تحولات الخطاب الإسلامي في إفريقيا‮.. ‬من الصوفية الإصلاحية إلي بوكو حرام‮ ‬
3-5-2016


*
د‮. ‬حمدي عبدالرحمن - ‮(‬القاهرة‮: ‬مركز الأهرام للنشر، 2015)
 
تنبع أهمية هذا الكتاب من ندرة الدراسات العربية التي تهتم بالظاهرة الإسلامية في إفريقيا بكل ما واجهته من تحديات، ورؤى تجديدية تدفع به ليكون مشروعا للنهضة والتقدم‮. ‬فيقدم المؤلف،‮ ‬خلال فصول كتابه التسعة،‮ ‬حصرا للإشكاليات والقضايا المرتبطة بخطاب التجديد والإصلاح الإسلامي في الواقع الإفريقي، وذلك من خلال محاور عدة، منها دراسة الظاهرة الإسلامية،‮ ‬استنادا إلي دراسة النماذج السودانية،‮ ‬والسنغالية،‮ ‬والنيجيرية، وما هي أسباب ودوافع ظهور الخطاب التجديدي في بعض المجتمعات الإفريقية، وكيف تعامل هذا الخطاب مع تحديات مشروع الحداثة الغربي، خاصة ما يتعلق بواقع التخلف والتبعية التي لا تزال تعانيها قطاعات إفريقية عديدة، فضلا عن توضيح الأنماط والتنويعات المعرفية والفكرية للخطاب الإصلاحي الإسلامي في إفريقيا‮.‬
 
الإسلام في إفريقيا‮:‬
 
يعد الإسلام أحد المكونات الرئيسية للموروث الحضاري الإفريقي‮.‬ ويعني الإسلام الإفريقي المعتقدات والممارسات التي طورها الأفارقة طوال سنوات، وغالبا تحت تأثير الطرق الصوفية، ولكنه يبتعد كل البعد عن أيديولوجية الإصلاح الديني التي يدافع عنها الإسلاميون لتطبيق الشريعة الإسلامية‮.‬فقد اتفق الإسلام مع أسلوب الحياة التقليدية، فضلا عن تأكيده قيم العدل والمساواة،‮ ‬والتي تتفق مع متطلبات الواقع الإفريقي، وهو ما أسهم بشكل أو آخر في سرعة انتشار الإسلام في القارة‮.‬
 
أشار الكتاب إلي أن الإسلام في إفريقيا انتشر بقوته الذاتية، إضافة إلي أنه أكثر الأديان ارتباطا بالواقع والإدراك الإفريقي‮. ‬وما ساعد على انتشار الإسلام في القارة الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا، والدور النشط للتجار والعلماء المسلمين‮. 
 
‬وساعدت تحركات القبائل وهجراتها في نشر وترويج الإسلام، علي الرغم من أن القارة بها مئات الديانات التقليدية المحلية، ولكنها تبدو محدودة الأثر والتأثير،‮ ‬فهي لا تتعدي نطاق الجماعة العرقية المؤمنة بها، وتخلو من أي رؤي تجديدية،‮ ‬ولا تتضمن ما يجعلها قادرة على التطبع بالواقع الإفريقي‮.‬
 
يؤكد الكتاب ارتباط الحركات الإسلامية في إفريقيا بقضايا التغير الاجتماعي،‮ ‬والإصلاحات التعليمية، ولكنها تلامست مع الخطابات الإسلامية،‮ ‬ذات الصبغة السياسية التي كانت تناهض الغرب والعولمة، وتأثرت بتراث الإصلاح الديني في العالمين العربي والإسلامي،‮ ‬مثل‮: ‬أفكار الجماعة الإسلامية بآسيا، والإخوان المسلمين، والسلفية الوهابية،‮ ‬وغيرها التي مثلت مصادر فكرية ملهمة للحركات الإسلامية في إفريقيا،‮ ‬والتي لا تعبر في جوهرها عن تجانس فكري،‮ ‬رغم أنها تنبع من روافد فكرية مشتركة، ولكنها انطلقت في مسارات مختلفة كالإحياء والتجديد مثل النموذج السوداني، أو الدعوة والتبشير كجنوب إفريقيا، أو الإحياء والدعوة في النموذج النيجيري‮.‬
 
