بوكو حرام.. السلفية الجهادية في إفريقيا
19-1-2016

عرض: أميرة البربري
* باحثة ماجستير بكلية الإعلام، جامعة القاهرة
د‮. ‬نبيل شكري‮ (‬مؤلف‮) ‬ود‮. ‬إبراهيم نصر الدين‮ (‬تقديم‮)‬
 
(‬القاهرة‮: ‬المكتب العربي للمعارف، 2015)
 
أطلق مصطلح‮ "‬السلفية الجهادية‮" ‬منذ نهاية ثمانينيات القرن المنصرم على جماعات الإسلام السياسي التي تتبني الجهاد منهجا للتغيير‮.‬ وقد أدت هشاشة النظم الحاكمة إلي بروز هذه الجماعات بشكل أصبحت معه قادرة على مواجهة مؤسسات الدولة الوطنية‮. ‬وفي محاولة لدراسة تنامي ظاهرة السلفية الجهادية في القارة الإفريقية،‮ ‬يبحث الكاتب دور حركة‮ "‬بوكو حرام‮" ‬الناشئة من عباءة السلفية الجهادية في الأزمة النيجيرية‮.‬ وتكمن استثنائية الحالة النيجيرية في كونها أول حالة إفريقية تواجه جماعة بحجم وإمكانيات‮ "‬بوكو حرام‮" ‬التي أصبحت تشكل تهديدا وجوديا لنيجيريا،‮ ‬والدول المجاورة لها، وتنذر بتغيير الخريطة السياسية لمنطقة‮ ‬غرب إفريقيا‮.‬
 
نشأة‮ "‬بوكو حرام‮" ‬وسمات خطابها‮:‬
 
هناك الكثير من اللغط حول الوقت الذي تكونت فيه‮ "‬بوكو حرام‮"‬، هكذا بدأ المؤلف رصده لظروف نشأة الحركة، وبرر ذلك اللغط بتغير اسم الحركة في كل مرحلة من مراحل نشأتها وتطورها،‮ ‬منذ أن ظهرت في عام‮ ‬1995‮ ‬تحت مسمي‮ "‬أهل السنة وجماعة الهجرة‮" ‬بقيادة‮ "‬أبي بكر لوان‮" ‬حتي وصلت إلي اسمها الحالي عام‮ ‬2005‮ ‬بقيادة محمد يوسف،‮ ‬الذي كان متأثرا بمبدأ الحاكمية‮.‬
 
وقد كان لخطاب الحركة دور كبير في تأطير فكرها وأهدافها، حيث تعد التصريحات الصادرة عن الحركة،‮ ‬عبر زعمائها،‮ ‬من أهم مكونات خطاب الحركة‮. ‬وقد طرأ على هذا الخطاب العديد من التغيرات،‮ ‬خاصة بعد مقتل زعيمها السابق محمد يوسف، حيث تحول من‮ "‬الدعوية‮" ‬إلي خطاب أكثر راديكالية يشتمل على التحريض على العنف‮. ‬وبعد إعلان الحركة قيام الخلافة الإسلامية في‮ ‬2014،‮ ‬أصبح معظم خطاباتها يصب في اتجاه عدم وجود ما يسمي بالدولة النيجيرية بحسبانها صنيعة الغرب‮. ‬واتسمت بيانات الحركة بالكثافة بشكل طردي مع وتيرة الوضع المتفاقم في الدولة، وهو ما يعكس حرص الحركة على التعليق على الأحداث،‮ ‬وكأن لها سياسة إعلامية واضحة تسعي من خلالها لصياغة الصراع،‮ ‬طبقا لرؤيتها وأهدافها‮.‬
 
