مقالات رأى

العلاقات الروسية - «الإسرائيلية» والأزمة السورية

طباعة
ما جرى مؤخراً من تطور لافت في الأزمة السورية، لجهة قيام «إسرائيل» بتنفيذ ضربات جوية داخل العمق السوري، وما قابله من إطلاق صواريخ مضادة على الطائرات المغيِّرة، وسقوط إحداها داخل الأراضي المحتلة، شكّل انعطافة في العلاقات الروسية «الإسرائيلية»، لما اعتبرته «إسرائيل» سابقة لم تحدث منذ زمن طويل. الأمر الذي أدى إلى استدعاء موسكو للسفير «الإسرائيلي» في موسكو، لطلب توضيحات محددة على ما جرى، قابله ارتفاع منسوب التخاطب الدبلوماسي بين «تل أبيب» وموسكو، على خلفية تداعيات الحادثة.في الواقع، ليست هذه الحادثة سابقة في الاشتباك الدائر في سوريا، فسبق ل«إسرائيل» أن تدخلت عسكرياً عبر قصف مواقع عسكرية لسوريا ولحلفائها المتدخلين في الأزمة السورية، فمثلاً شنَّت «إسرائيل» للمرة الأولى، بعد زيارة رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، بنيامين نتنياهو لروسيا، هجوماً على مواقع للجيش السوري في هضبة الجولان، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، في أعقاب سقوط قذائف شمال الهضبة. وكان قد سَبَقَ هذا الأخير،هجوماً آخر عشية دخول القوات الروسية لسوريا؛ ذلك في نهاية سبتمبر/أيلول للسبب ذاته. كما اغتالت «إسرائيل» سمير القنطار في دمشق في 20 ديسمبر/كانون الأول 2015، رغم الوجود الروسي في سوريا، واستمر الأمر عينه في عام 2016 على قاعدة منع وصول أسلحة إيرانية لحلفاء سوريا في لبنان، وصولاً إلى الاشتباك الأخير، الذي جاء بعد زيارة نتنياهو إلى موسكو بأيام قليلة، ما وضع بعض المراقبين، العلاقات الروسية «الإسرائيلية» البينية في دائرة الضوء.
 
وبصرف النظر عن حجم الاشتباك، وصحة المعلومات التي تم التداول بها، من إصابات مباشرة للطيران «الإسرائيلي»، فإن ما جرى يثير حساسية «إسرائيلية» مفرطة، لجهة نوعية السلاح المستعمل أولاً، وثانياً معرفة منسوب التمسك بالتفاهمات التي توصل إليها الجانبان «الإسرائيلي» والروسي بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا في عام 2015. 
 
ففي واقع الأمر، ومن حيث المبدأ، ثمة تقاطع واضح ومشترك للمصالح بين موسكو وتل أبيب في إدارة الأزمة السورية، وما ينشأ عنها من تداعيات إيجابية للطرفين. فموسكو التي تعتبر حليفة إيران وحلفائها في الأزمة السورية، تعتبر بدورها من أعداء «إسرائيل» الطبيعيين، ورغم ذلك، تمكنت موسكو من نسج تفاهمات أمنية تكتيكية مع «إسرائيل»، تراعي هواجس هذه الأخيرة من عدة نقاط من بينها مثلاً، فصل تداعيات الأزمة السورية الأمنية على الداخل «الإسرائيلي» أولاً، ومنع وصول الأسلحة الإيرانية لحلفاء سوريا وإيران في لبنان ثانياً، إضافة إلى ضمان عدم مد موسكو بالأسلحة المتقدمة لسوريا وإيران وحلفائها إن كان داخل سوريا أو في لبنان، وهو أمر من الناحية التكتيكية قد تم تجاوزه إلى حد كبير، قابله اعتراف «إسرائيلي» بالطموحات الروسية كلاعب فاعل في الأزمة السورية، وهذا ما تفسره عملياً الزيارات المتكررة لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» إلى موسكو ثلاث مرات في عام 2006، بهدف المتابعة الدقيقة لمستوى العلاقات البينية ربطاً ووصلاً في الأزمة السورية. 
لا شك في أن ثمة مصلحة «إسرائيلية» روسية في إيجاد البيئات المناسبة لاستمرار التفاهمات التي تم نسجها، باعتبارها تؤمن الحد المعقول لإدارة فاعلة للطرفين في الأزمة السورية، بخاصة أن موسكو قد سلّفت «إسرائيل» مسبقاً موقفاً متقدماً لجهة نزع الأسلحة الكيميائية في سوريا، الأمر الذي طمأن «إسرائيل» وفتحت الباب قدماً لتفاهمات أخرى، وهي ترك المجال ل«إسرائيل» وفي حدود معينة، التحرك في الأجواء السورية رغم الغطاء الروسي لهذه الأجواء، ورغم ما حصل من تفلت في الاشتباك الأخير، فمن وجهة النظر «الإسرائيلية» أن ما قامت به هو منع وصول أسلحة متطورة إلى الداخل اللبناني، الأمر الذي تعتبره موسكو من ضمن التفاهمات المعقودة مسبقاً، والتي يمكن تجاوزها كغيرها من الحوادث التي جرت سابقاً.
 
في المحصلة، أن ما جرى لا يعتبر من الناحية العملية والفعلية، حالة غير مألوفة في سياق إدارة الأزمة السورية المعتاد، وإن شكلت بعض تداعياتها التفصيلية شكلاً غير معتاد في سياق التعامل العسكري والأمني بين حلفاء إيران وسوريا مع «إسرائيل»، وفي ظل رغبة مشتركة من قبل الأطراف المنخرطة كافة في الأزمة الحالية، بعدم تغيير قواعد اللعبة بصرف النظر عن قدرتها على ذلك لأسباب متعددة ومختلفة، ثمة سياقات تشي بعدم انحراف العلاقات الروسية «الإسرائيلية» عن مساراتها السائدة حالياً، وإن اعترتها بعض خصوصيات المواقف المتبادلة من حين إلى آخر.
 
---------------------------------------
* نقلا عن دار الخليج، 26-3-2017.
طباعة

تعريف الكاتب

د. خليل حسين