الخطاب الإسلامي بين التجديد والإصلاح‮:‬
 

يحلل الكتاب الخطاب الإسلامي بدلالاته وأبعاده الأيديولوجية لكونه هو المدخل الأساسي لفهم الخطاب الإصلاحي الذي طرحته الحركات الإسلامية في القارة‮. ‬وكان هناك العديد من المتغيرات التي أسهمت في التحول من الخطاب‮ "‬التقليدي‮" ‬إلى الخطاب‮ "‬الإصلاحي‮"‬،‮ ‬أو‮ "‬التجديدي‮" ‬في إفريقيا‮.‬ وتتمثل تلك المتغيرات في‮:‬
 
أولا‮- ‬تأثر الحركات والتنظيمات الإسلامية بعاملين، هما‮: ‬ظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام‮ ‬1928،‮ ‬حيث كانت مصدر إلهام لكثير من الأفراد والجماعات ممن رفعوا لواء الإصلاح الديني، وظهور الجماعة الإسلامية في الهند عام‮ ‬1941،‮ ‬وهو ما ظهر تأثيره على حركات الإصلاح في شرق إفريقيا وجنوبها‮.‬
 
ثانيا‮- ‬بعد انتهاء الاستعمار، انتشرت العديد من المشروعات الفكرية التي تسعي لتحقيق النهضة،‮ ‬استنادا للقومية،‮ ‬أو الاشتراكية،‮ ‬أو الليبرالية، ولكن لم تؤت ثمارها، وهو ما دفع إلى تغذية التوجهات الإصلاحية للخطاب الإسلامي‮.‬ وطرحت الرؤية الإصلاحية الإسلامية،‮ ‬التي ظهرت مع السبعينيات،‮ ‬قضايا أهم ترتبط أكثر بالتجديد، مثلما شهدته نيجيريا في تلك الفترة‮.‬
 
ثالثا‮- ‬الثورة الإيرانية عام‮ ‬1979،‮ ‬والتي كانت مصدر إلهام للعديد من الحركات والتنظيمات الإسلامية،‮ ‬والتي تبنت خطابا راديكاليا يدعو لإقامة الدولة الإسلامية، وهو ما يثبت عدم صحة اعتماد الحركات الإسلامية في إفريقيا على السنية والسلفية فقط، فلا يمكن إغفال المحاولات الإيرانية لتصدير مشروعها الفكري للقارة الإفريقية‮.‬
 
رابعا‮- ‬غياب الديمقراطية وانتشار الفساد، وانهيار نموذج النهضة الإفريقي الذي ارتكز على الأسس العلمانية‮.‬
 
خامسا‮- ‬الموقف من الآخر الغربي الذي طرح العديد من البدائل والتصورات في الخطاب الإسلامي وتجديده‮.‬ فما بين العداء والتعاون، والصداقة أو فك الروابط، والصدام أو الحوار،‮ ‬ظهرت العديد من الاجتهادات الفكرية للخطاب الإسلامي التجديدي للتعامل مع قضايا الحداثة،‮ ‬والديمقراطية، ومفاهيم الهوية والانتماء‮.‬
 
بين الصوفي والسلفي والجهادي‮:‬
 
طرح الكتاب نماذج مختلفة للخطاب الإسلامي في القارة، والذي بدأ بخطاب الحركة الإسلامية في السودان،‮ ‬الذي اتسم في جوهره بغلبة الطابع السياسي على الديني والتربوي‮. ‬وقد يرجع هذا إلى تشابكه في البداية مع التيار الشيوعي السوداني‮. ‬وبالتزامن مع الخطاب الحركي للسودان،‮ ‬ظهر الخطاب الصوفي في السنغال،‮ ‬نتيجة لتغلغل الطرق الصوفية‮.‬ واتضحت الصوفية وتقاليدها بشكل بارز في تجديد الخطاب الإسلامي بين المهادن في السنغال، والجهادي في نيجيريا‮.‬
 