التفاوض بين الحكومة النيجيرية والحركة‮:‬
 
يشير المؤلف في كتابه إلي أن ديناميكية التفاوض التي فرضتها‮ "‬بوكو حرام‮" ‬تسببت في فرض سقف تصاعدي للمطالب، علاوة على أن تدخل الأطراف الخارجية لتسوية الصراع قد أسهم في تقوية موقف الحركة بشكل كبير‮. ‬ويضيف الكاتب أن كل المساعي المحلية والدولية لبدء حوار بين الجانبين فشلت، ولاسيما مع انسحاب‮ "‬بوكو حرام‮" ‬من المفاوضات عدة مرات لعدم تلبية شروطها بما يدل على تفضيل الحركة استعمال القوة في مواجهة الدولة عوضا عن الحوار‮. ‬كما اتسمت استراتيجية الدولة في الحوار العشوائية نفسها التي اتصفت بها استراتيجيتها الأمنية تجاه الوضع المتأزم في البلاد‮.‬
 
واعتمد سلوك‮ "‬بوكو حرام‮" ‬التفاوضي على مواصلة الحركة للعمليات الإرهابية بالتوازي مع سير المفاوضات بهدف تسويف الحوار،‮ ‬ومد أجل الصراع لأطول فترة ممكنة لتمكينها من السيطرة على مناطق جديدة بما يعزز موقفها في أية مفاوضات مستقبلية للتسوية‮. ‬ويشير المؤلف إلي أن التصنيف المتأخر للحركة كمنظمة إرهابية أدي إلي تغير استراتيجيتها لتمكنها من الحصول على الدعم المادي والتسليح الكافيين لاستكمال المواجهات مع الدولة،‮ ‬فأصبح الصراع النيجيري أقرب إلي المعادلة الصفرية، وهو ما يصعّب وجود تسوية قريبة للصراع‮.‬
 
نشاطات‮ "‬بوكو حرام‮" ‬وانتشارها الإقليمي‮:‬
 
عن الانتشار الإقليمي لـ‮ "‬بوكو حرام‮"‬،‮ ‬أشار المؤلف إلي أن لها أنشطة مباشرة في دول جوار، وأخرى‮ ‬غير مباشرة في دول بالقارة الإفريقية‮. ‬وقد شملت دول الأنشطة المباشرة للحركة كلا من الصومال،‮ ‬والكاميرون،‮ ‬والنيجر،‮ ‬وتشاد،‮ ‬وليبيا،‮ ‬ومالي‮. ‬وقد تركز نشاط الحركة في هذه الدول على التدريب للقيام بأعمال إرهابية، بينما شملت الدول التي تشهد أنشطة‮ ‬غير مباشرة للحركة كلا من الجزائر، والسنغال، والسودان، وإفريقيا الوسطي، وموريتانيا‮. ‬واستهدفت تحركات الحركة في هذه الدول ضمان الدعم اللوجيستي والمادي عبر توفير الأموال والأسلحة، وعمليات تجنيد تستهدف خلق قواعد جماهيرية بين الشباب لنشر الفكر التكفيري في البلدان الإفريقية‮.‬
 
وانقسم نشاط الحركة الإقليمي إلي نوعين،‮ ‬أولهما‮: ‬علاقات تعاونية من خلال تفعيل الحركة روابط تعاون مع شبيهاتها من الحركات التي تتبني الأيديولوجية نفسها الساعية لأسلمة إفريقيا،‮ ‬والحرب ضد ما سمَّوه‮ "‬الصليبيين‮". ‬وأبرز هذه الحركات حركة‮ "‬الشباب الصومالية‮"‬،‮ ‬و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي‮" ‬لتشكل بذلك ما اتفق على تسميته بمثلث التطرف الإفريقي‮. ‬فقد تلقت‮ "‬بوكو حرام‮" ‬دعما مباشرا من هذه الحركات في صورة أموال وأسلحة وتدريب،‮ ‬مما رفع المستوى القتالي للحركة بشكل كبير، كما تلقت تسهيلات للحصول على تبرعات‮ ‬غير مباشرة،‮ ‬من خلال شبكات المنظمات الخيرية الموجودة في بعض الدول‮.‬
 
