ملفات - ملفات

الرؤية الهندية للتحدي الصيني

طباعة

مثلت حرب عام 1962 نقطة مفصلية فارقة في هذا الخصوص علي صعيد تصور الهند للصين من مجرد منافس لها تسعي إلي احتوائه إلي عدو لها أصبحت تخشاه.

فقد تأثرت رؤية الهند للصين خلال الفترة السابقة علي حرب 1962  بحقيقة الخبرة التاريخية لعلاقاتهما الثنائية، والتي لم تشهد وقوع أي حرب بينهما علي مدي ألفي عام. لذلك، سادت قناعة آنذاك لدي القادة الهنود بأن الصين لا تمثل خطرا لأمن بلادهم، خاصة أن نظامها الشيوعي الوليد منغمس في معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الصيني. ومع هذا التصور الإيجابي من جانب القادة الهنود، والذي يرجع إلي رئيس الوزراء جواهر لال نهرو الفضل الأكبر في صياغته، إلا أنهم لم يغفلوا حقيقة ما تمثله الصين من قوة عظمي كامنة. وليس أدل علي ذلك من أن نهرو توقع أن يتشكل هيكل القوة في النظام الدولي بنهاية القرن العشرين من أربع قوي، هي: الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، والصين، والهند. ومن هذا المنطلق، انبنت استراتيجية الهند، في ظل قيادة نهرو تجاه الصين قبل وقوع حرب 1962، علي احتوائها، وهو ما تجلي، سواء في اعترافها بالنظام الشيوعي الصيني في عام 1949، أو في استسلامها لواقع احتلال الصين للتبت في عام 1950، أو في دفاعها عن حق الصين الشعبية في شغل مقعد الصين في مجلس الأمن. وبحسب ما يذكر ميشال بريشير،  مؤلف السيرة الذاتية لنهرو، فإن نهرو هدف من محاولاته لإدماج الصين في المجتمع الدولي إلي تخفيف الاعتماد الصيني علي الاتحاد السوفيتي، بما يحول دون تكون محور صيني - سوفيتي علي حدود الهند. وهو ما كان يعني تطويق الهند بقوة عسكرية ضخمة تشكل بلا شك ضغطا عسكريا عليها. ولذلك، عندما تعرض نهرو لانتقادات من جانب البرلمان الهندي بسبب توقيعه اتفاقية التبت مع الصين في عام 1954 - التي تقر بتبعية التبت للصين - أشار نهرو إلي أن الهند لم يكن بإمكانها أن تفعل غير ذلك، في إطار الحقيقة الكبري في النصف الثاني من القرن العشرين، والمتمثلة في أن الصين أصبحت قوة عظمي موحدة وقوية. وقد تطلب ذلك، من وجهة نظر نهرو، ضرورة احترام حقائق القوة النسبية في العلاقات الدولية.

هذا الإدراك من جانب نهرو لقوة الصين جعله ينظر إليها باعتبارها منافسة للهند علي زعامة آسيا، حتي ولو لم يصرح بذلك علنا، وفق ما يكشف عنه ميشال بريشير. وفي هذا، يقول نهرو عام 1956: 'ليس هنالك من منافسة كتلك، ولكنه ربما كان ضروريا للشعوب أن تقارن بين وقت وآخر بين التقدم الذي تم في البلدين، لأن كليهما متشابهان، سواء من حيث اتساع المساحة، أو عدد السكان، والتخلف الصناعي، فضلا عن قدم حضارتيهما. وبالتالي، فإن درجة نجاحهما في الميدان الاقتصادي كفيلة بأن تؤثر في البلدان الأخري'. ويذهب بريشير إلي أن نهرو كان يعتقد أن مصير آسيا سوف يكون معلقا علي نتيجة هذه المنافسة بين البلدين.

وعلي ذلك، تبلورت رؤية الهند للصين في تلك الفترة، باعتبارها فقط مجرد منافس استراتيجي لها علي قيادة آسيا، وهي الرؤية التي عززتها التصريحات الصينية ذاتها باتهامها للهند، عقب انعقاد مؤتمر باندونج عام 1955 لعدم الانحياز، بأنها تسعي من عقد ذلك المؤتمر إلي زعامة آسيا. وقد تمثلت استراتيجية الهند في التعامل مع الصين، خلال تلك الفترة، في محاولة احتوائها من خلال الاحتفاظ بعلاقات ودية معها، وهو ما جسدته المبادئ الخمسة للتعايش السلمي التي أعلنت في البيان المشترك الصادر عن كل من نهرو، وشواين لاي رئيس وزراء الصين، خلال زيارته للهند في عام 1954، وهي:

1- الاحترام المتبادل لسيادة كل من الدولتين وسلامة أراضيها.

2- عدم الاعتداء.

3- عدم التدخل في الشئون الداخلية الخاصة بكل منهما.

4- المساواة وتبادل المنفعة.

5- التعايش السلمي.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. عبد الرحمن عبد العال

    د. عبد الرحمن عبد العال

    خبير علوم سياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.