قدم الخطاب السلفي الحركي قراءة مغايرة للدين،‮ ‬وكاشفة للجوانب العملية لقواعده ونصوصه ليبتعد بذلك عن الطرق الصوفية،‮ ‬مثل القادرية والتيجانية‮. ‬ويفسر الكتاب الخطاب الإصلاحي السلفي في إفريقيا،‮ ‬خاصة في نيجيريا،‮ ‬من خلال ثلاثة تنظيمات، هي‮: ‬جمعية الطلاب المسلمين، وجمعية الدعوة، وجماعة إزالة البدعة وإقامة السنة‮. ‬ويؤكد أن مصطلح السلفية ازداد‮ ‬غموضا بعدما تحول الخطاب السلفي إلى ظاهرة تؤثر بشكل فعال في المشهد السياسي والديني في العالمين العربي والإسلامي، خاصة إفريقيا‮. ‬ويميز الكتاب بين ثلاثة تيارات رئيسية داخل التيار السلفي، هي السلفية الأصولية، والسلفية المسيسة، والسلفية الجهادية‮.‬
 
أشار المؤلف إلى خطاب الحركة المهدية في السودان، وهي واحدة من أهم الحركات الثورية التقدمية في الواقع الإفريقي،‮ ‬والتي تشكلت من مضامين سياسية ودينية تقدمية، وتم إحياؤها تحت مظلة حزب سياسي‮ - ‬ديني هو حزب الأمة، وعملت على تجديد الفكر الإسلامي،‮ ‬من خلال إدراكها أن الاسلام يمتلك آليات وأدوات متنوعة للاستجابة للتغير الاجتماعي، وهو ما اتضح في عملية التشكيل والتطور التي شهدتها الدولة الحديثة في السودان‮.‬
 
وقد شهدت القارة ثلاثة نماذج رئيسية للخطاب الديني الجهادي النابع من النمط الثوري في محاولته لإحداث تغيرات جذرية في بنية الدولة والمجتمع،‮ ‬بما يعني إقامة المجتمع الإسلامي،‮ ‬والوصول إلى النظام الإسلامي‮. ‬وتتمثل تلك النماذج في جماعة إخوان نيجيريا بزعامة إبراهيم الزكزاكي، وجماعة بوكو حرام النيجيرية، وجماعة الشباب المجاهدين في الصومال‮.‬
 
وتناول الكتاب العديد من التفسيرات لتصاعد الخطاب الراديكالي الإسلامي في العديد من البلدان الإفريقية،‮ ‬منها‮: ‬الفقر،‮ ‬والفساد، والشعور بالاغتراب السياسي،‮ ‬والتي مثلت جميعها صعودا لانتشار الخطاب الإسلامي المتطرف، فضلا عن عدم المساواة الاجتماعية، والعزلة لبعض الجماعات على أسس دينية،‮ ‬أو عرقية،‮ ‬مما سهل عمليات التجنيد والتعبئة‮.‬
 
طرح الكتاب سؤال الهوية الإفريقية في الخطاب الإسلامي‮.‬ وأشار إلى أنه في الشرق الإفريقي،‮ ‬اتضح خطاب الهوية الإسلامية في تراث التقاليد الصوفية‮.‬ أما في جنوب إفريقيا،‮ ‬فقد اتخذ طابعا دعويا وتبشيريا في مواجهة الآخر‮ ‬غير المسلم‮. ‬وتناول الكتاب المطالبات التي نادت بأفرقة الهوية الإسلامية لمسلمي جنوب إفريقيا، وهو ما يعني أمرين أوضحهما الكتاب في‮: ‬إدراك المسلم التام للتاريخ الإفريقي والثقافة الإفريقية التقليدية، والمشاركة الإسلامية في مظاهر وممارسات الثقافة الإفريقية التقليدية بما لا يتعارض مع أي من المبادئ الإسلامية‮. ‬وكان المقصد من أفرقة الهوية الإسلامية هو محاربة الخرافات السائدة حول بدائية الثقافة والحضارة الإفريقية‮.‬

رابط دائم: