ليبيا: حكومة الوفاق تباشر أعمالها
17-3-2016

د. أحمد إبراهيم الفقيه
* كاتب ليبي.
المجلس الرئاسي حريّ بأن يباشر العمل، ويتسنم ركاب السلطة لأنه يملك الصلاحية والتفويض والمصادقة والاعتماد، التي تجعله مجلسا شرعيا وقانونيا، وصاحب الحق دون سواه في إدارة البلاد.
 
استجابة لنداءات صادرة من أطراف محلية وإقليمية ودولية تطالب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بأن يمارس مهماته في إدارة الدولة الليبية، أصدر المجلس بيانا بعد اجتماع عقده في العاصمة التونسية، قال فيه إنه بناء على الدعم غير المحدود الذي يلقاه من أعضاء مجلس النواب، ومن المجلس الأعلى للدولة، رهن التأسيس، ومن أعضاء الحوار السياسي والنخب السياسية، فإنه يجد نفسه مطالبا بمباشرة مسؤولياته، ويعتبر هذا الدعم بمثابة الخط الأخضر لبدء عمل حكومة الوفاق الوطني واضطلاعها بالمهام التي شكلت من أجلها، وعلى رأسها مواجهة تفاقم الوضع الإنساني المعيشي والأمني والمالي في البلاد. وفي هذا السياق فإن المجلس يدعو كافة المؤسسات السيادية في الدولة والمؤسسات العامة وعلى رأسها المؤسسات المالية الرسمية، إلى البدء في التواصل مع حكومة الوفاق الوطني، من أجل وضع الترتيبات اللازمة لتسليم السلطة بشكل سلمي ومنظم، كما يدعو، في نفس البيان، المنظمات الدولية والإقليمية، مثل هيئة الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، إلى إيقاف تعاملها مع أي سلطة تنفيذية لا تتبع حكومة الوفاق الوطني.
 
وحال صدور هذا البيان استنفرت القوى المحلية المناوئة لهذه الحكومة، إمكانياتها وأبواقها، من أجل إطلاق التصريحات معلنة عن رفضها لهذا البيان والتنديد به، واعتباره بيانا باطلا، لأن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، مازال لم يستكمل إجراءت الشرعنة، ولم ينته من طقوس المصادقة عليه، وإنه بهذا البيان إنما يستبق الأحداث، ويستعجل استلام سلطة ليست من حقه بعد، ويربك المشهد السياسي.
 
وهذه الأقوال التي يبثونها على ألسنة ممثليهم، أقوال عاطلة باطلة بالتأكيد، تتبناها وتروج لها نفس العناصر التي صنعت في مجلس النواب، في طبرق، منذ أيام قليلة مضت، مشهدا مؤسفا ومخجلا، أثناء جلسة المصادقة على الحكومة، لا ينتمي إلى لغة السياسة والديمقراطية، وإنما إلى لغة البلطجة والعصابات المارقة، عندما لجأت إلى التهديد والعنف لمنع الجلسة، رغم وجود أغلبية ساحقة في مجلس النواب، أبدت استعدادها للمصادقة على التشكيلة الوزارية التي قدمها المجلس الرئاسي.
 
وهؤلاء المعارضون يمثلون نسبة ضئيلة في المجتمع وفي مجلس النواب، رغم هذا الضجيج الذي يفتعلونه دون قاعدة ولا منطق، فهم يدركون أن المجلس الرئاسي من حقه إصدار البيان الذي أصدره لأنه مجلس يملك الشرعية، وتمت المصادقة عليه من قبل مجلس النواب، بعد اعتماده من أعضاء مجالس الحوار في الصخيرات، وكان مجلس النواب قد صادق على وثائق الاتفاق الذي تم توقيعه في الصخيرات، والبند الأول من هذا الاتفاق هو المجلس الرئاسي، بعدد أعضائه التسعة من نواب للرئيس ووزراء دولة، وبهذه الصفة بدأ مباشرة صلاحياته منذ اللحظة الأولى لاعتماد الاتفاق، ومازال يمارس هذه الصلاحيات، وما البيان الذي أصدره إلا جزء من هذه الصلاحيات المخولة له.
 
ما لم يتم اعتماده رسميا هو التشكيلة الحكومية التي قدمها للمجلس، والتي جاءت بعد أن أبدى المجلس تحفظاته على التشكيلة الأولى التي تضمنت اثنتين وثلاثين حقيبة ورأى ضرورة تقليصها وإعادة تشكيلها، وهو ما فعله المجلس، وقد تفضل مئة وواحد من أعضاء مجلس النواب بالمصادقة على هذه التشكيلة، في اجتماع تم عقده خارج مقر مجلس النواب، بعد أن تم منعهم باستعمال القوة من الدخول، فاضطروا إلى إعلان موقفهم من مكان غير المجلس، ولهذا فإنه يمكن اعتبارها، عمليا، قد نالت المصادقة، ولكن هناك إجراء شكليا لا بد من استكماله، هو أن تتم هذه المصادقة من داخل البرلمان.
 
وباستثناء هذه النقطة الإجرائية الشكلية، فإن المجلس الرئاسي حريّ بأن يباشر العمل، ويتسنم ركاب السلطة لأنه يملك الصلاحية والتفويض والمصادقة والاعتماد، التي تجعله مجلسا شرعيا وقانونيا، وصاحب الحق دون سواه في إدارة البلاد، إلا أنه، بالضرورة، يحتاج إلى القيام بخطوة أساسية وعملية، لا يكتمل وضعه الإداري إلا بها، هي اتخاذ ما يجب اتخاذه من ترتيبات وضمانات، لدخول عاصمة البلاد، طرابلس، والتمركز فيها، ومباشرة عمله من مقر يتخذه فوق أرضها.
 
هناك كلام يسوقه أهل المعارضة في ليبيا، لا يدل في ما أرى، إلا على غياب المنطق والعقل، وضعف الهاجس الوطني، عندما يقولون إنهم لا يسمحون باتخاذ الوضع الإنساني المتردي، ذريعة للإسراع في تشكيل الحكومة، ولا انهيار الوضع الأمني، ولا التمدد والتوسع الداعشي، ولا أدري حقيقة ما معنى هذا الكلام، ولماذا يسمون هذه الأوضاع الكارثية، ذريعة لحكومة ارتضتها الأغلبية الساحقة من أهل البلاد، بديلا للفوضى وبديلا للميليشيات وبديلا لأهل السلاح والبلطجة وبديلا للتمزق والتشتت، وهل معنى ذلك أنه لا بد أن يسقط القتلى في شوارع الحواضر الليبية بسبب الجوع، ولا بد أن يصبح السطو والقتل والخطف، سلوكا يوميا أكثر مما هو موجود الآن؟ وهل لا بد أن يستولي داعش على كامل التراب الليبي بعد أن تمدد فوق كامل المنطقة الوسطى من البلاد؟ هل هذا ما يرضيهم ويرضي حسهم الوطني وحرصهم على مصلحة البلاد وأهلها؟ وصدق الله العظيم إذ يقول وهو أصدق القائلين “إنها لا تَعْمَى الأبصار ولكن تَعْمَى القلوب التي في الصدور”.
 
-------------------------------
نقلا عن العرب اللندنية، 17-3-2016.

رابط دائم: