مأزق «دي ميستورا» وقلة حيلته!
11-2-2016

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

ياله من مأزق كبير يواجه المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في مهمة لا يقدر عليها، ولا يرغب في التخلي عنها. وتبدو محاولته المتعثرة لجمع وفدين يمثلان نظام الأسد وقوى المعارضة الأساسية هي التجسيد الأكثر وضوحاً حتى الآن لمأزقه في ظل عجز المنظمة الدولية عن تنفيذ القرارات التي يصدرها مجلس الأمن. يبدو المبعوث الأممي كمن يحاول دون جدوى السير على حبل مشدود في غياب أي دور للمنظمة التي سمَّته مبعوثاً لها، وأمينها العام الذي سيدخل التاريخ من باب واحد هو عدد المرات التي أبدى فيها قلقه إزاء اعتداءات أو هجمات أو مذابح ثم لاذ بالصمت.

ويثير موقف دي ميستورا مزيجاً من الأسى والإشفاق، فالضغط الروسي المكثف عليه يعرقل سيره على الحبل المشدود، فيتعثر ويلجأ إلى كل ما تسعفه به تجربته الدبلوماسية من أساليب المناورة.

وانعكس ذلك حتى في التعبيرات التي يستخدمها، والألفاظ التي يضطر للتلاعب بها. فهو يتحدث تارة عن مفاوضات، وتارة أخرى عن مشاورات، ويستخدم أحياناً كلمة محادثات، رغم ما بين هذه المصطلحات من اختلاف. كما أن ما سعى لإجرائه في جنيف ليس واضحاً. فهل يُعد امتداداً لجولتي جنيف السابقتين، فنكون إزاء «جنيف 3»، أم أنه يؤسس لمسار جديد مختلف يقترن ببياني فيينا، ولا تربطه ببيان «جنيف 1» غير صلة شكلية.

وليس هذا مجرد ارتباك أو تخبط، بل تعبير دقيق عن أزمة المنظمة الدولية بعد أن بلغت مبلغاً ربما يفوق معظم الأزمات التي تضرب العالم. والحال أنه كلما تفاقمت إحدى هذه الأزمات، كما في الأزمة السورية الآن، ازداد انكشاف الأمم المتحدة وتجلى عجزها.

لذلك ليست مصادفة أن يكون الفشل قاسماً مشتركاً بين مبعوثيها لحل الأزمات التي يتوقف عليها مصير ثلاثة من بلاد المنطقة. ولم يعد غريباً، والحال هكذا، أن تفقد قرارات مجلس الأمن بشأن هذه الأزمات، وكثير غيرها، قيمتها حتى ما صدر عنها تحت الفصل السابع، مثل القرار الخاص بالأزمة اليمنية 2216. فمازال الانقلابيون يتلاعبون بهذا القرار في غياب أي استعداد من جانب مجلس الأمن لاحترامه رغم أن ميثاق الأمم المتحدة يُجيز استخدام القوة لتنفيذه.

ويحدث مثل ذلك بشأن القرار 2254 الصادر في 18 ديسمبر الماضي، لكن ليس تحت الفصل السابع، وكان المفترض أن يذهب الذاهبون إلى جنيف على أساسه، أي بعد تنفيذ ما ألزم أطراف الصراع في سوريا به، فقد نص هذا القرار على رفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وفتح الممرات الإنسانية لإيصال المساعدات إليها وتيسير عمليات الإغاثة فيها، فضلاً عن إطلاق سراح المعتقلين، ووقف الهجمات ضد المدنيين، والعودة الآمنة للنازحين إلى المناطق التي هُجروا منها. وهذا كله موجود في بيان «جنيف»، الذي طالب مجلس الأمن مرات عدة بتنفيذه، قبل أن يجعله هامشاً على متن القرار 2245.

ومع ذلك، فقد رأى دي ميستورا أن تنفيذ ما قرره مجلس الأمن يدخل في إطار «الشروط المسبقة» التي عبّر عن امتعاضه منها، ولم يلتفت إلى إعلان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، في آخر يناير الماضي، أن الحصار والتجويع في سوريا الآن قد يرقيان إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية. وظل متمسكاً بموقفه ضد ما أسماه «شروطاً مسبقة». ولا يعود هذا الموقف إلى «فلسفة» معينة في تفسير القرار 2254، بل إلى عجز الأمم المتحدة عن تنفيذ قراراتها. فيعرف دي ميستورا بخبرته أن أي مفاوضات، أو حتى مشاورات جادة، تتطلب تمهيداً، والتمهيد البديهي في حالة سوريا هو وقف إطلاق النار وإنقاذ المحاصرين في 18 منطقة منكوبة، وإذا كان دي ميستورا بدأ حقاً في إدراك ذلك، كما يبدو في حديثه المتأخر عن ضرورة وقف إطلاق النار بعيد إعلانه تعليق «محادثات» جنيف ثلاثة أسابيع، فهذا يعني وضع المنظمة الدولية في اختبار صعب جدا. لكنه اختبار له هو أيضاً، ولكيفية تصرفه في ظل عجز سكرتارية الأمم المتحدة التي عيَّنته مبعوثاً لها، وتركته من دون أي عون، فلجأ للمناورة بطرق لا نعرف علاقة كثير منها بالقواعد المعروفة للوساطة في العلاقات الدولية.

---------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 11-2-2016.


رابط دائم: