University of Norway, Sept. 2016), pp. 14-15.
41- Jessica Romero, Prevention of Maritime Terrorism: The Container Security Initiative, Chicago Journal of International Law, Volume 4, Issue 2 (2003), article‮.‬21 Available at: http://chicagounbound.uchicago.edu/cjil/vol4/iss21/2
42- Christopher Joyner, Navigating Troubled Waters: Somalia, Piracy, and Maritime Terrorism, Georgetown Journal of International Affairs, Volume 10, Issue 2 (Summer/Fall 2009), p‭.‬83.
43- C. L. Daniels, Somali Piracy and Terrorism in the Horn of Africa ( Maryland: Scarecrow Press, 2012).
44- J. Kraska and R. Pedrozo, Op.Cit. p‭.‬64.
45‮- ‬انظر‮:‬
- Michael Richardson, A Time Bomb for Global Trade: Maritime  Related Terrorism in an Age of Weapons of Mass Destruction, (Singapore: Institute of Southeast Asian Studies, 2004).
46- Christian Bueger and Timothy Edmunds, Beyond Sea Blindness: A New Agenda for Maritime Security Studies, International Affairs, Volume 93, Issue 6 (2017), p.1311.
 
طباعة

    تعريف الكاتب

    د‮.‬ هبة محمد زهرة