ثانيهما‮: ‬علاقات عدائية،‮ ‬حيث رصد المؤلف وجود أنشطة معادية للحركة ضد حكومات دول مجاورة،‮ ‬على رأسها الكاميرون،‮ ‬حيث تشهد الحدود المشتركة بينها وبين نيجيريا أعلى مستويات للصراع‮. ‬كما ثارت الشكوك حول تورط الحركة في الهجوم على القنصلية الجزائرية في مالي، والذي جعل من الجزائر أول حالة من شمال إفريقيا تدخل مواجهة مع الحركة‮. ‬كما تشير التقارير الأمنية إلي وجود معسكرات تدريب تابعة للحركة داخل الأراضي السودانية، علاوة على رصد تحركات لعناصرها في عدة مدن ليبية‮.‬
 
القوي الدولية والصراع النيجيري‮:‬
 
يتناول الكاتب دور القوي الدولية والإقليمية لحل الصراع بين الدولة النيجيرية وحركة‮ "‬بوكو حرام‮"‬، ومنع امتداده للدول المجاورة‮.‬ وقد كان لهذا الدور تداعياته على مجريات الصراع بنسب متفاوتة‮. ‬وانقسمت القوي الخارجية التي تلعب دورا في الصراع النيجيري إلي قسمين‮:‬
 
أولهما‮: ‬القوي الإقليمية الساعية لأن يكون لها تأثير كبير داخل القارة الإفريقية،‮ ‬عبر محاولات لفرض هيمنة وتبعية عقائدية، أو لاستثمار الصراع بغية احتلال مكانة داخل القارة‮. ‬وغالبا ما تأتي أدوار هذه القوي في‮ ‬غير مصلحة الأزمة، خاصة أنها متورطة بشكل مباشر وغير مباشر في الأحداث‮. ‬ويري الكاتب أن مصر هي القوة الإفريقية الوحيدة التي يمكنها أن تلعب دورا إيجابيا،‮ ‬وتكون جزءا من المعادلة النيجيرية الصعبة في الوقت الحالي، لا سيما مع وجود دور تاريخي لمصر في توحيد الأراضي النيجيرية أثناء الحرب الأهلية‮.‬
 
ثانيهما‮: ‬القوي الدولية، حيث تعد كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي،‮ ‬وروسيا، والصين من أبرز اللاعبين الدوليين في الصراع النيجيري،‮ ‬مع اختلاف الأدوار فيما بينها،‮ ‬وفقا لاختلاف مصالح هذه الدول في المنطقة،‮ ‬وحالة الصراع الجيوسياسي بين بعضها بعضا‮.‬
 
تأثير انتشار الحركة في مصر‮:‬
 
يري المؤلف أن احتمالية تزايد الخطر الإقليمي لحركة‮ "‬بوكو حرام‮" ‬أكبر من احتمالية احتوائها،‮ ‬وتحييد خطرها، وهو ما يعني أن هناك بعض السيناريوهات التي يمكن أن تشكل من خلالها‮ "‬بوكو حرام‮" ‬خطرا مباشرا على الدولة المصرية‮. ‬وبدأت ملامح الخطورة من خلال الوجود المباشر لعناصر الحركة في ليبيا،‮ ‬بما يعد مؤشرا على تطلعها للنشاط بشمال إفريقيا،‮ ‬خاصة في ليبيا،‮ ‬إحدي دول الجوار لمصر‮.‬
 
وفي كتابه،‮ ‬يشير المؤلف إلي أن زعزعة استقرار الجزء الغربي من إفريقيا ستساعد بقية الجماعات المتشددة المنتشرة في إفريقيا في أن تشكل تهديدا على الدول الإفريقية جميعا،‮ ‬ومنها دول حوض نهر النيل، وهو ما يعد تهديدا مباشرا للمصالح المصرية في إفريقيا‮.‬
 
ويوصي الكاتب بضرورة أن يكون هناك دور مصري في‮ ‬غرب إفريقيا،‮ ‬على أن يكون داعما لوحدة نيجيريا، فالاستقرار في‮ ‬غرب إفريقيا قد يكون مهما للحفاظ على استقرار دول حوض النيل‮.‬ ومن هنا،‮ ‬باتت استعادة مصر لمكانتها الريادية في إفريقيا هدفا استراتيجيا للدولة في المرحلة المقبلة‮.‬

رابط دائم: